![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ثانيًا : أصل وطبيعة الذبيحة:
إن أصل نشأة تقديم الذبائح أمر يلفه الغموض وتحوطه الأسرار لأنه يرجع إلى عصور ما قبل التاريخ. ويسجل لنا سفر التكوين حقيقة تقديم الذبائح، ولكنه لا يذكر شيئًا عن كيف بدأت . كما أننا نقرأ عنها في عصور الآباء، ثم نجد شريعة موسى تقرها وتقننها. لقد كان تقديم الذبائح أمرًا شائعًا عند كل الشعوب منذ أقدم العصور، فالفيدا الهندية لها طقوسها المحكمة في ذلك، كما أن بعض الشعوب السامية واليونان والرومان والإفريقيين والهنود في المكسيك، كانوا يقدمون ذبائح بشرية، وإن كان ذلك لم يعرف عند سكان أستراليا الأصليين ، ومع ذلك فإنهم يقدمون شيئًا شبيهًا بذلك، فبعضهم يقدم بعضًا من عسل أو حصاة أو حربة للإله. وقد افترض العلماء الكثير من النظريات بعيدًا عن الكتاب المقدس لتبرير شيوع هذا الأمر بين كل الشعوب . وتتلخص هذه النظريات في الآتي: (1) يظن بعض العلماء أنها من ابتكار الإنسان كما سبق القول لتكوين علاقة مودة مع الإله أو لإكرامه أو لاسترضائه، أو لمشاركته الطعام للدخول في عهد أوثق معه. (2) يظن البعض أيضاَ أنها من بقايا العبادات الطموطية التي تعتقد بوجود روح الإله في حيوان ما، وإذ يأكل العبد من الذبيحة فهو "يأكل الإله" ويكتسب في نفسه كل الصفات الجسمانية والعقلية والأدبية التي للذبيحة. في بعض الحالات كان العابد يشرب الدم وبذلك يمتص الحياة. كما كانوا في بعض الأحيان ينهشون لحم الحيوان قبل أن يموت تمامًا أي وهو مازال ينبض بالحياة. (3) أما علماء الكتاب المقدس فيقولون إن تقديم الذبائح أمر وضعه الله للإنسان منذ البداية، ويبنون ذلك على أساس ما جاء في الأصحاح الرابع من سفر التكوين، حيث نقرأ: "أن قايين قدم من أثمار الأرض قربانًا للرب، وقدم هابيل أيضًا من أبكار غنمه ومن سمانها. فنظر الرب إلى هابيل وقربانه. ولكن إلى قايين وقربانه لم ينظر" (تك 4: 3 و4). ويقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين: "بالإيمان قدم هابيل لله ذبيحة أفضل من قايين" (عب 11: 4)، ويقول "فابر" (Faber ): حيث إن الإيمان هو الذي جعل الذبيحة مقبولة أمام الله، فلابد أن هذا الإيمان كان على أساس وصية محددة من الله أمر بها من قبل، فبدون هذه الوصية الإلهية المحددة لضمان فاعلية الذبيحة، لا يكون ثمة معنى لإيمان هابيل. وبعبارة أخرى: لكي يكون للإيمان أساس ثابت وتوجه صحيح، لابد أن يكون هذا الأساس بإعلان من الله، يعبر عن إرادة الله بكل دقة ووضوح، بل يذهب "فيربرن" (Fairburn ) في كتابه "رموز الكتاب" إلى أبعد من ذلك فيؤكد أن الجلود التي ألبسها الله لآدم وحواء ليستر عيريهما، كانت جلود ذبائح قُدمت عنهما، وليس هناك ما ينفي ذلك. |