يقول القديس أمبروسيوس: أما الذي يحفظ عذريته فملاكٌ هو وأما الذي يخسرها فشيطانٌ: أي أن أولئك الذين يعيشون بالعفاف فيصيرون كالملائكة. كقوله تعالى: لأنهم في القيامة لا يزوجرون ولا يتزوجون، لكن يكونون كملائكة الله: (متى ص22ع30) وأما الزناة والفاسقون فيضحون مبغوضين من الله نظير الشياطين. وكان القديس راميجيوس من عادته أن يقول:" أن أكثر البالغين سن الرجولية يهلكون لأجل رذيلة الدنس". لأن الأنتصارات ضد هذه الرذيلة هي شيءٌ نادرٌ. كما أوردنا في ذلك كلمات القديس أوغوسطينوس عند بداية هذا الفصل. ولكن ما السبب في أن الأنتصارات هي نادرةٌ. فأنما السبب هو من عدم ممارسة الوسائط الضرورية لأكتساب الغلبة، فهذه الوسائط هي ثلاث حسبما يبرهن معلموا السيرة الروحية.
جملةً مع بيلرمينوس وهي: الصوم، والأبتعاد عن الأسباب، والصلاة، فبالصوم الذي هو الواسطة:الأولى: تفهم أماتات الحواس، خاصةً النظر والحنجرة. فمريم البتول ولئن كانت هي ممتليئةً نعمةً إلهيةً، فمع ذلك كانت تميت حاسة نظرها محدقةً بعينيها الى الأرض دائماً. كما يقول القديسان أبيفانيوس ويوحنا الدمشقي، ويوردان عنها انها منذ طفولتها كانت متصفةً بأحتشام فريد مذهل ناظريها، ولذلك يوضح القديس لوقا كيفية مضيها لزيارة القديسة أليصابات بقوله: وذهبت مسرعةً: لكيلا تشاهد من كثيرين في مسيرها. وأما بخصوص قناعتها في المأكل، فيخبر فيليبارتوس بأنه قد اوحي الى السائح فيليكوس بأن مريم العذراء اذ كانت طفلةً رضيعةً، فلم تكن ترضع الحليب من أمها سوى مرةٍ واحدةٍ في النهار. ويشهد القديس غريغوريوس الطورنازي، بأنها في أيام حياتها كلها كانت تمارس الصوم، كما يقول القديس بوناونتورا: أنها لما كانت هي قط فازت بنعمٍ هكذا عظيمةٍ، لولا تكون كلية القناعة. وذلك لأن النعمة لن تتفق أصلاً مع الحنجرة. وبالأجمال أن هذه البتول القديسة كانت تمارس الأماتة في الأشياء كافةً، ولذلك بالصواب قيل عنها: قمت، لأفتح لحبيبي يداي قطرتا مراً، وأصابعي مملؤةٌ مراً فائقاً: (نشيد ص5ع5) أما الواسطة:
الثانية:فهي الهروب من الأسباب، لأنه مكتوبٌ: أن من يحذر الفخاخ فيكون مطمأناً: (أمثال ص11ع15) ولذلك كان القديس فيلبس نيري من عادته أن يقول: أن الغالبين في معركة آلام الشهوة أنما هم الجنود الأندال الذين يولون هرباً: أي الذين يهربون من سبب الخطيئة. فمريم العذراء كانت بمقدار أمكانها تهرب من مواجهة الرجال. ولذلك في ذهابها الى الجبل الى بيت زخريا ذهبت مسرعةً كما تقدم الإيراد. ويقول أحد العلماء: أن والدة الإله قد رجعت من بيت زخريا قبل أن يبلغ زمن إيلاد القديسة أليصابات، وهذا يفهم من ألفاظ الإنجيل عينها وهي: فأقامت مريم عند أليصابات نحو من ثلاثة أشهرٍ وعادت الى منزلها. ولما تم زمان أليصابات لتلد فولدت أبناً ألخ: (لوقا ص1ع56) فلماذا لم تستمر هي ماكثةً عند أليصابات لحين ميلاد السابق يوحنا، فأنما فعلت ذلك هرباً من مخالطتها الجيران والمعارف والزوار الذين هي لحظت جيداً أنهم كانوا مزمعين أن يترددوا الى بيت زخريا في حادث فرح ميلاد أليصابان أبناً في حال شيخوختها.*
وأما الواسطة الثالثة:فهي الصلاة، فيقول الحكيم: ولما عرفت أني لا أستطيع أن أكون عفيفاً أن لم يعطيني الله أن أكون، وهذا هو حكمةٌ أن أعلم ممن كانت لي هذه العطية، فذهبت الى الرب وتضرعت إليه: (سفر الحكمة ص8ع21) فالبتول الكلية النقاوة عينها قد أوحت للقديسة أليصابات الراهبة التي من قانون القديس بناديكتوس (كما يورد القديس بوناونتورا في الرأس 3من كتاب حياة المسيح) بأنها لم تمتلك هي فضيلةً ما من فضائلها من دون صلواتٍ متواترة وأتعابٍ متكاثرة. وقال عنها القديس يوحنا الدمشقي:" أن مريم كانت طاهرةً في ذاتها ومغرمةً في حب الطهارة". وبالتالي لا تحتمل هي الناس الدنسين، الا أن الذي يكون معرقلاً برذيلة الدنس ويلتجئ الى هذه العذراء الفائقة الطهر مستغيثاً بها، فمن دون ريبٍ يفوز بالنجاة من دناساته، بل ينجو من تجارب اللحم بمجرد أستدعائه برجاءٍ وحسن أتكالٍ أسم هذه الأم الإلهية مريم. كما يثبت ذلك يوحنا أفيلا المكرم بقوله: أن كثيرين جداً قد أختبروا في ذواتهم النجاة من التجارب المضادة العفة. وأنتصروا عليها بمجرد أنعطافهم نحو البتول البريئة من الدنس:*
فيا أيتها الحمامة الكلية النقاوة مريم العذراء أواه كم هم كثيروا العدد أولئك الذين هلكوا في جهنم من قبل رذيلة الدنس. فأنقذينا منها أيتها السيدة. وأجعلينا أن نلتجئ إليكِ دائماً في حين التجارب التي تثب علينا ضد العفة. وأن نستغيث بكِ قائلين: يا مريم عينينا، يا مريم خلصينا آمين.*