أنتم نور العالم
وبنفس الطريقة التي تحدث بها قبلًا "أنتم ملح الأرض" يقول الآن "أنتم نور العالم".
في الأولى لا تفهم الأرض على أنها تلك التي ندوسها بأقدامنا بل البشر القاطنين فيها، أو الخطاة الذين لأجل إصلاح فسادهم أرسل الرب الملح الرسولي.
و"العالم" هنا لا يعني السماء والأرض،
بل البشر الساكنين في العالم أو مريديه، هؤلاء لأجل إنارتهم أرسل الرب الرسل.
لا يمكن أن تُخفَى مدينة موضوعة على جبل أي المدينة المؤسسة على بر عظيم ممتاز، الذي يشير إليه الجبل الذي يعظ ربنا.
- ولا يوقدون سراجًا ويضعونه تحت المكيال
- بل على المنارة
- فيضيء لكل من في البيت
ولا يوقدون سراجًا ويضعونه تحت المكيال
ا.
ماذا يقصد بهذا؟
1- "تحت مكيال" تعني إخفاء السراج؛ كأنه يقول "ولا يوقد أحد سراجًا ويخبئه".
2- أم يقصد بالمكيال شيئًا آخر، وذلك لأن وضع السراج تحت المكيال يعني أننا نحجب النور الروحي ونغلف الروح نفسها بأغلفة المادة الكثيفة وملذات الجسد تلك التي تكال وتقاس، فلا نبشر بالحق ما دمنا نخشى تحمل أي ضيق في أمور جسدية زمنية.
3- أم يقصد بالمكيال نوال الجزاء بمقياس، فينال كل شخص جزاء بحسب أعماله، كقول الرسول "ينال كلُّ واحدٍ ما كان بالجسد بحسب ما صنع" (2كو10:5)، كما قيل في موضع آخر كما عن المكيال الذي للجسد "وبالكيل الذي بهِ تكيلون يكال لكم" (مت2:7).
4- أم قصد بذلك أن الأشياء الصالحة الزمنية التي تكمل في الجسد تحدث في الإطار الزمني المحدود، بينما لا تلتزم الأمور الروحية الأبدية بحدود كهذه "لأَّنهُ ليس بكيلٍ يعطي الله الروح" (يو34:3).
لذلك فإن كل من يخفي نور التعاليم الصادقة ويخبئها بالأشياء الجسدية الزمنية يضع سراجه تحت المكيال.
بل على المنارة
الذي يخضع جسده لخدمة الله يضع السراج على المنارة فيكون التبشير بالحق في مرتبة أعلى وخدمة الجسد في مرتبة أدنى. ومع هذا فإن التعاليم تزداد وضوحًا بصورة محسوسة باستخدام الحواس الجسدية، أي عندما تسخر الحواس المختلفة (اللسان والفكر وأعضاء الجسد) في التعليم، لذلك يضع الرسول سراجه على المنارة عندما يقول هكذا: "أُضارِب كأني لا أضرب الهواءَ. بل أقمع جسدي وأستعبدهُ حتى بعدما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضًا" (1كو26:9، 27).
فيضيءُ لجميع الذين في البيت..
أظن أن الذي دعي بالبيت هنا هو مسكن البشر، أي العالم نفسه، وذلك كقوله "أنتم نور العالم". إلا أنه إذا فهم شخص ما البيت على أنه الكنيسة فهذا صحيح أيضًا.
إرضاء الناس | فليضيء نوركم هكذا قدام الناس لكي يَرَوا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السماوات
فليضيءْ نوركم هكذا قدام الناس لكي يَرَوا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السماوات.
لو قال: "فليضيء نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة" فقط، لبدى كأنه جعل مديح الناس هدفًا، هذا الذي يطلبه الهراطقة وملتمسو الكرامات والمتهافتون على المجد الزائل. وقد قيل عن هذه الجماعات "فلو كنت بعد أُرضي الناس لم أكن عبدًا للمسيح" (غل 10:1)، ويقول النبي عن الذين أرضوا البشر "أخزيتهم لأن الله قد رفضهم"، و"لأن الله قد بدد عظام الذين يرضون البشر" (مز 5:53)، ويقول الرسول "لأنكم مُعجبِين" (غل 26:5)، كما يقول "ولكن ليمتحن كلُّ واحدٍ عملهُ وحينئذٍ يكون لهُ الفخر من جهة نفسهِ فقط لا من جهة غيرهِ" (غل 4:6).
لذلك لم يقل "لكي يروا أعمالكم الحسنة" فقط، بل أضاف "ويمجدوا أباكم الذي في السماوات" لأن الإنسان يرضي الآخرين بأعماله الحسنة، لا لأجل إرضائهم في ذاته، بل لتمجيد الله فيرضي البشر ليتمجد الله في عمله، لأنه يليق بالذين يعجبون بالأعمال الحسنة أن يمجدوا الله لا الإنسان. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وذلك كما أظهر ربنا عند شفاء المفلوج، يقول معلمنا متى "تعجبوا ومجَّدوا الله الذي أعطى الناس سلطانًا مثل هذا" (مت8:9).
ويقول المتشبه به بولس الرسول "غير أنهم كانوا يسمعون أن الذي كان يضطهدنا قبلًا يبشّر الآن بالإيمان الذي كان قبلًا يتلفهُ. فكانوا يمجدون الله فيَّ" (غلا23:1،24).
القمص تادرس يعقوب ملطي