رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
المسلمون وقيامة المسيح 1 آراء القائلين برفع المسيح دون صلبه، والردعليها إن المسلمين الذين يعتقدون أن المسيح لم يصلب أو يمت، يقولون أنه رفع إلى السماء قبل حادثة الصلب، وأن كهنة اليهود أخفوا جسد الإنسان الذي صلبوه، والذي كانوا يعتقدون أنه جسد المسيح، لئلا يكرمه أتباعه ويخلدوا ذكراه على ممر الأيام. ولكي يؤيد هؤلاء المسلمون آراءهم، ذهبوا إلى أن هناك اختلافاً بين كتبة الإنجيل بشأن قيامة المسيح، وأن هذا الإختلاف دليل على أن حادثة القيامة الواردة في الكتاب المقدس حادثة ملفقة. لذلك نرى من الواجب أن نفحص آراءهم فيما يلي لنرى مكانتها من الصواب. أولاً - فحص الرأي بإخفاء كهنة اليهود لجسد المصلوب إن خبر قيامة المسيح من بين الأموات، كان قد أزعج رؤساء الكهنة، كما هدد سلطانهم بالإنهيار والزوال، كما ذكرنا فيما سلف. ومن ثم لو كانوا قد أخفوا جسد الشخص الذي صلبوه (والذي كانوا يعتقدون أنه جسد المسيح) ، لكانوا قد أظهروه لتلاميذه لكي يقضوا على شهادتهم بقيامته. ولو فرضنا أنهم لم يعثروا على هذا الجسد، أو أن هذا الجسد كان قد تحلل لكانوا قد أظهروا للتلاميذ أية جثة بالية، وما كان هؤلاء ليعترضوا بأي اعتراض، إن كانوا غير متأكدين من أن المسيح بذاته قد قام من الأموات. وبما أن الكهنة لم يستطيعوا إسكات التلاميذ بأية وسيلة من الوسائل، إذن لا بد أنهم كانوا على يقين تام بأن المسيح قام من الأموات، كما أعلن تلاميذه أمامهم وأمام غيرهم من الناس. ثانياً - فحص الرأي بوجود اختلافات بين كتبة الإنجيل نرى من الواجب قبل أن نستعرض الإختلافات التي يقال بوجودها بين كتبة الإنجيل، أن نشير هنا إلى أنه لا يمكن أن يكتب أربعة أشخاص عن حادثة عرفوها أو شاهدوها، وتكون أقوالهم واحدة في كل لفظ خاص بها (لا سيما إذا كان أحدهم يختلف عن الآخر من جهة الثقافة والسن والنشأة، والطباع والمركز الإجتماعي) وفي الوقت نفسه كان كل منهم يكتب بالإستقلال عن غيره، كما كانت الحال مع كتبة الإنجيل، إذ من الطبيعي أنه على الرغم من اتفاقهم جميعاً على النقاط الرئيسية في الحادثة المذكورة، يستعمل أحدهم ألفاظاً غير التي يستعملها الآخر، ويذكر أيضاً أموراً لا يذكرها غيره. ومن ثم إذا وجد اختلاف بين كتبة الإنجيل، يكون اختلافاً لفظياً أو سطحياً لا يمس الجوهر في شيء. والدليل على ذلك أنهم أجمعوا معاً على خمس نقاط جوهرية. (الأولى) أن المسيح صلب في عيد الفصح، وأن يوسف الرامي طلب من بيلاطس أن يأذن له بدفن جسد المسيح، فوافق على طلبه. ولذلك أخذه يوسف ووضعه في قبر جديد كان قد نحته لنفسه من قبل. (الثانية) أن بعض النساء ذهبن إلى القبر في فجر الأحد، أو بالحري في اليوم الثالث لصلب المسيح، فرأين الحجر مدحرجاً عن فوهة القبر، ولما دخلن في القبر لم يجدن جسد المسيح فيه. (الثالثة) أن بعض الملائكة قالوا للنساء إن المسيح ليس في القبر بل قام من بين الأموات. (الرابعة) أن المسيح نفسه ظهر للنساء المذكورات وطلب منهن أن يخبرن التلاميذ أنه قام. (الخامسة) أن التلاميذ أنفسهم رأوا المسيح بعد ذلك وتحدثوا معه أفراداً وجماعات مرات كثيرة. أما الإختلافات التي يقولون عنها، ففيما يلي نصها والرد عليها: 1 - (إن الكتاب المقدس ينكر، في بعض آياته، القيامة من الأموات. فقد جاء في سفر أيوب أن من ينزل إلى الهاوية لا يصعد (7: 9) ، ومن ثم يكون القول بقيامة المسيح بعد موته، يتعارض مع ما جاء في هذا الكتاب، وبالتبعية يكون إدعاء باطلاً) . الرد: إن غرض أيوب من هذه العبارة ليس نفي البعث، بل نفي رجوع الإنسان بعد موته إلى بيته وأصدقائه. والدليل على ذلك أنه قال في موضع آخر عن نفسه وَبَعْدَ أَنْ يُفْنَى جِلْدِي هذَا وَبِدُونِ جَسَدِي أَرَى اللّه (أيوب 19: 26) . كما أن بولس الرسول قال لمن ينكر البعث ويتساءل عن كيفيته: يَا غَبِيُّ! الذِي تَزْرَعُهُ(من نبات) لَا يُحْيَا إِنْ لَمْ يَمُتْ. 37éوَالَّذِي تَزْرَعُهُ، لَسْتَ تَزْرَعُ الجِسْمَ الذِي سَوْفَ يَصِيرُ، بَلْ حَبَّةً مُجَرَّدَةً,,, وَل كِنَّ اللّه يُعْطِيهَا جِسْماً كَمَا أَرَادَ,,. هكَذَا أَيْضاً قِيَامَةُ الأَمْوَاتِ: يُزْرَعُ فِي فَسَادٍ وَيُقَامُ فِي عَدَمِ فَسَادٍ. يُزْرَعُ فِي هَوَانٍ وَيُقَامُ فِي مَجْدٍ. يُزْرَعُ فِي ضُعْفٍ وَيُقَامُ فِي قُّوَةٍ. يُزْرَعُ جِسْماً حَيَوَانِيّاً وَيُقَامُ جِسْماً رُوحَانِيّاً (1 كورنثوس 15: 36-45) - ولذلك ليس هناك مجال للإعتراض على شهادة الكتاب المقدس عن قيامة المسيح من بين الأموات. 2 - (جاء في الإنجيل أن المسيح أقام ثلاثة أشخاص بعد موتهم، وهم لعازر وابن أرملة نايين وإبنة يايروس (مرقس 5 ، لوقا 7 ، يوحنا 11) ، بينما جاء في (أعمال الرسل 26: 23) أن المسيح هو أول قيامة الأموات، وفي (رؤيا 1: 4) أنه البكر من الأموات - وهذا التناقض دليل على أن الغرض من إسناد القيامة إلى المسيح، مجرد رفعه عن مستوى البشر) . الرد: إن الأشخاص الذين أقامهم المسيح بعد موتهم، قاموا بالأجساد الطبيعية التي كانوا فيها من قبل، ثم عاشوا في هذا العالم بهذه الأجساد فترة من الزمن، ماتوا بعدها ثانية، ولن تعود أرواحهم بعد ذلك إلى أجسادهم إلا في يوم البعث. لكن المسيح عندما قام من الأموات، قام بجسد القيامة الذي لا يتعرض للموت مرة ثانية، ولذلك يكون هو بحق البكر من الأموات، مثالاً للمؤمنين الحقيقيين الذين سيقومون من قبورهم فيما بعد، على صورة جسد مجده (فيلبي 3: 21-22) . 3 - (جاء في (متى 27: 64) أن المسيح قام، بينما جاء في (أعمال 5: 30) أن اللّه أقامه) . الرد: ليس هناك أي تناقض بين القولين، فالإقامة المسندة إلى المسيح، مسندة إليه بوصفه ابن اللّه . وبهذا الوصف قال المسيح لليهود عن جسده قبل صلبه انْقُضُوا هذَا الهَيْكَلَ وَفِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ (يوحنا 2: 19) . أما الإقامة المسندة إلى اللّه، فمسندة إليه باعتبار أن جوهر الآب هو بعينه جوهر الإبن، وهذا الجوهر هو اللاهوت، ولذلك فكل عمل ينسب إلى الإبن، ينسب في الوقت نفسه إلى الآب. وقد أشار المسيح إلى هذه الحقيقة من قبل فقال: الْآبَ الحَالَّ فِيَّ هُوَ يَعْمَلُ الأَعْمَالَ (يوحنا 14: 10) . 4 - (جاء في (متى 12: 4) أن المسيح قال إنه سيمكث في القبر ثلاثة أيام وثلاث ليال، أو بالحري 72 ساعة. لكن إذا حسبنا المدة التي قضاها في القبر (على فرض أنه هو الذي صلب ودفن) ، نرى أنها حوالي 48 ساعة فحسب) . الرد:(أ) إن المسيح لم يقصد بالثلاثة أيام والثلاث ليال المعنى الحرفي، بل المعنى الشرعي، والدليل على ذلك أنه قال قبل صلبه إنه سيقوم في اليوم الثالث. أو بالحري في بحر هذا اليوم (متى 16: 21) . بينما لو قصد المعنى الحرفي، لقال إنه سيقوم في آخر اليوم الثالث، أو قبل ابتداء اليوم الرابع. وبناء على المعنى الشرعي لليوم، يحسب الجزء من اليوم يوماً كاملاً، كما هو معلوم لدينا. وبما أن المسيح دفن في عصر الجمعة، وقام من الأموات في فجر الأحد، واليوم لدى اليهود كان يبدأ من غروب اليوم السابق له (لوقا 23: 54) ، يكون المسيح قد ظل في القبر ثلاثة أيام شرعية. لأن المدة من عصر الجمعة الذي دفن فيه إلى غروب الجمعة، تحسب يوماً. والمدة من غروب الجمعة إلى غروب السبت، تحسب يوماً ثانياً. والمدة من غروب السبت إلى فجر الأحد، تحسب يوماً ثالثاً. (ب) فضلاً عن ذلك فإننا إذا رجعنا إلى الكتاب المقدس، نرى أن الجزء من اليوم كان يحسب عند الناس عامة يوماً كاملاً. فمثلاً جاء في (سفر التكوين ص 42: 17) أن يوسف (الصديق) أمر بحبس إخوته ثلاثة أيام، بينما جاء في (ع 19) من هذا الإصحاح، أنه قال لهم في اليوم الثالث (أو بالحري في بحر هذا اليوم) : إن كنتم أمناء فليحبس واحد منكم . وهذا دليل على أن يوسف كان يعتبر الجزء من اليوم، يوماً كاملاً. وجاء في (سفر صموئيل الأول ص 35: 12) أن رجلاً قال إنه لم يأكل خبزاً ولا شرب ماء ثلاثة أيام وثلاث ليال، بينما جاء في (ع 13) من هذا الإصحاح، أن هذا الرجل قال في اليوم الثالث إنه مرض منذ ثلاثة أيام - أي أنه كان يعتبر أيضاً الجزء من اليوم يوماً كاملاً. وجاء في (أخبار الأيام الثاني ص 10: 5) أن رحبعام قال لجماعة من الناس أن يرجعوا إليه بعد ثلاثة أيام، بينما جاء في (ع 12) من هذا الإصحاح، أن هؤلاء الناس رجعوا إليه في اليوم الثالث-أي أنهم كانوا يعتبرون كذلك الجزء من اليوم يوماً كاملاً. وجاء في (سفر أستير ص 4: 16) أن أستير قالت لليهود أن يصوموا ثلاثة أيام ليلاً ونهاراً حتى تستطيع أن تعرض قضيتهم على الملك. بينما جاء في (ص 5: 1) من هذا السفر أنها دخلت إلى الملك في اليوم الثالث، وليس في اليوم الرابع. وهذا دليل على أن العرف قد جرى على اعتبار الجزء من اليوم يوماً كاملاً. مما تقدم يتجلى لنا أن التعبير ثلاثة أيام وثلاث ليالي هو اصطلاح عام، كان يراد به ثلاثة أيام كاملة من الناحية الشرعية. فإذا أضفنا إلى ذلك أن المسيح كان الشخص الوحيد الذي عاش على الأرض دون خطية ما، اتضح لنا أنه لم يكن من الجائز أن يظل في القبر بعد إتمامه لعمل الفداء، إلا أقصر مدة تعتبر ثلاثة أيام كاملة كما قال. 5 - (جاء في (يوحنا 16: 10) أن المسيح قال لتلاميذه قبل حادثة الصلب لأني ذاهب إلى أبي ولا ترونني أيضاً، أي أن اللّه سيرفعه إليه دون أن يموت. بينما جاء في (يوحنا 20 و21) أنهم رأوه بعد قيامته) . الرد: من المعلوم لدينا أنه من الخطأ تفسير آية بالإستقلال عن الآيات المقترنة بها، بل يجب تفسيرها بالإقتران مع هذه الآيات. فبعد الآية الأولى قال المسيح لتلاميذه بعد قليل لا تبصرونني، ثم بعد قليل أيضاً ترونني، لأني ذاهب إلى الآب . ولما سألوه عن معنى هذه العبارة، قال لهم إنكم ستبكون وتنوحون والعالم يفرح... لكني سأراكم أيضاً، فتفرح قلوبكم (يوحنا 16: 16-22) - فمن هذه الآيات يتضح لنا أن المسيح كان عتيداً أن يموت أولاً، وأن تلاميذه كانوا عتيدين أن يبكوا وينوحوا. وبعد ذلك كان لا بد أن يقوم من الأموات، فيفرحون برؤيته. وأخيراً كان لا بد أن يصعد إلى السماء من حيث أتى في أول الأمر. ومن ثم لا يكون من الميسور لهم أن يروه بالجسد بعد ذلك على الإطلاق. 6 - (جاء في (أعمال الرسل 2: 32) أن المسيح ظهر بعد قيامته ليس لكل اليهود، بل لتلاميذه الذين سبق أن اختارهم. وهذا ما يبعث الشك في خبر قيامته من الأموات. لأنه لو كان قد قام فعلاً، لأظهر نفسه لكل اليهود حتى يؤمنوا جميعاً أنه قام) . الرد:(أ) إن اليهود برفضهم للمسيح (يوحنا 1: 11) وصلبهم إياه، قد رفضهم اللّه. كما حكموا على أنفسهم أنهم لا يستحقون أن يروا المسيح بعد، إلا وهو ملك يقضي على الأشرار منهم ومن غيرهم من الشعوب، كما أعلن لهم من قبل (متى 23: 39) . فضلاً عن ذلك فإن المسيح لم يكن من شأنه أن يرغم البشر على الإيمان به بواسطة معجزة يبهر بها عقولهم ويقهرها لسلطانه، لأن هذا العمل بالإضافة إلى أنه لا يتفق مع كماله، أو مع حرية الفكر التي جبل البشر عليها، فإنه لم يكن ليغير شيئاً من نفوس اليهود، لأنهم كانوا، على الرغم من المعجزات الباهرة التي عملها المسيح أمامهم، قد أصروا على رفضه بكل وسيلة من الوسائل. كما أنه لو كان قد ظهر لهم بعد قيامته، لكانوا بسبب كراهيتهم الشديدة له، قد قالوا إن به شيطاناً كما كانوا يقولون من قبل، عندما كان يأتي المعجزات السابق ذكرها أمامهم (متى 12: 24) ، وتبعاً لذلك ما كانوا يستقبلونه بالحب والإكرام، بل بالغيظ والحنق المنبعثين من الإرتعاب أمام قدرته. ولو فرضنا جدلاً أنهم لم يقابلوه بهذه المقابلة، لما استطاعوا أن يؤمنوا به إيماناً حقيقياً، لأن العامل الأساسي في هذا الإيمان ليس رؤية المسيح قائما من بين الأموات، بل هو الإخلاص للحق. وهذا الإخلاص لم يكن له أثر في نفوسهم، والدليل على ذلك أنهم رفضوا الإيمان بالمسيح على الرغم من المعجزات الكثيرة التي تثبت شخصيته، كما ذكرنا. وقد أشار له المجد من قبل إلى هذه الحقيقة بإشارة عامة، فقال عنهم إنهم أحبوا الظلمة أكثر من النور (أو بالحري أكثر من شخصه) لأن أعمالهم كانت شريرة (يوحنا 3: 19) ، كما قال عنهم أيضاً إنهم إن كانوا لا يسمعون من موسى والأنبياء، لذلك فإنهم لا يصدقون حتى إذا قام واحد من الأموات (لوقا 16: 31) . (ب) ومن ثم كان من البديهي أن يظهر المسيح بعد قيامته لتلاميذه وللمؤمنين به فحسب، إذ فضلاً عن أن هذين الفريقين كانا أعرف الناس بشخصيته وأقدرهم على التحقق منها، فإن عدد كل فريق منهما كان كافياً جداً لإثبات حقيقة قيامته، فالتلاميذ كانوا أحد عشر، والمؤمنون كانوا خمسمائة. فإذا أضفنا إلى ما تقدم، أن الذين آمنوا بالمسيح بعد ذلك بواسطة رسله، لم يروا بأنفسهم شخصه مقاماً من الأموات - لأنه كان يكفيهم أن يتلقوا خبر قيامته من شهود عيان تؤيد شهادتهم نبوات العهد القديم من جهة، والمعجزات التي أجراها الرسل باسم المسيح المقام إثباتاً لحقيقة قيامته من جهة أخرى (أعمال 3: 15-16 ، 14: 9-10) - اتضح لنا أن الدعوى التي نبحثها لا مجال لها على الإطلاق. 7 - (جاء في (يوحنا 20: 17) أن المسيح قال لمريم المجدلية بعد قيامته لَا تَلْمِسِينِي لِأَنِّي لَمْ أَصْعَدْ بَعْدُ إِلَى أَبِي . بينما جاء في (متى 28: 9) أن بعض النساء أمسكن بقدمي المسيح بعد قيامته) . الرد:(أ) لو أن أحد كتبة الإنجيل قال إن المسيح نهى المجدلية عن أن تلمس قدميه، وقال آخر إنها أمسكت بقدميه دون أن ينهاها المسيح عن لمسهما، لكان هناك تناقض. لكن قول الواحد إن المسيح نهى مريم عن لمس قدميه، وقول الآخر إنه ترك اثنتين غيرها تمسكان بقدميه، لا يدل على وجود تناقض ما. (ب) فضلاً عن ذلك فإنه بالرجوع إلى الكتاب المقدس، يتضح لنا أن مريم المجدلية كانت أكثر الناس محبة للمسيح وإخلاصاً له (والدليل على ذلك أنها عندما وجدت قبره خالياً رفضت أن تعود إلى المدينة مع باقي النساء، بل ظلت بجواره تبكي حتى رأت المسيح) . ومن ثم لا شك أنها عندما أبصرته حياً بعد موته، اندفعت نحوه لتمسك به بكل قواها، غير عالمة أن علاقة المؤمنين به في العهد الجديد الذي تأسس على موته وقيامته، ستكون علاقة روحية محض (فقد قال الرسول إن كنا قد عرفنا المسيح حسب الجسد، لكن الآن لا نعرفه بعد حسب الجسد (1 كورنثوس 5: 16) ، لذلك كان من البديهي أن ينهى المسيح مريم المجدلية عن الإمساك المادي به، باعتبارها أول من لقيته، وذلك لكي تحمل لنفسها ولتلاميذه هذا الفكر الجديد. (ج) فإذا أضفنا إلى ما تقدم أن المسيح كان قد أعد لمريم هذه خدمة هامة عاجلة، وهي إذاعة بشرى قيامته بين تلاميذه، حتى ينتعش إيمانهم وتطمئن قلوبهم (يوحنا 20: 17) ، اتضح لنا أنه كان من البديهي أيضاً أن لا يسمح لها وقتئذ أن تصرف وقتاً معه، بعد أن أيقنت أنه قام من بين الأموات. 8 - (جاء في (متى 28: 1) أن مريم المجدلية ومريم الأخرى ذهبتا لتنظرا القبر، وجاء في (مرقس 16: 1) أن مريم أم يعقوب وسالومة ذهبتا إلى القبر. وجاء في (لوقا 24: 1) أن النساء اللاتي شاهدن دفن المسيح، ذهبن إلى القبر في أول الأسبوع ومعهن أناس - بينما جاء في (يوحنا 20: 1) أن مريم المجدلية ذهبت إلى القبر، أي أنها ذهبت وحدها إليه) . الرد: إن التناقض بين الأقوال يكون بنفي بعضها للبعض الآخر، فلو أن أحد كتبة الإنجيل قال إنه ذهب إلى القبر كثير من النساء، بينما قال آخر إنه لم يذهب إليه إلا مريم المجدلية، لكان هناك تناقض، لكن قول أحدهم إن مريم المجدلية ذهبت إلى القبر، وقول الآخر إنه ذهب معها بعض النساء، دليل ليس على التناقض، بل على أن الأول اكتفى بذكر أشهر النساء، أما الآخر فذكر أسماء النساء اللاتي ذهبن معها، لكي يسجل كل ما حدث بالتفصيل - والدليل على ذلك أن يوحنا الذي لم يسجل أسماء النساء اللاتي ذهبن مع مريم المجدلية إلى القبر، ذكر أن مريم المجدلية قالت له ولبطرس أخذوا السيد ولسنا نعلم (بصيغة الجمع) أين وضعوه (يوحنا 20: 2) ، الأمر الذي يدل على معرفته بأن مريم لم تذهب إلى القبر وحدها، بل ذهب معها غيرها. 9 - (جاء في (مرقس 16: 6) أن النساء عندما رأين الملاك اندهشن، بينما جاء في (متى 28: 9) إنهن أمسكن بقدمي المسيح دون دهشة. وجاء في (لوقا 24: 37) أن التلاميذ اضطربوا لما رأوا المسيح، بينما جاء في (يوحنا 20: 20) أنهم فرحوا عندما رأوه. وجاء في (متى 28: 10) أن المسيح أوصى النساء أن يقلن لتلاميذه أن يذهبوا إلى الجليل لكي يروه، بينما جاء في (لوقا 24: 33-36) أن تلاميذه رأوه في أورشليم) . الرد: ليس هناك تناقض بين هذه العبارات، إذ كان من البديهي أن تأخذ النساءالدهشة عندما رأين القبر خالياً وملاكاً موجوداً فيه. إذ كن قد رأين بعيونهن من قبل أن المسيح قد دفن في هذا القبر، وأن حجراً قد وضع عليه. لكن عندما رأين المسيح وتحققن من شخصيته، زالت الدهشة وأمسكن بقدميه. وكان من البديهي أن يضطرب التلاميذ عندما رأوا المسيح لأول وهلة، لأنهم كانوا يعلمون علم اليقين أنه مات ودفن. لكن لما اقتربوا منه وتحققوا من شخصيته زال عنهم الإضطراب وحل محله السلام والإبتهاج. وكان من الواجب عليهم أن يذهبوا إلى الجليل طاعة لأمر المسيح، لكن عدم تصديقهم الخبر الخاص بقيامته في أول الأمر، جعلهم ينتظرون في أورشليم. فقدر المسيح حالتهم النفسية وأخذ يعلن ذاته لهم في هذه البلدة المرة بعد الأخرى، حتى آمنوا جميعاً بقيامته. وبعد ذلك استطاعوا أن يذهبوا مع خمسمائة من المؤمنين به إلى الجليل (1 كورنثوس 15: 6) لرؤيته هناك، كما قال لهم من قبل. 10 - (جاء في (مرقس 16: 8) أن النساء لم يقلن لأحد شيئاً مما رأينه داخل القبر، بينما جاء في (متى 28: 8) أن اثنتين منهن أخبرتا التلاميذ بكل ما رأينه) . الرد: ليس هناك تناقض بين القولين، إذ المعقول أن النساء المذكورات رجعن إلى أورشليم بسرعة، ولذلك لم يقلن لأحد من المارة شيئاً مما رأينه داخل القبر، لكن لما قابلن التلاميذ أخبرنهم بكل ما رأين، لأن هؤلاء كان يهمهم معرفته أكثر من أي شخص آخر في الوجود. 11 - (جاء في (متى 28: 9) أن الملاك عندما أخبر إمرأتين أن المسيح قام من الأموات، انطلقتا إلى المدينة. وعندما كانتا في الطريق إليها، قابلهما المسيح وقال لهما: إذهبا وقولا لإخوتي أن يذهبوا إلى الجليل. بينما جاء في (لوقا 24: 8-10) أن بعض النساء عندما علمن (أو سمعن) بقيامة المسيح، رجعن وأخبرن الأحد عشر تلميذاً، فلم يصدقوهن) . الرد: ليس هناك أي تناقض بين القولين، فالنساء بمجرد أن علمن بقيامة المسيح انطلقن إلى التلاميذ لكي يخبرنهم بما حدث. ولما لم يصدقوهن، لأن الخبر كان جديداً وغريباً بالنسبة إليهم، رجعت اثنتان منهن إلى القبر، عسى أن تعرفا شيئاً أكثر عن حقيقة قيامة المسيح. فظهر لهما الملاك المذكور وأخبرهما عن قيامته له المجد بأكثر وضوح. وفي أثناء عودتهما هذه المرة ظهر لهما المسيح أيضاً، وطلب منهما أن يقولا لتلاميذه أن يذهبوا إلى الجليل. 12 - (جاء في (متى 28: 8) أن زلزلة عظيمة قد حدثت لأن ملاك الرب نزل من السماء، وجاء ودحرج الحجر عن باب القبر، وجلس عليه. بينما جاء في (مرقس 16: 4) أن النساء عندما ذهبن إلى القبر، رأين الحجر مدحرجاً. ولما دخلن رأين شاباً جالساً على اليمين لابساً حلة بيضاء. وجاء في (لوقا 24: 2) أن النساء وجدن الحجر مدحرجاً عن القبر، وفيما هن محتارات، إذا رجلان وقفا بهن بثياب براقة. بينما جاء في (يوحنا 20: 10 و12 و13) أن المجدلية رأت الحجر مرفوعاً، فانحنت إلى القبر فرأت ملاكين) . الرد:(أ) إن التناقض بين الأقوال يكون كما ذكرنا فيما سلف بنفي بعضها للبعض الآخر، فلو أن أحد كتبة الإنجيل قال إنه حدثت زلزلة، وقال الآخر إنه لم تحدث زلزلة، لكان هناك تناقض، لكن إذا لم يتعرض الثاني لذكر شيء عن الزلزلة، فليس هذا دليلاً على عدم حدوثها، بل دليلاً على أنه اختصر في تسجيل تفصيلات القيامة، فاكتفى بالإشارة إلى دحرجة الحجر عن القبر وعدم وجود جسد المسيح فيه، الذي هو أهم أمر في القيامة. (ب) كما أن قول الواحد إن ملاكاً جلس على الحجر، وقول الآخر إن النساء رأين شاباً لابساً حلة بيضاء داخل القبر، لا تناقض بينهما، إذ من المحتمل أن الملاك بعدما دحرج الحجر، جلس عليه لكي يرعب الحراس. لكن لما رأى النساء مقبلات إلى القبر، انتقل إلى داخله (لئلا يهربن كما هرب الحراس من قبل) ، فتراءى لهن أنه شاب لابس حلة بيضاء. وهكذا الحال من جهة قول الواحد إن النساء رأين ملاكين، وقول الآخر إنهن رأين رجلين. لأنه من المسلم به أنه إذا أرسل اللّه لنا ملاكاً، لا يرسله في هيئته الخاصة كروح، لأننا لا نستطيع في هذه الحالة إدراكه، بل يرسله لنا في الهيئة المألوفة لنا وهي الهيئة البشرية. فإذا أضفنا إلى ذلك أن الإنجيل الذي سجل أن النساء رأين منظر ملائكة، هو الذي سجل أنهن رأين رجلين بثياب براقة (لوقا 24: 4-23) ، لا يبقى هناك مجال للإعتراض. (ج) كما أن قول أحد كتبة الإنجيل إن النساء رأين في القبر ملاكاً ، وقول الآخر إن مريم المجدلية رأت فيه ملاكين لا يوجد تناقض بينهما، لأن الفاعل ووقت الفعل ليسا واحداً في العبارتين - إذ أن الذي رأى في العبارة الأولى، هن النساء اللاتي أتين مع مريم المجدلية، وذلك على أثر ذهابهن إلى القبر. أما الذي رأى في العبارة الثانية فهي مريم المجدلية وحدها، وذلك بعد انطلاق النساء المذكورات إلى المدينة - لأن المجدلية عندما رأت الحجر مدحرجاً، لم تدخل القبر مع النساء المذكورات (إذ خانتها قواها بسبب محبتها الشديدة للمسيح وحزنها العميق لموته) ، بل ظلت خارجاً تبكي لظنها أن جسد المسيح قد سرق (يوحنا 20: 11) ، ولما انطلقت النساء المذكورات إلى المدينة استجمعت قواها واتجهت بمفردها إلى القبر للتأكد من حقيقة الأمر - وإذا اختلف الفاعل وزمن الفعل، فليس من الضروري أن يكون المفعول واحداً. لأنه من المحتمل أن يكون أحد الملاكين قد استدعي حينئذ من اللّه، للقيام بمهمة خاصة. وظهور ملاك أو ملاكين أو جماعة من الملائكة عند قيامة المسيح، يشبه ما حدث عند ولادته من ظهورات سماوية. فقد ظهر جند من الملائكة يسبحون اللّه (لوقا 2: 13) ، بينما الذي بشر الرعاة بمولد المسيح كان ملاكاً واحداً (لوقا 2: 9) . كما أننا إذا وضعنا أمامنا أن الغرض الوحيد من ذهاب النساء إلى قبر المسيح هو تعطير جسده، وليس مشاهدة ملائكة أو خلائق أياً كان نوعها، اتضح لنا أن القول برؤيتهن لملائكة أو لملاك، لا مجال للتلفيق أو التخيل فيه على الإطلاق. وبالإضافة إلى ما تقدم هناك أدلة متعددة تقضي قضاء تاماً على فكرة وجود تناقض بين كتبة الإنجيل، نذكر منها ما يأتي: 1 - إن الكاتب الذي لم يذكر حادثة في قيامة المسيح ذكرها غيره، سجل عبارة تدل على حدوثها. فمثلاً (أ) مرقس لم يذكر أن بطرس الرسول ذهب إلى قبر المسيح كما قال لوقا (24: 12) ، غير أنه ذكر أن الملاك قال للنسوة أن يخبرن بطرس أن المسيح قد قام (16: 7) ، الأمر الذي يدل على معرفة مرقس أن بطرس ذهب إلى القبر، وأنه كان في حيرة من جهة قيامة المسيح. (ب) ولوقا لم يذكر أن التلاميذ ذهبوا إلى القبر كما قال يوحنا (20: 3) ، غير أنه قال ومضى قوم من الذين معنا إلى القبر (24: 24) ، الأمر الذي يدل على معرفة لوقا أن بعض تلاميذ المسيح ذهبوا إلى القبر. (ج) ويوحنا لم يذكر أن بطرس خرج من القبر متعجباً كما ذكر لوقا (24: 12) ، ولكن جاءت في أقواله عبارة تدل على سبب هذا التعجب، فقد قال إن بطرس رأى الأكفان موضوعة، والمنديل الذي كان على رأس المسيح ليس موضوعاً مع الأكفان، بل ملفوفاً في موضع وحده (يوحنا 20: 7) . (د) ويوحنا لم يذكر أن التلاميذ خافوا عندما رأوا المسيح كما ذكر لوقا (24: 37) ، لكن وردت في أقواله عبارة تدل على سبب الخوف المذكور، فقال إن المسيح دخل إليهم والأبواب مغلقة (20: 19) . (ه ) ويوحنا لم يذكر أن التلاميذ ظنوا أن المسيح روح من الأرواح، كما قال لوقا، ولكنه ذكر أن المسيح أراهم يديه وجنبه (20: 20) ، الأمر الذي يدل على أنهم ظنوا في البداءة أنه روح لا جسد له. (و) ومرقس لم يذكر أن المسيح طلب من تلاميذه طعاماً، ليثبت لهم أنه هو بعينه وليس روحاً كما ذكر لوقا (24: 41) ، ولكنه ذكر أن التلاميذ كانوا متكئين وقتئذ لتناول الطعام (16: 14) ، الأمر الذي يدل على أنه طلب طعاماً للغرض المذكور. (ز) ومتى ذكر أن التلاميذ انطلقوا إلى الجليل بعد قيامة المسيح، دون أن يذكر الغرض من ذلك (28: 16) ، أما بولس فذكر أن هناك ظهر المسيح لخمسمائة من المؤمنين به (1 كورنثوس 15: 16) - وقس على ذلك الشيء الكثير. لذلك فإن الإختلافات التي يقال بوجودها بين أقوال كتبة الإنجيل، إن دلت على شيء فإنها تدل (أولاً) على أن يد التحريف لم تمتد إلى هذه الأقوال، لأن أول ما يفعله الذين يحرفون شيئاً من كتاب، هو حذف العبارات التي تبدو أنها متناقضة. (ثانياً) على أنه لم يحدث بين كتبة الإنجيل أي تواطؤ، لأن أول ما يفعله الذين يتواطئون على كتابة خبر ما، هو حبك التفاصيل الواردة به حتى لا يبدو بينها اختلاف ما - لكن ما يسترعي الإنتباه أنه على الرغم من عدم حدوث أي تواطؤ بينهم أو تحريف في أقوالهم، اتفقت الأقوال المذكورة في معناها كل الإتفاق، الأمر الذي يدل على أن كلاً منهم قد توخى الصدق والأمانة في كل ما سجله منها. 2 - إن الأستاذ العقاد الذي درس الإختلافات المزعومة بين كتبة الإنجيل، انتهى إلى القول لأنه إذا اختلطت الروايات في أخبار السيد المسيح، فليس في هذا الإختلاط بدع، ولا دليل قاطع على الإنكار، لأن الأناجيل تضمنت أقوالاً في مناسباتها لا يسهل القول باختلافها، إذ أن مواطن الإختلاف بينها معقولة مع استقصاء أسبابها والمقارنة بينها وبين آثارها. ورفضها بالجملة أصعب من قبولها، عند الرجوع إلى أسباب هذا أو ذاك. كما أن مواضع الإتفاق بينها تدل على أنها رسالة واحدة من وحي واحد (عبقرية المسيح ص 126 ، واللّه ص 149-154) . 3 - أخيراً نقول: إن كلاً من كتبة الإنجيل كتب عن المسيح إلى شعب يختلف عن الشعب الذي كتب إليه الآخر، من جهة الجنسية والثقافة والعادات، كما كتب عن المسيح من ناحية تختلف عن تلك التي كتب عنها غيره، ومن ثم استعمل كل منهم الأسلوب الذي يفهم به الشعب الذي كتب إليه الناحية التي قصدها من شخصية المسيح، ولذلك فإن ما يقال عنه اختلاف بين كتبة الإنجيل، هو في الواقع تنوع اقتضته الظروف الخاصة بكتابته. فإذا أضفنا إلى ما تقدم أن كتابة الإنجيل بالوضع الذي هو عليه بواسطة أربعة من أتباع المسيح يختلف أحدهم عن الآخر كل الإختلاف، أدعى إلى تصديقه مما لو كان قد كتبه شخص واحد، لا يبقى لدينا مجال للشك في صدق هذا الإنجيل، أو الإعتراض عليه. 2 آراء القائلين بدفن المسيح قبل موته، والرد عليها وهؤلاء هم القاديانيون أتباع مرزا غلام أحمد في بلاد الهند، وكان مرزا (كما يقول الدكتور محمد إسماعيل الندوى، في كتابه: القاديانية) يعرف كل الديانات العالمية، كما كان يجادل أصحابها لكي يثبت لهم صدق العقائد الإسلامية - غير أنه كان يقول بصلب المسيح دون موته، لكي يتجنب القول بقيامته، وذلك لئلا تكون للمسيح (حسب زعم مرزا) الزعامة الروحية التي كان يريدها هو لنفسه بعد رسول الإسلام. وفيما يلي ما ذهب إليه مرزا في سبيل إنكار قيامة المسيح: (إن تلاميذ المسيح أنزلوه عن الصليب وهو حي، ولما وضعوه في القبر دهنوه بمرهم خاص، ولذلك لم يأت اليوم الثالث حتى كان قد أفاق. فخرج من القبر وانطلق شرقاً حتى وصل إلى الهند، وهناك عاش حتى بلغ العاشرة بعد المائة، وعند موته دفن في بلدة كشمير. والدليل على أنه لم يمت (كما يقولون) إنه كان قد شبّه وجوده في القبر، بوجود يونان في بطن الحوت. وبما أن يونان لم يمت بل دخل بطن الحوت حياً وخرج منه حياً، يكون المسيح قد دخل القبر حياً وخرج منه حياً أيضاً) . الرد:(أ) إن الأدلة التي ذكرناها فيما سلف، لا تدع مجالاً للشك في أن المسيح ظل على الصليب حتى مات، ولذلك فالقول بأنه على أثر دهن جسمه بمرهم خاص، أفاق واتجه إلى الشرق، هو محض افتراء. كما أن القبر الموجود في الهند الذي يقال إن المسيح دفن فيه، ثبت بالدليل القاطع أنه بني بعد المسيح بمئات السنين لشخص يهودي يدعى آساف. وقد أشار الأستاذ العقاد إلى هذه الحقيقة في كتابه عبقرية المسيح . (ب) أما من جهة تشبيه وجود المسيح في القبر، بوجود يونان في بطن الحوت، فنقول: إن الرمز لا يكون مثل المرموز إليه من كل الوجوه. فالذي آوى يونان كان حوتاً، بينما الذي آوى المسيح كان قبراً. ويونان دخل إلى بطن الحوت وهو بكامل صحته، أما المسيح فدخل إلى القبر بعد صلبه. والغرض من إلقاء يونان في البحر هو نجاة الملاحين من الرياح التي كانت تعصف بسفينتهم، أما الغرض الظاهري من صلب المسيح فهو إسكات صوته الذي كان يوبخ به رجال الدين ويظهر عيوبهم - وإذا كان الأمر كذلك، أدركنا أنه لا يجوز المقارنة بين الرمز وبين المرموز إليه من كل النواحي، بل من الناحية الرئيسية وحدها. والناحية الرئيسية المشتركة بين يونان وبين المسيح، هي أن كليهما اختفى اختفاء تاماً عن العالم ثلاثة أيام. لكن الأول كان موجوداً حياً في بطن الحوت، أما الثاني فكان ميتاً في بطن الأرض كإنسان (لأن جميع الأدلة الكتابية والعقلية تثبت أنه كان قد مات على الصليب) - وغني عن البيان أنه لو كان يونان مات مثل المسيح، لما كان قد قام، إذ أنه كان إنساناً عادياً. أما المسيح فكان من الضروري أن يقوم كإنسان بعد موته، لأنه لم يكن إنساناً عادياً، بل كان في جوهره هو كلمة اللّه، رئيس الحياة (أعمال 3: 5) . (ج) ولزيادة الإيضاح من جهة اختلاف الرمز عن المرموز إليه من نواح متعددة نقول: إن رفع المسيح على الصليب كان يرمز إليه برفع الحية النحاسية، ودفنه كان يرمز إليه بدفن حبة الحنطة. فقد قال المسيح وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الحَيَّةَ فِي البَرِّيَّةِ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابن الإِنْسَانِ، لِكَيْ لَا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ (يوحنا 3: 14 و15) . وقال إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَل كِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ (يوحنا 12: 24) - ومع ذلك شتان بين الحية النحاسية وبين المسيح، وبين حبة الحنطة وبينه. إذ أن الحية النحاسية لا ترمز إليه إلا من حيث أنها رفعت عن الأرض، وكان كل من لدغ بالحية المحرقة ونظر إلى الحية المذكورة بالإيمان، كان يشفى - وكان ذلك مثالاً للخطاة الذين عندما يتجهون إلى المسيح بكل قلوبهم، يتمتعون بالحياة الأبدية. وحبة الحنطة لا ترمز إلى المسيح إلا من حيث أنها تختفي عن الأنظار في باطن الأرض، لكي تأتي بثمر كثير - وكان ذلك مثالاً للمسيح الذي على أساس موته الكفاري، صار الخلاص الأبدي لكل من يؤمنون به إيماناً حقيقياً. ومن ثم ليس هناك مجال أيضاً للآراء التي نحن بصددها. 3 آراء القائلين بإحياء المسيح ورفعه بعد موته والتعليق عليها 1 - قال محمد بن إسحق إن المسيح توفي سبع ساعات، ثم أحياه اللّه ورفعه (تفسير الإمام الرازي ج 2 ص 457-458) . 2 - وقال أدريس إن اللّه أمات المسيح ثلاثة أيام ثم بعثه ثم رفعه (ابن كثير ج 1 ص 366) . 3 - وقال ابن حزم وأبو علي الجبائي المعتزلي إن المسيح مات ثم أحياه اللّه ورفعه (نظرة عابرة على من ينكر نزول عيسى ص 3 ، 32) . 4 - وقال إخوان الصفا عن المسيح إنه ظهر للناس وجعل يدعوهم ويعظهم حتى أخذ وحمل إلى ملك إسرائيل، فأمر بصلبه. فصلب وسمرت يداه على خشبتي الصليب، وبقي مصلوباً من ضحوة النهار إلى العصر، وطلب الماء فسقي الخل، وطعن بالحربة في جنبه. ثم دفن مكان الخشبة، ووكل بالقبر أربعون رجلاً. وهذا كله بحضرة أصحابه وحوارييه. وبعد ذلك بثلاثة أيام اجتمعوا في الموضع الذي وعدهم أن يتراءى لهم فيه، فرأوا تلك العلامة التي كانت بينه وبينهم (إخوان الصفا ج 4 ص 30) . 5 - وأخيراً قال دكتور فؤاد حسانين، في مقالته إلهي إلهي لماذا تركتني التي نشرت في (أخبار اليوم في 25-4-1970) إن موت المسيح على الصليب ليس معجزة المسيحية، والعكس هو الصحيح، أعني قيام المسيح من بين الموتى. كما قال إن المراد بالآية إذ قال اللّه يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليّ ومطهرك من الذين كفروا... (آل عمران: 55) ، إقامة اللّه للمسيح بعد موته. إن هؤلاء الأشخاص لا يعبرون عن الرأي العام في الإسلام، لأن الأغلبية الساحقة من المسلمين يعتقدون أن المسيح لم يصلب بل رفع إلى السماء حياً. ومع ذلك فبدراسة ظروف الأشخاص المذكورين وآرائهم، يتضح لنا: 1 - إن محمد بن إسحق وأدريس كانا في أوائل المسلمين، وأوائل المسلمين كانوا يتمسكون بالإسلام كل التمسك. ولذلك إن جاز القول إن الثاني قد نقل رأيه من جهة المدة التي ظل المسيح فيها ميتاً، عن المسيحيين، لكن لا يمكن أن يكون الأول قد نقل رأيه عنهم من جهتها، لأنه قال إن المسيح توفي سبع ساعات، وليس ثلاثة أيام. ومع كل فإنهما معاً لم يذكرا أن المسيح مات مصلوباً، لكي يكون كفارة عن الخطاة، أو أنه لكفاية كفارته من جهة وكماله الذاتي من جهة أخرى قد قام من بين الأموات، كما يؤمن المسيحيون، الأمر الذي يدل على أنهما لم يعتمدا في آرائهما على ما جاء في الإنجيل. 2 - إن ابن حزم وأبا علي الجبائي المعتزلي كانت لهما دراية واسعة بالأديان جميعاً، والإعتقاد بأن أولهما انخدع بما جاء في العتيبة لابن مالك وأن الثاني كان شاذاً، موجه إلى ما خفي من طبائع في نفسيهما، ونحن ليست لنا القدرة للحكم على ما في نفوس البشر من طبائع. فقد علمتنا الأيام أنه ليس كل من نرميهم بالشذوذ يكونون شاذين، وليس كل من نرميهم بالإنخداع يكونون منخدعين. 3 - إن إخوان الصفا، كما قال دكتور محمد غلاب في كتابه عنهم: كانوا من كبار العلماء وفطاحل المفكرين في القرن الرابع للهجرة، كما كانوا أشد أهل زمانهم محافظة على مكارم الأخلاق وتمسكاً بالفضائل العالمية من إخلاص ووفاء. وكانوا مقتنعين برسالة الإسلام وينظرون إليه على أنه جماع النبوة العالمية، وأن النبي محمد هو خاتم النبيين . ومن ثم لا يمكن أن يكونوا قد نقلوا خبري صلب المسيح وقيامته من الإنجيل، لا سيما وقد ذكروا أن الحراس الذين كلفوا بحراسة قبره كانوا أربعين، وأن أصحابه وحوارييه (جميعاً) كانوا حاضرين عند دفنه ووضع الحراس على قبره، الأمر الذي ليس له أساس في الإنجيل. وإذا كان الأمر كذلك، فمن المحتمل أن يكونوا قد اقتبسوا آرائهم من مصادر تاريخية كانت، موجودة في أيامهم. 4 - أما من جهة الرأي المذكور في البند الخامس، فإن صاحبه بالإضافة إلى أنه معروف بتمسكه بالإسلام، فهو شخص نال من الثقافة قدراً عظيماً، ومن ثم لا بد أنه درس الكثير مما قيل عن قيامة المسيح من الموت وما قيل أيضاً عن عدم قيامته من بينهم، ولذلك فمن المحتمل أن يكون قد انتهى إلى رأيه بعد دراسة عقلية اقتنع بصدقها. 5 - أخيراً نقول إن المسيحية كانت قد دخلت بلاد العرب قبل الإسلام بمئات السنين، واعتنقها عدد ليس بالقليل من سكانها الوثنيين مثل قبائل حمد وربيعة وغسان ونجران ولما ظهر الإسلام بعد ذلك. في هذه البلاد، اعتنقه كثير من الوثنيين، كما اعتنقه أيضاً كثير من المسيحيين. وحينئذ حدثت مجادلات متعددة بين الذين ظلوا على مسيحيتهم وبين الذين اعتنقوا الإسلام. فجاءت الآية ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم - (العنكبوت) . ومن ثم نشأ الفريقان وكل منهما على عقيدته، وظل الأمر على هذه الحال ردحاً من الزمن. ولذلك ليس من الجائز أن يقال إن نفراً من أوائل المسلمين اقتبسوا بعض عقائدهم من الإنجيل، لأنه لو كان الأمر كذلك، لكانوا قد ظلوا على مسيحيتهم إن كانوا مسيحيين، أو لكانوا قد اعتنقوا المسيحية إن كانوا وثنيين، من قبل. |
|