الامير والقاضى

[walaa farouk]

كان الامير هنرى ( ابن هنرى الرابع ملك الانجليز فى الزمان الماضى) شابا مستهترا فاسدا. وقد ضم اليه جماعة من الشباب الطائشين فصاروا اصدقاء لايتغارقون بل كانوا يرتكبون من الجرائم المخزية مالا يليق بكرامة العرش والتاج.
وذات يوم قبض على احد هؤلاء الاصدقاء الاشرار وتقرر تقديمة الى المحاكمة لاعتدائه على بعض الأشخاص واستهتاره بالقانون.
وسمع الامير هنرى بذلك فقرر ان يحضر بنفسه الجلسة ليرهب القاضى ويلفت نظره الى ان المتهم صديقه فيعدل عن الصاق التهمة به.
ولكن القاضى لم يهتز لوجود الامير فى قاعة الجلسة بل فحص القضية فحصا عادلا نزيها فوجد ان المتهم مذنب فحكم عليه بالحبس.
وعندما سمع الامير هذا الحكم ثار وفار وقام وسط المجلس وكلم القاضى بلهجة وقحة وامره ان يطلق سراح المتهم قائلا:ليس السجن ايها القاضى هو مكان صديق الأمير انى ولى عهد المملكة وانى امنعك ان تسوق هذا الرجل الى السجن مثل اى مجرم عادى.
فقال القاضى فى حزم وثبات : فلتكن ولى العهد او لاتكن. ليس من حقك ان تتكلم هكذا مع رئيس القضاة. لقد اقسمت على ان انصر العدل وسوف انصره بكل تأكيد.
فازداد الأمير هيجانا وتقدم محاولا اطلاق المتهم ولكن القاضى افهمه ان ذلك ليس من شأنه وامره ان يكف عن احداث ذلك الشغب فى قاعة القضاء المقدسة.
وكانت اللهجة الهادئة المتزنة التى نطق بها القاضى كلماته مثيرة جدا للامير فاندفع الى منصة القضاء ولطم القاضى على خده لطمة قاسية وعندئذ امر القاضى حراس المحكمة ان يقبضوا على الامير ذاته وان يسوقوه الى الحبس مع صديقه !
وقال : انى لم اتخذ هذا القرار لأن الامير اعتدى على شخصيا بل لانه استهان بكرامة القانون وداس على هيبة القضاء.
واتجه القاضى الى الأمير واضاف قوله : انك ايها الشاب الصغير ستصبح ملكا يوما ما فكيف تنتظر من رعيتك السمع والطاعة اذا كنت انت نفسك تخرج على القانون وتدوس شرائع المحكمة ؟!
وعند ذلك احمر وجه الأمير خجلا ولم يجد عنده كلمه دفاع واحدة يمكن ان يقولها فترك سيفه جانبا وانحنى للقاضى واستسلم لم ساقوه الى السجن.
ووصل خبر هذا الحادث الى الملك والد الأمير هنرى فقال مااسعدنى بوجود قاض فى مملكتى يطبق القانون على اكبر الكبراء ! ومااسعدنى بولد يخضع فى النهايه لحكم القانون.
ومرت الأيام وتوج الأمير هنرى ملكا ولقد خاف الكثيرون ممن عرفوا اخلاقه السيئة فى فترة شبابه ان يسئ ادارة البلاد.
ولكن الملك الجديد بدد بتصرفاته تلك المخاوف فقد ابعد عنه اصدقاء الشر قائلا لهم : لقد ابطلت العادات الرديئة ولن اقرب احدكم الى إلا اذا اثبت بتصرفاته الحميدة انه تاب وتجدد واقبلت وفود الشعب على الملك الجديد مهنئين وكان ضمنهم ذلك القاضى الشهم الحر الذى امر يوما بسجنه وهو امير ولم يكن القاضى يعلم كيف سيستقبله الملك. ولعله قدر انه لابد معزول من منصبه. ولكن الملك قام له ورحب بمقدمه وشكره على الدرس الحازم الذى لقنه له وهو شاب مستهتر وقال ستظل فى منصبك الذى تشغله عن جدارة واستحقاق فلست ادرى هل اذا اصبح لى ولد فى مستقبل الأيام وسار على هواه كما سرت انا فى شبابى مع اصدقاء الشر هل تراه يلقى قاضيا فى مثل شجاعتك وثباتك ؟!!
مادام فى أمتى رجال مثلك فهى أمة راقية محفوظة الكرامة موفورة العزة.