رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
بماذا ينطق الأب البطريرك؟ لقد وجد الأب فرصة نادرة ربما لا تتكرر بهذه القوة وفي تلك الصورة، لا لينتقم من خصمه، أو يتشفى في مقاوم الكنيسة، بل أن ينطلق بأنظار شعبه ليروا "حقيقة الأمور الزمنية"، فتحدث معهم في مقاله الأول عن أتروبيوس، معلنا "باطل الأباطيل الكل باطل وقبض الريح"، بدأ يسأل أتروبيوس أين عظمته وأمواله وسلطته وأصدقاؤه ومِمَّا لقوه... ليؤكد أنه "قد صار الكل أشبه بخيالات الليل، وأحلام تبددت ببزوغ النهار... كانت كنسيج العنكبوت الذي تهرأ(53). وبعد أن دخل بشعبه إلى حقيقة زوال العالم وما فيه، بدأ يوضح لهم مع أتروبيوس "حب الكنيسة"، فهي ليست مملوءة خداعًا ولا غاشة ولا منتقمة، إنما طبيعتها الحب حتى إن جرحت أو اِنتهرت أو وبخت! وهكذا دخل بشعبه إلى "وصية الحب للأعداء"، محدثًا أتروبيوس قائلًا له(54): [ما كنت أقول لك أني أحبك أكثر من هؤلاء الذين يتملقونك...؟ إني لن أتركك في كارثتك، لن أتركك الآن، وأنت ساقط أحملك وأتحنن عليك. الكنيسة التي عاملتها كعدوٍ تفتح لك أحضانها وتستقبلك.] سرعان ما رفع أنظار شعبه إلى المذبح ليروا أتروبيوس وهو ممسك بقرون المذبح، يلتجئ إلى مراحم الله وحنان الكنيسة. إنه "زينه المذبح(55)" عوض النقمة والتشفي أبهج قلب شعبه، إذ يرون أتروبيوس مضايق الكنيسة قد صار معلمًا يشهد بحب الكنيسة لمضايقيها، وهكذا أصبح "زينة المذبح" خلال حبهم له، ورفقهم به رغم مقاومته السابقة! خلق الذهبي الفم الإثارة والقلق صورة عذبة مفرحة، وجعل منها فرصة للتوبة وزهد العالم الحاضر، مع ممارسة وصية الحب حتى للمقاومين. إن كان أتروبيوس لم يثق في الكنيسة، فخرج منها وأُلقي القبض عليه حيث أعدم في خلقدونية، فإن القديس يوحنا استطاع أيضًا أن يعود ليحدث شعبه بعظةٍ أخرى عن أتروبيوس، مقارنًا بين عمل العالم مع محبيه أو أصدقائه، وعمل الله مع محبيه. لقد عبر القديس بفصاحة نادرة وأسلوبٍ بسيط رائع عن "العرس الروحي السماوي الأبدي(56)". لقد نجح الأب البطريرك أن يحول إعدام أتروبيوس إلى فرصة للكرازة بخلود المؤمنين والدخول بهم إلى فرح أبدي لا ينتهي. هذا العمل أثار نفس الإمبراطورة أفدوكسيا ضده. فقد وقف بجوار أتروبيوس الذي لم تكن تطيقه في ذلك الحين. كما حسدته، إذ شد أنظار المدينة كلها والبلاط الإمبراطوري، ولم يقدر أحد أن يتدخل في أمر أتروبيوس لولا خروجه من الكنيسة. "لقد رأت في يوحنا منافسًا يقدر أن يقاوم حتى البلاط الإمبراطوري، فاشتهت لو تخلصت منه!" |
|