التناول وفيروس كورونا! | سر الإفخارستيا وعدوى الأمراض
سؤال: شوفت بوستات كتير ع الفيسبوك وغيره بتتكلم على فيروس الكورونا واحتمالية الإصابة بيه من خلال التناول (المناولة والأوبئة).. وأن المفروض نغير الطقس لطريقة أنسب (زي تناول الجسد والدم مع بعض) عشان مانستخدمش المستير. وأن ده كان بيحصل عادي وقت البابا كيرلس السادس وغيره، وعدم أصولية بعض حركات وطقوس جوه القداس وغيرها.. وأن الاستمرار كده ده مجرد نوع من الدروشة وانسياق ورا أفكار شعبية مغلوطة.. وأن الله لا يُعبَد بجهل.. إلخ.
الإجابة(1):
ملحوظة عامة: لا يخفى على القارئ أنه قد نتج عن الوباء الحالي الناتج عن الإصابة بفيروس كورونا Coronavirus موقف عالمي غير مسبوق في العصر الحديث، من حيث أعداد المصابين والمتوفين الكبيرة والمتزايدة بشكل سريع، وتأثيره على الحياة اليومية في جميع أنحاء العالم تقريبًا، واتخاذ العديد من الإجراءات الصارمة المتفاوتة بشكل كبير من دولة لأخرى في محاولات مضنية للحد من انتشار الوباء، الذعر العام الناتج عن تطور الأمور بشكل سريع مختلطًا بالعديد من الشائعات التي يروجها الناس عن خوف وقلة وعي، إلخ. لذا فإنه من الصعب جدًا أن نقوم هنا في موقع الأنبا تكلا بكتابة رد عام يناسب سرعة تطور الموقف واختلاف الأوضاع في مختلف دول العالم، ولكننا سنحاول إلقاء الضوء على بعض النقاط الهامة التي تخص طقس القداس القبطي وخصوصًا طقس التناول، في ظل هذه الظروف العصيبة وغير المسبوقة.
في ديسمبر 2019 م. ظهرت أولى حالات مرض جديد ناتِج عن الإصابة بفيروس "كورونا" في ووهان Wuhan بالصين، وسرعان ما بدأ ينتشر هناك ثم انتقل إلى بلاد عديدة في العالم.. وتم تسمية الفيروس باسم "كوفيد-19" COVID-19، حيث أن "كورونا" هو اسم لمجموعة من الفيروسات، وليس فقط الفيروس المُسَبِّب للوباء الحالي. ويتعرض المُصاب بهذا المرض لأعراض تشبه نزلة البرد، قد تتطور في بعض الحالات التي تختلف حسب العمر والحالة الصحية لما يشبه الالتهاب الرئوي مصحوباً بمضاعفات أخرى قد تتطلب الوجود بالعناية المركزة وقد تسبب الوفاة. ووقت كتابة هذه السطور (21 مارس 2020) فإن عدد الحالات المؤكدة للإصابة بالمرض قد تخطى الـ275,000 عالمياً، بينما عدد الوفيات قد تخطى الـ11,500، أي بنسبة 4% من إجمالي الحالات المؤكدة تقريباً، وإن كانت النسبة تختلف بشكل كبير حسب الفئة العمرية كما سبق وأشرنا. وقد وصل الأمر في بعض الدول مثل إيطاليا للإعلان عن آلاف الإصابات الجديدة ومئات الوفيات بشكل يومي (حوالي 6000 إصابة جديدة و627 حالة وفاة بالأمس)، مما استدعى بعض الدول لاتخاذ إجراءات غير مسبوقة وصلت لحد حظر التجول وإعلان حالة الطوارئ العامة. وقد رأينا في مشهد مأساوي لجوء دولة إيطاليا لحرق جثامين المتوفين بمساعدة القوات المسلحة، لعدم توفر أماكن بالمشارح لاستقبال الجثامين، ولتجنب نشر المرض جراء إقامة الجنازات ومراسم الدفن المُعتادة.
وبحسب حملات التوعية ضد الإصابة بالمرض، فإنه من الضروري غَسْل الأيدي بصورة جيدة وبشكل مستمر - استخدام المطهرات - الابتعاد عن التجمعات بقدر الإمكان وترك مسافة لا تقل عن 1.5 متر عند التعامل مع الآخرين - عدم مشاركة الأدوات الشخصية - تجنب لمس الأسطح التي قد تكون ناقلة للفيروس من شخص لآخر - تجنب لمس الوجه بأيدي غير مغسولة - إلخ.
ومع تصاعد الأحداث بدأت مناقشات حول احتمالية انتشار المرض من خلال حضور القداس وممارسة بعض الطقوس مثل التناول، القبلة بالأيدي، نوال البركة، وغير ذلك.
وقد أصدرت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يوم 21 مارس 2020 م. قرارًا بغلق الكنائس لمدة أسبوعين (تم تجديدها)، ولكن ما تزال هناك الحاجة لمناقشة موضوع هذا المقال، في حال فتح الكنائس لاحقًا والاستمرار في ممارسة الأنشطة الكنسية أو الطقسية الأخرى..
وبالنسبة للتناول، فهناك العديد من المناقشات والأسئلة وردود آباء الكنيسة، خاصة بالنسبة لتناول الدم المقدس، والذي يتم من خلال ملعقة واحدة (المستير) تُسْتَخْدَم لمناولة الكهنة والشمامسة وأفراد الشعب. حيث ظهرت التعليقات والأفكار والمطالبات "المنطقية" لتغيير الطقس، وأن السر شيء ثابت والطقس شيء آخر متغير.. إلخ. وأن الإصرار عليه كما هو مجرد ضَرْب من "الدروشة الدينية" التي هي ضد العقل والحكمة والمنطق.
وكما ذكرنا، فإن الموقف قد أصبح حَرِجًا للغاية في معظم دول العالم، ويشهد تطورات سريعة من قبل الحكومات والمجتمعات بشكل يصعب معه تعميم الرد أو توقع ما سيحدث حتى خلال الساعات القادمة، ولذلك سنطرح بعض النقاط من باب التوضيح والمناقشة، كرأي عام في الأمر.
نعم، كل هذا الكلام منطقي ومقبول وهو جزء من القلق الطبيعي والخوف على الشعب من ممارسات يرى البعض أنها قد تضرّه.. ولك الحق في القلق المشروع والتفكير المنطقي.. ولكن لا ينبغي أن تهمل الجانب الروحي كذلك، ولا إيماننا بقدسية السر. ها هي بعض الملاحظات بخصوص الأمر، رأينا وضعها في هذا المقال، لتكرار السؤال عن نفس الأمر عدة مرات..:
بخصوص الطقس الحالي، والجسد والدم، والمستير - تاريخ الكنسية والأوبئة والأمراض - الجانب الإيماني والجانب العملي - ماذا نفعل إزاء الطقس؟ وما هي طريقة التناول التي نتبعها
أولًا: بخصوص الطقس الحالي، والجسد والدم، والمستير:
أشاع البعض أنه حتى زمن قداسة البابا كيرلس السادس 116 لم يكن التناول بنفس الطريقة الحالية -أي باستخدام المستير-، وهذا الكلام غير حقيقي، فلدينا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت صور عديدة توضح قداسته وهو يناول الشعب والكهنة الدم بالمستير.
والمستير ليس ابتداع حديث، بل رأينا الأب الراهب القمص يوحنا سلامة المحرقي -منذ وقت قداسة البابا كيرلس الخامس 112- يتحدث عن أواني المذبح في كتابه "اللآلئ النفيسة"، ومن ضمنها "المستير"(15). وقد ذكر فيه أن المستير "من لوازم الخدمة لمناولة المشتركين في جسد الرب ودمه الأقدسين بها"(16). وهذا الكلام قد سُجِّل في أواخر القرن التاسع عشر أو أوائل القرن العشرين، أي قبل حِبرية البابا كيرلس السادس بمدة طويلة. وفي كتاب "الترتيب الطقسي" لقداسة البابا غبريال الخامس 88 الذي صدر في أوائل القرن الخامس عشر، يذكر في باب "تكريز أواني الخدمة": "صلاة من أجل الملعقة"(17). وفي عرضه لترتيب قداس القديس باسيليوس يذكر كيف كان يتناول الشعب "الدم بالملعقة"(18)، ويذكر أهمية احتراس الشماس وهو ممسكًا الملعقة في الكأس وقت المناولة(19). وفي كتاب "مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة" لابن كبر (القرن الثالث عشر والرابع عشر الميلادي)، يذكر "المستير" بالاسم وقت التناول واستخدامها مع الدم في الكأس(20).
ونجد هنا فرصة جديدة لِنُذَكِّر القارئ بأهمية التدقيق في كل أمور حياتنا، وخاصة تناقلنا للأخبار والشائعات المغلوطة، والتي انتشرت كثيراً في هذه الأيام التي يسهل فيها على أي شخص نَشْر ما يشاء من أخبار، على أعداد كبيرة من الناس، باستخدام وسائل التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي..
السيد المسيح في تسليم سر الإفخارستيا أعطانا جسده منفصلًا، ودمه منفصلًا: "خُذُوا كُلُوا - اشْرَبُوا" (متى 26: 26، 27) - "كَأْسُ الْبَرَكَةِ الَّتِي نُبَارِكُهَا، أَلَيْسَتْ هِيَ شَرِكَةَ دَمِ الْمَسِيحِ؟ الْخُبْزُ الَّذِي نَكْسِرُهُ، أَلَيْسَ هُوَ شَرِكَةَ جَسَدِ الْمَسِيحِ؟" (1 كو 10: 16) - "وَأَخَذَ خُبْزًا وَشَكَرَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلًا.. وَكَذلِكَ الْكَأْسَ أَيْضًا" (لو 22: 19، 20). فمناولة المرضى بتغميس الجسد في الدم هذا استثناء، لكن الوضع الطبيعي هو كما فعل السيد المسيح بنفسه(8).
ثانيًا: تاريخ الكنسية والأوبئة والأمراض:
طوال تاريخ الكنيسة الذي اقترب من 2000 سنة (20 قرن)، مَرَّت خلال التاريخ البشري العديد من الأوبئة والأمراض التي تفشَّت في المجتمع (مثل الكوليرا أو الطاعون أو غيرها)، لم نقرأ عن أن كنيسة أصيبت بمرض معدٍ بسبب تناول أحد المرضى وسبَّب العدوى لآخرين.. أو أن وباءً انتشر في مجتمع كنسي بسبب التناول أو خلافه.
وهناك ملايين وملايين الأطفال المسيحيين الذين يتم تغطيسهم في الماء عند المعمودية وهم أطفال في عُمر أسابيع قليلة، وهناك أطفال يُعَمَّدون الطفل تلو الآخر في نفس ماء المعمودية.. لم نسمع عن طفل مات غرقًا، أو أُصيب بمشكلة صحية بسبب المعمودية أو عدوى من الذي سبقه أو غيره..
وهناك النفخة المقدسة وقت المعمودية في وجه الطفل، ونفخة في الأوجه في رسامات الشمامسة والكهنة والأساقفة.. إلخ. فهذا كله جزء من الإيمان(13).
الكاهن/الأسقف/البابا هو أول شخص عُرضة لأي شيء مثل هذا -هو والشمامسة خدام المذبح- حيث أنهم هم مَنْ يتممون السر وآخر مَنْ يتناولون(2). وبالتالي منطقيًّا ليس من مصلحة الكنيسة التستر على شيء خطأ أو الجمود عن تغيير أمور طقسية وليست إيمانية.
ثالثًا: الجانب الإيماني والجانب العملي:
إن ما نتناوله هو جسد الرب ودمه المقدسان، وليس مجرد خبزًا ونبيذًا.. "مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ" (يو 6: 56).
إن الدم الذي نتناوله مادته الأصلية هي عصير العنب المُخْتَمِر بنسبة تَخَمُّر قليلة (الأباركة)، وبه نسبة كحول 5% (alcohol - ويتم تخفيفه بالماء)، والكحول يقتل أي ميكروبات أو فيروسات كذلك (الكحول من المطهرات الموصَى بها لتطهير الأيدي). فالمادة نفسها لها طبيعة مُطَهِّرة، بخلاف الجانب الروحي(9). ولكن هذا ليس هو بيت القصيد هنا أصلًا، وحتى وإن لم يكن هناك هذه المادة، فنحن نؤمن أن الأسرار عمومًا لا تتأثَّر بالأمور الخارجية، ولا تخضع للحكم بصورة تحليلية.
إن المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية حاليًا (2020) يضم العديد من خريجي الكليات العِلمية والطبية، ما بين أطباء وصيادلة وخلافه، بل أن بطريرك الكنيسة قداسة البابا تواضروس الثاني 118 نفسه حاصل على بكالوريوس الصيدلة، وحاصِل على زمالة هيئة الصحة العالمية بإنجلترا، ودرس دِراسات عُليا في الهندسة الصيدلية(5).. فإن رأس الكنيسة ليس مجرد من أعلى القامات الروحية، بل العلمية كذلك، وبالتأكيد يفهم أبعاد الأمر وطرق التعامل اللائقة إزاءه.
رابعًا: ماذا نفعل إزاء الطقس؟ وما هي طريقة التناول التي نتبعها:
أصدرت الكنيسة بيانًا في هذا الإطار، ننشره هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في نهاية المقال. ومن ضمن نقاطه حول القداس الإلهي، يطلب إحضار لفافة وغطاء رأس وزجاجة ماء للشرب في نهاية القداس. كما تم نشر بيان يليه حول غلق الكنائس فترة.