لم يقوّ أنطونيوس في القبر على الوقوف. استلقى على الأرض وأخذ يصلّي. ثم صرخ بقوة: أنا هو أنطونيوس! أنا هنا! لن أهرب من جراحاتكم! لا شيء يفصلني عن محبة المسيح. إني ولو اصطفّ عليّ عسكر فإن قلبي لا يخاف (مزمور26). فجمع الشيطان كلابه وهاجمه من جديد. بدا المكان كما في زلزلة وبدت الجدران مفتوحة والأبالسة تدخل وتخرج منها بشكل حيوانات متوحّشة وزحّافات. ثم أخذت تصوّر له وكأنها تنقضّ عليه لكنها لم تقترب منه ولا مسّته بأذى. غير أن ضجيج الأشباح كان مخيفاً وغضبهم عنيفاً. الضغطة عليه قوية كانت. ألمه الجسدي كان شديداً. بدا كأنه يُجلد ويُنخس. لكنه كان صاحياً، ساهراً، ساكن القلب. قال وهو يهزأ بالشياطين: لو كنتم تملكون القوة لكفاكم أن يأتي عليّ حيوان واحد منكم، لكن الرب جعلكم عديمي القوة!
وإذ رفع أنطونيوس نظره إلى سقف المقبرة رآه ينفتح شيئاً فشيئاً. وإذا بشعاع من النور ينزل عليه. فجأة اختفت الشياطين وزال ألم جسده وعاد البناء كما كان. فتنفّس أنطونيوس الصعداء وأدرك أنّه ربّه في النور فسأله: أين كنت؟! لماذا لم تظهر قبل الآن لتريحني من العذاب؟ فأتاه صوت يقول له: كنت هنا يا أنطونيوس. كنت انتظر جهادك. وبما أنك صبرت ولم تُهزم فسأكون لك عوناً على الدوام وسأعمل ليكون اسمك معروفاً في كل مكان. فلما بلغه الصوت تقوّى فنهض وصلّى وأحسّ بجسده أكثر قوة من ذي قبل. عمره، يومذاك، كان خمسة وثلاثين عاماً.