الراهب القمص بطرس البراموسي
- أيهما يكفي
ينادى البعض بأهمية الإيمان مستندًا إلى الآية التي ذكرت في قصة سجان فيلبى "آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ" (أع 16: 31) منتقصين من أهمية الأعمال وهذا يرجعنا الشروط الأساسية اللازمة للخلاص وهي:
1- الإيمان 2- المعمودية 3- الأسرار الكنسية اللازمة للخلاص 4- الأعمال الصالحة.
وهذا ما أكده السيد المسيح في إنجيل معلمنا متى حينما ذكر مثل الخراف والجداء كان التميز بينهم على أساس الأعمال وليس الإيمان "وَمَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ الْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ مَعَهُ، فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ. وَيَجْتَمِعُ أَمَامَهُ جَمِيعُ الشُّعُوبِ، فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا يُمَيِّزُ الرَّاعِي الْخِرَافَ مِنَ الْجِدَاءِ، فَيُقِيمُ الْخِرَافَ عَنْ يَمِينِهِ وَالْجِدَاءَ عَنِ الْيَسَارِ. ثُمَّ يَقُولُ الْمَلِكُ لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي،رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ. لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيبًا فَآوَيْتُمُونِي. عُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضًا فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوسًا فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ" (مت25: 31- 36) فهنا دعى السيد المسيح خرافه الذين عملوا أعمالًا صالحة، أما من عملوا أعمال شريرة فكانوا جداءًا وليس خرافًا وذهبوا إلى النار الأبدية "«ثُمَّ يَقُولُ أَيْضًا لِلَّذِينَ عَنِ الْيَسَارِ: اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لِإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ، لأَنِّي جُعْتُ فَلَمْ تُطْعِمُونِي. عَطِشْتُ فَلَمْ تَسْقُونِي. كُنْتُ غَرِيبًا فَلَمْ تَأْوُونِي. عُرْيَانًا فَلَمْ تَكْسُونِي. مَرِيضًا وَمَحْبُوسًا فَلَمْ تَزُورُونِي. حِينَئِذٍ يُجِيبُونَهُ هُمْ أَيْضًا قَائِليِنَ: يَا رَبُّ مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا أَوْ عَطْشَانًا أَوْ غَرِيبًا أَوْ عُرْيَانًا أَوْ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا وَلَمْ نَخْدِمْكَ؟ فَيُجِيبُهُمْ قَائِلًا: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ لَمْ تَفْعَلُوهُ بِأَحَدِ هَؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ فَبِي لَمْ تَفْعَلُوا. فَيَمْضِي هَؤُلاَءِ إِلَى عَذَابٍ أَبَدِيٍّ وَالأَبْرَارُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ»." (مت25: 41-46).
# والسؤال هنا: إذا كان الإيمان وحده يكفى فلماذا أعطيت هذه الأهمية للأعمال... وهى التي حددت مصير البعض أن يكونوا خرافًا وبعضهم يكونوا جداءًا، فالأعمال الشريرة التي يفعلها الإنسان تهلكه وتفقده خلاصه وأبديته بينما الأعمال الحسنة الصالحة تصبح ضرورية لخلاص الإنسان، فالأعمال الصالحة هي ثمرة للإيمان السليم ونكمل بها الإيمان الذي تسلمناه من آباءنا القديسين وهنا يعلق القديس أغسطينوس على ما ذكره معلمنا يعقوب الرسول "فَإِنَّهُ إِنْ دَخَلَ إِلَى مَجْمَعِكُمْ رَجُلٌ بِخَوَاتِمِ ذَهَبٍ فِي لِبَاسٍ بَهِيٍّ، وَدَخَلَ أَيْضًا فَقِيرٌ بِلِبَاسٍ وَسِخٍ" (يع2: 2) فيقول:-
# إن معلمنا بولس الرسول بإعلانه أن الإنسان يتبرر بالإيمان بدون أعمال لم يُفهم بشكل صحيح من قبل أولئك الذين أخذوا هذه الكلمة وفهموها على أنها تعنى أنهم بعد إيمانهم بالمسيح يمكن تبريرهم بالإيمان، حتى ولو استمروا في أعمالهم الشريرة وعاشوا بشكل فاسق وبأسلوب غير أخلاقي لهذا السبب. هذا المقطع في الرسالة التي أمامنا (رسالة يعقوب) يشرح كيف يمكننا فهم المعنى الدقيق لكلمات بولس الرسول.
# وبناء على ذلك يفضل معلمنا يعقوب استخدام مثال إبراهيم "أَلَمْ يَتَبَرَّرْ إِبْرَاهِيمُ أَبُونَا بِالأَعْمَالِ، إِذْ قَدَّمَ إِسْحَاقَ ابْنَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ؟ فَتَرَى أَنَّ الإِيمَانَ عَمِلَ مَعَ أَعْمَالِهِ، وَبِالأَعْمَالِ أُكْمِلَ الإِيمَانُ، وَتَمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ: «فَآمَنَ إِبْرَاهِيمُ بِاللَّهِ فَحُسِبَ لَهُ بِرًّا» وَدُعِيَ خَلِيلَ اللَّهِ." (يع2: 21-23)، "بِالإِيمَانِ إِبْرَاهِيمُ لَمَّا دُعِيَ أَطَاعَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ عَتِيدًا أَنْ يَأْخُذَهُ مِيرَاثًا، فَخَرَجَ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ يَأْتِي. بِالإِيمَانِ تَغَرَّبَ فِي أَرْضِ الْمَوْعِدِ كَأَنَّهَا غَرِيبَةٌ، سَاكِنًا فِي خِيَامٍ مَعَ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ الْوَارِثَيْنِ مَعَهُ لِهَذَا الْمَوْعِدِ عَيْنِهِ. لأَنَّهُ كَانَ يَنْتَظِرُ الْمَدِينَةَ الَّتِي لَهَا الأَسَاسَاتُ، الَّتِي صَانِعُهَا وَبَارِئُهَا اللهُ" (عب11: 8-10) وذلك ليوضح أن الإيمان يكون عقيمًا إذا لم يكن مصحوبًا بالأعمال الصالحة، وذلك لأن بولس الرسول يستخدم مثال إبراهيم "بِالإِيمَانِ قَدَّمَ إِبْرَاهِيمُ إِسْحَاقَ وَهُوَ مُجَرَّبٌ. قَدَّمَ الَّذِي قَبِلَ الْمَوَاعِيدَ، وَحِيدَهُ الَّذِي قِيلَ لَهُ: «إِنَّهُ بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ». إِذْ حَسِبَ أَنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَى الإِقَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ أَيْضًا، الَّذِينَ مِنْهُمْ أَخَذَهُ أَيْضًا فِي مِثَالٍ. بِالإِيمَانِ إِسْحَاقُ بَارَكَ يَعْقُوبَ وَعِيسُو مِنْ جِهَةِ أُمُورٍ عَتِيدَةٍ" (عب11: 17-20) ليثبت أن الإنسان يتبرر بالإيمان بدون أعمال الناموس (رو4) لأنه عندما يذكر المقطع أعمال إبراهيم الصالحة الملازمة لإيمانه، يظهر بصورة كافيه أن بولس يستخدم إبراهيم لتعليم ما يلي: أن الإنسان يتبرر بالإيمان بدون أعمال الناموس، أنه لو آمن شخص فقط تكون الأعمال الصالحة غير مطلوبة منه، بل بالحري يعلم بولس الرسول أنه لا ينبغي أن يفترض أي شخص أنه قد حقق نعمه التبرير التي هي بالإيمان ... بناء على استحقاق أعمالة السابقة.
# إذًا من كلام معلمنا بولس الرسول "إِذًا نَحْسِبُ أَنَّ الإِنْسَانَ يَتَبَرَّرُ بِالإِيمَانِ بِدُونِ أَعْمَالِ النَّامُوسِ" (رو3: 28) يجب أن لا يفهم على أن الإنسان الذي تلقى الإيمان ولا يزال يعيش، هو إنسان بار، حتى ولو كان يحيا حياة شريرة ولذلك مثال إبراهيم يستخدمه للإثنان لأن إبراهيم تبرر بالإيمان دون أعمال الناموس، فنصوص الكتاب المقدس التي تقلل من قيمة الأعمال قد يكون المقصود منها هو أعمال الناموس كالختان والممارسات الطقسية الجافة وحفظ الأعياد والشهور والأيام والمواسم، وإما أن يكون المقصود منها هو مهاجمة الأعمال غير المبنية على دم السيد المسيح وفدائه كالأعمال التي يعملها غير المؤمنين وعابدي الأوثان ولذلك ذكر السيد المسيح هذا الكلام "لاَ تَتَعَجَّبُوا مِنْ هَذَا، فَإِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ، فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ، وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ" (يو5: 29،28) لكي يميز أيضًا بين الأعمال الصالحة الأعمال الطالحة.
# إذًا فليس الإيمان وحده يكفى ولا الأعمال أيضًا وحدها تكفى ولكن لابد من الاثنين معًا وتكون أعمالًا صالحة أيضًا لكي تظهر الإيمان السليم للكل... "لأَنَّهُ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لاَ الْخِتَانُ يَنْفَعُ شَيْئًا وَلاَ الْغُرْلَةُ، بَلِ الإِيمَانُ الْعَامِلُ بِالْمَحَبَّةِ" (غل5: 6)، وأيضًا يقول معلمنا بولس الرسول مظهرًا أهمية الأعمال "لأَنَّهُ إِنْ عِشْتُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ فَسَتَمُوتُونَ وَلَكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِالرُّوحِ تُمِيتُونَ أَعْمَالَ الْجَسَدِ فَسَتَحْيَوْنَ" (رو8: 13)، فبالنسبة لأعمال الجسد التي ينبغي إماتتها بأعمال الروح، يوضح معلمنا بولس ما هي هذه الأعمال "وَأَعْمَالُ الْجَسَدِ ظَاهِرَةٌ: الَّتِي هِيَ زِنىً عَهَارَةٌ نَجَاسَةٌ دَعَارَةٌ عِبَادَةُ الأَوْثَانِ سِحْرٌ عَدَاوَةٌ خِصَامٌ غَيْرَةٌ سَخَطٌ تَحَزُّبٌ شِقَاقٌ بِدْعَةٌ حَسَدٌ قَتْلٌ سُكْرٌ بَطَرٌ، وَأَمْثَالُ هَذِهِ الَّتِي أَسْبِقُ فَأَقُولُ لَكُمْ عَنْهَا كَمَا سَبَقْتُ فَقُلْتُ أَيْضًا: إِنَّ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ مِثْلَ هَذِهِ لاَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ" (غل5: 19-21).
# وعن أهمية الإيمان والأعمال يتحدث القديس يوحنا ذهبي الفم قائلًا [لنحافظ على نار الروح ببذل غير محدود ولنحرص آلا نفرق من جرى إيماننا لأن الإيمان يحتاج إلى معونة الروح وسكناه ليبقى غير متزعزع ومعونة الروح كامنة ومضمونة في حياة نقية، في سلوك بلا عيب، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. إن كنا نبتغى إيمانًا مع جذور عميقة فلنسلك حياة طاهرة تجعلنا نتمسك بالروح القدس الذي سوف يحافظ على شعلة الإيمان. من المستحيل أن نتقدم في إيماننا بدون حياة نقية... ما يشكله الغذاء للجسم تشكله الأعمال للإيمان وذلك كما قال يعقوب الرسول "وَلَكِنْ هَلْ تُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ الْبَاطِلُ أَنَّ الإِيمَانَ بِدُونِ أَعْمَالٍ مَيِّتٌ؟" (يع2: 20) ].
# من هنا أقول لك أيها الحبيب أيهما يكفى لحياة المؤمن وخلاصة... هل الإيمان وحده ولا لزوم للأعمال أو هل الأعمال الصالحة تكفى ولا لزوم للإيمان... بل كلاهما ضروريان للخلاص.
# فلابد للإنسان المؤمن أن يظهر إيمانه بأعماله الحسنة التي يمجد بها أباه الذي في السموات "فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هَكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ." (مت5: 16).