رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الراعي الصغير "أنا صغيرًا كنت في إخوتي، وحدثًا في بيت أبي. كنت راعيًا غنم أبي" . كثيرًا ما يردد داود المرتل أنه يذكر أعمال الله معه في القدم. إنه لن ينسى أنه إذ كان أصغر إخوته، أوكلت إليه رعاية غنمات أبيه، كان الله يعده لرعاية أعظم، قطيع الله العاقل. تذكره لصبوته حفظه ليسلك دائمًا بروح التواضع، مدركًا أن لا فضل له فيما بلغه من مراكز أو نجاح. كما قدم له نوعًا من الثقة والاتكال على الله الذي اختاره دون إخوته الحسان ليكون نبيًا وملكًا على شعب الله! يرى القديس أغسطينوسفي اختيار داود الأصغر دون إخوته الأكبر منه عملًا رمزيًا لاختيار الأمم كأعضاء في كنيسة العهد الجديد، فيملكون في الرب دون اليهود الذين سبقوهم في المعرفة، لكنهم رفضوا الإيمان. وكأن الأمم هم داود الأصغر الذي تقبَّل نعمة الملوكية من قبل الله دون إخوته الأكبر منه، وكما يقول السيد المسيح نفسه: "هكذا يكون الآخِرون أولين، والأولون آخِرين". (مت 20: 16) بنفس الطريقة فُضل هابيل عن أخيه الأكبر وإسحق عن إسماعيل ويعقوب عن عيسو المولود معه وهما توأمان. وأيضًا فارص عن زارح (تك 38: 29). اختيار داود الأصغر بين إخوته ملكًا يرمز إلى رب المجد يسوع الذي احتل آخر الصفوف، فصار الصغير بين إخوته، أصغر من في بيت أبيه، لكي يبسط يده، فيحتضن الكل، ويدخل بهم إلى أحضان أبيه. صار عبدًا من أجلنا، لكي بالصليب يملك في قلوبنا. إنه آدم الثاني الذي ملك عوض آدم الأول (رو 5) ليكون رأسًا للبشرية، قادرًا أن يقيمها ويجددها. تطلع المرتل إلى مسيحنا المخلص القائم من بين الأموات، فقال: "لأن الرب عالٍ، ويرى المتواضع، أما المتكبر فيعرفه من بعيد". (مز 138: 6) إنه قريب من المتواضع، وبعيد عن المتكبر. فإذ صار الأصغر، إنما ليضم المؤمنين الحقيقيين إلى العضوية في بيت أبيه، فيكون بالحق قريبًا من المتواضعين، لا من جهة المسافة المكانية، وإنما من جهة اتحادهم معه، بكونهم أعضاء في جسده، ليصيروا أهل بيت الله (أف 2: 19). بهذا أعلن رعايته لقطيع أبيه فيقول: "كنت راعيًا غنم (قطيع) أبي" [1]. يريد رب المجد أن يجد راحته في قلبك، فيسند فيه رأسه، إن صار متواضعًا كبيت لعازر. يُعلّق القديس جيرومعلى ذهاب السيِّد إلى بيت عنيا قائلًا: [كان شديد الفقر بعيدًا كل البعد عن التملُّق، فلم يجد في المدينة الكبيرة (أورشليم) مأوى أو مسكنًا، إنّما سكن عند لعازر وأختيْه في بيت صغير جدًا في بيت عنيا.] * صار حمل الله حملًا صغيرًا بريئًا، يُقاد للذبح لكي ينزع خطية العالم (إش ٥٣: ٧؛ يو ١: ٢٩). الذي يهب الكلام (الكلمة) للكل صار مقارنًا بحملٍ صامتٍ أمام جازيه (إش ٥٣: ٧)، لكي نتطهر نحن جميعًا بموته، الذي يُوزع كدواءٍ ضد تأثيرات العدو، وضد خطية الذين يشتاقون إلى قبول الحق. فإن موت المسيح أبطل القوات المقاومة للجنس البشري، وأباد بسلطانٍ لا يوصف الحياة في الخطية في حياة كل مؤمنٍ . العلامة أوريجينوس * يكشف ابن الله السرّ السماوي، معلنًا نعمته للأطفال وليس لحكماء هذا الدهر (مت 11: 25). يذكر الرسول بولس ذلك بالتفصيل: "لأنه إذ كان العالم في حكمة الله لم يُعرف الله بالحكمة استحسن الله أن يُخلِّص المؤمنين بجهالة الكرازة" (1 كو 1: 21). من يعرف أن ينتفخ أو يعطي كلماته رنين الحكمة فهو حكيم (هذا الدهر)، أما الطفل فيقول: "يا رب لم يرتفع قلبي، ولم تستَعْلِ عيناي، ولم أنظر في العجائب والعظائم التي هي أعلى مني" (مز 1:131)، هذا يظهر صغيرًا لا في السن، ولا في الفكر، وإنما بِتواضعه، خلال ابتعاده عن المديح، لذا يضيف: "لكن رفعتُ عينيَّ مثل الفطيم من اللبن من أُمِّه". تأمَّل عظمة مثل هذا الإنسان في كلمات الرسول: "إن كان أحد يظن أنه حكيم بينكم في هذا الدهر، فلْيصر جاهلًا لكي يصير حكيمًا، لأن حكمة هذا العالم هي جهالة عند الله" (1 كو 3: 18-19)[3]. القديس أمبروسيوس العلامة أوريجينوس العلامة ترتليان * طالما بقيت النفس صغيرة وغير كاملة النمو فهي تحت الوصايا والمعلمين. هؤلاء هم الملائكة الذين تَسمّوا بحراس الأطفال، ويُعاينون على الدوام وجه الله في السماء. هم إذًا محاكاة للذهب، يُعطي للنفس التي لم تتغذَ بعد بالغذاء القوي للكلمة. العلامة أوريجينوس |
|