رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
المرأة الكنعانيّة
آ21. وخرجَ يسوعُ من هناك، أي من أرض جاناشر، وجاء إلى تخومِ صورَ وصيدا، أي إلى فونيقي، مجانَبةً لغضب الكتبة، ولكي يَشهر تعليمه للأمم كأهل صور وصيدا، ويعلِّم الرسل إنذارَ الأمم، كما فعلوا بعد صعوده (أع 13). وارتأى بعضهم أنَّه لم يدخل صور وصيدا، لأنَّ الإنجيليّ قال إنَّه جاء إلى تخومهما فقط، ولأنَّه هو الذي أمر الرسل أن لا يسلكوا طريق الأمم، ويظهر من مر 7: 24 أنَّه دخل مدن الأمم. ولكن روى مرقس أنَّه أتى ليختفي هناك، ولم يشأ أنَّ أحدًا يعلم به. ولذلك ارتأى بعضهم أنَّه جاء إلى هناك لمجرَّد الاختفاء ليستريح مدَّة ويفرَّ من المجد العالميّ. وارتأى غيرهم أنَّه أتى يعلِّم الأمم لأنَّ اليهود لم يقبلوا تعليمه. آ22. وإذا امرأةٌ كنعانيَّة. يعني أصلها من الكنعانيّين الذين هم ذرِّيَّة كنعان بن حام بن نوح، وكانوا أوَّلاً يسكنون فونيقي، فطردهم العبرانيّون في أيّام يشوع بن نون، واستمرَّ منهم بقيَّة هناك. وبكر كنعان بن حام كان اسمه صيدون، وهو الذي بنى صيدا، كما في تك 10: 15. والكنعانيّون نفس الفونيقيّين، فإنَّه حيث يقال في يش 5: 1 بالعبرانيَّة واللاتينيَّة: "ملوك كنعان"، يقال في اليونانيَّة السبعينيَّة: "ملوك فونيقي". وروى مرقس عن هذه المرأة الكنعانيَّة أنَّها من فونيقي سورية، وذلك لأنَّها كانت من قسم فونيقي المحاذي سورية، أو بالأحرى لأنَّ سورية تشمل فونيقي وكلَّ الأمصار المجاورة لها التي من بحر المتوسِّط إلى الفرات. وكان قوم من الفونيقيّين خارجًا عن سورية، منهم البيوفونيقيّون أي الفونيقيّون سكّان ليبيا. والباني الذين يستعملون اللغة البونيَّة القريبة من العبرانيَّة، كما شهد القدّيسان إيرونيموس* وأغوسطينوس*، ولا ريب بأنَّ أصلهم من الفونيقيّين. ثمَّ هذه المرأة الكنعانيَّة تسمّى في بشارة مرقس: باليونانيَّة، وفي اللاتينيَّة والسريانيَّة: حنفيَّة أي وثنيَّة، وفي العربيَّة القديمة: يونانيَّة، وذلك دليل على أنَّ جميع الوثنيّين يسمَّون يونانًا في العهد الجديد لاسيَّما في رسائل بولس (روم 1: 17؛ غلا 3: 28)، وذلك لأنَّ اليونان الوثنيّين كانوا يحكمون فونيقي وسورية. فهذه المرأة خرجت من تلك التخوم تصيح قائلة: ارحمْني يا ربّ يا ابنَ داود. قد عرفت أنَّه الماسيّا ابن داود من الشهرة العامَّة وبإلهام الله. إنَّ ابنتي تتعذَّب من الشيطان، أي إنَّها معتراة والشيطان يعذِّبها. ولم تسأله أن يأتي ليُخرج الشيطان من ابنتها، بل ذكرت مصابها وتركت الباقي لرأفته. آ23. فلم يجبْها بكلمة، ليزيدها إيمانًا ورجاء وثباتًا، كما قال فم الذهب*. فتقدَّم إليه تلاميذُه وطلبوا منه قائلين: أطلِقْ هذه فإنَّها تصيحُ وراءَنا، أي أرِحْها من الصراخ ونجِّ نفسك ونجِّنا من مشقَّة سماعها. وروى مرقس أنَّها دخلت البيت وانطرحت على قدميه. والتوفيق الأصوب بأنَّها صرخت في إثرهم بالطريق، كما روى متّى هنا، واتَّبعتهم إلى البيت سائلة ذلك أيضًا، كما روى مر 7: 2. فأجابهم قائلاً: آ24. لم أُرسَل من أبي، إلاّ إلى الخرافِ التي ضلَّتْ من بيتِ إسرائيل، أي إلى اليهود، وفي هذا الوقت لأحضُر بينهم بالجسد، وأقدِّم لهم بشارة الإنجيل ونعمة العجائب (التي يُعبَّر عنها هنا بالخبز)، فإنَّ أخصَّ الوعد بالمسيح هو لليهود، ثمَّ للأمم بالعرض فقط، كما قال الرسول في روم 15: 8. ولهذا السبب يدعو المسيح خادم الختان أي مرشد اليهود المختونين إلى إثبات صدق موعد الله للآباء الأوَّلين. ولو فعل المسيح العجائب وأرشد الأمم بتواتر، كما أرشد اليهود، لحصل اليهود على سبب للارتياب بأنَّه الماسيّا الموعودُ به اليهود. ولا يمكن الكلفينيّين* أن يبرهنوا بهذه الآية ضلالهم بأنَّ المسيح لم يأتِ ولم يمت من أجل جميع الناس، بل من أجل المنتخَبين وحدهم، بل إنَّ ذلك برهانًا*** لنا عليهم، فهو يقول إنَّه أتى من أجل اليهود بالمعنى المتقدِّم شرحُه. والحالّ أنَّ ليس جميع اليهود منتخَبين، كذا قال ملدوناتوس*. آ25. أمّا هي، أي الكنعانيَّة، فأتَتْ وسجدَتْ له قائلة: أعنِّي يا ربّ. إنَّ الكنعانيَّة لم تنكفّ عن صراخها، واتَّبعت أثر المخلِّص حتّى البيت، كما تقدَّم، فاستحقَّ ثباتُها هذا إجابتها. فالله غالبًا لا يثيب داعيَه منذ البداية، ليكرِّر الداعي توسُّلاته. فداومْ إذًا الصلاة تَنَلْ. آ26. فقال لها يسوع: لا يَحسنُ أن يُؤخذَ خبزُ البنين ويُعطي للكلاب، أي لا يليق أن يُخطف القوت المعيَّن لإعالة الأولاد وهم لم يشبعوا بعد، كما روى مرقس، ويعطى للكلاب. ويريد بالخبز: القوت الروحيّ أي نعمة الإنجيل والعجائب، ويريد بالبنين: اليهود الذين هم بنو ملكوت الله، ويريد بالكلاب: الأمم (الذين كان اليهود يدعونهم كلابًا لنجاستهم). فكأنَّه يقول: يجب أن تنتظروا أنتم الأمم ليشبع اليهود من تعليمي وعجائبي. فأراد المسيح، بهذا الخطاب المسهَب مع هذه المرأة، وبتعييرها بهذا الاسم، أن يختبر ويثبِّت احتشامها وإيمانها ورجاءها، كما قال فم الذهب*. وهي حوَّلت ذلك لمقصدها بفصاحة ملحَّة على المسيح بسؤالها وممسكة له من كلامه، كما سيجيء. آ27. فقالتْ: نعم يا ربّ. أي الأمر كما تقول، لا يجب أن يؤخذ خبز البنين ويلقى للكلاب. ولكنَّ الكلابَ أيضًا تأكلُ من الفتاتِ المتساقطةِ عن موائدِ أربابِها وتحيى. كأنَّها تقول: إذًا، هبْني كلبةً لك، أتستطيع أن تُنكر عليّ ولو فتات نعمة زهيدة؟ فهذه المرأة تعلِّمنا بمثلها أن نصلّي ونطلب من الله باتِّضاع وإيمان واحتشام وفطنة وثقة وحرارة ومحبَّة وثبات. آ28. فقال لها يسوع حينئذٍ: عظيمٌ هو إيمانُك يا امرأة بذاته وبمفعولاته. فبذاته، لأنَّك آمنت بالأمور السامية المُقالة في الماسيّا وشعبه وحال الأمم. وبمفعولاته، لأنَّ الثقة والصلاة الحارَّة المزيَّنة بالاتِّضاع والثبات تنولان كلَّ ما يُطلب من الله. ولذا قد منحها حالاً الفتات المطلوب بقوله: فليكُنْ لك كما تريدين. وروى مر 7: 29، فقال لها: اذهبي، فإنَّه من أجل هذه الكلمة قد خرج الشيطان من ابنتك. فشفيَتِ ابنتُها من تلك الساعة. وأمّا كم يمنح الخبز بفيض وسخاء للبنين، وإن كانوا ناكري الجميل جدًّا، فذلك يدلُّ عليه شفاؤه الأمراض، كما سيجيء في الآيات التالية، فضلاً عن غير ذلك. آ29. وانتقل يسوع من هنا، أي من تخوم صور وصيدا، وأتى إلى جانبِ بحرِ الجليل. وصعد إلى الجبل وجلس هناك، مقدِّمًا نفسه لشفاء كلِّ الأمراض. آ30. فدنا منه جموعٌ كثيرة معهم عرجٌ وعميانُ وخرسٌ وأشلاّء وآخرون كثيرون ممنوؤون بالأمراض. وطرحوهم عند رجليِّ يسوع فشفاهم. آ31. فتعجَّبَ الجموعُ لأنَّهم رأوا الخرسَ يَتكلَّمون والعسمَ يُشفَون. هذه العبارة الأخيرة في اليونانيَّة والسريانيَّة، ولا وجود لها في اللاتينيَّة الدارجة. والعرج يمشون والعميان يبصرون ومجَّدوا إله إسرائيل، الذي أعطاهم المسيح مانح كلِّ هذه الإحسانات، وفاعل كلِّ هذه العجائب. |
|