|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مثل النَسيجٍ الخام (مرقس 2: 21) حوّل السيد المسيح أنظار الفرِّيسيين والكتبة من ممارسة الصوم إلى التغير الكامل الذي يَليق بتلاميذه أن ينعموا به، إذ قال "ما مِن أَحَدٍ يَرقَعُ ثَوباً عَتيقاً بِقُطعَةٍ مِن نَسيجٍ خام، لِئَلاَّ تَأخُذَ القِطعَةُ الجديدَةُ على مِقْدارِها مِن الثَّوبِ وهو عَتيق، فيَصيرُ الخَرقُ أَسوَأ. (مرقس 2: 21). ويُعلق القدّيس بطرس خريزولوغُس " هذا النسيج الخام هو قماش الإنجيل الذي يحيكه الآن من صوف حمل الله: اللباس الملكيّ الذي سيُصبغ بالأرجوانِ من دم الآلام. كيف سيقبل المسيح بتوحيد هذا النسيج الخام مع حرفيّة شريعة إسرائيل البالية؟" (عظة عن القدّيس مرقس). قصد بالمسيح بهذا المثل الفرق بين أصوام الناموس وفرائض اليهود الحرفية والمظهرية "ثوب عتيق"، أي ثوب قديم، وبين الأصوام الروحية أي "القطعة الجديد، رمز القلب الجديد، ولا يمكن الجمع بينهما حتى لا يصير "الْخُرْقُ أردأَ"، إذ أن القماش الجديد عادة ما ينكمش بعد الغسل، فيشق بدوره القماش القديم ويزيد من تلفه. وما هي الرقعة من القطعة الجديدة إلا الصوم بكونه جزءً من تعاليم السيد المسيح فإنها لا تخيط على ثوب عتيق، وإنما ليتغير الثوب كله بالتجديد الكامل بالروح القدس، وعندئذ نتقبل القطعة الجديدة، أي الصوم بالمفهوم الجديد كجزء لا يتجزأ من العبادة كلها. ويرفض يسوع فكرة الترقيع، إذ لا فائدة من ترقيع الثوب القديم، لان الثوب الجديد يخرِّق الثوب القديم إذ يوجد تنافر بين الجديد والقديم وعندما نُمزق ثوبا جديد كي نصلح ثوبا قديما، نتلف لا محالة الاثنين. ولذلك لا يصحّ أن يصوم تلاميذه وهو معهم بنفس الأفكار القديمة الفرِّيسية، بل يريدهم التحول الجذري في الصوم في خط الانجيل. لا يريد يسوع ان يرتبط بمقولات "معلبة" بل يحاول ان يصل الى عمق الانسان. وكانت تلك غلط المعلمين اليهود فيما بعد الذين وجَّه بولس الرسول جدله إليهم " أَمَّا الآن، وقَد عَرَفتُمُ الله، بل عَرَفَكمُ الله، فكَيفَ تَعودونَ مَرَّةً أُخْرى إِلى تِلكَ الأَرْكانِ الضَّعيفةِ الحَقيرة وتُريدونَ أَن تَعودوا عَبيدًا لَها مَرَّةً أُخْرى؟ " (غلاطية 4: 9-10). ونستنتج مما سبق انه بعد أن كان الصوم في العهد القديم حرمانًا للجسد، صار في العهد الجديد تحريرًا للنفس وإنعاشًا للقلب في الداخل، فطلب يسوع من تلاميذه ان يصوموا بفكرٍ مسيحيٍ جديدٍ ولائقٍ حين يرتفع العريس عنهم، بعد حلول الروح القدس عليهم وحصلوهم على الطبيعة الجديدة أي الخليقة الجديدة كما جاء في تعليم بولس الرسول " فإِذا كانَ أَحَدٌ في المسيح، فإِنَّه خَلْقٌ جَديد. قد زالتِ الأَشياءُ القَديمة وها قد جاءَت أشياءُ جَديدة" (2 قورنتس 5: 17). ويعلق القديس أمبروسيوس: "ينبغي ألاَّ نخلط بين أعمال الإنسان العتيق وأعمال الإنسان الجديد، فالأول جسدي يفعل أعمال الجسد، أمَّا الإنسان الداخلي الذي يتجدد، فيليق به أن يميز بين الأعمال العتيقة والجديدة، إذ حمل صبغة المسيح، ولاق به أن يتدرب على الاقتداء بذاك الذي وُلد منه من جديد في المعمودية". وبمعنى آخر، ليس الإنجيل ثوبا خلقاً مرقّعا للمسيحيين، بل ثوبا جديداً، نلبسه كل يوم، ليقي نفوسنا من تحدٍّيات العصر وهبوب رياحه المدمِّرة. |
|