ثقته فيها
كشفت رسائله عن مدي ثقته بشماسته أولمبياس أكثر من أفضل أصدقائه، فهو يتحدث معها في أدق أموره الشخصية، كما يوكل إليها بمهام متنوعة، لأنها قادرة أن تتحمل المسئولية.
لقد كتب إليها [اهتمي برسائلي بكل الطرق، وإن كان كاهن هيلاديوس ليس في مكانه، اعملي على إرسالها إلى أصدقائي بيد إنسانٍ حكيمٍ وواعٍ(42).] فإنه ليس سهلًا في مثل هذه الظروف أن يوجد الإنسان الشجاع والحكيم، والذي يعرض نفسه للكثير من المخاطر باستلام وتسليم رسائل إنسان منفي.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل نجده يوكل إليها أمرًا دقيقًا، أن تهتم بالنفوس التي تحطمت أو انحرفت بسبب الضيق والأعداء، فيقول لها في ذات الرسالة [لا تكُفي عن الاهتمام بالأسقف ماروتاس Marythas، كأنما تهتمين بنفسك. أنقذيه من الهاوية... ليكن هذا هو شغلك الشاغل(43).]
كما يتعهد إليها في ذات الرسائل أمرًا يراه في منتهي الخطورة، وهو أن الأسقف الذي سبق أن رسمه على بلاد القوط قد تنيح، وأن محاولات رسامة أسقف جديد كانت تسير بطريقة خاطئة، فكتب إليها يحدثها في هذا الأمر ببلاغته كصديق يحدث صديقه في أمر جاد وخطير حيث يستطيع الصديق أن يعمل الكثير، فيكتب لها عن تفاصيل كثيرة تخص شروط الأسقف الذي يسام للقوط، وخطورة سيامة أسقف غير مؤهل لهذا العمل، طالبًا منها أن تبذل كل جهدها أن ترجئ الرسامة بطريقة خفية لا يشعر بها أحد.
لقد أظهر ثقته بما سجله لها من تفاصيل عن تصرفات أسقف القيصرية فارتريوس Pharetrius ورهبانه معه، وقسوتهم عليه، دون أن يخشى عليها من العثرة.
كتب إليها عن تصرفات بعض كهنة الأسقف، الذين أعلنوا ولاءهم للقديس يوحنا، الأمر الذي يعرض حياتهم للخطر، لذا يكتب إليها قائلًا "لا يعلم أحد غيرك هذا"، "احتفظي بهذا لك(44)".
أخيرًا فإنه يطلب منها أن تتكشف نيات خصومه وحيلهم لإحباط خططهم حتى يعود إلى كرسيه، ولما فشلت طرقها في أمر عودته كتب إليها يشجعها أنها بذلت ما في وسعها، وأن الله يريد له ذلك لمضاعفة جزائه(45).