رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الصوم: من القديم إلى الجديد
آ14. حينئذٍ، أي حين إذ أفحم الفرّيسيّين، دنا منه تلاميذُ يوحنّا قائلين: لماذا نحنُ والفرّيسيّون نصومُ كثيرًا وتلاميذُك لا يصومون، يعني صومًا متواترًا غير الصوم المعتاد، كالصوم مرَّتين في الأسبوع كما ذكر لو 18: 12. وهذا الصوم لم يكن مأمورًا بالسنَّة، لأنَّ المخلِّص وتلاميذه كانوا يصومون الأصوام المأمورة، بل كان مأمورًا من المعلِّمين ومحرَّضًا عليه تعبُّدًا. وروى لو 5: 33 أنَّ الفرّيسيّين دنوا منه لا تلاميذ يوحنّا كما روى متّى هنا، ووافقه أوغوسطينوس* بأنَّ الفرّيسيّين وتلاميذ يوحنّا تقدَّموا إليه جملة، فذكر لوقا الفرّيسيّين وحدهم، ومتّى تلاميذ يوحنّا حرَّكهم الفرّيسيّون ليتقدَّموا إلى يسوع بهذا السؤال، إذ يبان ممّا تقدَّم أنَّهم لم يجسروا أن يخاطبوا المسيح بل تلاميذه، بقولهم: ما بال معلِّمكم يأكل مع العشّارين وكذا؟ هنا حملوا تلاميذَ يوحنّا إلى هذا التشكّي، فعرض تلاميذُ يوحنّا الأمر على المخلِّص باسمهم واسم الفرّيسيّين، ولذا ذكر لوقا الفرّيسيّين، ومتّى تلاميذ يوحنّا. وفي لوقا: وتلاميذك يأكلون ويشربون. ففي ذلك أشدُّ طعن كأنَّهم يقولون مضمَرًا إنَّهم محبُّو الحنجرة. آ15. فقال لهم يسوع: أيستطيعُ بنو العرس. وقرأت اليونانيَّة لفظة معناها: الأبناء الساكنون في محلِّ العرس. وقوَّة الألفاظ في السريانيَّة: بنو المحفل أي محفل العرس. والعرس بالعربيَّة بمعنى العريس ومحفل العرس، ويراد بذلك على كلِّ القراءات المعيَّنون لتدبير محلِّ العرس ومحفله والطرب فيه أي ندماء العريس ورفقاؤه. أن يصوموا ما دام العريسُ معهم. وقرأت اللاتينيَّة: أن ينوحوا عوضًا عن: أن يصوموا، ويريد بالنوح الصوم إذ كان القدماء ينوحون وقت الصوم كما يظهر من الأسفار المقدَّسة. فالمخلِّص تفنيدًا لزعم تلاميذ يوحنّا قد أشار إلى ما قاله يو 3: 29 بحضرتهم، وهو أنَّ المسيح عريس، وأنَّ يوحنّا المعمدان من أصدقائه. وأنَّه سيأتي أيّام إذا رُفع العريس عنهم حينئذٍ يصومون. وارتفاعه عنهم بالموت وبصعوده إلى السماء. وقد صام الرسل متواترًا بعد موت المسيح، واحتملوا الشغب واللغب والمشقّات والاضطهاد كما يظهر من محلاّت عديدة في أعمال الرسل. وذكر إبيفانيوس* في أرطقة 75 أنَّ النصارى في الكنيسة الشرقيَّة كانوا يصومون يوم الأربعاء والجمعة منذ ذلك الوقت. أمّا يوم الأربعاء فلأنَّ المسيح الختن سلَّمه يهوذا لليهود في مثل هذا اليوم. وأمّا يوم الجمعة فلأنَّ المخلِّص صُلب فيه. آ16. ليس أحد من ذوي الفطنة يضعُ رقعةً جديدة من القماش الجديد في ثوب بالٍ لإصلاحه، لئلاّ يأخذَ ملؤُها من ذلك الثوب البالي، ويصيرَ الخزقُ أوسع وأشنع، فتتضاعف الخسارة. فكأنَّه يقول هكذا: أنا أيضًا لا أصنع بفطنة إذا فرضتُ على تلاميذي الذين ما برحوا غير كاملين وقليلي الثبات أثقالاً حديثة وأحمالاً ثقيلة كالصوم والصلوات الغير الاعتياديَّة فذلك يكون مضرًّا. كذا فسَّر تاوافيلكتوس* وأوتيميوس* ويانسانيوس*. آ17. ولا يجعلون خمرًا جديدة في زقاقٍ بالية لئلاّ تتمزَّقَ الزقاقُ وتُراقُ الخمرُ وتتلاشى الزقاق بواسطة اشتداد قوَّة الخمر الحديث. لكن يجعلون الخمرة الجديدة في زقاق جديد، فيُصانان معًا. فكأنَّه يقول: وكذا تلاميذي، فإنَّه يجب تأييدهم وتشديدهم تدريجًا حتّى يُضْحوا جددًا وأقوياء بالكمال بواسطة قبولهم الروح القدس في العنصرة، فإنَّهم حينئذٍ يقبلون من تلقاء نفوسهم الأصوام وغير ذلك من التقشُّفات. |
|