غيرة القديس مرقس الرسول
غيرته تمثل الثمر الكثير، على الرغم من عوائق أكثر.
بدأ من فراغ وانتصر على كل الصعوبات. جاء إلى مصر، إلى بلد لا كنيسة فيه، ولا شعب، ولا مسيحية، ولا أية إمكانيات. بل كانت فيه العبادات الفرعونية بقيادة كبير الآلهة رع ، والعبادات اليونانية بقيادة كبير الآلهة زيوس، والعبادات الرومانية بقيادة كبير الآلهة جوبتر. بالإضافة إلى اليهودية التي كانت تشغل حيين من أحياء الإسكندرية، مع عبادات شرقية أخرى.. مع الفلسفة التي تزخر بها مكتبة الإسكندرية الشهيرة.. هؤلاء جميعًا تسندهم سلطة الدولة الرومانية بكل قسوتها.
وكانت غيرة مارمرقس أقوى من تلك المقاومات.
لم تكن له أية إمكانيات مادية على الإطلاق، بل دخل مصر بحذاء مقطوع من كثرة المشي على قدميه.. ولم يجد شعبًا مؤمنًا، فعمل على تكوين شعب مؤمن..
واستطاع مارمرقس بغيرته على ملكوت الله، أن ينشر المسيحية في مصر، وفي ليبيا. كما ساعد بولس الرسول في تبشير رومه، وكثير من بلاد أوربا. وأسس في الإسكندرية أول مدرسة لاهوتية، أعدت قادة للإيمان في الشرق كله. كما أنه كتب الإنجيل الذي حمل اسمه، وكان مصدرًا للإيمان في العالم كله.
كانت غيرته كافية لكرازة مصر، وكانت أكبر من مصر.
فانتشر الإيمان على يديه في أماكن متعددة. وكثرت أسفاره لنشر الملكوت في أقطار أخرى. فاضطر إلى سيامة أسقف عام لمساعدته، يحل محله أثناء سفره. ذلك هو القديس انيانوس أول خلفاء مارمرقس على كرسيه في الإسكندرية.
وطبعًا ما كان ممكنًا لأعداء الإيمان أن يحتملوا غيرة مارمرقس ونشره للإيمان.
فنال إكليل الاستشهاد على أيديهم سنة 68 م. وترك لنا إيمانًا راسخًا مازلنا نحن في ظلاله إلى يومنا هذا. وبقى أن يقتضى أبناء مارمرقس آثار غيرته، ويتتبعوا خطواته.
ولا يقل أحد: أنا مستعد أن أخدم، ولكن لا توجد إمكانيات.
لقد خدم مارمرقس بدون إمكانيات. بدأ من فراغ كما قلنا وفراغ محاط بمقاومات.. ولم يكن يملك سوى غيرته. وهكذا باقى الرسل.
لم يكن طريقهم سهلًا ولا مهدًا، بل كان مليئا بالصعوبات، إذ أنهم خدموا في بلاد وثنية. واليهود كانوا ضدهم. وكذلك الدولة الرومانية.
هم تعبوا، ونحن دخلنا على تعبهم (يو 4: 38).
كما تعب المسيح من قبل، والرسل دخلوا على تعبه. ونتيجة لهذا التعب كله، كانت الكنيسة في نمو مستمر.
حقًا للغيرة نتيجتين: تأسيس الملكوت، وأيضًا نموه.