إن هذه الكلمات في حد ذاتها، والسياق الذي ترد فيه، تبين بوضوح أن التجديف على الروح القدس لا يحدث في بداية طريق الخطية ولا في وسطها بل في نهايتها. وليس قوام هذه الخطية الشك أو عدم الإيمان في الحق الذي أعلنه الله، ولا مقاومةُ الروح القدس وإحزانه، إذ إن خطايا كهذه قد يقع فيها المؤمنون، وغالباً ما يحدث ذلك فعلاً. وإنما التجديف على الروح القدس قد يحدث فقط حينما يمثُل أمام الوعي إعلانٌ إلهيٌ غنيٌ وإنارةٌ قوية من الروح القدس بحيث إن الإنسان يقتنع تماماً في قلبه وفي ضميره بحق الإعلان الإلهي.[65]
فهذه الخطية تشمل بالأحرى على ما يفعله شخصٌ حظي بوافر الإعلان الموضوعي والاستنارة الذاتية. إلا أنه - رغم حقيقة كونه قد عرف الحق وذاقه باعتباره حقاً - يدعو الحق كاذباً ويندد بالمسيح كما لو كان، له المجد، أداةً بيد الشيطان. وفي هذه الخطية يصير الإنساني شيطانياً.
لا، إنها ليست عبارةً عن الشك وعدم الإيمان، ولكنها تقطع احتمال هذين كما تقطع تأنيب الضمير والصلاة (1 يوحنا 5: 16). إذ تكون قد جاوزت بعيداً لحظة الشك وعدم الإيمان والتبكيت والصلاة. وبصرف النظر عن حقيقة كون الروح القدس يُعترَف به بوصفه روح الآب والابن، فإنه يُجدَّف عليه رغم ذلك بشر شيطاني. فعند الذروة، تُصبح الخطية صفيقة جداً في فجورها بحيث تنفض عنها كل أثرٍ من آثار الحياء، وتطرح جانباً كل ستر فتقف في عريها المعيب، وتزدري كل دواعي التعقل، وتقوم ضد حق الله ونعمته، يدفعها في ذلك سرورها بالشر وحسب. إنه إذاً لتحذير خطير هذا الذي يضعه المسيح أمامنا في تعليمه المختص بالتجديف على الروح القدس. ولكن علينا ألا ننسى ما يتضمنه هذا التعليم من تعزية: فإن كانت هذه الخطية هي الخطية التي لا تغفر، فسائر الخطايا الأخرى، حتى أعظمها وأكثرها قباحةً، يُمكن أن تغفر ذا لتعليم من تعزية: فإن كانت هذه الخطية هي الخطية التي لا تغفر، فسائر الخطايا الأخرى، حتى أعظمها وأكثرها قباحةُ، يُمكن أن تغفر حقاً. وهي تُغفر لا عن طريق الممارسات البشرية التكفيرية، بل بفضل غنى النعمة الإلهية.