منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 05 - 08 - 2022, 05:30 AM
الصورة الرمزية walaa farouk
 
walaa farouk Female
..::| الإدارة العامة |::..

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  walaa farouk متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 122664
تـاريخ التسجيـل : Jun 2015
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : مصر
المشاركـــــــات : 373,385

والـــدة الإِلــه وَالصَّـــوم



والدة الإِله هي والدة العريس وَالفادي وَالمخلِّص
، وَالصَّوم قبل عيد رقادها ليس موجَّهًا لإِكرامها الشَّخصيِّ بمقدار ما هو استعدادٌ للدُّخول أَعمقَ في هذا السِّرِّ الَّذي أَدَّته في عمل تدبير اللّٰه لخلاص البشر.

إِنَّ صومها يُهيِّئُنا للوقوف بِرَهبةٍ أَمامَ هذا العملِ الَّذي كان لها الدَّور الأَكبر في نجازه. وَمن جهةٍ أُخرى، صومها يهيِّئنا لمعرفة دورها في حياتنا،
كوالدة الإِله وَشفيعةً وَمحاميةً وَمُعينة.
وَيظهر هذا في طروباريَّة رقادها، الَّتي نرتِّل لها فيها، "..
. وَفي رقادكِ ما أَهملتِ العالم وَتركته يا والدة الإِله".

ما بلغته والدة الإِله، لم ينزل عليها من فوق بدءًا، بل جاهدت لاِقتنائه. اختيارها من قبل اللّٰه لم يكن أَمرًا عشوائيًّا، اختيارًا مُبهمًا، إِنَّما لأَنَّ تلك النَّقاوة وَالكمال المقدَّس الَّذي حقَّقته، بَلَغَته بإِرادتها الحرَّة وَإِخضاع مشيئتها. وَعلى قاعدة إِرادتها الحرَّة اختارها اللّٰه، وَعلى أَساس ما حقَّقته في جهادها الرُّوحيِّ هذا أَعطتها الكنيسة كلَّ هذا الإِكرام وَالتَّمجيد.

إِنَّهٌ لأَمرٌ يفوقُ كُلَّ إِدراكِ العقلِ البشريِّ أَن يُخضِعَ الإِنسانُ مشيئتَهُ بالكاملِ للمشيئةِ الإِلهيَّة. هذا غيرُ ممكنٍ إِلَّا بعد جهاداتٍ عظيمةٍ وَإِنكارٍ كاملٍ للذَّات، وَبلوغ الحالة القُصوى من اللَّاهوى. هذا ما تحقَّقَ في مريمَ العذراء.

لقد فاقت في إِيمانها إِبراهيم وَكلَّ الأَنبياء، لأَنَّها صدَّقت أَمرًا يستحيل تصديقه بشريًّا، فاستحقَّت هذه النُّبوءة: "طوبى للَّتي آمنت أَن يتمَّ ما قيل لها من قِبل الرَّبِّ". من يعلم كم من الأَصوام صامت والدة الإِله، حتَّى استطاعت أَن تقول بهذه البساطة وَالسُّهولة، "ليكن لي بحسب قولك".

الكتاب المقدَّس مملوءٌ شهاداتٍ عن أَصوام رجال اللّٰه قبل البدء بعملٍ إِلهيٍّ يعملونه لخدمة سرِّ تدبير اللّٰه للبشر. حقًّا إِنَّ الصَّوم يخلق فينا إِرادة مهيَّأَةً للطَّاعة وَإِخضاع المشيئة الذَّاتيَّة لتتقبَّل وَتعمل بسهولةٍ مشيئة اللّٰه. ما هي قداسة القدِّيسين سوى في أَنَّهم أَخضعوا مشيئتهم، بملء إِرادتهم، لمشيئة اللّٰه، وَاتَّحدوا ذهنهم، عبر حفظ الوصايا، بذهن المسيح.

فالصَّوم يكشف عن طبيعة إِنكار الذَّات، لمسيرة الإِنسان مع اللّٰه. لهذا أَعطى اللّٰه الصَّوم، من البدء، كوصيَّةٍ إِلهيَّةٍ تُعين الإِنسان في مسيرته مع اللّٰه. وَقد حفظت كنيسة العهد الجديد هذه الحقيقة، وَشدَّدت على الصَّوم كجهادٍ روحيٍّ عظيمٍ، في تنقية الذِّهن وَتطهير الإِرادة.

الصَّوم يرتبط بالصِّراع ضدّ الأَهواء؛ ثقل البطن يؤَدِّي إِلى بلادة الذِّهن، وَله تأثيرٌ مباشرٌ على ضغط الأَفكار.

الصَّوم يقود حتمًا إِلى تهدئة أَهواء الجسد، وَهذه تنعكس مباشرةً على تهدئة هيجان الأَفكار، ليصير مستطاعًا السَّيطرة عليها. قوانين المجامع المقدَّسة وَتقليد الآباء كلَّه شدَّد على أَهميَّة الصَّوم. وَهذا يكشف عن الطَّبيعة النُّسكيَّة لمسيرة الخلاص الأُرثوذكسيَّة.

أُولئك المقتنعون بمسيحيَّةٍ أَخلاقيَّةٍ لا يعنيهم الصَّوم وَكلَّ الجهاد الرُّوحيِّ، فهم لا يحتاجون إِليه في تصرُّفاتهم اللَّائقة اجتماعيًّا. أَمَّا الَّذين همُّهم تطهير إِنسانهم الدَّاخليَّ وَبلوغ معاينة اللّٰه، فهم يعشقون الصَّوم كعشقهم للصَّليب، لأَنَّهم يعلمون أَنَّه لا يمكن أَن يصيروا مسيحيِّين بالفعل من دونه.

لهذا تطبيق وصايا الإِنجيل في عمقها مستحيلٌ من دون صوم وَما يُرافقه من جهاداتٍ روحيَّةٍ أُخرى. المسيح هو خبزنا الجوهريَّ، وَلكي نشبع من المسيح علينا أَن نزهد بكلِّ طعامٍ آخر ماديّ.

كل هذا الإِيمان وَالجهاد الرُّوحيِّ امتزج بحالةٍ من التَّواضع لا توصف. وَإِخضاع المشيئة أَيضًا مستحيلٌ من دون تواضع. لهذا قالت مريم بكلامٍ موحًى من اللّٰه، "لأَنَّه نظر إِلى تواضع أَمته".

هكذا اعتبر الصَّوم، الَّذي يُمارس بمعرفةٍ وَتوبةٍ، أَنَّه سحقٌ لكبريائنا وَأَنانيَّتنا. فاللّٰه لا يُنصت إِلى صلاة المتكبِّرين. وَنحن حين نطلب، بصلواتٍ وَأَصوامٍ، شفاعة والدة الإِله وَالقدِّيسين فنحن نعبِّر عن أَقصى انسحاقنا وَعدم استحقاقنا لما نطلب. وَلهذا يستمع الرَّبُّ صلاتنا لأَجلهم.

ظهور الملاك المفاجئ لوالدة الإِله، وَعدم اضطرابها من حضوره، إِنَّما فقط من كلامه الغريب، يُظهر حالة اليقظة الرُّوحيَّة الَّتي كانت تحيا فيها. اليقظة الرُّوحيَّة الدَّائمة هي وليدة الأَصوام المتواصلة وَالصَّلوات الَّتي تجعل الذِّهن في هدوئيَّة ذكرٍ متواصلٍ للرَّبّ.

يقول الكتاب أَنَّ مريم "كانت تحفظ كلَّ هذه الأُمور في قلبها"، وَيعتبر الآباء القدِّيسين أَنَّها كانت تحفظ كلَّ هذا في صلاة القلب الدَّاخليَّة.

لقد بلغت والدة الإِله إِلى هذه الحالة السَّامية من الصَّلاة القلبيَّة غير المنقطعة، في صمت قدس الأَقداس، هناك درَّبت ذهنها على رفض الأَفكار البشريَّة وَتوجيه كلَّ قوى النَّفس نحو خيرات الدَّهر الآتي وَهذا الخلاص العتيد أَن يُكشف سرَّه.

هذا الصَّوم الَّذي يلدُ كلَّ هذه البركات، ارتبط بالتَّوبة أَيضًا. يقول القدِّيس باسيليوس الكبير، التَّوبة من دون صوم هي عقيمة. لهذا، لم يكن الصَّوم يومًا عبئًا على الأُرثوذكسيِّ الَّذي يعي مسيرة خلاصه، إِنَّما حاجةٌ وَنعمة. وَفي الوقت ذاته سلاحٌ ضدَّ كلِّ هجمات الشَّياطين.

التَّوبة وَكلُّ الجهاد الرُّوحيِّ، الَّذي يتفعَّل بالصَّوم، ليس هدفًا بحدِّ ذاته، إِنَّما له ارتباطٌ وثيقٌ ببلوغ محبَّة اللّٰه. مَن يُحبُّ اللّٰه يزهد بكلِّ شهوات وَمغريات هذا الدَّهر وَيكفر حتَّى بنفسه لكي يكتمل حبَّه للّٰه. هكذا أَحبَّت والدة الإِله، إِلهها وَخالقها، بعد صومٍ وَإِنكار ذاتٍ عظيمين.

وَهكذا كلُّ نفسٍ تجاهد وَتصوم، تخترقها محبَّة اللّٰه، وَيدفعها عشقها للّٰه لأَن تعيش حالة شكرٍ لا ينتهي للإِله الَّذي أَعطى الإِنسان كلَّ شيءٍ حتَّى ذاتَه.

هكذا يصل الإِنسان إِلى الحرِّيَّة الكاملة، الحرِّيَّة المطلقة، الَّتي تصير فيها نفسه حرَّةً من أَيِّ هوًى يستعبدها. حرَّةٌ في أَن تصنع ما تشاء، لكنَّها تختار بملء إِرادتها، كوالدة الإِله مريم، أَن تكون مكرَّسةً وَمهيَّأَةً لإِلهها وَخالقها فقط.




رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع


الساعة الآن 12:44 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025