رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
قيامة المسيح وابعادها التاريخية والايمانية والروحية يُسلِّط انجيل الفصح الضوء على قيامة يسوع من بين الأموات (يوحنا 20: 1-10). ولا تزال حتّى اليوم ضجّة كبيرة حول قيامة يسوع المسيح التي غيّرت مجرى تاريخ البشرية. فبعد أن عاد المسيح إلى الحياة ثانية بصفته "البِكْرُ مِن بَينِ الأَموات"(قولسي 1:18)، سيقوم كل إنسان. وهكذا أصبحت قيامة المسيح محور الإيمان والرجاء، بل هي الحدث الأكبر والاهم في قلب تاريخ الكنيسة والعالم المؤمن، لأنها حضارة الحياة التي بناها المسيح في قلب كنيسته جوابا على حضارة الموت التي بناها الانسان المعاصر. وبالرغم من تحدِّيات وباء كورونا في هذه الأيام الذي يجتاح البشريّة باسرها يتردَّد في العالم بأسره صدى تحية الجماعة المسيحية الأولى "المسيح قام! – "حقًا قام". قام مEعلنا انتصار الحياة على الموت. ويُعلق البابا فرنسيس "كلُّ قلب بشريٍّ ينتظر هذه البشرى السارة". ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النص الانجيلي وتطبيقاته. اولا: وقائع النص الإنجيلي وتحليله (يوحنا 20: 1-9) 1 وفي يَومِ الأَحَد جاءَت مَريمُ المِجدَلِيَّةُ إِلى القَبْرِ عِندَ الفَجْر، والظَّلامُ لم يَزَلْ مُخَيِّماً، فرأَتِ الحَجَرَ قد أُزيلَ عنِ القَبْر. تشير عبارة "يوم الاحد" في الأصل اليوناني Τῇ δὲ μιᾷ τῶν σαββάτων (معناها أول الأسبوع) الى يوم الأحد، ويسمى اليوم الثامن بعد نهاية الأسبوع السابق، وهو اليوم الذي أعلن فيه يوحنا الإنجيلي خبر قيامة المسيح. فأخلى الزمن اليهودي المكان للزمن المسيحي الذي يعيش فيه يوحنا الإنجيلي. ومنذ ذلك الوقت اتخذ المسيحيون يوم الأحد يوم راحة تذكارًا لقيامة السيد المسيح، بدل يوم السبت، وسُمِّى "يوم الرب" (رؤيا 1: 10). وفي هذا اليوم تلتقي جماعة المؤمنين كلها بالرب القائم من بين الاموات الذي يدعوهم الى الاحتفال بالإفخارستيا. فجسد المسيح في سر الإفخارستيا هو نفس جسده الذي اجتاز الموت وقام من بين الأموات. ومن هذا المنطلق بدأ زمن جديد لعالمٍ جديدٍ هو الزمن المسيحي؛ أمَّا" مَريمُ المِجدَلِيَّةُ" في الأصل اليوناني Μαγδαληνὴ ( مؤنث لكلمة مجدلة) فتشير الى "مريم التي هي من مجدل". وكلمة "مجدل" تعني باللغة العبرية מַּגְדָּלִ "برج". وبالفعل كان في المنطقة برج أعطى لها هذا الاسم، ربما كان برجًا للحراسة. والمجدل قرية تقع على الشاطئ الغربي من بحيرة طبرية عند مصب وادي الحمام في البحيرة، وتبعد عن مدينة طبريا حوالي 5 كم. ويذكر التلمود أنه كانت توجد مدينة اسمها مجدلة تبعد حوالي 20 دقيقة سيرًا على الأقدام من طبرية. وطرد يسوع من مريم المِجدَلِيَّة سبعة شياطين (مرقس 16: 9) فقامت وتبعت يسوع وساهمت في سد احتياجاته واحتياجات جماعته الرسل (لوقا 8: 2-3)، وثبتت الى النهاية فكانت مع يسوع وقت الصلب (يوحنا 19: 25) والدفن (مرقس 15: 47) وكانت من جملة النساء اللواتي أتين الى القبر ليحنِّطنه (مرقس 16:1). فقد شرَّفها يسوع بأول ظهور له بعد قيامته، كما كلَّفها بأول رسالة تبشير "اذَهبي إِلى إِخوَتي، فقولي لَهم إِنِّي صاعِدٌ إِلى أَبي وأَبيكُم، وإِلهي وإِلهِكُم" (يوحنا 20: 17). ويشير اليها لوقا الانجيلي أنها تلك المرأة الخاطئة التي مسحت قدمي يسوع عند سمعان (لوقا 8: 2). وقد اكتفى الإنجيلي يوحنا هنا بذكر مريم المِجدَلِيَّة ولم يُشر إلى النسوة اللواتي ذهبن معها (لوقا 24:10)، إذ وقفت بجوار السيد المسيح حتى موته على الصليب، وجاءت إلى القبر دون أية اعتبارات لما تواجهه من مصاعب، فحبُّها للسيد المسيح نزع عنها كل خوفٍ من الموت والقبر. وتمتعت بأول أخبار القيامة المفرحة المجيدة: القبر الفارغ! أمَّا عبارة "الظَّلامُ لم يَزَلْ مُخَيِّماً" فتشير الى الظلام الذي يكتنف الأرض منذ ان مات يسوع ورقدت "الحياة "نفسها في القبر طوال السبت. امّا عبارة " عِندَ الفَجْر" فتشير الى اشتياق مريم المِجدَلِيَّة للقاء مع القائم من الأموات في أول فرصة ممكنة، باكرًا دون تراخٍ أو تأجيل. أمَّا عبارة "الفَجْر والظَّلامُ" فتشير الى مقارنة بين الظلمة والنور "النُّورُ يَشرِقُ في الظُّلُمات" (يوحنا 1: 5)، وفجر القيامة يطلع ليُبدِّد ظلمة القبر. فالنور والظلمة واليوم الأول في فجر القيامة والبستان في جنة عدن جميعها تلمِّح الى قصة الخلق في سفر التكوين، فالقيامة هي بمثابة خلق جديد؛ أمَّا عبارة "الحَجَرَ قد أُزيلَ عنِ القَبْر" فتشير الى باب القبر مفتوح، مع ان يسوع كان بإمكانه الخروج من القبر دون الحاجة الى تحريك الحجر. ربما أزيل حتى يتمكن الآخرون من الدخول اليه ليروا أنَّ يسوع قد قام. ويدل الحجر على أنَّ قبر المسيح كان منحوتا في الصخر، وكان حجر مستدير يسدُّ بابه (متى 27: 60)، وداخل القبر وُجدت مصطبة توضع عليها الجثة (مرقس 16: 6) وكان القبر خارج باب اورشليم (عبرانيين 13: 12) في بستان (يوحنا 19: 41). ويدلّ القبر الفارغ على ان عمل الله في يسوع لم ينتهِ في الموت. لذلك موت السيد المسيح بالجسد ودفنه في قبرٍ نزع عنا الخوف من الموت والدفن في القبر عندما سيحل بنا الموت ونُوضع في قبر. فيليق بنا أن نردِّد مع أيوب البار: "قُلتُ لِلفَسادَ (القبر): أَنتَ أَبي وللدِّيدانِ: أَنتِ أُمِّي وأُخْتي" (أيوب 17: 14). 2 فأَسرَعَت وجاءَت إِلى سِمْعانَ بُطرُس والتِّلميذِ الآخَرِ الَّذي أَحَبَّهُ يسوع، وقالَت لَهما: أَخَذوا الرَّبَّ مِنَ القَبْرِ، ولا نَعلَمُ أَينَ وَضَعوه تشير عبارة "وجاءَت إِلى سِمْعانَ بُطرُس والتِّلميذِ الآخَرِ" الى تقدّمهما بين الرسل في الغيرة والايمان والمحبة وكونهما أكثر اهتماما بأمر يسوع من غيرهم من الرسل. أمَّا عبارة " بُطرُس" في الأصل اليوناني Πέτρος, (معناها صخرة أو حجر) فتشير الى الرسول الذي كان يُسمَّى أولاً سمعان واسم أبيه يونا (متى 16: 17) واسم أخيه اندراوس، واسم مدينته بيت صيدا. ولمَّا تبع يسوع دعاه "كيفا": أَنتَ سِمْعانُ بنُ يونا، وسَتُدعَى كِيفا، أَي صَخراً" (يوحنا 1: 42)، و" كِيفا " كلمة آرامية כֵיפָא معناها صخرة، ويقابلها في العربية صفا أي صخرة. وكانت مهنة بطرس صيد السمك (يوحنا 1: 42)، وقد دعا يسوع بطرس ثلاث مرات: دعاه أولاً ليكون تلميذاً، ودعاه ثانية لكي يكون رفيقاً له ملازماً إياه باستمرار (متى 4: 19) ثم دعاه ثالثة لكي يكون رسولاً له (متى 10: 2)؛ وحافظ الانجيل على مركز الصدارة له رغم من نكرانه لمعلمه الالهي. وبعد القيامة، حقَّق بطرس ما أنبأ المسيح عنه " أَنتَ صَخرٌ وعلى الصَّخرِ هذا سَأَبني كَنيسَتي" (متى 16: 18)، فسواء أكان المقصود بالصخرة الإيمان الذي صرّح به لبطرس، ((إنه المسيح بن الله الحي)) أم إن لفظة صخرة قصد بها الاستعمال المزدوج أي أن الإيمان هذا كان الأساس، أو أن بطرس واسمه معناه ((صخرة)) كما قدّمنا يعبّر عن الحقيقة أن كل من يؤمن بأن المسيح هو ابن الله الحي ومخلص العالم يكوّن الكنيسة، على كلا الحالين نشط بطرس لقيادة أعضاء الكنيسة الأولى؛ أمَّا عبارة "التِّلميذِ الآخَرِ الَّذي أَحَبَّهُ يسوع" فتشير الى يوحنا الرسول وهو "أحدُ تَلاميذِه، وهو الَّذي أَحبَّه يسوع، كان مُتَّكِئاً إِلى جانبِ يسوع" (يوحنا 13: 22). وعرّفه الانجيل ان التلميذ الذين له صفتان: "الآخر" و"الحبيب" دون ُذكر اسمه. وربما الكاتب لا يُفصح عن اسمه ليجعل كلَّ واحدٍ مستعداً مثل ذاك التلميذ الذي يَحب يسوع ويحبّه يسوع (يوحنا 19: 26-27). واعتقد التقليد بان المقصود هو يوحنا الرسول الذي كان له مكانة مرموقة في مجموعة الرسل (مرقس 1: 19). وقد أثارت هذه الميزة التي اتصف بها يوحنا الحبيب حسد باقي التلاميذ (يوحنا 21: 22-27). أمَّا عبارة "وقالَت لَهما " تشير الى تواضع يوحنا الإنجيلي الذي لم يخجل أن يسجل في إنجيله أن الذي بشره بالقيامة كانت مريم المِجدَلِيَّة الخاطئة. أمَّا عبارة "أَخَذوا الرَّبَّ مِنَ القَبْرِ" فتشير الى اعتقاد مريم المِجدَلِيَّة أن أناساً مجهولين أخذوا الجسد، ولم يخطر على بالها ان المسيح قام. أمَّا عبارة "الرب" في الأصل اليوناني κύριος (معناها السيد)، وفي اللغة العبرية הָאָדוֹן (السيد) فتشير الى الاعتبار والاكرام، وامَّا في الجماعة المسيحيّة الاولى فتدل عل الرب. أمَّا عبارة " لا نَعلَمُ" فهي تشير الى صيغة الجمع حيث ان مريم تمثّل النسوة، كما تُمثل الكنيسة التي تبحث عن ربّها. لم تُدرك مريم المِجدَلِيَّة في الحال أنه قام، بل ظنّت أن الجسد قد أُخذ من القبر؛ أمَّا عبارة "أين وضعوه" فتشير الى صيغة الجمع مع انه مريم المِجدَلِيَّة هي التي تتكلم، وقد تكون دلالة على ان يوحنا لا يجهل الراوية في الاناجيل (متى 28: 1، مرقس 16: 1، لوقا 24: 1،) الذين يذكرون مجيء فريق من النساء. وتلمِّح هذه العبارة الى سرقة الجثمان كما كان الاعتقاد في بعض الاوساط اليهودية، لأنها لم تكن تؤمن بعد بالقيامة. ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم "لقد أرادت مريم المِجدَلِيَّة بسرعة فائقة أن تعلم ماذا حدث للجسد". 3 فخرَجَ بُطرُسُ والتَّلميذُ الآخَرُ وذَهَبا إِلى القَبْرِ. تشير عبارة "خرَجَ بُطرُسُ والتَّلميذُ الآخَرُ" الى تأثر التلميذين من الخبر فاسرعا يتفحصا الامر. ويدل عملهما هنا على علاقة الصداقة الروحية الجادة، كما نجدها مراراً في إنجيل يوحنا (13: 23؛ 18: 15)؛ أمَّا عبارة " وذَهَبا إِلى القَبْرِ "فتشير الى تدافع افعال الحركة "خرجا، ذهبا، أسرعا، ووصلا" (يوحنا 20: 4)، حيث توحي هذه الكلمات الى ذكريات تاريخية لشهود عيان. 4 يُسرِعانِ السَّيْرَ مَعاً. ولكِنَّ التَّلميذَ الآخَرَ سَبَقَ بُطرُس، فوَصَلَ قَبلَه إِلى القبْرِ تشير عبارة "يُسرِعانِ السَّيْرَ مَعاً" الى سرعة العمل المشترك بين التلميذين لاكتشاف حقيقة الأمر الذي نقلته مريم المِجدَلِيَّة لهما. وهذا العمل المشترك دليل الصداقة الروحية الجادة، التي تحمل روح العمل الجماعي دون إعاقة الواحد للآخر. وكما يقول الحكيم: "اثنان خَيرٌ مِن واحِد لأَنَّ لَهما خَيرَ جَزاءً عن تَعَبِهما" (الجامعة 4: 9). أمَّا عبارة "التَّلميذَ الآخَرَ سَبَقَ بُطرُس" فتشير الى سرعة لكل منهما قدر طاقته، ممل يلمِّح انَّ يوحنا كان أصغر سناً من بطرس، والى سرعة إيمان يوحنا التي تجعله يرى ويؤمن قبل بطرس. 5 وانحَنى فأَبصَرَ اللَّفائِفَ مَمْدودة، ولكنَّه لَم يَدخُلْ تشير عبارة "إنحنى" الى انخفاض مدخل الغرفة الخارجية للقبر. وفي هذه الغرفة الخارجية كانت النسوة تجتمع للتحنيط والبكاء؛ وقد جرت العادة في صنع ابواب القبور مُنخفضة لتسهيل سدِّها بالحجر. أمَّا عبارة "فأَبصَرَ " في الأصل اليوناني βλέπει فتشير الى نظرة عابرة؛ أمَّا عبارة "اللَّفائِفَ" في الأصل اليونانية ὀθόνια فتشير الى قطعة كتان ثمينة تصلح لدفن الأموات. وهو الكفن الذي اشتراه يوسف الرامي، ولَفّ به جسد المسيح الميِّت، بعد إنزاله عن الصليب. وكان يوسف من أعيان المجلس اليهوديّ (السنهدريم)، وقد آمَن بيسوع. وعند القيامة ظلت الأكفان بالقبر فاحتفظ بها التلاميذ، ثم حمل تداوس الرسول الكفن الى ابيجار الخامس حاكم اوديسا في أوكرانيا. وفي عام 544 اكتشف الكفن في اوديسا، وأُنتقل الكفن عبر القرون من اوديسا الى القسطنطينية سنة 944. واخذ الصليبيون الكفن من القسطنطينية سنة 1204، وعُرض سنة 1357 في فرنسا وأخيراً استقر بتورينو في ايطاليا حتى أيامنا الحاضرة. وفي سنة 2009 وجد باحثون من جامعة القدس العبرية قطعة من الكفن من الحقبة التي عاش فيها المسيح، وقال الدكتور شمعون غيبسون مدير بعثة الحفريات أنها "بقايا الرجل الذي تمَّ لفَّه بالكفن المُكتشف، وقد تمّ تكفين جسده ورأسه بطرق تتفق مع شعائر الدفن التي كانت مُتَّبعة في الدفن خلال تلك الحقبة أيام السيد المسيح. أمَّا كفن تورينو فهو بمثابة قطعة كتانية يُقال إنها كانت الكساء الذي كُفِّن به السيد المسيح أثناء دفنه. وقد تمَّ الاحتفاظ بهذه القطعة منذ عام 1578 في مدينة تورينو الإيطالية، ومقاسات القطعة 4.42 م × 1.13 م. وتُظهر القطعة، من الأمام والخلف، ما يُشبه وجه رجل نحيف، غائر العينين، مع علامات لندبات ولطخات دم. قام خبراء إيطاليون من جامعة البوليتكنيك في تورينو سنة 2014 بجراء فحوصات فوجدوا أن كفن تورينو يعود بالفعل إلى يسوع المسيح إذ إنه يحمل آثار الصلب وملامح دم المسيح، وعدم وجود أيّ أثر لاهتراء الجسد الذي لُفَّ بهذا الكفن. وهذا يعني أنّ الجسد خرج من الكفن في وقتٍ مبكّر، ولم يترك مجالاً كي تبدأ عمليّة تحلّل الأعضاء، كما يحصل، عادةً، لغيره من أجساد الموتى، بعد مرور وقتٍ معيَّن على الوفاة، علمًا أن الكنيسة الكاثوليكية لم تدعي رسمَيا أن جسد المسيح قد دفن بهذا الكفن، مفضلة التركيز على المعاني التي يستلهمها اولئك الذين يطلعون عليه. وتعود ملكيّة الكفن إلى كرسيّ روما الرسوليّ، منذ العام 1983، عملاً بوصيّة أومبرتو الثاني، ملك إيطاليا، الذي تنازَل لهذا الكرسيّ عن حقّ عائلته في ملكيّة الكفن. أمَّا عبارة "مَمْدودة " فتشير الى إبعاد الدليل في سرقة الجسد، لأنه لا ينزع أحد الأكفان من كان في نيته سرقة الجسد أو نقله؛ ويُعلق القديس أمونيوس الإسكندري " لو أن الأعداء سرقوا الجسد، فمن أجل المكسب المادي ما كانوا قد تركوا الأكفان. لو أن التلاميذ فعلوا هذا لما سمحوا بتعرية الجسد وأهانته". أمَّا عبارة "لم يدخل بل انتظر بطرس" فتشير الى انتظار بوحنا لبطرس ليدخل قبله دلالة على كرامة واحترام منزلة بطرس في الكنيسة الاولى. إذ اعطى يوحنا حق الاولوية الى بطرس الذي أوكله اليه يسوع برئاسة الكنيسة "وأَنا أَقولُ لكَ: أَنتَ صَخرٌ وعلى الصَّخرِ هذا سَأَبني كَنيسَتي، (متى 16: 18). فسمعان بطرس ظلَّ في مركز الصدارة رغم نكرانه للمعلم الإلهي يسوع المسيح. فنحن لا نختار أدوارنا في الكنيسة، بل نستلمها من لدنه تعالى. 6 ثُمَّ وَصَلَ سِمْعانُ بُطرُس وكانَ يَتبَعُه، فدَخَلَ القَبْرَ فأَبصَرَ اللَّفائِفَ مَمْدودة تشير عبارة "أَبصَرَ" في الأصل اليوناني θεωρεῖ (معناها نظر بانتباه) الى نظرة بطرس الفاحصة التي تقوم على الرؤية مع الفحص والتدقيق عن قرب. بطرس نظر ودقق ولاحظ منديل الرأس الذي لم يراه يوحنا. ونستنتج ان بطرس كان أول من رأى القبر فارغ والاكفان على الأرض والمنديل ملفوفا. وهي علامة القيامة، فإنه لا ينزع أحد الأكفان من كان في نيته سرقة الجسد أو نقله. لأن السارق لن ينشغل بترتيب الأكفان، والذي ينقل الجسد لا يعرّيه. أمَّا عبارة " فدَخَلَ القَبْرَ" فتشير الى سرعة رد فعل بطرس وجسارته على ما عُرف عنه من صفات في الانجيل. أمَّا عبارة اللفائف" مَمْدودة" فتشير الى الشخص الميت الذي خرج من اللفائف دون أن تتحرك اللفائف من مكانها. وهي علامة القيامة، فإنه لا ينزع أحد اللفائف او الأكفان من كان في نيته سرقة الجسد أو نقله. لأن السارق لن ينشغل بترتيب اللفائف، والذي ينقل الجسد لا يعرّيه. 7 والمِنديلَ الَّذي كانَ حَولَ رَأسِهِ غَيرَ مَمْدودٍ معَ اللَّفائِف، بل على شكْلِ طَوْقٍ خِلافاً لَها، وكان كُلُّ ذلك في مَكانِه تشير عبارة "المِنديلَ" الى قطعة صغيرة الحجم من القماش الخفيف، وكانت تُوضع على رأس الميت بحيث يُلَف وجهه بالمنديل، كما حدث مع لعازر بعد دفنه “فخرَجَ المَيتُ مَشدودَ اليَدَينِ والرِّجلَينِ بالعَصائِب، مَلفوفَ الوَجهِ في مِنْديل" (يوحنا 11: 44)، ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم "لماذا توضع الأكفان الكتانية منفصلة والمنديل وحدها ملفوفة؟ لكي تتعلموا أن التصرف لم يحدث في تسرع أو بطريقة صاخبة، هكذا عندما تسمعون أن المنديل في موضع وحده لا تسلكون كالقائلين بأنه سُرق". كل تفاصيل اللفائف والمنديل تدل على حقيقة موت يسوع ودفنه في القبر وغيابه منه إشارة الى قيامته. أمَّا عبارة "المنديل على شكْلِ طَوْقٍ في مَكانِه" فتشير الى عادة يهودية. فكان اليهودي حينما يقوم عن المائدة أثناء الأكل يترك المنديل (الفوطة) التي يستخدمها في مسح يديه ملفوفة مرتبة وذلك في حالة عودته ليستكمل طعامه والاَّ يتركها بلا ترتيب. ويكون المعنى أن المسيح قام دون العودة الى الموت ليُكفّن مرة ثانية لكنه يعلن أنه سيعود ثانية في مجيئه الثاني. أمَّا عبارة "كان كُلُّ ذلك في مَكانِه" الى الشخص الذي خلع ملابسه ومضى، ولا تشير الى سرقة الجثمان. بالطبع ما كانت هذه الاكفان والمنديل مرتَّبة لو ان القبر قد نُهب او سرق؛ فلو كان البعض سرقوا الجسد فهل يربكون أنفسهم بنزع المنديل ويضعونه ملفوفًا في موضع آخر؟ ويُعلق القديس أمونيوس الاسكندري " لو أن الأعداء سرقوا الجسد لغرض المكسب المادي ما كانوا قد تركوا الأكفان. لو أن الأحباء فعلوا هذا لما سمحوا بتعرية الجسد وإهانته. كل ذلك يُبيِّن بالأحرى إن الجسد قد عبر إلى الخلود ولا يحتاج إلى ملابس في المستقبل". لقد حدثت معجزة القيامة. فقيامة المسيح تنزع عنا الخوف من الموت والقبر وتُذكرنا أنَّ جسمنا الميت سيقوم في مجدٍ بهيٍ لا يحتاج إلى ثيابٍ فاخرة، وانه سيرتدي ثوب عدم الفساد كما صرّح بولس الرسول "فلا بُدَّ لِهذا الكائِنِ الفاسِدِ أَن يَلبَسَ ما لَيسَ بِفاسِد، ولِهذا الكائِنِ الفاني أَن يَلبَسَ الخُلود" (1 قورنتس 15: 53). 8 حينَئذٍ دخَلَ أيضاً التِّلميذُ الآخَرُ وقَد وَصَلَ قَبلَه إِلى القَبْر، فَرأَى وآمَنَ تشير عبارة "َرأَى " باليونانية εἶδεν (ὁράω (معناها نظر بوعي وإيمان) الى نظرة تصديق وإيمان. رأى التلميذ يوحنا الحبيب ما راه بطرس في داخل القبر. لكنه رأى في وجود القبر الفارغ واللفائف الممدودة والمرتَّبة علامات للإيمان بقيامة يسوع بعكس مريم المِجدَلِيَّة التي اعتقدت ان الجثمان سُرق. وهكذا وصل يوحنا الى الايمان بقيامة المسيح. بطرس رأى وتعجب (لوقا 24: 12)، ويوحنا رأى وأمن. أمن يوحنا ان يسوع قد قام وهو حي لا محالة وأنه المسيح ابن الله. فكان يوحنا اول من آمن من الناس بقيامة المسيح يجدر بنا ان نقرا هذه العلامات التي أوردها لنا شهود عيان كي نؤمن ونعمّق إيماننا. 9 "ذلك بِأَنَّهُما لم يكونا قد فهِما ما وَرَدَ في الكِتاب مِن أَنَّه يَجِبُ أَن يَقومَ مِن بَينِ الأَموات تشير عبارة "أَنَّهُما لم يكونا قد فهِما" الى إلقاء يسوع اللوم على بطرس ويوحنا اللذين لم يفهما ما قاله السيد المسيح عن تحقيق آية يونان بقيامته (متى 12: 40)، ولم يُدركا ما تنبأ عنه صاحب المزامير "لأَنَّكَ لن تَترُكَ في مَثْوى الأَمْواتِ نَفْسي ولَن تَدَعَ صَفِيَّكَ يَرى الهوة" (مزمور 16: 10)؛ وكانا في حاجة أن يفتح اللَّه ذهنيهما حتى يفهما الكتب، كما حدث مع تلميذي عمَّواس، (لوقا 24: 27) إنه المسيح المُمجَّد، مفتاح لكل اسفار الكتاب المقدس؛ أمَّا عبارة "الكِتاب" فتشير الى الكتاب المقدس الذي يروي النبوءات المتعلقة بموت المسيح وقيامته كما جاء في سفر المزامير "لأَنَّكَ لن تَترُكَ في مَثْوى الأَمْواتِ نَفْسي ولَن تَدَعَ صَفِيَّكَ يَرى الهوة" (مزمور 16: 1)، كما تدل على ما يرويه الكتاب المقدس من الاحداث والاقوال التي مهَّد بها الله السبيل لمجيء ابنه الآتي بملء الحياة، كما شهد فيلبس الى نتنائيل: "الَّذي كَتَبَ في شأنِه موسى في الشَّرِيعَةِ وذَكَرَه الأنبِياء وَجَدْناه وهو يسوعُ ابنُ يوسُفَ مِنَ النَّاصِرَة"(يوحنا 1: 45). وساعدت هذه الكتب المقدسة بطرس ويوحنا على تحديد حدث قيامة يسوع وتفسيره كما جاء في تصرّيح بولس الرسول الى اهل قورنتس "أَنَّه قُبِرَ وقامَ في اليَومِ الثَّالِثِ كما وَرَدَ في الكُتُب" (1 قورنتس 15: 4). فلا بد من الرجوع الى الكتب المقدسة لتحديد حدث قيامة يسوع وتفسيره كما يصرّح بولس الرسول الى اهل قورنتس "أَنَّه قُبِرَ وقامَ في اليَومِ الثَّالِثِ كما وَرَدَ في الكُتُب" (1 قورنتس 15: 4) وأعمال الرسل 2: 24-31، لوقا 24: 27)؛ أمَّا عبارة " يَجِبُ أَن يَقومَ مِن بَينِ الأَموات" فتشير الى القيامة التي تتكلم عنها الكتب المقدسة، وهي محطة رئيسية في خطة الله لخلاصنا وتبريرنا، لذلك تحقيقها كان أمرًا ضروريًا، علاوة على ذلك لم يكن ممكنًا للسيد المسيح ان يقول لمرتا اخت لعازر "أَنا القِيامةُ والحَياة " (يوحنا 11: 25) لو لم يقم بل بقي حبيس الموت وسجين القبر! وهذه القيامة تدل على قدرة الله الحاضرة في الموت. 10 ثُمَّ رَجَعَ التِّلميذانِ إِلى بَيتِهِما: لم يفهم بطرس ويوحنا حقيقة القيامة إلا بعد ان رأيا القبر فارغا وتذكرا اقوال يسوع والاسفار المقدسة انه سيموت ثم يقوم ايضا من بين الاموات تشير "رَجَعَ التِّلميذانِ إِلى بَيتِهِما" الى عودة كل منهما إلى الموضع الذي كان التلاميذ يجتمعون فيه، خاصة بعد الصلب، وليس إلى منزليهما، لأنه لم يكن لهما منزل في أورشليم. عادا إلى إخوتهما ينتظرا ما سيعلنه اللَّه. ويعلق القديس يوحنا الذهبي الفم "أنهما ذهبا أولًا في دهشة، كل إلى بيته، حيث بدأت القيامة تتجلى أمامهما، ثم عادا فاجتمعا ببقية التلاميذ حسب أمر السيد". أمَّا عبارة "لم يفهم بطرس ويوحنا حقيقة القيامة" فتشير الى اللوم الموجَّه للتلميذين، لانهما لم يكونا قد أدركا بعد الآية التي "كُتِبَ أَنَّ المَسيحَ يَتأَلَّمُ ويقومُ مِن بَينِ الأَمواتِ في اليَومِ الثَّالِث" (لوقا 24: 46). أمَّا عبارة "يَجِبُ أَن يَقومَ مِن بَينِ الأَموات" فتشير الى إرادة الآب التي قرأوها في الكتب المقدسة. فيسوع القائم من بين الأموات هو محور الكتاب المقدس ولا يفهم بعد اليوم إلاّ بنوره وحضوره. إنّ إيماننا هو التصديق الطوعي لكلّ الحقيقة الّتي يكشفها الربّ لنا عن طريق كلمته. ثانياً: تطبيقات النص الإنجيلي يهدف يوحنا البشير في كتابته للفصل العشرين من انجيله الى حمل قرائه على الايمان بقيامة المسيح، حتى وان كانوا بين اولئك الذين لم يروا. وذلك بوصف مجموعة من العلامات وهي القبر الفارغ (يوحنا 20: 1-10)، والظهور لمريم المِجدَلِيَّة (20:11-18) والظهور للتلاميذ (20: 19-23) والظهور لتوما الرسول (يوحنا 20: 24-31). ومن هذا المنطلق يمكن ان نستنتج من وقائع نص انجيل يوحنا (20: 1-9) يتمحور حول أبعاد قيامة المسيح التاريخية والايمانية والروحية. أبعاد قيامة المسيح التاريخية قيامة المسيح هي حدث تاريخي. لم يشرح لنا أحد من الإنجيليين كيف قام، ولكن كشفوا لنا أبرز علامات قيامة المسيح كحدث تاريخي، وهو القبر الفارغ. لماذا كان فارغاً؟ هناك احتمالان: إمَّا أنَّ هناك تفسيرات مزعومة، وإمَّا ان المسيح قام حقا. التفسيرات المزعومة أهم التفسيرات المزعومة للقبر الفارغ، هي: التفسير الأول: ان يسوع كان مغمى عليه ثم استردَّ وعيه. ولكن إنجيل يوحنا يردُّ على هذه التفسير بقوله "لم يكسر الجنود الرومان ساقي يسوع، لأنه كان قد مات فعلا، فواحد من الجنود طعن جنبه بحربة كما جاء نص الكتاب المقدس:" أَمَّا يسوع فلَمَّا وَصَل الجنود إِليه ورأَوهُ قد مات، لَم يَكسِروا ساقَيْه، لكِنَّ واحِداً مِنَ الجُنودِ طَعَنه بِحَربَةٍ في جَنبِه، فخرَجَ لِوَقتِه دَمٌ وماء" (يوحنا 19: 32-34). التفسير الثاني: أخطأت النسوة وذهبن الى قبر آخر؛ يجيب متى الإنجيلي ان مريم المِجدَلِيَّة ومريم ام يوسي رأتا يسوع وهو يُوضع في القبر كما جاء في الانجيل "أَخذَ يوسُفُ الجُثْمانَ ولَفَّه في كَتَّانٍ خالِص، ووضَعَه في قَبرٍ لَه جديد كانَ قد حفَرَه في الصَّخْر، ثُمَّ دَحَرجَ حَجَراً كبيراً على بابِ القبرِ وانصَرَف. وكانت هُناكَ مَريمُ المِجدَلِيَّة ومَريمُ الأُخرى جالِسَتَينِ تُجاهَ القَبر" (متى 27: 59-61)، ويؤكد انجيل يوحنا أن بطرس ويوحنا ذهبا الى نفس القبر "فخرَجَ بُطرُسُ والتَّلميذُ الآخَرُ وذَهَبا إِلى القَبْرِ" (يوحنا 20: 3). التفسير الثالث: سرق لصوص مجهولون جسد يسوع؛ يجيب متى الإنجيلي ان القبر كان مختوما، وعليه حراسة من حرس الهيكل كما جاء في الانجيل "ذهبَ عُظماءُ الكَهَنَةِ والفِرِّيسيُّونَ معاً إِلى بيلاطُس فقالَ لَهم: "عِندَكُم حَرَس، فاذهبوا واحفَظوه كما تَرَون" فَذَهبوا وحَفِظوا القَبر، فخَتموا الحَجَرَ وأَقاموا علَيه حَرَسا" (متى 27: 65: -66). التفسير الرابع: سرق التلاميذ جسد يسوع؛ لكننا نجد في اعمال الرسل ان افراد من الجماعة المسيحية الأولى كانوا على استعداد للموت لأجل إيمانهم في المسيح القائم، إذ "قَبَضَ المَلِكُ هيرودُسُ على بَعضِ أَهلِ الكَنيسة لِيُوقِعَ بهِمِ الشَّرَّ، فقَتَلَ بِحَدِّ السَّيفِ يَعقوبَ أَخا يوحَنَّا. فلَمَّا رأَى أَنَّ ذَلك يُرْضي اليَهود، قَبَضَ أَيضًا على بُطرُس" (أعمال الرسل 12: 2 -3). لذلك فإن سرقوا جسد يسوع لكان إيمانهم بيسوع باطلا واستشهادهم لأجله لا معنى له. واقع الامر يقول إن بطرس ويوحنا أبصرا الاكفان والمنديل، وتأكدا ان القبر فارغ، وتحقَّقا ان الكفن كان ملفوفاً ومُرتَّباً في موضع من القبر، وكذلك المنديل الذي كان على راس يسوع وُجد ملفوفا وحده في مكان آخر منفصل عن الكفن (يوحنا 20: 6-7)، وما كانت المنديل واللفائف مرتَّبة لو ان القبر قد نُهب او سُرق كما ادعى رؤساء اليهود الذين اشتروا ضمائر الحراس بالمال مقابل تلفيق الكذبة، إذ قالوا لَهم: "قولوا إِنَّ تَلاميذَه جاؤوا لَيلاً فسَرقوه ونَحنُ نائمون" (متى 28: 12-13). فيجيبهم العلاّمة أوغسطينوس "إن كنتم نائمين أيها المنافقون فكيف رأيتوهم؟ وإن كنتم ساهرين، فكيف تركتموهم يفعلون". التفسير الخامس: سرق رؤساء الكهنة والفريسيون جسد يسوع للاحتفاظ به؛ فمن ناحية يُبين متى الإنجيلي ان القبر كان محروسا ومختوما؛ ومن ناحية أخرى لو أخذ رؤساء اليهود جسد يسوع لأظهروه لمنع الشائعات عن قيامته، لأنهم كان يتآمرون كيف يُحجبون أخبار قيام المسيح. التفسير السادس: قيامة المسيح خرافة. لو كانت القيامة خرافة لَمَا استطاع المسيحيون ان يبشّروا بها في المكان نفسه، في اورشليم دون ان يتوقعوا التكذيب؟ والواقع أن رؤساء اليهود لم يكذبوا الامر، بل اكتفوا بالبحث عن تفسير آخر له وهو أن "التلاميذ سرقوا جثمانه". التفسير التاريخي: قيامة المسيح من بين الأموات معجزة الكبرى، يؤكدها التاريخ، إنها حقاحدثٌ تاريخيّ حيث يتساءل القديس يوحنا الذهبي الفم بقوله "فما الغرض في أن المنديل الذي كان على رأسه ليس موضوعًا مع الأكفان بل ملفوفًا في موضع وحده"؟! أجبتك: لتعلم أن هذا الفعل ما كان فعل من كان مسرعًا ولا مضطربًا، فمِن هذا الفعل صدقوا قيامته". وقيامة الرب هي الموضوع الرئيسي لكرازة الرسل الأولى. جاءت شهادة بطرس الرسول في عظته الأولى بعد القيامة "فَلْيَعْلَمْ يَقينًا بَيتُ إِسرائيلَ أَجمَع أَنَّ يَسوعَ هذا الَّذي صَلَبتُموه أَنتُم قد جَعَلَه اللهُ رَبًّا ومَسيحًا" (اعمال الرسل 2: 36). وشهد على ذلك بولس الرسول “إِن كانَ المسيحُ لم يَقُمْ، فتَبشيرُنا باطِلٌ وإِيمانُكُم أَيضًا باطِل. بل نَكونُ عِندَئِذٍ شُهودَ زُورٍ على الله، لأَنَّنا شَهِدْنا على اللهِ أَنَّه قد أَقامَ المسيح وهو لم يُقِمْه" (1 قورنتس 15، 13-15). ويُعلق القديس كيرلس أسقف اورشليم في القرن الرابع على علامات القيامة بقوله "كثيرون هم شهود قيامة المخلص: الليل وضوء القمر التام (لأنها كانت ليلة 16 نيسان)، صخرة القبر الذي حواه، والحجر الذي خُتم امام اليهود، لأنه رأى الرب، الحجر الذي دحرج عندئذ (متى 28: 2) يشهد بالقيامة، وهولا يزال قائما هنا حتى الان... والمكان نفسه الذي يُرى الى الآن". في العصر الروماني تروي الأناجيل المقدسة انه في عهد بيلاطس البنطي (26-36) صلب السيد المسيح على الجلجلة، ودفن في قبر كان يملكه يوسف الرامي، يقع خارج أسوار المدينة المقدسة (يوحنا 19: 17، وعبرانيين 13: 11 – 13)ويظهر أن مكان صلبه كان مكانًا مرئيًّا (مرقس 15: 40) وبالقرب من الشارع الرئيسي (متى 27: 37) وفيما بعد بنى هيرودس أغريباس الأول (41-44) سورا جديدا للقدس، أصبحت الجلجلة داخله. لم ينكر قادة اليهود قيامة يسوع وعودته الى الحياة (اعمال الرسل 4: 2-21) كما شهد على ذلك أيضا المؤرخ يوسيفوس فلافيوس. وتنص شهادته عن يسوع المسيح: "كان هناك في هذا الزمن يسوع، رجل حكيم، وإذا كان شرعا أن يدعى إنسان، لأنه كان يقوم بأعمال رائعة؛ هو معلم من هؤلاء الرجال الذي قبلوا الحقيقة بفرح. وقد جذَب إليه الكثير من اليهود والوثنيين. كان هو المسيح. وتلبية لطلب من الرِّجال الوجهاء اليهود بيننا أعدمه بيلاطس على الصليب. أمَّا أولئك الذين أحبُّوه في البداية لم يتركوه؛ لأنه ظهر لهم حيّا مرة اخرى في ثالث يوم من موته؛ كما تنبأ الأنبياء عن ذلك وعن عشرات الأحداث الرائعة الأخرى بشأنه. والجماعة المسيحية التي سُمِّيت باسمه لم تنقرض في هذا اليوم" (Antiquities of the Jews, 18:63-64). وفي عام (135) جعل الإمبراطور هادريانس من القدس مدينة رومانية سماها "إيليا كابتولينا" (Aelia Capitolina) فأقام فوق الجلجلة بناء ((Capitolium إكراما لإلاهة الحب "افروديت" (Aphrodite) وأما فوق القبر فبنى (Forum) أي سوقاً تجارياً مع هياكل لإكرام الآلهة الرومانية جوبتر، كما أقام الشارع الرئيسي (Cardo Maximus) مع أعمدة على جانبيه، يبدأ بباب العامود وينتهي عند القيامة وهذا مما عمل على تخليد الموضع بدلا من طمسه. كما انه بقي في إيليا كابتولينا (القدس) مجموعة من المسيحيين من أصل غير يهودي وكان أحد أساقفتهم معروفاً باسم مرقس، وقد حافظوا على إكرام قبر المسيح إلى يوم مجيء الإمبراطور قسطنطين. وفي العصر البيزنطي في عام (325) أمرت القديسة هيلانة والدة الإمبراطور قسطنطين بناء على وصية الأسقف مكاريوس بهدم الهياكل الوثنية، وتشييد كنيسة القيامة. ويُصرِّح القديس كيرلس أسقف اورشليم "انظروا الى جبل الجلجلة القائم: انه يشهد امام عيون الجميع، وقبر" القداسة"، الحجر الماثل في المكان حتى أيامنا، يشهد أيضا للمسيح وموته وقيامته. أنه صُلب ونحن لا ننكر ذلك إنما نثبِّته باعتزاز. وإذا حاولتُ ان أنكره فان الجلجلة التي بقربنا جميعا تدحضني، وكذلك خشبة الصليب التي تمّ توزيعها على قطع صغيرة في العالم كله" (العظة العاشرة والثانية عشر). في القرن السابع يشهد أيضا القديس صفرونيوس بطريريك القدس "الجلجلة تعلن حمل المسيح صليبه" وتُبشر القدس بقيامة السيد المسيح من بين الأموات وترائيه للرسل التلاميذ ". ولا تزال كنيسة القيامة تشهد مع القبر الفارغ بصمته عن الحادث الرئيسي في تاريخ الإنسانية: قيامة ربنا يسوع المسيح. ويشهد القبر الفارغ على انتصار الحياة على الموت. ونشهدُ نحن أيضاً مع الرسل والإنجيلين، مع الكنيسة القدس أم الكنائس وفي كل مكان وزمان، نتبادل هتاف الفصحى يوم الفصح: المسح قام، حقا قام. هللويا! أبعاد قيامة المسيح الايمانية قيامة المسيح ليست حدثاً تاريخياً فحسب إنما هو حدث إيماني، لأنها يتخطى مدارك الانسان. ن قيامة يسوع المسيح من بين الأموات هي أهم رسالة نادى بها الرسل كما جاء في عظات الكرازة التبشيرية الأولى في سفر اعمال الرسل. وبالرغم من ذلك لم يشرح لنا أحد من الإنجيليين كيف قام المسيح أنما من خلال خبرة الرسل يمكن ان يتخذ المرء اربعة مراحل ليصل الى الايمان اليقين بقيامة يسوع من الاموات: المرحلة الاولى: الشك والنظرة السطحية مريم المِجدَلِيَّة هي أول من رأت الحجر مرفوعًا عن القبر (يوحنا 20: 1)، واكتشفت ان القبر فارغ. فقد رأت كما يرى كل إنسان بحاسة النظر، ولم تفقه سبب القبر الفارغ. وبالرغم من ذلك ظنَّت ان قيامة المسيح مجرد تلفيق او اختلاق من المستحيل تصديقها؛ إذ كانت تعتقد ان الجثمان أخذ كما كان شائعاً في الأوساط اليهودية. لذلك قالَت الى بطرس ويوحنا الحبيب: "أَخَذوا الرَّبَّ مِنَ القَبْرِ، ولا نَعلَمُ أَينَ وَضَعوه" (يوحنا 20: 2، 15). حسبت مريم المِجدَلِيَّة ان كل شيء قد انتهى، ولكن قضية يسوع لم تنتهِ. بل دلَّ القبر الفارغ على ان عمل الله في يسوع ما انتهى في الموت. فكيف نرى الحياة الجديدة فيما وراء الموت؟ فكما كان توما رمز لهؤلاء الذين يحتاجون الى ان يروا لكي يؤمنوا، كذلك مريم المِجدَلِيَّة هي رمز للنساء اللواتي يحتجن الى ان يرينَ كي يؤمِنَّ. يرى القديس يوحنا الذهبي الفم" أن القديسة مريم المِجدَلِيَّة وإن لم تكن بعد تفكر بوضوح في القيامة، بل ظنت أن الجسد قد أٌخذ، إلاَّ إن يوحنا الإنجيلي لم يحرمها من المديح عمَّا فعلته". رات مريم المِجدَلِيَّة الفراغ القبر، ويعلق رئيس اساقفتنا بيير باتيستا " أن الفراغ الذي علينا أن نعيشه هذه الأيام، ليس مجرد غياب الناس أو الأشياء أو الممارسات، إنما فراغ يدفعنا الى الإيمان الى رؤية جديدة لواقعنا وحياتنا وعلاقتا بالله والانسان بحسب وصاياه وتعاليمه. علينا العودة إلى رؤية الله، وأن نرى فيه أصلنا ومصيرنا وأننا جميعا أبناء الله وإخوة". وهذا ما فعله بطرس ويوحنا ان يكشفا يسوع الحي من خلال القبر الفارغ. المرحلة الثانية: التحقق والنظرة التحليلية: تقوم هذه المرحلة بتحقق المرء من الحقائق. لما رأَتِ مريم المِجدَلِيَّة الحَجَرَ قد أُزيلَ عنِ القَبْر أَسرَعَت واخبرت سِمْعانَ بُطرُس والتِّلميذِ الآخَرِ الَّذي أَحَبَّهُ يسوع (يوحنا 20: 2). الغرض من دَحرجة الحجر امام القبر لا يُقصد به فتح الطريق امام المسيح ليخرج، لأنه كان بإمكانه الخروج منه دون الحاجة الى تحريك الحجر كما دخل الى العليَّة والأبواب مغلقة كما ورد في الانجيل "جاءَ يسوعُ والأبوابُ مُغلَقَة، فوَقَفَ بَينَهم (يوحنا 20: 26). فدحرجة الحجر امام القبر غايتها إعطاء المجال لمريم المِجدَلِيَّة والرسولين بطرس ويوحنا من الدخول. فجاء بطرس "ودَخَلَ القَبْرَ فأَبصَرَ اللَّفائِفَ مَمْدودة" (20: 6)، وتأكد ان القبر فارغ. ورأى الاكفان مرتّبة في مكانها على الأرض، واستدل مِن كل ما رأى ان جسد يسوع قد تحرَّر من اللفائف والمنديل ولكنه ظلَّ مذهولا ومتعجبا من حدث القيامة؛ كما وصفه لوقا الإنجيلي "إَنَّ بُطرُسَ قام فأَسرَعَ إِلى القَبْرِ وانحنَى، فلَم يَرَ إِلاَّ اللَّفائِف، فَانصَرَفَ إِلى بَيتِه مُتَعَجِّباً مِمَّا جَرى" (لوقا 24: 12). المرحلة الثالثة: النظرة الإيمانية لم يكتفِ يوحنا الرسول ان ينظر نظرة تحليلية بل نظرة ايمانية أيضا كما صرّح الانجيل "َفرأَى وآمَنَ" (يوحنا 20 :8). فهم يوحنا فورا لغة القبر الفارغ، والاكفان الممدودة، والمنديل ملفوفا على حدة. فهذه التفاصيل تنفي سرقة الجسد او نقله من موضع الى آخر، لأنه ما من سارق يترك الاكفان في مثل هذه الحالة. فحملته هذه العلامات على الاعتراف في الايمان بقيامة يسوع. "رأى يوحنا وآمن" (يوحنا 20: 8). والجدير بالذكر ان الانجيل لم يفصح عن ذكر اسم يوحنا ليجعل كل واحد مستعداً لان يكون ذاك التلميذ الذي يحبّه يسوع ويحبّ يسوع ويؤمن به وبقيامته (يوحنا 19: 26-27). كيف يمكن أن يكون لدينا إيمان يوحنّا الحبيب، الذي أبصر ما وراء اللفائف التي كانت تُحيط بالجثمان؟ انتقل يوحنا من العيان إلى الإيمان، والايمان "بُرْهانُ الحَقائِقِ الَّتي لا تُرى" (العبرانيين 1:11). ذلك التلميذ الذي سبق ورأى الجرح في جنب يسوع المطعون بالحربة. وقد كتب يوحنا إنجيله لكي نؤمن أن يسوع الذي من الناصرة الذي ولدته العذراء صلب وقام هو المسيح ابن الله، وهو رجاء الشعوب " إِنَّما كُتِبَت هذه لِتُؤمِنوا بِأَنَّ يسوعَ هو المسيحُ ابنُ الله، ولِتَكونَ لَكم إِذا آمَنتُمُ الحياةُ بِاسمِه. (يوحنا 20: 31). وبهذا الإيمان ننال الحياة الأبدية التي ظهرت في قيامة المسيح. نحن بحاجة الى رؤية جديدة لنستجيب على نحو أفضل ليسوع القائم من الأموات الذي يدعونا اليها بقوله "هلم وانظر". فالقيامة حقيقة تاريخية تتطلب الايمان لأنها تفوق مدارك الانسان. المرحلة الرابعة: الترائي والرؤية الشخصية: لن يقدر المرء ان يقبل حقيقة القيامة إلا بظهور يسوع القائم من بين الاموات ومقابلته ليسوع شخصيا، الامر الذي يُبددَّ كل الشكوك؛ ابتداء من مريم المِجدَلِيَّة مرورأ بسمعان ثم الرسل ثم توما الرسول وصولا الى بولس الرسول. ظهر يسوع لمريم المِجدَلِيَّة “وقال لها مَريَم! فالتَفَتَت وقالَت له بِالعِبرِيَّة: رابُّوني!" (يوحنا 20: 16). ولم يتقبل بطرس حقيقة القيامة مع انه رأى علامات القيامة التي شاهدها يوحنا ولم يؤمن بالقيامة الاّ عند ظهور المسيح القائم ومقابلته شخصيا كما ورد في الانجيل: "إِنَّ الرَّبَّ قامَ حَقاً وتَراءَى لِسِمْعان" (لوقا 24: 34). وبعدئذ قدَّم بطرس تعهده أمام الرب يسوع وكرَّس حياته لخدمته وبدأ في إدراك واقع حقيقة وجود يسوع الحي. وذكر انجيل يوحنا ظهور يسوع للرسل أيضًا "كانَ التَّلاميذُ في دارٍ أُغْلِقَتْ أَبوابُها خَوفاً مِنَ اليَهود، فجاءَ يسوعُ ووَقَفَ بَينَهم وقالَ لَهم: السَّلامُ علَيكم! قالَ ذلك، وأَراهم يَدَيهِ وجَنبَه" (يوحنا 20: 19). واكّد بولس الرسول هذه الظهورات: "وأَنَّه تَراءَى لِصَخْرٍ فالاْثَني عَشَر، ثُمَّ تَراءَى لأَكثَرَ مِن خَمْسِمِائَةِ أَخٍ معًا لا يَزالُ مُعظَمُهُم حَيّاً وبَعضُهُم ماتوا، ثُمَّ تَراءَى لِيَعْقوب، ثُمَّ لِجَميعِ الرُّسُل (1 قورنتس 15: 5-7). وبعد ان قدّم توما الرسول تعهده أمام يسوع وكرَّس حياته لخدمته بدأ إدراك واقع حقيقة القيامة معلناً إيمانه للمسيح القائم بقوله: "رَبِّي وإِلهي" (يوحنا 20: 24-31). جاء في الحديث في الإسلام "طُوبَى لِمَنْ رَآنِي وَآمَنَ بِي، وَمَنْ رَأَى مَنْ رَآنِي، وَمَنْ رَأَى مَنْ رَأَى مَنْ رَآنِي" أمَّا سيدنا يسوع المسيح فيقول الى الرسول توما:" أَلِأَنَّكَ رَأَيتَني آمَنتَ؟ طوبى لِلَّذينَ يؤمِنونَ ولَم يَرَوا (يوحنا 20: 28). إن هذا الذي يظهر هو يسوع الناصري، والرسل يرونه ويلمسونه كما حدث مع الرسل وتوما (يوحنا 20: 19-29)، ويأكلون معه (يوحنا 21: 9-13). إنه ليس خيالا، بل ظهر يسوع جسده الخاص إذ "أَراهم يَدَيهِ وجَنبَه" (يوحنا 20: 20). إلاَّ أن هذا الجسد لا يخضع للأوضاع العادية في الحياة الأرضيّة " كانَ التَّلاميذُ في دارٍ أُغْلِقَتْ أَبوابُها خَوفاً مِنَ اليَهود، فجاءَ يسوعُ ووَقَفَ بَينَهم" (يوحنا 20: 19). ويُعلق البابا بندكتس السادس عشر على قيامة المسيح بقوله "يسوع الناصري لم يستأنف حياته المألوفة كما كانت في هذه الحياة، كما في حال لعازر والموتى الأخرين الذين قاموا بفضل المسيح. انه قام نحو حياة مختلفة، جديدة. خرج نحو الله اللامتناهي، وظهر انطلاقاً منه إلى أحبّائه" (كتاب يسوع الناصري). وكان آخر الترائي لبولس الرسول على طريق دمشق كما جاء في تصريحه "حتَّى تَراءَى آخِرَ الأَمرِ لي أَيضًا "(1 قورنتس 15: 8)؛ إنه يختار من شهوده رسلاً له. فيُظهر نفسه لهم، "ولا يظهر نفسه للعالم" (يوحنا 14: 22)، لأن العالم مغلق عن الإيمان. ان حقيقة القيامة تُثبَّت في إيمان الرسل بعد ترائي لهم يسوع القائم من بين الأموات. نستنتج مما سبق ان يسوع احتفظ يسوع بترائية للشهود الذين اختارهم هو بنفسه كما جاء في عظة بطرس الأولى "فيَسوعُ هذا قد أَقامَه اللّه، ونَحنُ بِأَجمَعِنا شُهودٌ على ذلك" (أعمال 2: 32). وهكذا إنّ أساس الإيمان المسيحي هو أحداث جرت بالفعل، ونعترف بها من خلال شهادة شهود عيان جديرين بالثقة. المرحلة الخامسة: إيمان مدعوم من الكتاب المقدس تؤكد النصوص الانجيلية حدت القيامة؛ إذ رأى التلاميذ القبر فارغ، والقبر قد وُجد فارغا لا يُبرهن إلاَّ على انه فارغ، وامَّا الاكفان على الأرض والمنديل ملفوفا على حدة مما ينفي سرقة الجسد فمن يؤكد قيامة الرب؟ توحي الرواية ذكريات تاريخية لشهود عيان. لكن لم تشاهد عينا انسان القيامة ذاتها، ولكن علامات لها. ومن هنا يوجد هناك خياران: الايمان انَّ الرب يسوع قد قام من بين الأموات او أن الانغلاق أمام حقيقة القيامة منكرين ومتجاهلين إياها. فهناك حاجة أن يفتح اللَّه ذهن الرسل ليفهموا الكتب المقدسة كما حدث مع تلميذي عمواس (لوقا 24: 44-45). المسيح المُمجَّد مفتاح لكل اسفار الكتاب المقدس كما وصف لوقا البشير لقاء يسوع القائم مع تلميذي عِمَّاوُس "فبَدأَ مِن مُوسى وجَميعِ الأَنبِياء يُفَسِّرُ لَهما جميعِ الكُتُبِ ما يَختَصُّ بِه (لوقا 24: 27). وهنا تأتي كلمة الانجيل لتثبِّت الايمان. عندما فهم التلاميذ الكتب المقدسة، لم يعودوا بحاجة الى ان "يروا" أولا، بل أصبحوا يؤمنون استنادا الى كلمة الله. وبعد ان رأى التلاميذ القبر فارغا والاكفان والمنديل تذكروا اقوال يسوع والاسفار المقدسة انه سيموت ثم يقوم من بين الأموات: "أَنَّه يَجِبُ علَيهِ أَن يَذهَبَ إِلى أُورَشَليم ويُعانِيَ آلاماً شَديدة مِنَ الشُّيوخِ وعُظَماءِ الكَهَنَةِ والكَتَبَة ويُقتَلَ ويقومَ في اليومِ الثَّالث" (متى 16: 21). وتذكر التلاميذ أيضا ما تنبأ عنه صاحب المزامير "لأَنَّكَ لن تَترُكَ في مَثْوى الأَمْواتِ نَفْسي ولَن تَدَعَ صَفِيَّكَ يَرى الهوة" (مزمور 16: 10)، واخذوا يفهمون ما قاله السيد المسيح عن تحقيق آية يونان بقيامته "فكما بَقِيَ يُونانُ في بَطنِ الحُوتِ ثَلاثةَ أَيَّامٍ وثلاثَ لَيال، فكذلكَ يَبقى ابنُ الإِنسانِ في جَوفِ الأَرضِ ثَلاثةَ أَيَّامٍ وثلاثَ لَيال. (متى 12: 40). أدرك التلاميذ عندئذ ان القيامة حقيقة تثبِّتها الكتب المقدسة وأنها جزء رئيسي في خطة الله لخلاصنا وتبريرنا، لذلك تحقيقها كان أمرًا ضروريًا. ونستنتج مما سبق ان الرسل اخذوا يفهموا ما ورد في الكتاب عندما حلّ الروح القدس في العنصرة، "كُلُّ واحِدٍ مِنَّا أُعطيَ نَصيبَه مِنَ النِّعمَةِ على مِقْدارِ هِبَةِ المسيح"(أفسس 4: 7). ومن هذا المنطلق إننا نؤمن بالقيامة بناء على شهادة الرسل وما ورد في الكتب المقدسة وتقليد الكنيسة المقدسة. المرحلة السادسة: ايمان مدعوم من القربان الاقدس حدت القيامة تُثبِّته نصوص الإفخارستيا التي هي الذكرى الكبرى لموت وقيامة يسوع. يُعيد يسوع القائم من بين الأموات الأعمال التي كان يقوم بها خلال حياته العامة، يأكلون معه (يوحنا 21: 9-13). وهذا ما ساعد على التعرف عليه كتناول وجبة الفطور معهم على شاطئ بحيرة طبرية والصيد معهم (يوحنا21: 6 و12) وكسر الخبز يساعدنا ان نعرف السميح القائم كما هو الحال مع تلميذي عمواس "عَرَفاه عِندَ كَسْرِ الخُبْز " (لوقا 24: 35) إلا أنه الآن في حالة المجد. ومن هذا المنطلق، نحن نؤمن بالقيامة عن طريق عيش سر الإفخارستيا. وجرت قيامة يسوع المسيح في اليوم الأول من الأسبوع. ومنذ ذلك الوقت اتخذ المسيحيون يوم الأحد يوم راحة ليقيموا القداس الإلهي تذكارًا لقيامة السيد المسيح (رؤيا 1: 10). الإفخارستيا هي الذكرى الكبرى لموت وقيامة يسوع كما ورد في عشاء يسوع الأخير مع رسله " أَخَذَ خُبْزاً وشَكَرَ وكَسَرَه وناوَلَهُم إِيَّاهُ وقال: هذا هو جَسدي يُبذَلُ مِن أَجلِكُم. إِصنَعوا هذا لِذِكْري" (لوقا 22: 19) فجسد المسيح في سر الإفخارستيا هو جسده الذي اجتاز الموت ثم قام من بين الاموات. ونستنتج مما سبق اننا نتعرّف على يسوع القائم من خلال الكتاب المقدس الإفخارستيا. فنحن مدعوون أن نتعرّف إليه ونختبره كالنسوة والتلاميذ، إنه الإله الذي يحوّل وجودنا ويعطيه معنى جديداً. ان قيامة يسوع هي مفتاح الايمان المسيحي واساس شهادة الكنيسة للعالم. لكن ما هو حدث القيامة لنا؟ هل اختبرناه أم ما زال حدثاً تاريخياً في حياتنا؟ المرحلة السادسة: الشهادة: يبدأ الإيمان الفصحي في فجر القيامة حيث يُظهر يسوع نفسه لتلاميذه ويُعلن بذاته قيامته، وقبل صعوده الى أسماء قالَ لَتلاميذه ((اِذهَبوا في العالَمِ كُلِّه، وأَعلِنوا البِشارَةَ إِلى الخَلْقِ أَجمَعين"، "فذَهَبَ أُولئِكَ يُبَشِّرونَ في كُلِّ مكان، والرَّبُّ يَعمَلُ مَعَهم ويُؤَيِّدُ كَلِمَتَه بِما يَصحَبُها مِنَ الآيات" (مرقس 16: 16، 20). وكانت صرخة للكنيسة في صباح ولادتها على لسان القديس بطرس الرسول: "ليعلم جميع إسرائيل أن يسوع هذا الذي صلبتموه، قد أقامه الله وجعله مسيحاً وربّاً" (اعمال الرسل 2: 23). وأعلن بطرس الرسول أيضا في عظته في بيت قرنيليوس "وقَد أَوصانا أَن نُبَشِّرَ الشَّعْب ونَشهَدَ أَنَّه هو الَّذي أَقامَه اللهُ دَيَّانًا لِلأَحياءِ والأَموات" (اعمال الرسل 10: 42). ان هذا الإعلان الفصحى ما زالت تعيشه الكنيسة حتى نهاية العالم. فهي لا تستطيع أن تصمت عمّا اختبرت في كل مسيرتها الإيمانية، إذ تردّد كل ما قاله الشهود الأولون عن حقيقة القيامة. هذا ما أعطاهم جرأةً في عملهم وفرحاً في آلامهم وثباتاً في إيمانهم. ونحن اليوم بفضل شهادتهم نعلن أن يسوع الرب قد قام حقاً كما يقول بولس الرسول: إِذا كانَ رَجاؤُنا في المسيحِ مَقصورًا على هذهِ الحَياة، فنَحنُ أَحقُّ جَميعِ النَّاسِ بِأَن يُرْثى لَهم. كَلاَّ! إِنَّ المسيحَ قد قامَ مِن بَينِ الأَموات وهو بِكرُ الَّذينَ ماتوا" (قورنتس 15: 19-20). لذلك نحن مدعوون ايضا أن نؤمن ان قوّة القيامة قادرة أن تحقق فينا ما لا تقوى عليه الطبيعة البشرية. مؤدّي شهادة لقيامة المسيح عندما نعيش أسمى لحظات وجودنا ونحدث تغييراً في حياتنا الخارجية ونبدّل في مواقفنا الداخلي وقراراتنا. ابعاد قيامة المسيح الروحية للقيامة ابعاد روحية أيضا وهي تكملة عمل الفداء وتمجيد يسوع وتحقيق النبوات والوعود ومركز كرازة الجماعة المسيحية الاولى وموضوع ايماننا المسيحي الاساسي: قيامة المسيح تكملة عمل الفداء بدأ يسوع عمل الفداء بالتجسد والآلام والصلب والموت وأكمله بالقيامة. أنقذنا الربّ يسوع من الخطايا، وبقيامته أعاد كلّ ما فقدناه من خلال الخطيئة وفتح لنا أبواب الحياة الأبديّة كما جاء في تعليم بولس الرسول " أُسلِمَ إِلى المَوتِ مِن أَجْلِ زَلاَّتِنا وأُقيمَ مِن أَجْلِ بِرِّنا." (رومة 4، 25). فإن كان قد ذُبح لأجلنا، فقيامته تؤكد قبول الذبيحة. وإن كان قد صُلب من أجل ديون ذنوبنا، فقيامته تعلن وفاء الدين. والقيامة برهان على ان المسيح خلص الخطأة واوفي الدين عنهم كما جاء في تعليم بولس الرسول "أُسلِمَ إِلى المَوتِ مِن أَجْلِ زَلاَّتِنا وأُقيمَ مِن أَجْلِ بِرِّنا." (رومة 4: 25 او 1 بطرس 1: 3). ويُعلّق القديس ميليتيون أسقف سردينيا" اتخذَ الربُّ، معَ كونِه إلهًا، طبيعةَ الإنسان، وتألَّمَ عمَّن كانَ يتأَلَّمُ. وقُيِّدَ بدلَ مَن كانَ مُقيَّدًا، وحُكِمَ عليه بدلَ مَن كانَ مُجرِمًا، ودُفِنَ بدلَ مَن كانَ مدفونًا، وقامَ من بينِ الأموات؛ ولذلك فان قيامة يسوع من بين الاموات هي تمجيد للابن من قبل الآب (اعمال 2: 22-24). وعلى ضوء القيامة أصبح للألم والصليب مفهوم جديد في فكرنا وشعورنا الذي لنا فكر الرب، كما قال بولس الرسول "لأنه "فمَنِ الَّذي عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ لِيُعَلِّمَه؟ وأَمَّا نَحنُ فلَنا فِكْرُ المسيح." (1قورنتس 2: 16)، وأصبح الألم في اقتناعنا انه الطريق إلي المجد، كما صرَّح بولس الرسول " إِذا شارَكْناه في آلامِه، نُشارِكُه في مَجْدِه أَيضًا " (رومة 8: 17). وكشف لنا يسوع بعد قيامته، أن الحياة تمر حتماً بالموت، والمجد بالآلام، والخلاص بالصليب، والفرح بالحزن، والخدمة بالتواضع، والأول بالآخر، والربح بالخسارة. فلا مجد دون ألم، ولا حياة دون موت، ولا قيامة دون جلجلة. فيقول:" الحقّ الحقّ أقول لكم: إنّ حبّة الحنطة التي تقع في الأرض إن لم تمت تبقى وحدها وإن ماتت أخرجت ثمراً كثيراً" (يوحنا 12/24). ولذلك نحمل الألم ونحن نقول " مَحْزونينَ ونَحنُ دائِمًا فَرِحون" (2 قورنتس 6: 10). وبالقيامة أصبح الصليب إكليلاً ومجدًا، وليس ألمًا كما صرَّح بولس الرسول" إِنِّي راضٍ بِحالاتِ الضُّعفِ والإِهاناتِ والشَّدائِدِ والاِضطِهاداتِ والمَضايِقِ في سَبيلِ المسيح" (2 قورنتس 12: 10). لم يلغي الفصح ألم العالم أو جروح التاريخ العديدة انما اعطى القدرة الجديدة على النظر إلى الفراغ ومحاورة الألم لرؤية علامات الموت والإيمان. ويوضِّح ذلك البابا فرنسيس "إنَّ قيامة المسيح هي انتصار المحبة على جذور الشرّ، انتصار لم "يتجاوز" الألم والموت بل عبرهما محوِّلاً الشرّ إلى خير". فالإيمان لا يلغي مآسي الوجود، بل يفتح أعيننا وقلوبنا على آفاق الخلاص والحياة الأبدية. لذلك يقول العلامة بول ريكور: "لم يأتِ المسيح لكي يلغي الألم إنما أتى ليملأه بحضوره". واصبح المسيح بقيامته رباً ومسيحاً كما اعلن ذلك بطرس الرسول في عظته الأولى " َلْيَعْلَمْ يَقينًا بَيتُ إِسرائيلَ أَجمَع أَنَّ يَسوعَ هذا الَّذي صَلَبتُموه أَنتُم قد جَعَلَه اللهُ رَبًّا ومَسيحًا" (اعمال الرسل 2: 36) وقائدا ومخلصاً كما صرح بطرس الرسول في مجلس اليهود "هو الَّذي رَفعَه اللهُ بِيَمينِه وجَعَلَه سَيِّدًا ومُخَلِّصًا لِيَهَبَ لإِسْرائيلَ التَّوبَةَ وغُفرانَ الخَطايا" (أعمال الرسل 5: 31)، انه آدم الجديد الذي وضع الله تحت قدميه كل شيء كما جاء في تعليم بولس الرسول " كما يَموتُ جَميعُ النَّاسِ في آدم فكذلك سَيُحيَونَ جَميعًا في المسيح،" (1 قورنتس 15: 22)، وإنه راس للزاوية كما وصفه القديس بطرس "هذا هو الحَجَرُ الَّذي رَذَلتُموه أَنتُمُ البَنَّائين فصارَ رَأسَ الزَّاوِيَة (اعمال الرسل 4: 11).
دخل يسوع الى المجد من خلال قيامته. وقيامته هي تمجيد للابن من قبل الآب (اعمال 2: 22-24). فلمَّا كان يسوع على الارض لم يُظهر مجده الاّ من خلال بعض العلامات "جاءَ إِلى بَيتِه. فما قَبِلَه أَهْلُ بَيتِه" (يوحنا 1: 11)، وفي لحظات قصيرة كلحظة التجلي "مضى يسوعُ بِبُطرُسَ ويعقوبَ ويوحَنَّا فانفَرَدَ بِهِم وَحدَهم على جَبَلٍ عالٍ، وتَجَلَّى بِمَرأَى منهم" (مرقس 9: 2). دخل يسوع عالما جديداً بعد قيامته تنبأ عنه أشعيا النبي " أَخلُقُ سَمَواتٍ جَديدة وأَرضاً جَديدة فلا يُذكر الماضي ولا يَخطر على البال" (أشعيا 65: 17) وأصبح " رَبَّ المَجْد"(1 قورنتس 2: 8). إنّ جسده الآن مُمجّداً، خالداً وغير قابل للفساد. يُشارك جسد المسيح الربّ في المجد الّذي كان لديه من البداية، عندما كان حاضراً مع الآب قبل الخلق. وبهذه القيامة، أثبت المسيح الربّ مجد ألوهيّته. لم يُقيمه أيّ أحد بل إنّه قام بقوّته الذاتيّة. قال الربّ يسوع: " أَبذِلُ نَفْسي لأَنالَها ثانِيَةً ما مِن أَحَدٍ يَنتزِعُها مِنَّي بل إنّني أَبذِلُها بِرِضايَ. فَلي أَن أَبذِلَها ولي أَن أَنالَها ثانِيَةً" (يوحنّا 10، 18-19). "وأَرادَ يسوع أَن يَقودَ إِلى المَجْد ِكَثيرًا مِنَ الأَبناء" (العبرانيين 2: 10). لذلك لم يتردّد بولس الرسول ان يُعلن "عَن يَدِ إِنسان أَتى المَوتُ فعَن يَدِ إِنسانٍ أَيضا ً تَكونُ قِيامةُ الأَموات، وكما يَموتُ جَميعُ النَّاسِ في آدم فكذلك سَيُحيَونَ جَميعًا في المسيح" (1 قورنتس 15: 22). هكذا أضحى الموت بقيامة يسوع نهاية مطاف وعبوراً إلى حياة أخرى. ويعلق الأسقف ميلتون "هو الذي أخرجَنا من العبوديّةِ إلى الحرّيَةِ، ومن الظلمةِ إلى النورِ، ومن الموتِ إلى الحياةِ، ومن الجورِ والمذلَّةِ إلى الملكوتِ الأبديِّ، وجعلَنا كهنوتًا جديدًا وأمَّةً مختارةً وأبديّةً. هذا هو فصحُ خلاصِنا". قيامة المسيح تحقيق للنبوءات حققت قيامة يسوع النبوءات كما أعلن يسوع " وبَدأَ يُعَلِّمُهم أَنَّ ابنَ الإِنسانِ يَجِبُ علَيه أَن يُعانيَ آلاماً شديدة، وأَن يرْذُلَه الشُّيوخُ وعُظماءُ الكَهَنَةِ والكَتَبَة، وأَن يُقتَل، وأَن يقومَ بَعدَ ثَلاثةِ أَيَّام "(مرقس 8: 31). لقد تمَّمت قيامة المسيح ما ورد في نبوءة يونان التي كانت ترمز الى قيامة المسيح "كما بَقِيَ يُونانُ في بَطنِ الحُوتِ ثَلاثةَ أَيَّامٍ وثلاثَ لَيال، فكذلكَ يَبقى ابنُ الإِنسانِ في جَوفِ الأَرضِ ثَلاثةَ أَيَّامٍ وثلاثَ لَيال" (متى 12: 40). وهي أيضاً علامة الهيكل كما اشار يسوع الى ذلك: "اُنقُضوا هذا الهَيكَل أُقِمْهُ في ثَلاثَةِ أَيَّام" (يوحنا 2: 19-21). قيامة المسيح تحقيق الوعود حقَّقت القيامة وعد رفْعِ يسوع ممجَّدا الى يمين الله كما جاء في اعمال الرسل "فداودُ لم يَصعَدْ إِلى السَّموات، وهُو نَفْسُه مع ذلك يَقول: قالَ الرَّبُّ لِرَبيِّ: اِجلِسْ عن يَميني" (اعمال الرسل 2: 34) كما حقَّقت القيامة تمجيد عبد الرب المتألم "لِيَجرِيَ الشِّفاءُ والآياتُ والأَعاجيبُ بِاسمِ عَبدِكَ القُدُّوسِ يَسوع" (اعمال الرسل 4:30) كما حقَّقت القيامة ايضا الوعد بجلوس يسوع عن يمين الله "ها إِنِّي أَرى السَّمواتِ مُتَفَتِّحَة، وابنَ الإِنسانِ قائِمًا عن يَمين الله" (اعمال الرسل 7: 56). وبما ان يسوع "قَد قامَ كما قال"(متى 28: 6)، فما قاله هو حق. ولأنه قام فإنه يُمكننا ان نثق في أنه يتممَّ كل وعوده.ولمَّا تحقَّق أمام الرسل وعود المسيح لهم بأنه سيقوم وسَيَرونه، وثقوا أيضاً بتحقيق كل الوعود الأخرى التي قال لهم عنها مثل " في بَيتِ أَبي مَنازِلُ كثيرة ولَو لم تَكُنْ، أَتُراني قُلتُ لَكم إِنِّي ذاهِبٌ لأُعِدَّ لَكُم مُقاماً؟ وإِذا ذَهَبتُ وأَعددتُ لَكُم مُقاماً أَرجعُ فآخُذُكم إِلَيَّ لِتَكونوا أَنتُم أَيضاً حَيثُ أَنا أَكون" (يوحنا 14: 2-3). ووثقوا أيضًا بوعده عن إرسال الروح القدس إليهم (يوحنا 16: 7)، وأنهم سينالون قوة متى يَحل الروح القدس عليهم (أعمال 1: 8). ووثقوا بوعده بالبقاء معهم "هاءنذا معَكم طَوالَ الأَيَّامِ إِلى نِهايةِ العالَم" (متى 28: 20). وكل هذه الوعود منحتهم قوة وإيماناً وفرحًا. قيامة المسيح محور الكرازة الرسولية تتمحور كرازة الرسل على يسوع الذي صلب ومات، الاَّ ان الله اقامه، وبه يُقدَّم للناس الخلاص كما صرَّح بطرس الرسول "قَتَلتُم سيِّدَ الحَياة، فأَقامَه اللهُ مِن بَينِ الأَموات، ونَحنُ شُهودٌ على ذلك" (اعمال الرسل 3: 14-15). ويؤكِّد لنا بولس الرسول ايضا إيمان الجماعة الأولى بالقيامة، حيث يقول "سَلَّمتُ إِلَيكم قبلَ كُلِّ شيَءٍ ما تَسَلَّمتُه أَنا أَيضًا، وهو أَنَّ المسيحَ ماتَ مِن أَجْلِ خَطايانا كما وَرَدَ في الكُتُب، وأَنَّه قُبِرَ وقامَ في اليَومِ الثَّالِثِ كما وَرَدَ في الكُتُب" (1 قورنتس 15: 3-4). "وإِن كانَ المسيحُ لم يَقُمْ، فتَبشيرُنا باطِلٌ وإِيمانُكُم أَيضًا باطِل" (1 قورنتس 14:15). وان رؤساء اليهود لم يكذبوا حقيقة القيامة بل اكتفوا بالبحت عن تفسير آخر له وذلك برشوة رجال الحرس بقولهم لهم "قولوا إِنَّ تَلاميذَه جاؤوا لَيلاً فسَرقوه ونَحنُ نائمون" (متى 28: 13). ويمكننا أن نلقّب سفر الأعمال ببشارة القيامة. للجماعة المسيحية الأولى كان للقيامة الأهمّية الأولى، إذ بدون قيامة الربّ لما قامت الكنيسة المسيحيّة على الإطلاق. وكانت قيامته نقطة تحول في تاريخ حياة الكنيسة، وفي تاريخ المسيحية. والقوة التي اقامت يسوع للحياة قادرة ان تُعيد نفوسنا المائتة روحيا الى الحياة فنستطيع ان نقوم مع المسيح "إِنَّ المسيحَ قد قامَ مِن بَينِ الأَموات وهو بِكرُ الَّذينَ ماتوا" (1قورنتس 15: 20). قيامة المسيح مركز إيمان الكنيسة اكتشفت الكنيسة في اختبار الفصح إيمانها بالقيامة حيث ان القيامة هي سر تعيشه الكنيسة كل يوم: فهي تصرّح انَّ القائم من الموت يحيا معها، وإنها تكتشف وجوده في الحياة اليومية وفي المشاركة الأخوية والمراسيم الدينية والصلوات. "قيامة المسيح هي الحياة للموتى، والصفح عن المُذْنبين والمجد للقديسين" فلننشد مع الكنيسة "المسيح قام من بين الأموات ووطِئ الموت بالموت. ووهب الحياة للّذين في القبور"؛ وهكذا أضحى الموت بقيامة يسوع نهاية مطاف وعبوراً إلى حياة أخرى. لولا القيامة لكان ايماننا باطلا وكنَّا أشقى الناس أجمعين كما جاء في تعليم بولس الرسول "وإِذا لم يَكُنِ المسيحُ قد قام، فإِيمانُكم باطِل ولا تَزالونَ بِخَطاياكم، وإِن كانَ المسيحُ لم يَقُمْ، فتَبشيرُنا باطِلٌ وإِيمانُكُم أَيضًا باطِل. بل نَكونُ عِندَئِذٍ شُهودَ زُورٍ على الله، لأَنَّنا شَهِدْنا على اللهِ أَنَّه قد أَقامَ المسيح وهو لم يُقِمْه" (1 قورنتس 15: 14-15). المسيح قام وإيماننا به ليس باطلا. كشف لنا المسيح من خلال قيامته، أن الحياة تمر حتماً بالموت، والمجد بالآلام، والخلاص بالصليب، والفرح بالحزن، والخدمة بالتواضع، والأول بالآخر، والربح بالخسارة. فلا مجد دون ألم، ولا حياة دون موت، ولا قيامة دون جلجلة، فلا نموّ من دون تحوّل ولا تحوّل من دون موت كما يؤكده يسوع بقوله " الحقّ الحقّ أقول لكم: إنّ حبّة الحنطة التي تقع في الأرض إن لم تمت تبقى وحدها وإن ماتت أخرجت ثمراً كثيراً" (يوحنا 12/24). ومن هذا المنطلق، القيامة هي انتصار الله الأخير على الموت، انتصار المسيح، انتصار الحياة على الموت، انتصار النور على الظلمة، انتصار الرجاء على الياس. ويعلق البابا فرنسيس "المسيح رجائي قد قام من الموت!" وكلُّ قلب بشريٍّ ينتظر هذه البشرى السارة. " فالقيامة جزء حيوي رئيسي في خطة الله لخلاصنا وتبريرنا من ناحية، ومن ناحية أخرى لم يكن ممكنًا للسيد المسيح القائل: "أنا هو القيامة" أن يبق رهين الموت والقبر! وما هذا أفصح عنه رئيس أساقفة القدس يوم الفصح امام كنيسة القيامة " إن الحياة ستنتصر". القيامة عربون قيامتنا: قام المسيح وبقيامته نحن واثقون من قيامتنا أيضا. وليس الموت هو النهاية بل هناك حياة أخرى هناك حياة أخرى بعد الموت. وفي هذا الصدد يقول بولس الرسول: "فدُفِنَّا مَعَه في مَوتِه بِالمَعمُودِيَّةِ لِنَحْيا نَحنُ أَيضًا حَياةً جَديدة كما أُقيمَ المَسيحُ مِن بَينِ الأَمواتِ بِمَجْدِ الآب؟ "(رومة 6: 4). قام يسوع باعتباره "باكورة الراقدين (1 قورنتس 15:20) وهو "أَوَّلُ القائمينَ مِن بَينِ الأَموات" (أعمال الرسل 26: 23). وهكذا نحن نقوم، لان يسوع قد قام "فالَّذي أَقامَ يسوعَ المسيحَ مِن بَينِ الأَموات يُحْيي أَيضًا أَجسادَكُمُ الفانِيةَ بِرُوحِه الحالِّ فيكُم" (رومة 8: 11). وقام المسيح ليحيا ويملك على قلوب المؤمنين. كما صرّح بولس الرسول: "فما مِن أَحَدٍ مِنَّا يَحْيا لِنَفْسِه وما مِن أَحدٍ يَموتُ لِنَفْسِه، فإِذا حَيِينا فلِلرَّبِّ نَحْيا، وإِذا مُتْنا فلِلرَّبِّ نَموت: سَواءٌ حَيِينا أَم مُتْنا فإِنَّنا لِلرَّبّ. فقَد ماتَ المَسيحُ وعادَ إِلى الحَياة لِيَكونَ رَبَّ الأَمواتِ والأَحْياء"(رومة 17: 7-9). وأخيراً، قام المسيح لنحيا: فقالَ يسوع لمَرْتا " أَنا القِيامةُ والحَياة مَن آمَنَ بي، وَإن ماتَ، فسَيَحْيا"(يوحنا 11: 5)؛ وهو يُشركنا منذ الآن في الحياة الجديدة عن طريق علامات اسرار الكنيسة. فالحياة الجديدة التي دخلنا فيها ليست شيئا آخر سوى حياته ذاتها كشخص قام من بين الاموات "مع أَنَّنا كُنَّا أَمواتًا بِزَلاَّتِنا، أَحْيانا مع المَسيح (بِالنِّعمةِ نِلتُمُ الخَلاص) وأَقامَنا معه وأَجلَسَنا معه في السَّمَواتِ في المسيحِ يسوع (أفسس 2: 5-6). وقام المسيح لنكون معه في المجد:" فأمَّا وقد قُمتُم مع المسيح، فاسعَوا إلى الأُمورِ الَّتي في العُلى حَيثُ المسيحُ قد جَلَسَ عن يَمينِ الله. 2 اِرغَبوا في الأُمورِ الَّتي في العُلى، لا في الأُمورِ الَّتي في الأَرض، لأَنَّكم قد مُتُّم وحَياتُكم مُحتَجِبةٌ معَ المسيحِ في الله. فإِذا ظَهَرَ المسيحُ الَّذي هو حَياتُكم، تَظَهَرونَ أَنتُم أَيضًا عِندَئِذٍ معَه في المَجْد" (قولسي 3: 1-4). فعيد قيامة المسيح هو عيد قيامتنا، لأنّنا نُؤمن بالمسيح وبقدرته الإلَهيَّة وبقدرة الله على إقامة الأموات، ولأنّ القيامة هي الانتصار والغَلَبَة لكلّ مُؤمن، " الشُّكرُ للهِ الَّذي آتانا النَّصْرَ عَن يَدِ رَبِّنا يسوعَ المسيح! ثابِتينَ راسِخين، مُتَقَدِّمينَ في عَمَلِ الرَّبِّ دائِمًا، عالِمينَ أَنَّ جَهْدَكُم لا يَذهَبُ سُدً ى عِندَ الرَّبَّ" (1 قورنتس 15: 57 -58). قيامة المسيح هدف رجائنا قام المسيح ليعطي معنى لحياتنا في وسط المآسي الكبرى، لانَّ القيامة تُمثل أساس العمل الخلاصي؛ فإن كان قد ذُبح المسيح من أجلنا، فقيامته تؤكد قبول الذبيحة. وإن كان قد صُلب من أجل ديوننا، فقيامته تعلن وفاء الدين ورجاء المستقبل. "وإِذا كانَ رَجاؤُنا في المسيحِ مَقصورًا على هذهِ الحَياة، فنَحنُ أَحقُّ جَميعِ النَّاسِ بِأَن يُرْثى لَهم. كَلاَّ! إِنَّ المسيحَ قد قامَ مِن بَينِ الأَموات وهو بِكرُ الَّذينَ ماتوا" (1قورنتس 15: 19-20). قيامة المسيح واساس رجائنا في القيامة في اليوم الاخير. ويقول الرسول بطرس أنّنا قد وُلدنا من جديد إلى رجاء حيّ عن طريق قيامة يسوع المسيح من الموت "تَبارَكَ اللهُ أَبو ربِّنا يسوعَ المسيح، شَمَلَنا بِوافِرِ رَحمَتِه فوَلدَنا ثانِيَةً لِرَجاءٍ حَيٍّ بقِيامَةِ يسوعَ المسيحِ مِن بَينِ الأَموات" (1 بطرس 1، 3). ويصرّح بولس الرسول "نَنتَظِرُ مَجيءَ المُخلِّصِ الرَّبِّ يسوعَ المسيحِ الَّذي سيُغَيِّرُ هَيئَةَ جَسَدِنا الحَقير فيَجعَلُه على صُورةِ جَسَدِه المَجيد بما لَه مِن قُدرَةٍ يُخضِعُ بِها لِنَفْسِه كُلَّ شيَء" (فيلبي 3: 21). بما ان يسوع "قَد قامَ كما قال"(متى 28: 6)، نعلم ان ما قاله هو حق. ولأنه قام فإنه يُمكننا ان نثق في أنه يتمم كل وعوده. انه المسيح الحي وليس نبياً فقط، وإننا واثقون من قيامتنا أيضا وان الموت ليس النهاية بل هناك حياة في المستقبل. ولأنه قام فهو حي ويشفع فينا، ولأنه قام وغلب الموت، نعلم اننا سنقوم أيضا. لولا القيامة لكان رجاؤنا باطلا كما يقول بولس الرسول "إِذا كانَ رَجاؤُنا في المسيحِ مَقصورًا على هذهِ الحَياة، فنَحنُ أَحقُّ جَميعِ النَّاسِ بِأَن يُرْثى لَهم" (1 قورنتس 15: 19)؛ ولما بقي معنى لأقواله "أَنا القِيامةُ والحَياة مَن آمَنَ بي، وَإن ماتَ، فسَيَحْيا" (يوحنا 11: 15). لكن نحن "نترجَّى قيامة الأموات والحياة الأبديّة" كما نقول في قانون الايمان. القيامة ليست هي مجرد أن نقوم، إنما بالحري أن نقوم مع المسيح، لنحيا معه، حيث يكون هو. أصبحت القيامة طريق يوصل إلى الأبدية مع الله، التي هي هدف حياتنا على الأرض. فما أجمل القيامة التي تؤدي إلى كل هذا، وكل هذا ننتظره نحن في رجاء، فرحين بالرب وبمواعيده! وهكذا أعطت القيامة المسيحيين رجاءً في العالم الآخر. ونستنتج مما سبق أنه بعد الموت تأتي القيامة، وبعد الخوف تأتي الشجاعة، وبعد اليأس يخيّم علينا الرجاء "رجاء القيامة". ويشعر المسيحيون أنهم في ظل ألاله القوي الذي "عِنْده مَفاتيحُ المَوتِ ومَثْوى الأَموات" (رؤية 1: 18) وفيه الحياة، بل هو "القِيامةُ والحَياة مَن آمَنَ بي، وَإن ماتَ، فسَيَحْيا" (يوحنا 11: 25)، وهو مصدر الحياة، ليس على الأرض فقط، وإنما الحياة الأبدية أيضًا. قيامة المسيح حضارة حياتنا بنى يسوع من خلال قيامته حضارة الحياة في قلب كنيسته واوصانا ان نعلنها الى العالم اجمع. وإن وجود الملايين في العالم اليوم الذين لم يسمعوا اسم المخلص وقيامته عار وفضيحة لنا جميعا. نحن مدعوون إلى نقل الرجاء والثقة إلى الذين من حولنا على ضوء المسيح والقيامة. نعم، في عالمنا هذا، الذي كثيراً ما يعاني من الحقد والعنف، ومع ذلك ما زال يحبّ الله، فلنرفع أنظارنا نحو الحياة، ولنسارع إلى مبادرات تعبّر عن إيماننا في قدرة الإنسان على إحراز السلام والعدالة. المسيح القائم من بين الأموات يريد أن يجعل هذا العالم مؤهلاً للعمل وللحياة. القيامة هي الحدث الفريد والاهم في قلب التاريخ بل هي الحدث المركزي في تاريخ الإنسانية. إنه حدث فريد في التاريخ ولم يستطع أحد غير يسوع المسيح ان ينبئ بقيامته ويُتمم ذلك بنفسه. قام يسوع، اذن سيقوم كل إنسان كما جاء في تعليم بولس الرسول "إِذا اتَّحَدْنا بِه فصِرْنا على مِثالِه في المَوت، فسنَكونُ على مِثالِه في القِيامةِ أَيضًا... فإِذا كُنَّا قَد مُتْنا مع المسيح، فإِنَّنا نُؤمِنُ بِأًنَنا سنَحْيا معَه" (رومة 6: 5-8). واستطاع القديس بولس الرسول أن يُعبِّر عن ذلك بقوله "ما لم تَرَهُ عَيْنٌ ولا سَمِعَت بِه أُذُنٌ ولا خَطَرَ على قَلْبِ بَشَر، ذلكً ما أَعدَّه اللهُ لِلَّذينَ يُحِبُّونَه " (1 قورنتس 2: 9). كما أن الرب في سفر الرؤيا، شرح أمجاداً أخري للغالبين سينالونها بعد القيامة بقوله " والغالِبُ سأَهَبُ لَه أَن يَجلِسَ معي على عَرْشي، كما غَلَبتُ أَنا أَيضًا فجَلَستُ مع أَبى على عَرشِه" (رؤية 3: 21). ونختتم مع كلمات البابا القديس يوحنا بولس الثاني التي القاها في كنيسة القيامة عام 2000 "هنا أمامَ القبر المقدس والجلجلة، نُجدد إيماننا بالرّب القائم من بين الأموات، وهل يَجوز لنا أن نشك بعد الآن في قُدرة روح الحياة الذي سَيوهبُ لنا، والذي به سيمنحنا الله القوة للتغلب على انقساماتنا ويمنحنا النعمة كي نعمل معاً لبناء مُستقبلٍ نُحقق فيه المُصالحةَ والوحدة والسلام؟ هنا، وبصورةٍ خاصة وأكثر من أي مكان آخر في العالم، نسمعُ الرّب يقولُ مرة أخرى لتلاميذهِ "لا تَخافوا، إني غَلبتُ العالم" (يوحنا 16: 33). يسوع القائم من الأموات هو "القِيامةُ والحَياة " (يوحنا 11: 25)، ومن هذا المنطلق نحن نؤمن أن لا حياة ولا قيامة ولا أبديّة بمعزل عن المسيح القائم من بين الأموات. الخلاصة اكتشفت مريم المِجدَلِيَّة قبر المسيح مفتوحاً، لكنها لم تدخله بل أَسرَعَت لتُخبر سِمْعانَ بُطرُس والتِّلميذِ الآخَرِ الَّذي أَحَبَّهُ يسوع. فدخل بطرس أولا، لان له الأولوية ضمن مجموعة الاثني عشر رسولا. رأى وتعجب (لوقا 24: 12)، ولكنه لم يؤمن على الفور، خلافا للتلميذ الآخر، الذي له الأولوية في المحبة. فالمحبة تتصل بالإيمان مباشرة. "رأى وآمن" (يوحنا 220: 8. لكن عندما فهم التلاميذ الكتب المقدسة، لم يعودوا بحاجة الى ان "يروا" أولا، بل أصبحوا يؤمنون استنادا الى كلمة الله. ونحن مدعون الى الايمان استنادا لا للرؤية لنؤمن بل الى كلمة الله، ويعلق القديس أوغسطينوس "الإيمان بموت السيّد المسيح ليس شيئاً عظيماً؛ حيث أن هذا شيئاً يؤمن به الوثنيّون واليهود وجميع الأشرار. الجميع يؤمن بأنّه مات. أمّا الإيمان المسيحي يكمن في قيامة المسيح الربّ؛ وهذا هو ما نعتبره شيئاً عظيماً – الإيمان بأنّه قام". فإن كان قد ذُبح لأجلنا، فقيامته تؤكد قبول الذبيحة. وإن كان قد صُلب من أجل ديوننا، فقيامته تعلن وفاء الدين. يسوع المسيح هو شخصيا "القِيامةُ والحَياة مَن آمَنَ بي، وَإن ماتَ، فسَيَحْيا" (يوحنا 11: 25)، وهو يُشركنا منذ الآن في الحياة الجديدة عن طريق علامات اسرار الكنيسة. فالحياة الجديدة التي دخلنا فيها ليست شيئا آخر سوى حياته ذاتها كشخص قام من بين الاموات "مع أَنَّنا كُنَّا أَمواتًا بِزَلاَّتِنا، أَحْيانا مع المَسيح (بِالنِّعمةِ نِلتُمُ الخَلاص) وأَقامَنا معه وأَجلَسَنا معه في السَّمَواتِ في المسيحِ يسوع (أفسس 2: 5-6). إن ايماننا بقيامة يسوع يوجّه كل كياننا المسيحي "أَمَّا وقد قُمتُم مع المسيح، فاسعَوا إلى الأُمورِ الَّتي في العُلى حَيثُ المسيحُ قد جَلَسَ عن يَمينِ الله". (قولسي 3: 1). وهكذا تُعد قيامة المسيح جوهر الديانة المسيحية لأنها من أعظم البراهين على ان يسوع هو المسيح الموعود به في نبوءات العهد القديم، وهي الآية التي أعطاها يسوع لليهود لصحًّة دعواه “جِيلٌ فاسِدٌ فاسِقٌ يُطالِبُ بِآية، ولَن يُعْطى سِوى آيةِ النَّبِيِّ يونان. فكما بَقِيَ يُونانُ في بَطنِ الحُوتِ ثَلاثةَ أَيَّامٍ وثلاثَ لَيال، فكذلكَ يَبقى ابنُ الإِنسانِ في جَوفِ الأَرضِ ثَلاثةَ أَيَّامٍ وثلاثَ لَيال" (متى 12: 39-40) وهي ختام عمل الفداء وتمجيده وتحقيق النبوات والوعود، ومحور كرازة الجماعة المسيحية الاولى وموضوع ايماننا المسيحي الأساسي. دعاء في زمن الفراغ الروحي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي الناجم عن فيروس كورونا نور قيامتكة المجيدة يُضيء دروبنا بالرجاء، ويبدّد عنّا ما يراودنا من كوابيس الفناء لذلك نوجه انظارنا الى كنيسة القيامة أمام القبر الفارغ كي نجدد إيماننا بالمسيح وحده قادر ان يملئ هذا الفراغ لأنه انتصر على الموت بقيامته كما بشَّرت الملائكة “إِنَّه لَيسَ ههُنا، بل قام" (لوقا 24: 6). تدعوك يا الله، ونحن نعرف أنك حي. أنت معنا لن تتركنا وحدنا. انظر برحمتك الى شعوب الأرض التي تعيش في أصعب الظُّروف والتَّحدّيات، من أجل استمرار الحياة البشريّة على كوكب الأرض، أنظر برحمتك الى جراحات البشريّة المعذّبة. إلى الذين قد تأذوا بشكل مباشر بسبب فيروس الكورونا: أنظر برحمتك إلى المرضى، والمُسنين والأشخاص العُزّل، أنظر برحمتك الى الاسرى، واللاجئين والمشرَّدين والذين هم بدون مأوى أنظر برحمتك الى الفقراء والمحتاجين والى الذين يعانون من صعوبات اقتصادية أنظر برأفتك الى الأطباء والمُمرِّضين الذين يُضحّون بصحتهم في سبيل تقديم رعاية صحية لائقة أنظر برأفتك الى المسؤولين السياسيين الذين يعملون لخير المواطنين العام مقدّمين لهم الوسائل الضروريّة لتخفيف صعوبات السكان وألمهم أنظر برأفتك الى قوى الأمن الذين يجاهدون للحد مِن نشر وتفشي وباء الكورونا أنظر برحتك إلى الذين توفوا، وإلى العائلات التي تبكي فقدان أحبائها الذين لم تتمكّن من توديعهم. ليقبل رب الحياة معه الموتى في ملكوته وليمنح الآخرين التعزية والرجاء للذين لا يزالون في المحنة انظر برحمتك الى الحرب الطويلة التي أدمت سورية، والى الصراع في اليمن، انظر برحمتك الى التوترات في الأرض المقدسة وفلسطين والعراق ولبنان انظر برحمتك الى معاناةُ سكان المناطق الشرقية في أوكرانيا. انظر برحمتك الى الأشخاص الأبرياء المعرضين للهجمات الإرهابية في بعض الدول الأفريقية. صرخ اليك أيها الآب الرحيم بصرخة بولس الرسول " لا َشِدَّةٌ أولا ضِيقٌ ولا جُوعٌ ولا خَطَرٌ قادر ان تفصِلُنا عن مَحبَّةِ المسيح؟ " ولكِنَّنا في ذلِكَ كُلِّه فُزْنا فَوزًا مُبيناً، بِالَّذي أَحَبَّنا" (رومة 8: 35-37). ونختم مع صلاة الكنيسة "وحَّدتَ يا ربّ لاهوتَكَ بناسوتِنا، وناسوتَنَا بلاهوتِكَ، حياتَكَ بموتِنا، وموتَنا بحياتِكَ، أخذتَ ما لنا ووهبتنا ما لكَ، احينا وخلِّصَنا. آمين |
|