رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مصطلح "ثيؤطوكوس". هل هذا المصطلح نتاج مجمع أفسس؟ هل هذا المصطلح يؤثر على فهمنا لطبيعة السيد المسيح؟ هل هذا المصطلح غريب عن الكتاب المقدس؟ يروي المؤرّخ سقراط أنّ أوّل من انتقد لقب "والدة الإله" كاهن يدعى أنسطاسيوس أتى به نسطوريوس من أنطاكية. ففي أحد الاحتفالات الكبرى ارتقى المنبر وراح يمدح مريم العذراء، ثمّ أضاف أنّه مهما كانت مريم العذراء جديرة بالمديح، فلا يجوز أن ننسب لها ألقابًا خاطئة. لذلك "لا يجوز لأحد أن يدعو مريم" والدة الإله "، مريم ليست سوى امرأة، والإله لا يمكن أن يولد من امرأة"... فهو بذلك يرفض تسمية السيدة العذراء والدة الإله ويسميها "أم المسيح"... يرفض لقب "ثيئوتوكوس، قائلًا أنها أم يسوع فقط. كما ينادى بـ" خريستوطوكوس "(والدة المسيح الإنسان). أو هى وعاء الله . ورفض نسطور للقب "والدة الإله" يستند على أمرين أساسيين: أ. الأول خاص بالزمن: فيقول أن خالق الزمن لا يمكن أن يولد من أم تخضع للزمن مثل العذراء مريم. ب. الأمر الثاني: أن المتشابهات تلد دائمًا المتشابهات ـ فإذا كان الكلمة المولود من العذراء هو ألهًا، فإن التي ولدته لا تحمل لقب أم، طلما أنه من المستحيل أن تكون أما لابن لا يحمل طبيعتها. رغم أن لقب "والدة الإله"، هو سابق بكثير عن نسطور ولم يكن أبدًا نتاج مجمع أفسس 431م، أنما هى عقيدة مستقرة في الكنيسة في الغرب وفي الشرق. يقول بيرسون "إن الكنيسة اليونانية هي أول من استعمل هذه العبارة بسبب سهولة التركيب في لغتها فدعتها {والدة الإله العذراء المباركة}". أقدم مخطوطة وصلت لنا تضم لقب ثيؤطوكوس هى مخطوطة مصرية قديمة تعود الى القرن الثالث (250م). في صلاة كلماتها: "فى ظل رحمتك ناخذ ملجأ، والدة الإله، لا تتجاهلى صلواتنا في وسط المحنة، لكن نجنا من الخطر يا أيتها النقية الوحيدة، المباركه في النساء". ووجد هذا اللقب فى كثير من الليتورجيات القديمة التى كانت تستخدم فى الكنيسة السريانية القديمة تعود بعضها الى القرن الأول مثل قداس القديس يعقوب الرسول أخوا الرب سنة 70م، وهذه الطلبة مازالت مستخدمة في كنائس الشرق والغرب حتى اليوم بنصها أو بمعناها. وقد ورد هذا اللقب عند كثير من آباء الكنيسة قبل مجمع أفسس، ممّا يبرهن عن شيوعه في الكنيسة الجامعة منذ القرون الأولى. نكتفي هنا بذكر بعض أقوالهم: العلامة أورجينوس (210 – 254م): ذكرا لنا المؤرخ سقرط (379 - 439م)، أن أوريجانوس في المجلد الأول من تعليقاته على رسالة بولس الرسول الرسول الى اهل رومية، يعطي شرحاً وافراً فى شرح المصطلح ثيؤطوكوس. (سقراط 7: 32)، واستخدمه في مجادلاته ضد الدوسيتية والغنوصية. وما لا يقل عن أربع مرات في تعليقاته على سفر المزامير، أنجيل لوقا، سفر التثنية. ميثوديوس من أوليمبوس (تنيح 311 م)): عن هذا الكاتب كتاب كامل باسم ”S. Methodii Opera Et S. Methodius Platonizans” وفى هذا الكتاب وجد ذكر لكلمة θεομήτωρ. ويذكر يوسابيوس القيصرى في كتابه “حياة قسطنطين” أن الإمبراطورة هيلانة “زيّنت المكان الذي ولدت فيه والدة الإله”. في رسالة ألكسندروس أسقف الإسكندرية حول مجمع التأم في الإسكندرية سنة 320 للحكم على بدعة آريوس: "بعد هذا تناولنا عقيدة القيامة من بين الأموات التي صار فيها ربنّا يسوع المسيح باكورة الثمار فقد لبس في الحقيقة لا في المظهر جسدًا اتّخذه من مريم والدة الإله". القدّيس أثناسيوس الكبير: "إنّ الكلمة هو نفسه قد ولد بالجسد من مريم والدة الإله" (ضدّ آريوس 3: 14، 29، 33؛ 4: 32). وفي كتابه "حياة أنطونيوس". ديديموس الضرير: والذي يدعو العذراء “ والدة الإله والدائمة البتولية”. القديس باسيليوس: "إن والدة الإله استمرت على الدوام عذراء". القدّيس كيرلّس الأورشليمي: "رئيس الملائكة جبرائيل يشهد لله في حمله البشارة إلى مريم، والعذراء والدة الإله مريم تشهد له أيضاً" (عظات 10: 19). القدّيس غريغوريوس النيصي: "إنّ ابن الله قد اتّخذ لنفسه جسدًا من العذراء، لذلك حقّ للعذراء أن تُدعى والدة الإله" (في البتوليّة، 13). القدّيس غريغوريوس النزينزي: "إن كان أحد لا يؤمن أنّ القدّيسة مريم هي والدة الإله، فهو غريب عن الله" (الرسالة 101: 4 - 6). والقديس أبيفانيوس أسقف سلاميس يقول: "الذي اتخذ الجسد والنفس الانسانية، الكامل من الآب، الذي لم يصر متجسًا بيننا شكليًا، بل بالحقيقة، الذي شّكل لنفسه إنسانًا من مريم والدة الإله، بالروح القدس" (أنكوراتوس 75: 4) (30: 4). ويعد القديس كيرلس الكبير أكثر من استخدم هذا اللقب وشرحه وتثبت في مجمع أفسس و ورد في وثائق المجمع حوالي 177 مرة سواء صراحة أو بصورة ضمنية، وفي شرح الإيمان القويم في رسالته إلى الملكات يقول لهن: "وكون أن كلمة والدة الإله تعبيرا معتادًا لدى الآباء القديسين الجديرين بالثناء لأجل إيمانهم المستقيم... فقد جمعت الشواهد التي قيلت في الكنيسة بواسطة أولئك عارضا إياها كبراهين لكى أؤكد بذلك صحة أقوالي..". ثم يورد في رسالته أقتباسات من كتابات: (أثناسيوس، الأسقف آتيكوس، الأسقف أنتيخوس، إمفلوخيوس أسقف إيقونية، آمونوس أسقف أندريانوبولس، يوحنا ذهبي الفم، ساويرس الأسقف، بيتاليوس الأسقف، البابا ثاؤفيلوس). ويعلق على انتشار اللقب في رسالة له قائلاً: "لأنى أجد أثناسيوس الأسقف الشهير كثيرًا ما يلقبها في كتاباته" والدة الإله "، ومعه أبينا المبارك ثسؤفيلوس. والعديد من الأساقفة القديسين وأيضًا فعلوا ذلك في أيامهم مثل باسيليوس وغريغوريوس والمبارك أتيكوس ذاته". ويكتب في رسالة أخرى لرهبان مصر عام 429م: "كيف يمكن لأى شخص أن يتردد في دعوة السيدة العذراء بلقب والدة الإله؟... أعبدوه كواحد ولا تقسموه إلى أثنين بعد الإتحاد... نحن لا نعبد مجرد انسان، حاشا لله، بل بالأحرى، الله بالطبيعة". وقد كتب القديس كيرلس مقالاً: "ضد الذين ينكرون أن العذراء القديسة هى والدة الإله"، ذكره الإمبراطور جستنيان الأول في مقاله "ضد المونوفيزيين" الذي كتبه سنة 542م. وقد جاء نص هذا المقال في أعمال المجامع المسكونية، وفيه يُعلن بوضوح أن الذين يرفضون هذا اللقب هم يعتقدون أن اللاهوت سكن في الجسد بعد الميلاد من العذراء. ويعتقدون خطأ بعدم وجود هذا اللقب في الكتاب المقدس، لكنهم بذلك يصمون آذانهم عن دعوة الملاك عن المسيح بأنه "الرب" (لو 2: 11)، وهو نفس اللقب الذي دعاه به بطرس "أع10: 36) وأم المعمدان خاطبت العذراء" أم ربي "(لو1: 43).. فهو لم يقل:" الذي سوف يصير ربًّا "أو" سوف يسكن فيه الرب "، لكن" هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ ". إذن بدون شك إن والدة الإله هي التي ولدت الرب. هكذا نادتْها أيضًا أم المعمدان الطوباوي مُلْهَمَةً بالروح القدس. لأنه مكتوب" وَامْتَلأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَصَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَتْ: «مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ! فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُ رَبِّي إِلَيَّ؟ "(لو 1: 42 - 44). ويختم القديس كيرلس مقاله ويقول: "فمن جُنَّ حتى أنه لا يريد أن يدعو القديسة العذراء مع الكتاب المقدس الثيؤطوكوس... إذن ليْتَّهم لا يصُكُّون آذان المؤمنين الأنقياء بثرثراتهم بسبب أنه دُعيَّ ولدٌ وطفلٌ حتى لا يرفضون تدريجيًّا مجيئه كله. لأنه دُعيَّ من الملاك الطفلُ وأيضاً الربُّ"". وفي رسالته إلى نسطور الشهيرة والتي أورد فيها حروماته الأثنا عشر يقول البابا كيرلس الكبير: "من لا يعترف أن عمانوئل هو الله بالحقيقة، وبسبب هذا العذراء هي والدة الإله، (لأنها ولدت جسدياً الكلمة الذي من الله، الذي تجسد) فليكن محروماً" (الرسالة 17، PG 77, 120C). وبهذا يحسم القديس كيرلس بأن من ينكر هذه العقيدة يحسب ضمن الهراطقة المحرومين من الكنيسة. وقد كان دفاع الآباء وشرحهم وتمسكهم بمصطلح "الثيؤطوكوس" هو تمسك بعقيدة "طبيعة الإله المتجسد"، أى "الخريستولوجي"، وأعتبروا أن تمجيد العذراء بإعتبارها "والدة الإله" هو في الأساس تمجيد لسر التجسد الإلهي، وشرح لطبيعة ربنا يسوع الذي صار إنسان لأجل خلاصنا، تدبير الخلاص الذي أكمله لنا ربنا يسوع المسيح ابن الله المُتجسِّد، قد تحقَّق من خـلال اتِّحاد الله ببشريتنا في المسيح بالجسد الكامل الذي أخذه من العذراء مريم، لكي ننال مـن خـلال هـذا الاتِّحاد عـدم الفساد وعدم الموت والخلاص من خطايانا. يقول المتنيح أنبا غريغوريوس: "رفض نسطور لهذا اللقب ليس هو مجرد إهانة لمريم العذراء، أو سحب كرامة منها، وإنما يحمل معنى أبعد من هذا، ذلك أن لقب والدة الإله كما يظهر من التعبير اليوناني يركز الأنتباه أولاً على لاهوت المولود من العذراء أكثر مما يوجه النظر إلى كرامة العذراء نفسها، وهذا معناه أن المولود من مريم العذراء هو الله المتأنس، وأن ابن الله لم يفقد بتأنسه شيئًا من اللاهوت الذي كان له منذ الازل، ثم أن هذ التعبير يوضح حقيقة أخرى أن المولود من مريم لابد أن يكون له كل ما للإنسان. فناسوته حقيقي وليس خيالاً، وقد ولد وهو الإله المتأنس و\دلاة حقيقية، ولم تكن ولادته خيالية أو ظاهرية..". هكذا كان دفاع الأباء ليس فقط عن مصطلح أنماعن عقيدتنا في السيد المسيح الإله المتجسد، وأن رفض توقير العذراء بكونها "أُم الله" هي في آنٍ نفس المحاولة لإنكار حقيقة وواقع التجسد الإلهي وخلاصنا. ويقول القس غريغوريوس رشيدي عن حكمة الكنيسة و وعيها لتثبيت وشرح هذه العقيدة عند المؤمنين من خلال "الثيؤطوكيات" في التسبحة: "لقد أرادت الكنيسة القبطية أن تحتفظ بالمصطلح العقائدي" والدة الإله "دائمًا حيًا بين أولادها، لذا أعطت هذا اللقب عنوانًا لواحدة من أهم وأقدم القطع الليتورجية التي تشدو بها يوميًا في تسابيحها نحو عريسها السماوي، أي الثيؤطوكيات. لكي من خلال التسبيح اليومي بهذه القطع يبقي معني المصطلح والإيمان به وبالعذراء الثيوطوكوس دائمًا حاضرًا في أذهان المؤمنين... فالثيؤطوكيات هى الإجابة القبطية الليتورجية على كل من ينكرون الأتحاد الأقنومي بين طبيعتي السيد المسيح ومن خلال الثيؤطوكيات حاول الأقباط بطريقة تقوية وبسيطة وبعيدة عن الجدل العقلي التعبير عن إيمانهم في طبيعة السيد المسيح له المجد وتجسده" (دراسة عن الثيؤطوكيات القبطية السبعة (1)، مجلة مدرسة الأسكندرية العدد الثاني / 2009م، ص ص 131: 144). ملاحظة أخرى هى أن مصطلح والدة الإله لم يأتي بحرفه في الكتاب المقدس لكن جاء ما يشرحه ويؤكده بقوة: "لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا... وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ". (أش 9: 6). "لِتَرْعَوْا كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ" (أع 20: 28). "فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ." (لو 1: 35). "فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ η μητηρ του κυριου؟" (لو 1: 43). أما عدم وجود اللفظ عينه في الكتاب المقدس فهو لم يمثل أزمه، أنما يلزم أن نعرف أن الكتاب المقدس ليس معجم للمصطلحات العقيدية أنما هو القانون والمعيار الذي يضبط أى من المصطلحات التي تشرح خطة خلاصنا التي يحتويها، وهو التربة التي تضم جذور الإيمان الذي يُعبّر عنه بمفردات تحاول أن تقترب من الحقيقة، في سياق روحي سليم. لذلك المصطلح هو تعبير عن حقيقة موجودة في الكتاب لئلا يكون إيماننا يتعلق بحروف وكلمات وليس الحق الذي هو ربنا يسوع نفسه... لذلك لم تكن العقيدة أبدًا وشروحات الآباء هى معارك لفظية حول مصطلحات عليهم إثبات صحتها ضد الهراطقة، بل هى أنعكاس لإعلانات الله ولاختبار الإيمان الحي. وكل دفاع الآباء كان عن فعل المسيح وشخص المسيح الذي تجسد لأجل خلاصنا! |
|