شريعة الحرية
7: 1- 23
هدا الشعب يكرّمني بشفتيه وقلبه بعيد عني.
من الواضح أنه يحسن بنا أن نغسل أيدينا تبل أن نجلس للطعام. ولكن لا نجعل من هذا العمل مبدأ لا رجوع عنه. كانت الشريعة اليهودية مفصّلة في أمور الغسل والنظافة. وقد يخاف الناس من العدوى؟
كانت حياة تلاميذ يسوع متنقّلة، لهذا لم يهتمّوا كثيراً بأمور النظافة. ما يدهشنا في كل هذا، هو أن خصوم يسوع ينطلقون من هنا ليهاجموه، ينطلقون من تفاصيل تافهة في الشريعة. وتتوقّف شرائع الطهارة على اختيار الأطعمة. أما يسوع فأعلن الأطعمة كلها طاهرة.
موضوع الجدال هو احترام الشريعة، إحترام الشريعة كلها بصورة نظرّية أكثر منها عملّية. كانوا قد غفروا ليسوع بعض الاهمالات. ولكن مواقفه متحرّرة وهذا ما لا يرضون به. لا يتحمّل يسوع المسافة بين المبادىء ونوايا القلب، كما لا يقبل بتلاعب الفريسيين في تفسير الشريعة. ففي نظر يسوع، تنطلق كل أعمالنا من أعماق قلبنا. مثلاً، ما الفائدة من عبادة لا نضع قلبنا فيها؟ واذا لم يكن لنا قلب! أي: إذاً كنا قساة على الآخرين. فالنفس المستقيمة لا تتوقّف عنه الظواهر.
خير لنا أن تكون أيدينا وسخة من أن نكون بدون أيدي. لا يخاف يسوع أن يوسّخ يديه (أي: يتخذ موقفاً) في جدال مهمّ حول التقليد.
إهتم الكتبة فتحركوا وجاؤوا من أورشليم. فيسوع يشكّل في نظرهم خطراً كبيراً حين يعارض بين تقليد الآباء ووصايا الله. ففي نظر يسوع، هناك تقاليد لا تتعدّى أن تكون فرائض بشرية وخيانة لوصايا الله.
فالأمانة للتقليد هي طريقة نمسك بها التقليد، نجعله في خدمتنا، في خدمة مآربنا. ولائحة الخطايا التي نقرأها في نهاية النصر هي التي نقرأها في كتاب التعليم المسيحي الذي تعرفه الكنيسة الأولى. نجد لائحة باثنتي عشرة فكرة سيّئة. الرقم 12 هو رقم الكمال. هذا يدلّ على ما يمكن ان تحتوي قلوب الناس من أفكار شريرة.
هذا التعداد ينقلنا من مستوى الجهالات البسيطة إلى مستوى المحبّة. كرامة الإنسان تقوم بأن يكون له قلب محبّ، وبأن يحترم نفسه. نكتشف في هذا النص قرفاً من المحرّمات وحرية كبيرة. شريعة الحريّة هي التي تشرف على أعمالنا لانها تصدر من تقليد حقيقي لدى الإله المحرّر.
في التوراة، القلب هو مركز الذاكرة. لنحتفظ بالتقليد الحقيقي لذاكرة حيّة اختبرت أمانة الله. هذه هي علامة صدقنا ضد الشكليّات وكل الوساوس التي لا تفيد.
قال الفريسيون: تلاميذك لا يتبعون التقليد. أجاب يسوع: وانتم تتعلّقون بالتقليد فتهملون وصيّة الله. لا يهاجم يسوع التقليد بل طريقة نتعبّد فيها للتقليد كأنه صنم، فنشوِّه قيمته الدينية. ظنّ الفريسيون أنهم يدافعون عن وصايا الله، فاذا بهم يتعلّقون بتفاصيل بشرية تافهة.
حين ندخل في جدال حول هذا الموضوع، نحسّ أنه يصعب علينا أن نحافظ على التوازن. هناك عقليّات ترفض ما تعتبره حاجزاً أمام حركة الحياة. فيلاحظ المحافظون (عقليتهم، عمرهم) أن هناك شرائع وتصرّفات يكفل قِدَمُها قيمتها.
كيف نصل إلى نتيجة؟ لن نقول إن شيئاً ما هو صالح لأنه تقليدي أو لأنه جديد، بل لأنه صالح في حدّ ذاته. إذن نبدأ فنكتشف القيمة الموضوعية للأشياء.
وأعطى يسوع حالاً درساً عملياً بالنسبة إلى التقاليد حول الظاهر والنجس. قد نغسل أيدينا حسب الطقوس وتبقى قلوبنا نجسة. ومقابل هذا، قد نملأ بطوننا بأطعمة نجسة (لحم الخنزير أو الارنب) دون أن يؤثّر هذا على نقاوة قلوبنا.
قال يسوع: أصغوا إلّي كلكم. وقال: إفهموا. وميّز تمييزاً واضحاً بين حالة "باطننا" وما يصل إلينا من الخارج. وقدّم لنا لغزاً فأثار انتباهنا: "ما من شيء يدخل الإنسان من الخارج ينجسّه. ولكن ما يخرج من الإنسان هو الذي ينجّس الإنسان".
وكشف لأخصّائه معنى اللغز: من قلبٍ نجس تخرج الأفكار الشّريرة. هذا هو الشر الداخلي الذي ينجّس الإنسان. ولا يستطيع تطهير خارجي، مهما ارتبط بالتقاليد، أن يفرغ قلب الإنسان من غليان الشر في قلبه.
هذا هو المقياس: حين تنقّينا عادةٌ تقليدية فتقرّب قلبنا من الله، تكون صالحة. وإلا كانت غير مفيدة ومليئة بالخبث والرياء.
كلمة الإنجيل ترسم أمامنا وجه الله. فإلهنا هو إله يريدنا أحراراً لا عبيداً. ينتظر منّا جواب الابناء لا خضوع العبيد. ما يكرّم الله ليست المحافظة الدقيقة على فرائض مشكوك فيها، أو عوائد تجاوزها الزمن. ما يكرّم الله هو الأمانة لوصيّة وحيدة، هي وصيّة المحبّة