![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() فى زهده فى المناصب بالرغم من أن السيد المسيح هو ملك الملوك ورب الأرباب، وبالرغم من أنه هو رئيس الكهنة الأعظم.. إلا أنه عاش بعيداً عن المناصب المختصة بالمُلك، والمختصة بالكهنوت. لم يمجّد نفسه، ولم يُنافس الناس فى مناصبهم، بل كان بعيداً عن كل هذه الأمور.. أولاً: فيما يختص بالمُلك عاش السيد المسيح تحت سلطة الملوك والأباطرة والحكام.. لم تكن له أية وظيفة، ولا رئاسة، ولا سلطان ينافس به الحكام فى سلطتهم. خشى هيرودس الملك من ولادة السيد المسيح ملك اليهود، وأراد أن يتخلّص منه، وذبح جميع أطفال بيت لحم.. ولكنه لم يفهم طبيعة مُلك السيد المسيح الذى قال للوالى الرومانى بعد ثلاثين عاماً: “مملكتى ليست من هذا العالم” (يو18: 36). لم يستخدم السيد المسيح حقه الإلهى فى أن يسود على الجميع، بل وضع نفسه تحت الكل، وكان خاضعاً لسلطان البشر. دَفَعَ الجزية للحكام، ورفض أن تجعله الجموع ملكاً ينتزع ما اعتبروه حقوقاً لهم. ولم يقاوم الذين ألقوا القبض عليه، و”ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه، كشاه تساق إلى الذبح” (إش53: 7)، ولم يقاوم اللطم والإهانات وجلد السياط، ولا ما اقترن بالصليب من إهانات وآلام متنوعة. رفض السيد المسيح الملك الزمنى، وكل أمجاده، لأنه كان يريد أن يملك على القلوب بمحبة إذ قال: “أنا إن ارتفعت.. أجذب إلىّ الجميع” (يو12: 32)، بمعنى أنه حينما يرتفع معلقاً على خشبة الصليب، فسوف يجتذب إليه محبة وإيمان الكثيرين. وفى موضع آخر تكلم عن الصلب فقال: “متى رفعتم ابن الإنسان” (يو8: 28). حقاً “إن الرب قد ملك على خشبة” (مز95: 10).. ملك على قلوب الذين افتداهم وخلصهم من سلطان الخطية وعبوديتها. عاش السيد المسيح فى عالم ممتلئ بالمشاكل والاضطرابات.. ولم يحاول إطلاقاً أن يدخل فى خضم هذا البحر المتلاطم. بل عالج مشكلة الإنسان الداخلية.. وأراد أن يحرر الإنسان من الداخل؛ عملاً بقول الكتاب أن “مالك روحه خير ممن يأخذ مدينه” (أم16: 32). إن فى تحرير الإنسان من الخطية، وفى تحريره من ذاته ومن الأنانية، الحل الحقيقى لمشاكل البشرية ولكل معاناة الإنسان. كانت الحرية فى نظر البشر شيئاً، وفى نظر السيد المسيح شيئاً آخر.. لهذا قال: “إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا” (يو8: 36). أن يتحرر الإنسان من الداخل معناه أن يحيا فى حرية مجد أولاد الله فى الحياة الأبدية، فى شركة مقدسة مع الله. أما التحرر من العبودية الخارجية للبشر، فلا يؤثر فى مصير الإنسان الأبدى.. بل هو وضع مؤقت لا يمكن أن يدوم. وبهذا فقد اهتم السيد المسيح بأن يملك على قلوب الذين اشتراهم من حمأة الخطية والموت الأبدى. لم يأخذ السيد المسيح مُلكاً أرضياً، ولكن فى السماء له ملكوت أبدى. فهو الملك الذى لا نهاية لملكه. ثانياً: فيما يختص بالكهنوت ترك السيد المسيح لكهنة اليهود وظائفهم فى خدمة الكهنوت الهارونى بتقديم الذبائح الحيوانية فى الهيكل. لم يطلب منصباً كهنوتياً، ولا خدمة طقسية فى ذلك الهيكل الذى هو المسكن الأول. بل جعل من جسده هيكلاً لتقديم الذبيحة الحقيقية “وأما المسيح وهو قد جاء رئيس كهنة للخيرات العتيدة، فبالمسكن الأعظم والأكمل غير المصنوع بيد، أى الذى ليس من هذه الخليقة. وليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداءً أبدياً” (عب9: 11، 12). لقد دخل السيد المسيح إلى الأقداس السمائية ليشفع فينا أمام الآب السماوى. لم يزاحم السيد المسيح أحداً فى منصبه الكهنوتى، بل جاء كهنوته، بحسب تدبير الله، كشئ ملازم لتقديم ذاته كذبيحة خلاص حقيقية مقبولة من الآب السماوى. لم يأخذ السيد المسيح رئاسة الكهنوت كوظيفة أو منصب خارجى، بل نبع ذلك من صميم قدرته على تقديم ذاته ذبيحة عن حياة العالم. كان هو الكاهن، وهو الذبيحة. كما أنه هو الهيكل، وهو القربان. وهو الحمل وهو الراعى فى آنٍ واحد. كان الآب هو الذى اختاره ليكون رئيس كهنة إلى الأبد على رتبة ملكى صادق. وقد دفع السيد المسيح حياته ثمناً لعمله الكهنوتى.. فما أمجد كهنوت مثل هذا؟.. أو هل كان ممكناً لمثل هذا أن لا يصير كاهناً؟! حقاً قال معلمنا بولس الرسول: “ولا يأخذ أحد هذه الوظيفة بنفسه بل المدعو من الله كما هارون أيضاً. كذلك المسيح أيضاً لم يمجد نفسه ليصير رئيس كهنة، بل الذى قال له أنت ابنى أنا اليوم ولدتك. كما يقول أيضاً فى موضع آخر أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكى صادق” (عب5: 4-6). |
![]() |
|