منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 17 - 01 - 2022, 06:33 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,577

الفقراء




لا يقال الفقر ضد الغنى كما لا تقال الشمس ضد العتمات. ليس الفقر عدماً ليقايس. لا يحكى الا الوجود. عنيت الفقر لأن سيدي أحبه فانوجدت والوجود لا يعتذر. الفقير عارف لأنه يرى مثل الناصري الشريد. الفقير قتيل. لذلك يعلو. يعلو هنا. الملكوت دشنه صاحبه هنا على ضفاف بحيرة طبرية. ولما فتح فاه قال: «طوباكم ايها الفقراء»، يا جميع الجياع بين الهند والحبشة، المشلوحة أولادهم على أرصفة العواصم. في رواية لوقا وحدها “طوباكم ايها الفقراء لأن لكم ملكوت الله”. حدة لم تبلغها قولة متى: “طوبى للمساكين بالروح”. والمفسرون يقولون لنا ان الكلام الاكثر حدة هو ما صدر عن فم السيد. ويقول الذهبي الفم ان المسكنة بالروح هي التواضع. وقد تشمل كل طبقات الناس. لماذا الطوبى للمحرومين على الصعيد المادي عند لوقا الانجيلي؟ انه هو القائل ايضاً في الله: “ملأ الجياع من الخيرات والأغنياء ارسلهم فارغين”، الانجيل الثالث انجيل فقري اذاً. يبدو ان الدعوة تتضمن مناصرة للفقراء من حيث هم. لمجرد حرمانهم وكأنه يقول انهم انصاره. انا لست بلائم أحداً منهم اذا سعى الى المال. لعل هذا من تعلقه باولاده وعلمهم وصحتهم. أنا لست بقائل ان هذا من الخطأ ولعلي اذا كتبت عن بلد لا أريده متخلفا بالمعايير المتعارف عليها اليوم. كذلك أطلب العدالة واناضل من اجلها. واكره من نادى في سبيل ذلك بقتل الاثرياء وأنا لا أكره واحداً منهم بل لبعض منهم عندي مودات. ما هذا ببحثنا ليوم. وانا في هذه اللحظة لا أكتب عن العطاء وعن المعطي بتهليل كما يدعو الى ذلك بولس. هذه المرة لا أعظ أحداً ولا افاضل بين ناس وناس . اعلن فقط بناء على الكلمة الالهية ان الهي لصيق بالفقراء وانه لما اتخذ هيئة بشرية اقام مع المستضعفين، في حيهم وبدا واحداً منهم كي لا يشعروا ان بين الله وبينهم هوة.
أريد ان اقول للفقراء (لو استطاعوا ان يشتروا جريدة) ان الخطر المحدق بهم – في سعيهم – ان يشتهوا المال. الجهد في سبيله ليس الطمع به. كيف يفهمونني لو قلت لهم ان وضعهم مبارك وان فيه نعمة. انا ما قلت ان يثبتوا في حالهم ولكني ادعوهم ان يثبتوا في قلوبهم لأن الله كنزهم وان عرفوا ان يشتهوه يتنزهون عن كل خطيئة. هناك مصطلحات أوجدتها الامم المتحدة لما نحتت افهومة التنمية في الخمسينات فتعلمت الدول ان تتكلم عن حد الفقر وان ثمة من كان دونه. انا لا أنفي شيئاً مما تقوله الامم المتحدة ومتفرعاتها الاقتصادية وأكره المتحذلقين الذين سيتهمونني بالطوباوية. انا لا ابني نظرية. اعتقد ان هناك مرتبة من الوجود يستطيع فيها المتأمل ان يخرج نفسه من حيز كل هذه اللغة الانمائية. هناك مرتبة الوجود لا علاقة لها بالاقتصاد السياسي وهي مرتبة ذلك الذي وحد المسيح نفسه به لما قال: “كنت جائعاً فأطعمتموني”. انا أفهم ان هذا كلام مرسل الى الحافظين انفسهم بمالهم وانه دعوة لخلاص هؤلاء. ما يهمني اليوم من كلام السيد قوله: “كنت جائعاً” بمعنى انه واحد مع هذا الذي لا يقتني شيئاً وان هذا له ان يفخر بأنه يعيش في مقام مع المسيح فيما هو في هذا المقام أي فيما هو لا يشتهي ما ليس هو عليه. اذا اقام خارج هذا المقام اعطى المحتاج ليس عندنا وعد بأن المسيح معه. ندخل، اذ ذاك، في معالجة اخرى. الفقير – فيما هو على حاله – حبيب المسيح وحسبه. من اعطاه شيئا بلا استعلاء ولا منة ولكن حباً ومشاركة يحبه السيد ايضاً. انه يشتري نفسه. اما لصيق التراب والذل فمن حيث هو جعل الناصري حليفه. ومن اراد ان يقترب من الناصري يقترب هو منه. بلا هذا الدنو من الضعاف ليس لأحد صلة مع فقير الناصرة. ليس لي ان أعلمك سبل الدنو. الحب يعلم كل شيء.
ان تكون جليس المسيح وانت على الارض كرامة لا بعدها كرامة. هذه ليست ملهاة عن الجهد الدؤوب الذي اذا لم نبذله في سبيل المحرومين نكون قد شاركنا في استمرار العوز عندهم وكل المخاطر الناجمة عن العوز. انا لست أؤمن ان لنا فردوساً على الارض نأكل فيه ونشرب ولو آمنت انه لا يسوغ لنا ان نخلف موعدنا مع العدالة. اردت فقط ان أشهد ان للمسيح اخوة جالسين منذ الآن في ضيائه وانهم عنده المصطفون ولك انت ان تتبين طريقك اليهم لتعرف طريقك اليه. ??? قد يختار الفقير ان يلازم فقره اذا رأى في نفسه خطراً ان ينتقل الى حال اخرى. قد يختار الغني الفقر اذا أحب. ولهذا سميت عندنا الرهبانية الفقر الاختياري. قد يرى الانسان انه اذا بات على القليل يقترب الى الله. هذا خيار صعب لكنه ممكن. لا يفرض على احد. ولكن من رأى ان الفقر سبيله الى الله فهذا يحسب له براً وليس لأحد منا تدخل بين النفس وخالقها. قد يؤثر احدنا ان يموت فقيراً اذا تغلب على الخوف، اذا عرف مخاطر الامتلاك. قد يرى نفسه حراً في عدم الاقتناء أو قلة الاقتناء. هو لا يمنع احداً من التغلب على الحاجة. هو له ان يعتنق الحاجة سبيلاً الى الحرية. الا يحتاج الى احد ولا يتحسر في حاجته فهذا شأنه خصوصاً ان عرف ان قبوله الهبة انما يرتضي معها في كثرة الاحيان المنة. “الفقراء معكم في كل حين” قولة ليسوع ليست فقط ملاحظة وجود. في حسي انها دعوة لمن قدر على قبولها. وليس في هذا الموقف ادانة لأحد فليس عند من ارتضى فقره استعلاء فضيلة. انه الشوق لمجالسة اكيدة للسيد، شوق من لا يسعى الى مكافأة في الارض، حب للمكوث في الملكوت منذ الآن، اكتفاء بالكنز الوحيد الذي القلب موضعه. هذا يقدر ان يقول لله مع الحلاج: “مكانك في القلب القلب كله”. هذا هو الغنى بالذات اذ من يستطيع ان يغنى بغير الله او من يزيد على الله شيئا؟ انا اعرف ان هذا لا يحل المشاكل الاقتصادية في العالم. ربما لا يملك احد صيغة لهذا الحل. الوجود كله تجربة ومحاولة. لكن العالم مرض، برؤية البنى وتحليلها واصلاحها او الثورة عليها. الفكر الغربي يرى دائماً الى البنى، الى العام وعبقريته عبقرية القانون. وهو يحلم بالتطور ولا بد من احلام. لكن التطور ليس بحد نفسه التحسين. واذا اتخذنا الانسان بكل تركيبه وتعقيده فليس ما يدل على ان التقدم هو بالضرورة السير الى الاجمل والابهى بالمعنى الانساني الشامل. والسؤال الاكبر هو من اين نبدأ. انبدأ من الهيكليات الاقتصادية والسياسية لنصل الى الانسان في عمقه وسره أم نبدأ من الشخص البشري الراقي روحيا لندرك ما امكن ادراكه من تعمير الارض؟ وهل علينا ان نختار بين هذه المسيرة وتلك ام نشرع فيهما معاً على الرجاء؟ العقل الاوروبي لم يوصلنا الى القلب. وفي الواقع صدرت كل الاحلام الكبرى والطموحات الكبرى من الاحساس الوجداني. وهذا انسكب طموحات وانظمة أي قانوناً. وعالم القانون قائم ليضع حداً للجنون لكنه لا يشفي الجنون.والقانون قائم بسبب الخطيئة ولا يستطيع ان يحارب الخطيئة. انه ينقذ فقط من بعض البادي منها. المشكلة الحقيقية قائمة حتى النهاية في النفس البشرية. الويل لمن جهلها في تشعباتها، في آلامها، في فرادتها، في عزلتها، في انكسارها. النفس عالم الخاص. يبقى عالم العام الذي له مجاله ولكن لا يكفي وحده لحل مشكلة الانسان الوحيد في اوجاعه. عندنا عالمان يلتقيان أو يتقاطعان ولا يلتقيان دائماً. جل ما اردته في هذه العجالة ان الذين هم في عمق الالم لهم استقلال كبير او يمكن ان يكون لهم استقلال كبير عن العام ومحاولاته. ذلك ان هؤلاء قادرون على الا يتخذوا كيانهم الا من الله الواقف فوق على البنى وعلى النفس البشرية معاً. انهم في تحديهم الكبير لوطأة الهيكليات عليهم يشهدون انهم جعلوا الله مأكلهم ومشربهم وانهم – فيما يسعى الآخرون الى افضل يبنوه – يسعى هؤلاء الى ان يقيموا منذ الآن في المجد الالهي.





المطران جورج خضر متروبوليت جبيل والبترون للروم الأرثوذكس
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
جاء فقيرًا وعاش كأفقر الفقراء حتى يدرك الفقراء
لما تدى الفقراء
الفقراء
أين الفقراء
اين الفقراء


الساعة الآن 12:52 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024