رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
عَناصر الفَرح نعود في هذا الصَّباح إلى دراستنا لرسالة فيلبِّي. لذا فإنِّي أدعوكم إلى أن تأخذوا كِتابكم المقدَّس، مِن فَضلكم، وأن تَفتحوه على رسالة فيلبِّي والأصحاح الأوَّل. ونحن نَدرس الآيات مِن 3 إلى 8. وقد ابتدأنا في الأسبوع الماضي وسنُنهي في الأسبوع القادم. لذا، سوف يكون هذا هو الجزء الثَّاني مِمَّا سيصر دراسةً مِن ثلاثة أجزاء. واسمحوا لي أن أقرأَ نَصَّنا على مَسامِعكم. رسالة فيلبِّي والأصحاح الأوَّل، ابتداءً مِن العدد الثَّالث: "أَشْكُرُ إِلهِي عِنْدَ كُلِّ ذِكْرِي إِيَّاكُمْ دَائِمًا فِي كُلِّ أَدْعِيَتِي، مُقَدِّمًا الطَّلْبَةَ لأَجْلِ جَمِيعِكُمْ بِفَرَحٍ، لِسَبَبِ مُشَارَكَتِكُمْ فِي الإِنْجِيلِ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ إِلَى الآنَ. وَاثِقًا بِهذَا عَيْنِهِ أَنَّ الَّذِي ابْتَدَأَ فِيكُمْ عَمَلاً صَالِحًا يُكَمِّلُ إِلَى يَوْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. كَمَا يَحِقُّ لِي أَنْ أَفْتَكِرَ هذَا مِنْ جِهَةِ جَمِيعِكُمْ، لأَنِّي حَافِظُكُمْ فِي قَلْبِي، فِي وُثُقِي، وَفِي الْمُحَامَاةِ عَنِ الإِنْجِيلِ وَتَثْبِيتِهِ، أَنْتُمُ الَّذِينَ جَمِيعُكُمْ شُرَكَائِي فِي النِّعْمَةِ. فَإِنَّ اللهَ شَاهِدٌ لِي كَيْفَ أَشْتَاقُ إِلَى جَمِيعِكُمْ فِي أَحْشَاءِ يَسُوعَ الْمَسِيح". إنَّها بداية مُفرِحة لرسالة رائعة. فبعد تَحيَّته الافتتاحيَّة في العَددين 1 و 2، الَّتي يُقدِّمُ بها الرَّسولُ بولسُ نفسَه ويُشيرُ فيها إلى الأشخاصِ الَّذينَ يكتب إليهم، فإنَّه يَتحدَّث عن فَرحه. وقد سُمِّيت هذه رسالة الفرح. وهي تُدعى كذلك لأنَّ التَّعبير عن الفرح والابتهاج يَملأ هذه الأصحاحات الأربعة القصيرة. فقد اختبرَ الرَّسولُ بولسُ مِلْءَ الفَرح الَّذي يَهَبُه الرُّوحُ القُدُس؛ وهو شيء ينبغي لكلِّ مؤمن أن يَعرفه ويَختبره؛ ولكن ليس الجميع يفعلون ذلك. وقبل أن نَتعمَّقَ في هذا النَّصِّ، اسمحوا لي أن أَصحبَكُم بضعة قرون إلى الوراء، وعَبْرَ بضعة أسفار، إلى المزمور الثَّاني والأربعين. وأريد أن أُريكم رَجُلاً مُغتمًّا... رَجُلاً مُكتئبًا.. رَجُلاً كان يَعلم أنَّه ينبغي له أن يكون فَرِحًا؛ ولكنَّه لم يتمكَّن من ذلك. وهناك مَن يقول لنا إنَّ كاتب المَزمورَيْن 42 و 43 هو داود. ويُقال إنَّ داود كَتب ذلك وهو في مَنفاه عندما اضطُرَّ إلى مُغادرة أورشليم للنَّجاة بحياته لأنَّ ابنَهُ أبشالوم كان يقود عِصيانًا ضِدَّه كي يَغتصبَ عَرشَهُ. وربَّما كان هذا صحيحًا؛ ولكنَّنا لا نَعلم ذلك يقينًا. ولكنَّ الشَّيء الَّذي نَعلمه يقينًا هو ما يلي: أنَّ الشَّخصَ الَّذي كَتبَ هذا المزمور كان مُكتئبًا ويائسًا إلى حَدٍّ ما. ومع أنَّه كان يَعلم أنَّه لا ينبغي أن يكون على تلك الحال، لم يتمكَّن مِن الزَّحف والخروج مِن الحُفرة الَّتي كان فيها. وهو يُخبرنا عن كآبته في الأعداد الأربعة الأولى مِن المزمور الثَّاني والأربعين: "كَمَا يَشْتَاقُ الإِيَّلُ إِلَى جَدَاوِلِ الْمِيَاهِ، هكَذَا تَشْتَاقُ نَفْسِي إِلَيْكَ يَا اللهُ. عَطِشَتْ نَفْسِي إِلَى اللهِ، إِلَى الإِلهِ الْحَيِّ. مَتَى أَجِيءُ وَأَتَرَاءَى قُدَّامَ اللهِ؟ صَارَتْ لِي دُمُوعِي خُبْزًا نَهَارًا وَلَيْلاً إِذْ قِيلَ لِي كُلَّ يَوْمٍ: «أَيْنَ إِلهُكَ؟». هذِهِ أَذْكُرُهَا فَأَسْكُبُ نَفْسِي عَلَيَّ: لأَنِّي كُنْتُ أَمُرُّ مَعَ الْجُمَّاعِ، أَتَدَرَّجُ مَعَهُمْ إِلَى بَيْتِ اللهِ بِصَوْتِ تَرَنُّمٍ وَحَمْدٍ، جُمْهُورٌ مُعَيِّدٌ". والآن، نجد هنا صورةَ أَسى، وحُزن، وشعور بالوَحدة، والغُربة، والانفصال. وهذا كُلُّه يُفْضِي إلى حالة مِن الكآبة وحالة مِن اليأس. وما هي العوامل؟ حسنًا! في المقام الأوَّل، هناك شَوقٌ لا يَرتوي إلى الله. فعندما كَتَبَ المُرنِّم هذا المزمور كان يشعر نوعًا ما أنَّه مُنفصلٌ عن الله. وكما يَشتاقُ الإيَّلُ إلى جداول المياه، فإنَّ نَفسَهُ تَشتاق إلى الله، ونَفسَهُ تَعطَش إلى الله، إلى الإلهِ الحَيِّ. وهو يقول: "مَتَى أَجِيءُ وَأَتَرَاءَى قُدَّامَ الله؟" فهو يَشعر بالوَحدة، ويَشعر بالغُربة، ويَشعر برغبة شديدة في أن يكون قريبًا مِن الله. وَهُوَ يَتمنَّى بشدَّة أن يأتي اللهُ ويُخلِّصه مِن حالته الرَّاهنة. لِذا فإنَّه يَشعر باشتياقٍ لا يَشبَع إلى الله. وَهُوَ يَشعر أنَّه وحيد. وَهُوَ يَشعر كما لو أنَّ الله قد تَركه، وكما لو أنَّ الله غير موجود بالقرب منه. وَهُوَ يتساءل إلى مَتى سيُضطرُّ إلى الانتظار إلى أن يَظهرُ اللهُ أخيرًا. وهذه طريقة شائعة جدًّا في التَّعبير عن حُزن النَّاس وكآبتهم. فَهُم يشعرون بالانفصال عن الله، أو كأنَّ الله لا يُبالي وأنَّه غير قريب. وهناك شيء فيهم يَعطش بشدَّة مُتناهية إلى حضور وقُرب الله القادر أن يُنَجِّي. ثُمَّ إنَّه يَشعر أيضًا بالوَحدة الباعثة على الكآبة والحزن في قلبه؛ وهي وَحدة تَتفاقم بسبب أعدائه. وها هو، في العدد الثَّالث، لا يتوقَّف نهارًا أو ليلاً عن تَذَوُّق دموعه الَّتي تَنهمر وتنزل على شَفتيه وتَدخُل فَمَه. وفي وسط حُزنه، يَقولُ له أعداؤه: "أَيْنَ إِلهُكَ؟" كما لو أنَّهم يُعايرونَه بعدم مُبالاة إلهِه، أو كما لو أنَّهم يُعايرونه بعَجز إلهه، أو كما لو أنَّهم يُعايرونه بفكرة أنَّه إمَّا أنَّ إلهَهُ عاجِز وإمَّا أنَّه لا يَستحقُّ رعايةَ الله. فقد تَرَكَهُ اللهُ. وَهُوَ يَميل إلى الشُّعور هكذا لأنَّه لا يستطيع أن يَرى أيَّ فُرصة في النَّجاة الإلهيَّة تَلوحُ في الأُفُق. لذا فإنَّه يَشعر بشوقٍ لا يَشبع إلى الله، ويَشعر بالوحدة؛ وهي مشاعر تَتفاقم بسبب تَعيير أعدائه. والشَّيءُ الثَّالث الَّذي يُفاقم حُزنَهُ هو أنَّه يتذكَّر أنَّ امتيازاتِه قد فُقِدَت. وَهُوَ يقول في العدد الرَّابع: "هذِهِ أَذْكُرُهَا فَأَسْكُبُ نَفْسِي عَلَيَّ: لأَنِّي كُنْتُ أَمُرُّ مَعَ الْجُمَّاعِ [فقد كنتُ جُزءًا مِن الشَّركة]، أَتَدَرَّجُ مَعَهُمْ إِلَى بَيْتِ اللهِ بِصَوْتِ تَرَنُّمٍ وَحَمْدٍ، جُمْهُورٌ مُعَيِّدٌ". فقد كان خارج أورُشليم، وبعيدًا عن المدينة، وبعيدًا عن الشَّعب. ولم يكن هناك أيُّ وقتٍ للعبادة والشَّركة والاحتفال والتَّمتُّع بما كان يَتمتَّع به في السَّابق مُتعةً عظيمة. إذًا فقد كان حُزنُهُ نابعًا مِن أحواله. فهو وحيد. وَهُوَ يُعَيَّر مِن أعدائه. وَهُوَ مَحروم مِن شعبه وأرضه. وهو في ذلك الموقف حزين. وهو مُكتئب. ولكنِّي أريد منكم أن تُلاحظوا كيف يَتعامل مع كآبته مِن خلال مُناجاته لنفسه في العدد الخامس. انظروا إليه. فهو صادق. وهو يُكَلِّم قَلبَهُ: "لِمَاذَا أَنْتِ مُنْحَنِيَةٌ يَا نَفْسِي؟" وكأنَّه يقول: "توقَّفي عن ذلك. لماذا تَتصرَّفين هكذا؟ لماذا أنتِ بائسة؟" وَلِمَاذَا تَئِنِّينَ فِيَّ؟" وكأنَّه يَتحاور مع نفسه كَكِيانٍ آخر. لماذا تفعلين هذا؟ "ارْتَجِي اللهَ، لأَنِّي بَعْدُ أَحْمَدُهُ، لأَجْلِ خَلاَصِ وَجْهِه". لِذا فإنَّ مُناجاةَ النَّفس المُقتضَبة هذه تصير مُهمَّة جدًّا إذ يسأل نفسَه: لماذا تفعلين هذا؟" وكأنَّه لا يوجد سبب لهذا – لا يوجد سبب لهذا. فأنتِ تعرفين أنَّ الله لم يتركك وحيدةً، وتَعرفين أنَّ أعداءَكِ مُخطئون. فاللهُ قويٌّ، واللهُ يُبالي. وأنتِ تَعرفين أنَّ امتيازاتِك سَتُرَدُّ، وأنَّكِ ستَتَعَبَّدين مَرَّةً أخرى، وأنَّكِ ستكونين في شَركة مَرَّةً أخرى. فلماذا تَفعلين هذا؟ ولماذا تَتصرَّفين هكذا؟ هل مَررتَ يومًا بهذه العمليَّة؟ هل أخضعتَ يومًا نَفسكَ لمِثلِ هذا التَّحقيق عندما كنتَ تَمُرُّ في ضيق أو أحوالٍ سَلبيَّة فابتدأتَ في التَّذمُّر، والأنين، والشُّعور بأنَّك مُنفصل عن الله، والشُّعور بأنَّك تَتعرَّض للهجوم مِن الأشخاص المُحيطين بك، والشُّعور بأنَّك مَحروم عن المُتَع الَّتي كنت تَتلذَّذ يومًا بها. وفجأةً، قال شيءٌ في داخلك: "توقَّف هنا. فهذا تَصرُّفٌ مُبالغ فيه! لماذا تفعل هذا؟ تَرَجَّى الله. فسوف يأتي وقتُ التَّسبيح. وسوف تأتي مَعونتُه. وسوف يأتي حُضورُه". وبعد أن قال ذلك، انظروا إلى العدد السَّادس. فهو يَعودُ إلى الاكتئاب. فهو يَعرف الإجابة، ولكنَّه لا يستطيع أن يُطَبِّقَها: "يَا إِلهِي، نَفْسِي مُنْحَنِيَةٌ فِيَّ، لِذلِكَ أَذْكُرُكَ مِنْ أَرْضِ الأُرْدُنِّ وَجِبَالِ حَرْمُون...". فهو يَتذكَّر وحسب كلَّ أعمال الله في أرض الميعاد. "... مِنْ جَبَلِ مِصْعَرَ". ونحن لا نَعلم أين هو ذاك الجبل. فهو غير مذكور في أيِّ موضعٍ آخر في الكتاب المقدَّس. ولكنَّه يتذكَّر إلَه أرضِه، وإلَه العهد، وإله الوعد، وإله القُدرة. ثُمَّ إنَّه يقول في العدد السَّابع: "غَمْرٌ يُنَادِي غَمْرًا عِنْدَ صَوْتِ مَيَازِيبِكَ. كُلُّ تَيَّارَاتِكَ وَلُجَجِكَ طَمَتْ عَلَيَّ". وهذه آية مُدهشة جدًّا، بالمُناسبة. وهي آية ليس مِن السَّهل أن تُترجَم. وأنا أشعر أنَّ أفضل تفسيرٍ لها هو أن نَفهم ببساطة أنَّها تَعكس حقيقة أنَّ المصائب كانت تَتوالى. فالعبارة "غَمْرٌ يُنَادِي غَمْرًا" تعني أنَّ الضَّرَبات كانت مُتوالية. وما أعنيه هو أنَّك ما إن تَنهض عن الأرض حتَّى تأتي ضَربة أخرى تُطيحُ بك. أليست هذه هي الحياة؟ أليست هذه هي الطَّريقة الَّتي تُعامِلنا بها؟ فالأمر يُشبه شَلاَّلاً مُنهمرًا بشدَّة دون توقُّف. فالضَرباتُ تَتوالى الواحدة تلو الأخرى تلو الأخرى. "كُلُّ تَيَّارَاتِكَ وَلُجَجِكَ طَمَتْ عَلَيَّ". فهو يُشبه شخصًا عَالقًا في أمواج البحر فتأتي مَوجه وتَطرحه على الرَّمل، ثُمَّ تَسحبُه وتَحمله معها، وتَطرحه مَرَّةً أخرى. وهو يقول إنَّ الحياة هكذا. فهي تَكيلُ الضَّربة تِلو الضَّربة مِثل شَلاَّلٍ مُنهَمِر بشدَّة. وهي تُكيل الضَّربة تِلو الضَّربة مِثل أمواجٍ عالية لا أستطيع الفَكاكَ مِنها. ثُمَّ إنَّه يقول: "بِالنَّهَارِ يُوصِي الرَّبُّ رَحْمَتَهُ، وَبِاللَّيْلِ تَسْبِيحُهُ عِنْدِي صَلاَةٌ لإِلهِ حَيَاتِي". فَهُوَ يقول مَرَّةً أخرى: "اسمعوا! إنَّ الله ما يزال هنا. وَهُوَ سيتحرَّك. وَهُوَ سيُعيدُ إليَّ تَسبيحي. أَقُولُ للهِ صَخْرَتِي: «لِمَاذَا نَسِيتَنِي؟ لِمَاذَا أَذْهَبُ حَزِينًا مِنْ مُضَايَقَةِ الْعَدُوِّ؟». بِسَحْق فِي عِظَامِي عَيَّرَنِي مُضَايِقِيَّ، بِقَوْلِهِمْ لِي كُلَّ يَوْمٍ: «أَيْنَ إِلهُكَ؟»". فهو يعودُ إلى الاكتئابِ مَرَّةً أخرى. ثُمَّ إنَّه يَسأل نفسَه نفسَ السُّؤال في العدد الحادي عشر: "لِمَاذَا أَنْتِ مُنْحَنِيَةٌ يَا نَفْسِي؟ وَلِمَاذَا تَئِنِّينَ فِيَّ؟ تَرَجَّيِ اللهَ، لأَنِّي بَعْدُ أَحْمَدُهُ، خَلاَصَ وَجْهِي وَإِلهِي". فذاكَ الَّذي يَرسِمُ ابتسامةً على وجهي؛ أي إلهي، سيَعمل. وَهُوَ سيُساعدني. لماذا تَتصرَّفين هكذا؟ ويمكنكم أن تَروا المُرَنِّمَ يَصعد ويَهبط. أليس كذلك؟ فهو يَشعر بالكآبة، ويُعبِّر عن كآبته قائلاً لنفسه: "لماذا تفعلين هذا؟ لِمَ لا تَتَرَّجيِ اللهَ؟" ولكنَّه لا يستطيع أن يَفعل ذلك فيعودُ إلى الاكتئاب ويقول: "أنا أَعلم ما ينبغي لي أن أفعل. سوف أُصَلِّي، وأصرخ إلى الله. فالله سيُنقذني". ولكنَّه يعود إلى الاكتئاب، ثُمَّ يقول: "لماذا تفعلين هذا؟" مَرَّةً أخرى. وكان لا بأس في أن يَنتهي الأمرُ هُنا، ولكن انظروا إلى المَزمور 43: "اِقْضِ لِي يَا اَللهُ، وَخَاصِمْ مُخَاصَمَتِي مَعَ أُمَّةٍ غَيْرِ رَاحِمَةٍ، وَمِنْ إِنْسَانِ غِشٍّ وَظُلْمٍ نَجِّنِي. لأَنَّكَ أَنْتَ إِلهُ حِصْنِي. لِمَاذَا رَفَضْتَنِي؟ لِمَاذَا أَتَمَشَّى حَزِينًا مِنْ مُضَايَقَةِ الْعَدُوِّ؟" إنَّ الأمر يَزيدُ عن الحَدّ. فها هو يعود إلى نفس دَائرة الاكتئاب مِن جديد: "أَرْسِلْ نُورَكَ وَحَقَّكَ، هُمَا يَهْدِيَانِنِي وَيَأتِيَانِ بِي إِلَى جَبَلِ قُدْسِكَ وَإِلَى مَسَاكِنِكَ. فَآتِي إِلَى مَذْبَحِ اللهِ، إِلَى اللهِ بَهْجَةِ فَرَحِي". إنَّه يَعرف الحَلَّ. فعثوره على فرحه في الله هو الحَلّ. لا في أحواله، بل أن يَعثر على فرحه في الله. وإليكم ما يقول: "إِلَى اللهِ بَهْجَةِ فَرَحِي، وَأَحْمَدُكَ بِالْعُودِ يَا اَللهُ إِلهِي". فهذا هو الحلّ. لذا فإنَّه يَرجِع إلى نفس الجواب. انظروا إلى العدد الخامس: "لِمَاذَا أَنْتِ مُنْحَنِيَةٌ يَا نَفْسِي؟ [إنَّها المَرَّة الثَّالثة] وَلِمَاذَا تَئِنِّينَ فِيَّ؟ تَرَجَّيِ اللهَ، لأَنِّي بَعْدُ أَحْمَدُهُ، خَلاَصَ وَجْهِي..." – خَلاصَ وَجهي؛ أيِ الخلاصَ الَّذي يأتي مِن ذاكَ الَّذي يَرسِم ابتسامةً على وجهي. "...وَإِلهِي". والآن، إليكم الفكرة الَّتي أريد منكم أن تستوعبوها. نحن هنا أمام رَجُل مُكتئب. ونحن هنا أمام رَجُل يَعلم أنَّه يُركِّز تركيزًا خاطئًا على ماذا؟ أحوالِه. ونحن هنا أمام رَجُل يَعلم أنَّ فرحَه يكمُن في إلهه، ولكنَّه لا يستطيع أن يُبعد تفكيره عن أحواله وأن يُركِّزَه على إلهِه. وقد كان بولس مُتفوِّقًا عليه في هذا الأمر. لنذهب إلى رسالة فيلبِّي. هل تَعلمون أين كان بولس عندما كَتب رسالته إلى أهل فيلبِّي؟ أين كان؟ مِن المُرجَّح أنَّه كان مُقيَّدًا إلى جُنديٍّ رومانيٍّ. فقد كان في موقفٍ شبيهٍ جدًّا بموقف المُرَنِّم. فقد كان وحيدًا. وحتَّى إنَّ تيموثاوس الَّذي كان الشَّخص الوحيد الَّذي يَعرف حقًّا قلبَه، والشَّخص الوحيد الَّذي كان نَظير نفسَه (حسبما جاء في الأصحاح الثَّاني والعدد 20) كان على وَشْكِ السَّفر. لذا، سوف يكون وحيدًا حقًّا عندما يُغادر تيموثاوس. كذلك فإنَّ أَبَفْرُودِتُس، الَّذي جَلب له عَطيَّةً مِن مؤمني فيلبِّي كانت سببًا في كتابة هذه الرِّسالة، كان سيعود إلى أهل فيلبِّي. فقد كان بولس يَعلم مَعنى أن تكون وَحيدًا. وكان يَعلم مَعنى أن تكون مُنفصلاً ومُنعزلاً. ولكنَّه لا يتساءل البتَّة قائلاً: "يا الله، هل أنت موجود؟ مَتى ستتحرَّك؟ متى ستفعل شيئًا؟ لماذا أَتَأوَّه؟ لماذا أَئِنُّ؟" فهو لا يَفعل ذلك. إنَّ بولس لا يَنظر إلى ذلك. فهو لا ينظر إلى أحواله. وَهُوَ لا يَنتحِب على حاله. وَهُوَ ليس قَلِقًا بسبب وَحدته. كذلك، لقد كان مَحرومًا مِن أحبَّائه. فلم يكن باستطاعته أن يَنضمَّ إلى الجماعة الآن أيضًا. ولم يكن باستطاعته أن يَذهب مع المؤمنين ليعبدوا اللهَ الحقيقيَّ مِن خلال ابنه الربِّ يسوعَ المسيح. ولم يكن بمقدوره أن يكون جُزءًا مِن الاحتفال المسيحيِّ بمائدة الرَّبِّ. ولم يكن باستطاعته أن يَقود النَّاس إلى فرح الشَّركة الرَّائع. فقد كان هو أيضًا مَحرومًا مِن أحبَّائه. وأيضًا، كان يَتعرَّض لانتقاداتٍ لا شَفقة فيها مِن أعدائه. لا فقط مِن أعدائه في الثَّقافة الوثنيَّة الَّذينَ كانوا سَببًا في سَجنه، بل أيضًا مِن أعدائه في الكنيسة الَّذينَ كانوا يَنتقدون كلَّ شيء فَعلهُ وقالوا إنَّ الله يُعاقبه لأنَّه أخفق بشدَّة في الخدمة. لذا فقد كان في نفس حالة المُرَنِّم. ولكنَّ الفرق هو أنَّ المُرنِّم كان يَتصارَع مع أحواله، في حين أنَّ بولس كان يَفرح بإلهه. وهذا هو عمل الرُّوح القُدُس. وفي العهد الجديد، نقرأ في رسالة غلاطيَّة والأصحاح الخامس: "وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ، فَرَحٌ...". ونقرأ في رسالة رومية 14: 17 أنَّه سيكون لنا في الملكوت "بِرٌّ وَسَلاَمٌ وَفَرَحٌ فِي الرُّوحِ الْقُدُس". والآن، هل تَذكرون أنِّي قَدَّمتُ لكم تعريفًا لاهوتيًّا مُوجَزًا للفرح؟ اسمحوا لي أن أقوله لكم مَرَّةً أخرى. إليكم التَّعريفَ اللاَّهوتيَّ للفرح مُوجَزًا في جُملةٍ واحدة: الفرحُ الروحيُّ الحقيقيُّ لا يكون مُرتبطًا بالظُّروف، بل هو عطيَّة مِن الله إلى الأشخاص الَّذينَ يؤمنون بإنجيل يسوعَ المسيح، ويَنشأ فيهم بواسطة الرُّوح القُدُس لأنَّهم قَبلوا كلمةَ الله وأطاعوها بالرَّغم مِن اختلاطه بالتَّجارب؛ وَهُوَ فَرحٌ يُبقي رجاءَهُم مُثبَّتًا على المجد الأبديّ. والآن، هذا هو التَّعريفُ اللاَّهوتيُّ للفرح. فهو لا يَقترن بالظُّروف، بل هو عَطيَّة مِن الله إلى الأشخاص الَّذينَ يؤمنون بيسوعَ المسيح، ويَنشأ فيهم بواسطة الرُّوح القُدُس لأنَّهم قَبلوا كلمةَ الله وأطاعوها بالرَّغم مِن اختلاطه بالتَّجارب؛ وَهُوَ فَرحٌ يُبقي رجاءَهُم مُثبَّتًا على المجد الأبديّ. إذًا، نرى هنا رَجُلاً يُركِّز على أحواله ويحاول أن يُناجي نفسَه ثلاث مَرَّات لكي يقول لنفسه إنَّه لا يجوز له أن يَشعر هكذا. فهو يَعرف الحلَّ، ولكنَّه لا يستطيع أن يُخرِج نفسَه مِن ورطته. ثُمَّ إنَّ هناك رَجُلاً آخر في موقفٍ مُشابه جدًّا ولكنَّه يَفيضُ فَرحًا لأنَّه لا يَنظر إلى أحواله، بل يُركِّز على روعة علاقته الحيَّة بالله الحقيقيِّ مِن خلال المسيح. إنَّها رسالة الفرح. وبينما يَكتُبها بولس فإنَّ فَرَحَهُ يَتدفَّق في جميع أرجاء المكان. والآن، إذْ ننظر إلى هذه الآيات الَّتي أمامنا، نُلاحظ خمسة عناصر لفرحه المُتدفِّق: الأوَّل هو فَرح الذِّكريات. هل تَذكرون ذلك في العدد الثَّالث؟ "أَشْكُرُ إِلهِي عِنْدَ كُلِّ ذِكْرِي إِيَّاكُمْ". فكأنَّه يقول إنَّ الفرح الَّذي يُنشئه الرُّوح القُدُس يَجعله يتذكَّر ذكريات حُلوة. وقد قلُتُ لكم في المرَّة السَّابقة إنَّه يمكنكم عادةً أن تَعلموا إن كان الشَّخص مُمتلئًا مِن الرُّوح بسبب فرحه. وسوف يَظهر فَرحهم مِن خلال حقيقة أنَّ الشَّريط سيكون مَمسوحًا عند الأحداث السَّلبيَّة، وأنَّهم يتذكَّرون فقط أفضل ما في الأشخاص الآخرين. فهذا هو الشَّيء الَّذي يُنشئه الفَرح. إنَّه فرح الذِّكريات. والقلب الَّذي يُنشئ فيه الرُّوحُ القُدُسُ فرحًا هو قلب يُفَكِّر في صلاح الآخرين، ولُطفهم، ومحبَّتهم، وعنايتهم، وتضحيتهم، وتعاطفهم، ويَنسى الباقي. فالفرح قادر أن يَجعلك تَنسى الجروح والإساءات. وهذا يُذكِّرنا بالآية الَّتي تقول إنَّ "الْمَحَبَّةَ تَسْتُرُ كَثْرَةً مِنَ الْخَطَايَا" (كما يقول بطرس). والفرح قادر بطريقةٍ ما على الاقتراب والالتصاق بالذِّكريات المُبهجة. وحيث إنَّ الذِّكريات تُسيطر على المواقف، مِن الضَّروريِّ أن نَدع روح الله يُنشئ هذا الفرح فينا: فَرح الذِّكريات، أي القلب الَّذي لا يَفتكر سوى بأطيب الذِّكريات عن شعب الله. ثانيًا، فَرح الصَّلاة إذ نقرأ في العدد الرَّابع: "دَائِمًا فِي كُلِّ أَدْعِيَتِي، مُقَدِّمًا الطَّلْبَةَ لأَجْلِ جَمِيعِكُمْ بِفَرَحٍ". وهو يَستخدم مَرَّتين الكلمة "طَلْبَة" ("دييسيس" –“deesis”) والتي تعني: "التماسًا". فقد كان فَرَحُهُ يُعبَّر عنه مِن خلال فرح الصَّلاة الشَّفاعيَّة. فالفرح الَّذي يُنشئُه الرُّوحُ القُدُس يَجد أَسمَى تعبيرٍ له في البهجة الَّتي يحصل عليها مِن خلال الصَّلاة لأجل احتياجات الآخرين. فهي ليست أنانيَّة... ليست أنانيَّة، بل هي مُنهمكة في الصَّلاة لأجل الآخرين. وهي لا تَهتمُّ بما لها فقط، ولا بسعادتها، ولا براحتها، ولا برضاها، ولا بشبعها، بل إنَّها مُنهمكة بكلِّ حماسة وبهجة في الصَّلاة لكي تُسَدَّ حاجات الآخرين. امتيازُ الصَّلاة لأجل الآخرين...هذا هو الفَرح. فالفرح يَصرِف طاقته على الآخرين، لا على الذَّات. إنَّه فرح الصَّلاة الشَّفاعيَّة. ثُمَّ ثالثًا، لقد تحدَّثنا في المرَّة السَّابقة عن فرح المشاركة في العدد الخامس. فهو يقول: "أَشْكُرُ إِلهِي... بِفَرَحٍ لِسَبَبِ مُشَارَكَتِكُمْ فِي الإِنْجِيلِ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ إِلَى الآن". والمشاركة هي ترجمة للكلمة "كوينونيا" (koinonia)... مُشاركَتِكُم. فهو يَعرف فرح الشَّركة. وهو مُبتهجٌ بحقيقة أنَّ هؤلاء الأشخاص وقفوا إلى جانبه لكي يُحبُّون، ويُشاركوا حياتهم معه، ويُيَسِّروا الخدمة له. وهذا هو فرح المشاركة. فالشَّخص الفَرِح يُسَرُّ بأن يكون جزءًا مِن الشَّركة، ويَبتهج بأن يكون في وسط المؤمنين. وقد تحدَّثنا عن ذلك مُطوَّلاً في المَرَّة السَّابقة. وقد سألنا إن كُنَّا أُمناء بالقدر الَّذي يُتيح لنا أن نَفحص حياتنا لمعرفة إن كنَّا نَمتلك فَرحًا حقيقيًّا. والآن، يمكنك أن تنظر إلى قلبك وتَرى إن كنتَ تَملِك فرح الذِّكريات، أو عندما تُفكِّر في النَّاس إن كانت كلُّ الأشياء الَّتي تُفكِّر فيها صالحة، أو إن كنتَ تَملِك فرح الصَّلاة لأجل الآخرين، أو إن كانت أعظم بهجة لديك هي أن تُصلِّي لأجل الآخرين أكثر مِمَّا تُصلِّي لنفسك، أو إن كنت تَملِك فرح المشاركة؛ أي إنَّك تفرح لمُجرَّد رؤية جميع الأشخاص الَّذينَ يقفون بجانبك وصاروا جُزءًا من الشَّركة الَّتي تَتمتَّع بها. فهل أنت مُتحمِّس لامتياز كونك في شعب الله؟ أو لكونك جُزءًا من كنيسته؟ فرح المشاركة. وقد كان بولس فَرِحًا لأنَّ مؤمني فيلبِّي شاركوا في نَشر الإنجيل مِن وقت خلاصهم إلى هذه اللَّحظة؛ أي منذ عشر سنوات أو إحدى عشرة سنة عندما كتب هذه الرِّسالة. إنَّه قلبٌ فَرِح. فهو يَفرح باسترجاع الذِّكريات، ويَفرح بالصَّلاة، ويَفرح بالشَّركة. وهذا يقودنا إلى نقطة رابعة. وسوف نَكتفي بالتحدُّث عن هذه النُّقطة في هذا الصَّباح. فوقتُنا أقصر مِن المُعتاد: فَرح التَّرقُّب. وهذه آية رائعة. فَرح التَّرقُّب. فهل تَعلمون واحدًا مِن أعظم أفراح الخدمة؟ اسمحوا لي أن أُقدِّم لكم تَلميحًا صغيرًا. إنَّه الفرح الموجود في القلب الَّذي يَعلم الصُّورة الَّتي ستصير عليها الكنيسة في النِّهاية. هل تريدون أن تَعلموا شيئًا؟ إذا نظرتم إلى حال الكنيسة، ستشعرون بإحباطٍ شديد. أمَّا إذا نظرتم إلى ما ستؤول إليه الكنيسة ستشعرون بحماسة شديدة. وهذه هي النَّظرة الَّتي كانت عند بولس. فقد كان فرحُه يَنقله إلى المستقبل إذ نقرأ في العدد 6، وهو عدد رائع: "وَاثِقًا بِهذَا عَيْنِهِ أَنَّ الَّذِي ابْتَدَأَ فِيكُمْ عَمَلاً صَالِحًا يُكَمِّلُ إِلَى يَوْمِ يَسُوعَ الْمَسِيح". ويا لها مِن آية رائعة. وقد حفظتها مُنذ أن كنتُ طفلاً صغيرًا. انظروا! "أنا واثقٌ". والفعل "بيبويثوس" (pepoithos) يعني: "مُقتَنِع"، أو "مُتيقِّن" أو "واثقٌ كلَّ الثِّقة. وهذا هو ما يعنيه. "أنا واثقٌ كلَّ الثِّقة بهذا الشَّيء". وما هو يا بولس؟ ما هو؟ "أَنَّ الَّذِي ابْتَدَأَ فِيكُمْ عَمَلاً صَالِحًا..." – ومَن يكونُ هذا؟ الله. فالله هو الَّذي ابتدأ العمل. إنَّه هو الَّذي ابتدأه. والفعل "ابتدأ" مُدهش. فهو يُستخدَم مَرَّتين فقط في العهد الجديد ("إيناركوماي" – “enarchomai”). وهي كلمة نادرة. فهي تُستخدم فقط هنا وفي رسالة غلاطيَّة 3: 3. وهي في كلتا الحالتين تشير إلى الخلاص. فالله ابتدأ العملَ الصَّالحَ عندما خَلَّصَكَ. أليس كذلك؟ فالآية غلاطيَّة 3: 3 تقول للمؤمنين الغَلاطيِّين: "أَبَعْدَمَا ابْتَدَأْتُمْ بِالرُّوحِ تُكَمَّلُونَ الآنَ بِالْجَسَدِ؟" فهي تُشير إلى خلاصهم وإلى النُّقطة الَّتي ابتدأوا فيها بقوَّة الرُّوح. لذا فإنَّه فِعل يُستخدم مَرَّتين فقط في العهد الجديد. وَهُوَ يُشير في كلتا الحالتين إلى الخلاص. لذا فإنَّه يقول إنَّ اللهَ ابتدأَ عملاً صالحًا. وهذا صحيح. وَهُوَ دائمًا صحيح. فالخلاصُ هو عَمل الله. وقد ابتدأتِ الكنيسة في فليبِّي عندما فَتَحَ الرَّبُّ (كما تقولُ الآية) قلب ليديَّة (أعمال الرُّسُل 16: 14). فقد كانت أوَّل مَن اهتَدَت في فيلبِّي، وأوَّل مَن اهتدى في أوروبَّا. والآية تقول إنَّ الربَّ فَتحَ قلبَها. فهو عمل الله. فبولس قَدَّم الإنجيل، والرَّبُّ فَتحَ قلبَها فخَلصت. وبهذه الطَّريقة ابتدأت الكنيسة. فالله هو مَن ابتدأ العمل. ثُمَّ إنَّ الله خَلَّص أشخاصًا آخرين في ذلك اليوم على ضَفَّة النَّهر. ثُمَّ إنَّ اللهَ خَلَّص سَجَّان فيلبِّي، وزَعزعَ سِجنَهُ كُلَّه، وفَكَّ كلَّ القيود والمِقطرات فَتحرَّرَ كُلُّ السُّجناء. وفي ذلك السِّياق، وَهَبَ اللهُ السَّجَّانَ إيمانًا هو وأهل بيته. وقد ابتدأ اللهُ الكنيسة في فيلبِّي. لِذا فإنَّها تشيرُ إلى وقت الخلاص. فبولس يقول: "وَاثِقًا بِهذَا عَيْنِهِ أَنَّ اللهَ الَّذي خَلَّصَكُم – ابتدأَ العَمل". والآن، اسمحوا لي أن أقول المزيد عن ذلك. مِن المهمِّ أن تفهموا أنَّ الخلاص هو عمل الله. مِن الضَّروريِّ أن تفهموا ذلك. فالَّذي ابتدأ عملاً صالحًا هو الله. انظروا إلى العدد 29 مِن الأصحاح الأوَّل. فبولس يقول لمؤمني فيلبِّي أنفسِهم: "لأَنَّهُ قَدْ وُهِبَ لَكُمْ [أو أُعطي لكم إذ إنَّكم مُجرَّد مُتَلَقِّين لِهبة الله] لأَجْلِ الْمَسِيحِ لاَ أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا أَنْ تَتَأَلَّمُوا لأَجْلِهِ". بعبارة أخرى، لقد وَهبكم اللهُ إيمانًا. وقد وَهبكم اللهُ ألمًا. لقد وُهِبَ لَكُمْ لأَجْلِ المَسِيحِ أَنْ تُؤْمِنُوا. وَهُوَ يقول في الأصحاح الثَّاني والعدد 13 لمؤمني فيلبِّي أنفسهم: "لأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَامِلُ فِيكُمْ أَنْ تُرِيدُوا وَأَنْ تَعْمَلُوا مِنْ أَجْلِ الْمَسَرَّة". فالله هو الَّذي يُخلِّص بمُقتَضى سيادته. استمعوا إلى إنجيل يوحنَّا 1: 12: "وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ". ثُمَّ اسمعوا ما يقول: "اَلَّذِينَ وُلِدُوا [أي: وُلدوا ثانيةً] لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُل، بَلْ مِنَ اللهِ". فالخلاصُ هو عمل الله... عمل الله. وفي أعمال الرُّسل والأصحاح 11، نجد جُملة مهمَّة جدًّا جدًّا في العدد 18: "فَلَمَّا سَمِعُوا ذلِكَ [أي نَبأَ اهتداءِ الأُمم] سَكَتُوا، وَكَانُوا يُمَجِّدُونَ اللهَ قَائِلِينَ [استمعوا إلى هذه الجُملة]: إِذًا أَعْطَى اللهُ [أو وَهَبَ] الأُمَمَ أَيْضًا التَّوْبَةَ لِلْحَيَاةِ!". فقد أعطاهم اللهُ توبةً، وقد أعطاهم اللهُ الإيمانَ، وقد أعطاهم اللهُ الخلاصَ، وقد فَتح الله قَلبَهم. وقد فعل ذلك [وَفقًا لرسالة بطرس الأولى] لأنَّه اختارهم قبل تأسيس العالَم. لِذا فإنَّنا نقرأ في سِفْر أعمالِ الرُّسُل: "وَآمَنَ جَمِيعُ الَّذِينَ كَانُوا مُعَيَّنِينَ لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ". فهو عمل الله. فكلُّ شيءٍ يَتِمُّ حسب الطَّريقة الَّتي يُتَمِّم بها اللهُ خُطَّته الأبديَّة. استمعوا إلى رسالة تسالونيكي الثَّانية 2: 13: "وَأَمَّا نَحْنُ فَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَشْكُرَ اللهَ كُلَّ حِينٍ لأَجْلِكُمْ". ولماذا ينبغي أن نَشكر اللهَ؟ لأنَّ "اللهَ اخْتَارَكُمْ مِنَ الْبَدْءِ لِلْخَلاَص". فلا يوجد كلام أوضح مِن ذلك. ونقرأ في العدد 14: "الأَمْرُ الَّذِي دَعَاكُمْ إِلَيْهِ بِإِنْجِيلِنَا". فاللهُ اختاركَم، واللهُ دعاكُم، واللهُ أعطاكُم توبةً، واللهُ أعطاكُم إيمانًا، واللهُ خَلَّصكم. فهو كُلُّه عَمَلُه. ونقرأ في رسالة تيطُس والأصحاح الثَّالث: "وَلكِنْ حِينَ ظَهَرَ لُطْفُ..." [في العدد 4] "...مُخَلِّصِنَا اللهِ وَإِحْسَانُهُ..." فإنَّه يقول في العدد 5: "...خَلَّصَنا". فهذا هو كُلُّ ما في الأمر. هل فهمتم ذلك؟ حِينَ ظَهَرَ لُطْفُ مُخَلِّصِنَا اللهِ وَإِحْسَانُهُ تُجاه البشريَّة، خَلَّصَنا. "لاَ بِأَعْمَال فِي بِرّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ". فقد خَلَّصنا. ويقول لنا يعقوب في الأصحاح الأوَّل... أعتقد في العدد 18: "شَاءَ فَوَلَدَنَا بِكَلِمَةِ الْحَقِّ". فقد كانت مَشيئتُه، وكان عَملُه. فهو الَّذي فعل ذلك. فقد خَلَّصنا. وقد فَدانا. والآن، لنرجع إلى رسالة فيلبِّي. فالنُّقطة الَّتي يُوضِّحها بولس في العدد 6 هي التَّالية: "أنا وَاثِقٌ [أو "مُتيقِّنٌ"، أو "مُقتنعٌ"، أو "مُتأكِّدٌ تمامُا"] بِهذَا عَيْنِهِ أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَّصكُم وابْتَدَأَ فِيكُمْ عَمَلاً صَالِحًا" – والكلمة المُترجمة "صالحًا تعني "نَبيلاً". وَهُوَ عملٌ نبيل. فالخلاص يَبتدئ عمليَّة التَّقديس ويُكَمِّلُها حتَّى التَّمجيد. "أَنَّ اللهَ الَّذِي ابْتَدَأَ ذَلكَ العَملَ الصَّالحَ فِيكُمْ" ثُمَّ نقرأ أنَّه سيعمل ماذا؟ "يُكَمِّلُهُ". وهي فكرة رائعة. "إيبيتيليو" (epiteleo)؛ أي يُكَمِّلُهُ حقًّا. فهو تامٌّ ومُكتمل إذ إنَّه يُكُمِّله إلى نَتيجته النِّهائيَّة. رَكِّزوا في هذه النُّقطة: فهو يُكَمِّلُه إلى نتيجته النِّهائيَّة. والآن، إنَّ بولس لا يقول: "آمُل أن يَنجح ذلك"، بل يقول: "أنا واثقٌ مِن هذا"، أو "أنا مُتيقِّنٌ مِن هذا"، أو "أنا مُقتنعٌ تمامًا بهذا"، أو "أنا مُتأكِّدٌ تمامًا مِن هذا الأمر: "أنَّ اللهَ الَّذي خَلَّصكُم وابتدأ عمل التَّقديس النَّبيل سيُكمِّلُه". وهي جملة رائعة. إنَّها جملة رائعة. فاللهُ الَّذي ابتدأ عمل الخلاص والتَّقديس سيُكمِّله تمامًا. فهو سيُكمِّله تمامًا. وقد كَتب "ف.ب. ماير" (F.B. Meyer) قبل سنوات طويلة: "نحن ندخل إلى مَرْسَم الرَّسَّام ونجد لوحة غير مُكتملة تُغطِّي قطعة قُماش كبيرة وتُشيرُ إلى عملٍ فَنيٍّ عظيم ولكنَّه متروك إمًّا لأنَّ الرَّسَّام الفَذَّ لم يكن مؤهَّلاً لإكمال اللَّوحة، وإمَّا لأنَّ الشَّللَ أصاب اليدَ فأماتَها. ولكن عندما نذهب إلى وَرشة الله العظيمة فإنَّنا لا نجد أيَّ شيءٍ يحمل أيَّة دلالة على التَّردُّد أو عدم كِفاية القُدرة على إنجازه. ونحن واثقون من أنَّ العمل الَّذي ابتدأته نِعمتُه هو عمل لا بُدَّ لذراع قوَّتِه أن تُكَمِّلَه". أليس هذا الأمر رائعًا؟ وهذا صحيح. إنَّه صحيح. فما ابتدأهُ اللهُ سيُكَمِّلُه. وهذه هي "مُثابرة" أو "حِفْظ" القِدِّيسين. وهذا هو ما نُسميِّه: "الضَّمان الأبديّ"؛ أي أنَّ الله الَّذي خَلَّصكم بقدرته سيحفظكم بقدرته. ويَحوي الأصحاحُ الخامسُ مِن رسالة رومية آياتٍ رائعةً عن ذلك. فبولس يقول ما يلي... استمعوا: "لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا وَنَحْنُ أَعْدَاءٌ قَدْ صُولِحْنَا مَعَ اللهِ بِمَوْتِ ابْنِهِ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا وَنَحْنُ مُصَالَحُونَ نَخْلُصُ بِحَيَاتِهِ!" وقد تقول: "وما معنى ذلك؟" ما يلي فقط... استمعوا: إن كنتَ وأنتَ عَدُوٌّ قد خَلَصتَ بموت المسيح، كم بالحَرِيِّ وأنت ولدٌ مِن أولاده تُحفَظ بحياته؟ إنَّها فكرة رائعة... فكرة رائعة! فإن كان بمقدور موتِه أن يُخلِّصَك، فإنَّ حياتَه تستطيع أن تَحفظك. وهو حَيٌّ في كلِّ حين ليَشفع فينا. لِذا فإنَّ بولس يقول: "انظروا! أنا أمتلكُ فَرح التَّرقُّب. فقد تكون لديكم مشاكل في الكنيسة، وقد تكون لديكم هموم في الكنيسة، وقد تكون لديكم متاعب في الكنيسة، وقد تكون لديكم إخفاقات في الكنيسة، ولكنَّ هذا الأمر تحديدًا لن يتغيَّر؛ وهو أنَّ الله الَّذي يُخلِّص هو الله الَّذي يُمَجِّد". وفي رسالة رومية والأصحاح الثَّامن، يقول بولس ذلك بألفاظٍ بديعة مألوفة جدًّا لنا: "لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ، لِيَكُونَ هُوَ بِكْرًا بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ. وَالَّذِينَ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ، فَهؤُلاَءِ دَعَاهُمْ أَيْضًا. وَالَّذِينَ دَعَاهُمْ، فَهؤُلاَءِ بَرَّرَهُمْ أَيْضًا. وَالَّذِينَ بَرَّرَهُمْ، فَهؤُلاَءِ مَجَّدَهُمْ أَيْضًا". وَهُوَ يقول: "مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضِيْقٌ أَمِ اضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ؟ ... وَلكِنَّنَا فِي هذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا. فَإِنِّي مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ لاَ مَوْتَ وَلاَ حَيَاةَ، وَلاَ مَلاَئِكَةَ وَلاَ رُؤَسَاءَ وَلاَ قُوَّاتِ، وَلاَ أُمُورَ حَاضِرَةً وَلاَ مُسْتَقْبَلَةً، وَلاَ عُلْوَ وَلاَ عُمْقَ، وَلاَ خَلِيقَةَ أُخْرَى، تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا". فما مِن شيء سيُغيِّر ذلك. فالذي خَلَّصنا سيُكَمِّلنا. إنَّها مُثابرةُ شعب الله، أو حِفْظُ شعب الله؛ أي حقيقة أنَّ الخلاص أو التَّبرير يُؤدِّي إلى التَّمجيد. فقد قال يسوع في إنجيل يوحنَّا 6: 37: "كُلُّ مَا يُعْطِينِي الآبُ فَإِلَيَّ يُقْبِلُ، ... لاَ أُتْلِفُ مِنْهُ شَيْئًا، بَلْ أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِير". فلا أحد يُفقَد في تلك العمليَّة. ثُمَّ إنَّ بولسَ يقول ما يلي: "إِلَى يَوْمِ يَسُوعَ الْمَسِيح". إِلَى يَوْمِ يَسُوعَ الْمَسِيح. وما معنى ذلك؟ إلى ماذا يُشيرُ ذلك؟ اسمعوني جيِّدًا. فهذا شيءٌ مُدهش. إنَّ "يَومَ الرَّبِّ" مُصطلح شائع في العهد القديم. وأظُنُّ أنَّه استُخدم 19 أو 20 مَرَّة في العهد القديم. والعبارة "يَوم الرَّبّ" تُشير دائمًا إلى الدَّينونة الإلهيَّة على الخُطاة. فهي تُشير دائمًا إلى نزول الغضب. وسوف يكون التَّعبير النِّهائيُّ عن يوم الرَّبِّ عند عودة يسوع المسيح إذ إنَّ الله سيَسكُب غضبه على غير المؤمنين في كلِّ الدُّهور. ولكن في العهد القديم، هناك أيَّامٌ أخرى للرَّبّ. فأيُّ يومٍ يتحرَّك فيه اللهُ ويأتي بالدَّينونة القويَّة على الخُطاة كان يُمكن أن يُسمَّى يوم الرَّبّ. أمَّا يومُ الربِّ الأخير فهو اليوم الَّذي سيأتي فيه ليَدينَ الخُطاة عند المجيء الثَّاني للمسيح. وَهُوَ يُسمَّى أيضًا في رسالة تسالونيكي الأولى 5: 4: "اليوم". وَهُوَ يُسمَّى في رسالة تسالونيكي الثَّانية 1: 10: "ذلك اليوم". وفي كلتا الحالتين فإنَّه يُشير إلى يوم الدَّينونة، أو يوم الغضب، أو يوم النَّقمة، أو يوم مُعاقبة الخُطاة. ولكنَّ هذا التَّعبيرَ مُختلف. فهو لا يقول "يوم الرَّبّ"، بل يقول "يَوْم يَسُوعَ الْمَسِيح". وما وجه الاختلافُ بينهما؟ إنَّه أمر مُدهش. إن درستم هذا الموضوع، كما فَعلتُ أنا، ستكتشفون أمورًا مُدهشةً. ففي هذه الآية، مِن الواضح أنَّ يوم يسوعَ المسيح يُشير إلى الوقت الَّذي سيُمَجَّد فيه المؤمنون. أليس كذلك؟ فهو سَيُكَمِّلكُم في يوم يسوع المسيح. وهذه إشارة إلى يومٍ سيصير فيه المؤمنون كامِلين، وسيصير فيه الخلاص كاملاً، وسيصير فيه التَّبريرُ والتَّقديسُ تَمجيدًا. ثُمَّ لاحظوا أيضًا ما يقوله في العدد 10 مِن فضلكم (في نهاية العدد) إذ إنَّ المؤمنين سيَصيرونَ مُخْلِصِينَ وَبِلاَ عَثْرَةٍ إِلَى يَوْمِ الْمَسِيح. وَهُوَ يتحدَّث مَرَّةً أخرى عن المؤمنين. ففي العدد 6، كان الحديث هو عن يوم يسوع المسيح. وفي العدد 10، إنَّه يوم المسيح. وهذا أيضًا وقت سيظهرون فيه أمام الله بلا عَثْرَة. وفي الأصحاح الثَّاني والعدد 16، يقولُ بولس: "مُتَمَسِّكِينَ بِكَلِمَةِ الْحَيَاةِ لافْتِخَارِي فِي يَوْمِ الْمَسِيح". ويومُ المسيحِ هنا يُشيرُ إلى حَدَثٍ إيجابيٍّ يَفرح فيه المؤمن. لِذا، نُلاحظ في رسالة فيلبِّي وحدها أنَّ العبارة "يوم المسيح" أو "يوم يسوعَ المسيح" تُشير بصورة إيجابيَّة إلى تمجيد المؤمن. وفي رسالة كورِنثوس الأولى والأصحاح الأوَّل، لنفتح على العدد 7: "وَأَنْتُمْ مُتَوَقِّعُونَ اسْتِعْلاَنَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الَّذِي سَيُثْبِتُكُمْ أَيْضًا إِلَى النِّهَايَةِ بِلاَ لَوْمٍ..." – ثُمَّ تأتي هذه العبارة: "فِي يَوْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيح". وهذا مُدهش! إذًا، لدينا الآن "يوم يسوعَ المسيح"، وَ "يوم المسيح" مَرَّتين في رسالة فيلبِّي. والآن: "يوم الربّ يسوعَ المسيح". وهذه تُشير أيضًا إلى أنَّ المؤمنين سيكونون بلا عَثْرَة؛ وهذه إشارة واضحة إلى تَمجيدهم، ووقتٍ مُكافأتهم، ووقت مُباركتهم. وفي رسالة كورِنثوس الثَّانية 1: 14، نَقرأ: "كَمَا عَرَفْتُمُونَا أَيْضًا بَعْضَ الْمَعْرِفَةِ أَنَّنَا فَخْرُكُمْ، كَمَا أَنَّكُمْ أَيْضًا فَخْرُنَا فِي يَوْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ". وهُنا نجد لفظةً أخرى. فأوَّلا: "يوم المسيح"، ثُمَّ "يوم المسيح يسوع"، ثُمَّ "يوم الربِّ يسوعَ المسيح"، والآن "يوم الربّ يسوع". وهي تُشيرُ مَرَّةً أخرى إلى وقتِ فَرح، ووقتِ فَخر، ووقت ابتهاج. وهناك شاهدٌ آخر ينبغي أن أَلفتَ أنظاركم إليه وَهُوَ رسالة كورِنثوس الأولى 5: 5؛ وهذا موقف تأديب إذ إنَّه يَتِمُّ تسليمُ مؤمنٍ خاطئ إلى الشَّيطان لِهَلاكِ جسده: "لِكَيْ تَخْلُصَ الرُّوحُ فِي يَوْمِ الرَّبِّ يَسُوع". والآن، إليكم ما جاءَ هنا: "يوم المسيح"، وَ "يوم يسوعَ المسيح"، وَ "يوم رَبِّنا يسوعَ المسيح"، وَ "يوم رَبِّنا يسوع"، وَ "يوم الربِّ يسوع". وفي كلِّ مَوضعٍ مِن هذه المواضِع فإنَّها تُشيرُ إلى وقت تَمجيد القدِّيسين. لذا، أينما رأيتم العبارة "يوم الرَّبّ"، اعلَموا أنَّ المقصود هو دينونة الخُطاة. وأينما رأيتم "يوم المسيح" أو "يسوعَ المسيح" أو "الربّ يسوع" أو الربّ يسوعَ المسيح"، اعلموا أنَّ الحديث هو عن تمجيد القدِّيسين. والربُّ يَجعل الفرقَ بينهما واضحًا كلَّ الوضوحِ مِن خلال استخدامِ الأسماءِ الشخصيَّة ليسوعَ المسيح، ومِن خلال الإشادة بالعلاقة الحميمة والفريدة الَّتي نَـمتَّع بها مع الله مِن خلال المسيح. والآن، بعد أن وَضَّحنا ذلك، ارجعوا إلى رسالة فيلبِّي والأصحاح الأوَّل: "وَاثِقًا بِهذَا عَيْنِهِ أَنَّ الَّذِي ابْتَدَأَ فِيكُمْ عَمَلاً صَالِحًا يُكَمِّلُ..." [أي يُنْجِزُهُ تمامًا] "...إِلَى يَوْمِ يَسُوعَ الْمَسِيح". فهو سيُكَمِّل الرِّحلة معكم إلى الوقت الَّذي تَلتقون فيه المسيح. وهي فكرة رائعة. فاللهُ سيُكَمِّل عمل النِّعمة الَّذي ابتدأه. وهذه، يا أحبَّائي، فكرة عظيمة. "اللهُ ليس مِثل البشر..." [كما يقول وليام هندريسكن" (William Hendriksen). "...فالنَّاسُ يُجرون تَجارب، ولكنَّ الله يُنَفِّذُ خُطَّةً" [نهايةُ الاقتباس]. فنحن محفوظون بالقدرةٍ الإلهيَّة. أليست هذه الفكرة رائعة! فهذا مُدهش جدًّا. فنحن مَحفوظون بالقدرة الإلهيَّة. والمزمور 89: 33 يقول إنَّنا نَعيشُ في كَنَفِ أمانةٍ إلهيَّة لن تُنزَع يومًا. ونقرأ في إنجيل يوحنَّا 3: 16 أنَّ لنا حياة أبديَّة لا نهاية لها، وإنَّنا لن نَهلك يومًا. ونقرأ في إنجيل يوحنَّا 4: 14 أنَّنا نَشرب مِن يُنبوعِ ماءٍ لن يَجفَّ يومًا. ونقرأ في إنجيل يوحنَّا 6: 37 و 39 أنَّنا حصلنا على هِبَة لن تَزول. ونقرأ في إنجيل يوحنَّا 10: 28 أنَّنا في يَدَيِّ الرَّاعي الصَّالح الَّذي لا يمكن لأحدٍ أن يَخطفنا من يده. ونقرأ في رسالة رومية 8: 29 و 30 أنَّنا مُثَبَّتون بسلسلةٍ لا يُمكن أن تَنكسر. ونقرأ في رسالة رومية 8: 39 أنَّنا نَحظى بمحبَّة لا يُمكن أن ننفصل عنها. ونقرأ في رسالة رومية 11: 29 أنَّنا تَلَقَّينا دعوةً لا يُمكن أن تُلغى. ونقرأ في رسالة تيموثاوس الثَّانية 2: 19 أنَّنا مَبنيُّون على أساسٍ لا يُمكن أن يَتزعزع. ونقرأ في رسالة بطرس الأولى 1: 4 و 5 أنَّ لنا مِيراثًا لا يَفنى. وهذه ثِقة. وما يقوله بولس هنا هو التَّالي: "هذا هو فَرحي يا أحبَّائي: إنَّ فرحي يَكمن في أنَّه بِغَضِّ النَّظر عَمَّا يحدث في كنيستكم، فإنَّ العمل الَّذي ابتدأه اللهُ لا بُدَّ أن يُكَمِّلَه". لِذا فإنَّه يَمتلك فَرح التَّرقُّب. وهذا يُشبه إلى حَدٍّ كبير تلك الكلمات الرَّائعة الَّتي كَتبها يهوذا: "وَالْقَادِرُ أَنْ يَحْفَظَكُمْ غَيْرَ عَاثِرِينَ، وَيُوقِفَكُمْ أَمَامَ مَجْدِهِ بِلاَ عَيْبٍ فِي الابْتِهَاج". فاللهُ سيُوصلكم جميعًا إلى هناك. وقد تقول: "وما هو المَعنى الضِّمنيّ؟" أَلا استمعتم إلى ما سأقول مِن فضلكم؟ إن رَكَّزتم على عُيوب الكنيسة الآن، قد تصابون بالاكتئاب. "إنَّ كنيسَتنا ليست كما ينبغي أن تكون! نحن لا نفعل كذا!" أمَّا إذا رَكَّزتم على ما سَتَؤولُ إليه الكنيسة فإنَّكم ستبتهجون. والآن، يمكنك أن تختار. فيمكنك أن تَئِنَّ وتَنوحَ وتُثرثر في كلِّ مكان عن العيوب الموجودة فيها، أو يُمكنك وحسب أن تنظر إلى ما سيحدث. وهل تَعلمون ما هو الَّشيء المُدهش جدًّا بخصوص ذلك؟ لن يُفقَدَ أحد. فالأمرُ لا يُشبه ما كان يحدث عندما كنتُ ألعبُ كُرة القدم الأمريكيَّة ونذهب إلى غُرفة تبديل الملابس بعد المُباراة فيأتي المُدرِّب ويقول: "اسمع! أنتَ السَّبب في أنَّنا خسرنا المُباراة. فقد فَقدتَ السَّيطرة على الكُرة عند خَطِّ الثَّلاث ياردات فَطارت الكُرة، ورَكضَ لاعبٌ مِن الفريق الآخر ورَكض بها ليفوزوا بالمباراة. إنَّها غلطتك أنت". فهذا لن يحدث لي البتَّة في السَّماء. فالربُّ لن يقول: "هل تُدرك أنَّه بسبب عدم أمانتك فإنَّ مئتين وخمسين شخصًا لم يأتوا إلى هنا؟ هل تُدرك أنَّ أشخاصًا كثيرين في كنيسة النعمة ابتدأوا حسنًا ولكنَّك خسرتهم؟" فهذا سيَضعك في مُستشفى الأمراض العقليَّة إن فَكَّرتَ أنَّك تَتحمَّل تلك المسؤوليَّة. ويمكنك أن تَغتَمَّ حقًّا بسبب الكنيسة، وأن تَنهار قائلاً: "يا للهول! إنَّها ليست كما ينبغي أن تكون". نحن نَعلم ذلك. فأنتم لستم كما ينبغي أن تكونوا. لذا فإنَّ كثيرين منكم مِمَّن ليسوا على الصُّورة الَّتي ينبغي أن يكونوا عليها يُشكِّلون كنيسةً ليست كما ينبغي أن تكون. ثُمَّ يمكنكم أن تُضيفوا إلى ذلك القادة الَّذينَ هُم ليسوا على الصُّورة الَّتي ينبغي أن يكونوا عليها. وأنتم تتساءلون عن السَّبب في أنَّها كذلك! هذه هي الحقيقة يا أحبَّائي. ولكن يمكنك أن تَتَّخذ قرارًا إمَّا بأنَّك ستُركِّز فقط على الأمور الَّتي لا تُعجبك في الكنيسة، وإمَّا بأنَّك ستَفرح بما سَتَؤولُ إليه في المستقبل. وأنا أختار الخِيار الثَّاني. وهل تريدون أن تَعلموا شيئًا رائعًا؟ سوف تَذهبون جميعًا إلى هناك إن كُنتم تُحبُّون المسيح. فإن كنتم تَنتمون إليه، سنذهب جميعًا إلى هناك. وبولس يَشعر بهذا الفرح، بهذا الفرح الغامِر المُنتصِر الَّذي يقول: في نهاية المطاف، ستكون الكنيسة كما يريدُ اللهُ لها تمامًا أن تكون. وهذا يُزيل عَنَّا الكثير مِن الضَّغط. فلا مَغزى لأن تَصرف حياتك بأسرها في حالة كآبة بسبب الأمور الَّتي لا تُعجبك في الكنيسة؛ في حين أنَّه يمكنك أن تَصرف حياتك بأسرها في حالة فرح بسبب ما سَتَؤولُ إليه الكنيسة. أليس كذلك؟ فسوف تكونون كلَّ ما ينبغي أن تكونوا في خُطَّة الله. لِذا، إذا نظرتم إلى الصُّورة الَّتي سَتَؤولُ إليها الكنيسة، سيكون ذلك رائعًا، ومُدهشًا، وعظيمًا. وهذا هو فرح التَّرقُّب. ولا أدري لماذا يوجد أُناسٌ يُحِبُّون أن يَتذمَّروا طَوال الوقت بخصوص الأشياء الَّتي لا تُعجبهم في الكنيسة في حين يمكننا أن نجلس وننتظر إلى أن تصير كما يريدها اللهُ أن تكون في المجدِ الأبديّ. وسوف أقول لكم شيئًا: إنَّ هذا يُزيلُ عنا الكثيرَ مِن الضَّغط. فإن ظَننتُ أنَّه ينبغي لي أن أكون الأداةَ الرَّئيسيَّة والفاعلة في الخلاص، أو أنِّي مسؤولٌ عن تخليص النَّاس، أو أنَّه بعد خلاصهم فإنَّنا (أنا والرُّعاة الآخرين والبقيَّة جميعًا) مسؤولون عن الحفاظ على خلاصهم، ما رأيكم في حمل تلك المسؤوليَّة؟ وما رأيكم، مثلاً، في حمل مسؤوليَّة أبنائكم الَّذينَ قَبلوا المسيح إنَّ قالَ اللهُ لك: "اسمَع! بالمناسبة، لقد خَلَّصتُهم أنا، ولكنَّك أنت المسؤول عن الحفاظ على خلاصهم". هل تريد أن تحمل هذه المسؤوليَّة؟ إنَّ ذلك مُخيف. ولكنَّكم لا تَضطلعون بتلك المسؤوليَّة. وهل تريدون أن تَعلموا شيئًا؟ سوف يُكَمِّلُ الربُّ كنيسته. وهذا رائع! أليس كذلك؟ إذًا، لِمَ لا تستمتعون بالعمليَّة؟ صحيحٌ أنَّنا لسنا كما ينبغي لنا أن نكون. فهذه الكنيسة ليست مكانًا للأشخاص الكاملين، بل هي مُستشفى للأشخاص الَّذينَ يَعرفون على أقلِّ تقدير أنَّهم مَرضى، ويَعرفون ما هو العلاج. فالنَّاس يقولون: "لا أريد أن أذهب إلى الكنيسة لأنَّه يوجد فيها الكثير مِن المُرائين". تعال ولا تَخف! فسوف تشعر أنَّك في بيتك. فنحن لسنا كاملين. وهذه هي الحقيقة. ولكن اسمعوني: هل تَذكرون الجُملة القصيرة الَّتي تقول: "أَشكُرُ اللهَ لأنَّه لم يَفرَغ مِن تشكيلي بعد. كُن صَبورًا"؟ هذا صحيح. فنحن لم نَتشكَّل تمامًا بعد. وعندما ينتهي مِن تشكيلنا سنكون كامِلين. وهذا يُزيلُ عنك كلَّ الضَّغط لكي تتمتَّع بخدمتك، وتتمتَّع بكنيستك، وتُحِبَّ ما تفعله. وقد تقول: "إذًا، لماذا تفعل ذلك؟" بعبارة أخرى: "إن كان الله هو مَن يُخلِّصُهم، وكان اللهُ هو مَن يَحفظُهم، وكانَ اللهُ هو الَّذي يَأخذهم إلى السَّماء، لماذا تفعل ذلك؟" لأنِّي أُحبُّ فكرة أنَّه يَستخدمني كجزءٍ مِن العمليَّة بمُجملها، ولأنَّه يمكنني أن أخدمه بفرحٍ وامتنانٍ، ولأنَّه دعاني، وأنا أُحبُّه، وأُطيعُه. ولكنَّ الحِمْلَ ليس موضوعًا على كَتِفَيَّ. وكلُّ ما يريد مِنِّي أن أفعله هو أن أشترك في الفَرح. ولماذا أَسمح لفرحي أن يُسلَبَ مِنِّي بسبب عدم قدرتي على التَّركيز على ما سَتَؤولُ إليه الكنيسة؟ لِذا فقد كان بولس يَملِك فَرح التَّرقُّب. وأنا أفهم ذلك. أنا أفهم ذلك. وأنا أنظر إلى أبنائي أحيانًا. وعندما أُدرك أنَّهم يُشبهون كثيرًا أبويهم، وأنَّهم ليسوا كما ينبغي أن يكونوا عليه أيضًا، قد أُصاب بالذُّعر والقلق والغضب؛ ولكنِّي أَعلم أنَّهم جميعًا يُحبُّون المسيح. والنُّقطةُ الأهمُّ هي أنَّني أَعلم ما سيَؤولونَ إليه في نهاية المَطاف. فسوف يصيرون في النِّهاية على صورة المَسيح. وهل تَعلمون كم هذا مُريح؟ كذلك، يمكنني أيضًا أن أستمتع بخدمتي، وأن أستمتع أيضًا بالحياة. ويمكنني أيضًا أن أَسكُب قلبي في الخدمة بفرحٍ غامِر، وامتنان، وطاعة، ومحبَّة للمسيح، وأن أتحمَّس في أن أكون جُزءًا مِن العمليَّة. ولكنِّي لن أصير شخصًا مَهووسًا بسبب قلقي مِن أنَّ الأشخاص الَّذينَ ينبغي أن يذهبوا إلى السَّماء قد لا يذهبون إليها لأنِّي لا أقوم بعملي. فأنا لا أتحمَّل تلك المسؤوليَّة، ولا يجدر بكم أن تتحمَّلوها أنتم أيضًا. لِذا، استمتعوا بذلك. استمتعوا بالكنيسة. فهي لن تكون كما ينبغي أن تكون، ولن تكون كما تُريدون منها أن تكون إلاَّ عندما نَتمجَّد. وأعتقد أحيانًا أنَّ الشَّيءَ الوحيدَ، أو أنَّ خيبةَ الأمل الوحيدة في السَّماء هي أنَّ هناك أشخاصًا لن يجدوا شيئًا سلبيًّا فيها. فقد يَعيشونَ مُحْبَطين طَوال الأبديَّة. ولكن يجب عليكم أن تتحمَّسوا جدًّا لأنَّ الكنيسة هنا مؤقَّتة جدًّا، وأن تَتمتَّعوا بفرح التَّرقُّب. وهناك عنصر آخر للفرح وهو الفرح النَّابع مِن العاطِفة (كما جاء في العددين 7 و 8)؛ ولكنَّنا لا نَملك الوقت للتحدُّث عن ذلك. لِذا، تعالوا في المَرَّة القادمة. دعونا نَحني رؤوسَنا معًا لكي نُصلِّي: نحنُ نُحبُّك يا رَبّ ونحسبه امتيازًا عظيمًا أن نَخدمك. ونحن نَعمل جاهدين. فقد قال بولس إنَّه عَمِلَ حتَّى التَّعرُّق والإجهاد. وقد قال بولس إنَّه عَمل بحماسة، ولكنَّه عمل حقًّا بقوَّة روحك العامِل فيه. وقد قال إنَّه حَسِبَ كلَّ شيء في هذه الحياة نُفايةً في سبيل استخدام مواهبه وتتميم خدمته ودعوته. فقد أَعطى كلَّ ما لديه: كلَّ طاقته، وكلَّ قلبه، وكلَّ نفسه، وكلَّ وقته. وكان يوجد في أعماق قلبه دافع المحبَّة. فقد أحبَّك كثيرًا جدًّا وأراد أن يُطيعَك. وقد اختبرَ هذين السَّلام والفَرح الكامِلَين حتَّى إنَّه قال: "سوف أُعطي الكلَّ، ولكنِّي أَعلم أنَّ النَّتائج ستكون على ما يُرام لأنَّك الله العظيم". ويا له مِن فَرح! يا له مِن فَرح أن تكون قادرًا على تكريس قلبك كُلِّه لشيءٍ مَا وأنتَ تَعلم أنَّك لن تخسر البتَّة. فيا له مِن أمرٍ مُبهج! نشكرُك مِن أجل فَرح التَّرقُّب. ساعدنا على أن نَختبر ذلك الفَرح إذ نَعيشُ فَرح التَّرقُّب فيما نَتمتَّع بالشَّركة بعضنُا مع بعض، وأن نَختبر فَرح الصَّلاة الشَّفاعيَّة إذ نُصلِّي بعضُنا لأجل بعض، وفَرح الذِّكريات إذ نَسترجعُ الأوقات الطيِّبة المحفوظة في ذاكرتنا. يا رَبّ، أَنشِئ فينا فَرحَ الرُّوح القُدُس لكي نَفرح، ولكي نَبتهج، ولكي نَكون راضين بأيَّة أحوال نَختبرها في حياتنا معك وفي أثناء قيامنا بعملك في حياتنا. نَشكرك باسم المسيح. آمين! |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
الإبتسامة لا تعني أن الفَرح يكسوك |
فَـالله لَن ينسى قِسمتك من الفَرح |
كُل شي يُولد مَع الصَباح الفَرح ، |
لا تَحـزنْ فـ اللّهُ يُرسِلَ الفَرج |
أخبرُوا الفَرح بأننَا ” أحيَاء ” |