فالباري تعالى لأجل سمو أستحقاقات هذه الطوباوية التي تتضرع اليه من أجله، يهبه تلك النعم التي تكون هي ألتمستها له منه عز وجل. فهكذا يقول القديس نفسه: لأنك يا هذا أن كنت غير مستحق أن يعطى لك مطلوبك. فيعطى لمريم لكي تأخذ منها أنت ما تأخذه: لأن هذه هي وظيفة الأم الصالحة (يقول القديس عينه في محل آخر) التي يكون لها ابنان وهي تعلم أن كلاً منهما هو عازمٌ في قلبه على أن يقتل الآخر ببغضةٍ متبادلةٍ، فترى ماذا تصنع أمٌّ هذه صفتها في حادثٍ كهذا، سوى أن تبذل ما عندها من الجهد، في أن تصالح أحدهما مع الآخر وتزيل العداوة من بينهما. فهكذا مريم العذراء التي هي أمٌ ليسوع المسيح. وأمٌ للانسان (أي لكل البشر) فهذه حينما تشاهد خاطياً ما كائناً في حال العداوة ليسوع المسيح، فلا تقدر أن تحتمل ذلك، بل تبذل عنايتها كلها في أن توقع الصلح والسلام فيما بينهما: فهذه السيدة الكلية الحنو لا تطلب شيئاً آخر من الخاطئ، سوى أن يلتجئ اليها، وتكون نيته أن ينقي ذاته من خطاياه بالتوبة.