مجنونا الجرجسيين

[walaa farouk]

...مجنونا الجرجسيين..(مت28:8)
...لوقا(٨)...



بعد أن هدأ الرب العاصفة وأنقذ التلاميذ معاتبا' إياهم على عدم إيمانهم به،توجه نحو كورة الجرجسيين،وكأنه على موعد مع انسانين في حالة شيطانية جنونية بشعة،منتظرينه ﻹستقباله بهكذا حالة يرثى لها،وليس لها شفاء من البشر،لذلك أراد ملاقاتهما لشفائهما نفسا' وجسدا'..فصرخا: :"مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ ابْنَ اللهِ؟ أَجِئْتَ إِلَى هُنَا قَبْلَ الْوَقْتِ لِتُعَذِّبَنَا "..والصارخ فيهم وبلسانهم كان الشيطان نفسه،ﻷنه عرف من هو ذاك المقبل إليه،لم يكن بإنسان عادي،إذ لم يكن ممكنا' لأحد من البشر المرور من تلك الطريق..فجاء من هو الطريق والحياة،ليفتح لهما الطريق نحو الشفاء والحياة..لا تستغرب من صرخة الشياطين هذه،فهي صرخة الموت أمام الحياة،وصرخة الظلمة أمام النور الحقيقي..فالشيطان يؤمن بالله وقد دعاه (يا يسوع ابن الله)، لكن إيمان الشيطان غير نافع له،ﻷنه خال من اﻷعمال - عمل المحبة..لذلك هذا اﻹيمان لا ولن يوصله إلى المحبة (يسوع) غاية كل حياتنا..فنتعلم أن إيماننا نحن أيضا' هو شرط لازم وغير كاف،إن لم نصل إلى المحبة،وقامة ملئ المسيح المحبة..'' إِلَى أَنْ نَنْتَهِيَ جَمِيعُنَا إِلَى وَحْدَانِيَّةِ الإِيمَانِ وَمَعْرِفَةِ ابْنِ اللهِ. إِلَى إِنْسَانٍ كَامِل. إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ الْمَسِيحِ.'' (أفسس13:4)..وبدون المحبة فنحن فارغون، صنج يرن ونحاس يطن..
لماذا سمح الرب للشياطين الخروج والدخول في الخنازير..؟ لسببين
..أولهما : ليكشف لنا مدى شر الشياطين القاتلة للناس منذ البدأ،واتضح ذلك بقتلها للخنازير..وثانيهما :مدى محبة الله الفائقة لكل نفس بشرية وحمايتها،وعدم السماح للشيطان بإهلاكها،أما الذين هلكوا (يهوذا مثلا) فقد هلك بإرادته الحرة التي رفضت المسيح..أما هنا في حالة الشابين،لم يكن لهما أي وعي ومسلوبي اﻹرادة،لذلك لم يطلب منهما المسيح شيء من القبول واﻹرادة او اﻹيمان فهما في حالة الخروف الضال الذي فقد كل شيء حتى إرادته بالرجوع والشفاء..لكن العجب الذي صار : فقد انشفى المجنونان،وظهر أن كل أهل تلك الكورة مجانين بوضوح،إذ رفضوا المسيح بدل أن يستقبلوه ليشفوا كما استقبله أهل السامرة مثلا'...!!! رفضوا النعمة إذ خسروا خنازيرهم..وهكذا نحن أيضا' إذ نرفض المسيح وقدومه إلينا،خوفا' على حفنة ملذات فينا (خنازيرنا الخاصة)..فالعتب الكبير لا على أهل كورة الجرجسيين،بل علينا نحن المسيحيين،بعد أن سمعنا ورأينا ولمسنا عمل الله فينا،نعود إلى وثنيتنا بعبادتنا ﻷهوائنا التي هي بمثابة رمال متحركة تبلع ولا تشبع،وكلما تحركت فيها غصت أكثر،إلى أن تفنيك وتمحوك من وجود أعده الله لك لتعيش وتشارك في المجد اﻷسنى الذي أعده الرب لكل من حفظ وصاياه و ثبت فيه وغلب كل رياح الشر وعواصف الخطيئة وجنون الشياطين..
فادخل يارب كورة قلبي المقفر بالخطيئة،واطرد عني ثقل أوثاني التي عبدتها غباوة،بدلا' منك،فأورثتني الموت،تعال وأرفع عني حمل خطاياي وفك أسري،فأنا منتظرك بصبر لا يفرغ..ﻷرث الحياة يا من هو النور والطريق والحق والحياة..آمين..

الأرشمندريت بأييسيوس..