03 - 04 - 2021, 05:34 PM
|
|
|
† Admin Woman †
|
|
|
|
|
|
فما هو هذا الماء الحيّ؟
من الواضح أنّ الماء الحيّ في إنجيل يوحنّا يشير إلى الروح القدس. ذلك أنّنا نقرأ في موضع آخر من الإنجيل: "وفي آخر أيّام العيد (عيد المظال)، وهو أعظم أيّامه، وقف يسوع ورفع صوته قائلاً: "إن عطش أحدٌ فليقبل إليّ ومن آمن بي فليشرب، كما ورد في الكتاب: "ستجري من جوفه أنهار ماءٍ حيّ. وأراد بقوله الروح القدس الذي سيناله المؤمنون به إذ لم يكن الروح القدس بعد، لأنّ يسوع لم يكن قد مُجّد"(يو 7: 37-39). الجدير ذكره أنّ هذا المقطع يُتلى في قدّاس العنصرة.
والماء الحيّ يرمز إلى الروح القدس الذي سيعطيه يسوع بعد تمجيده، أي بعد موته على الصليب وقيامته. وإذا قلنا إنّ يسوع هو الذي يعطي الروح القدس للعالم، فهذا لا يعني أنّ يسوع هو مصدر الروح، إذ الإبن مولود من الآب والروح القدس منبثق من الآب.
وهذا ما أعلنه الرّب يسوع في إنجيل يوحنّا: "روح الحقّ الذي من الآب ينبثق..."(يو 15: 26). ولكنّ الآب والابن يرسلانه إلى العالم كما أعلن يسوع أيضًا في إنجيل يوحنّا: "المعزّي، الروح القدس الذي يرسله الآب باسمي..."(يو 14: 26) و"متى جاء المعزّي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب..." (يو 15: 26). وقد ارتبط حلول الروح القدس بالمعموديّة، لذلك قال الرسول بطرس لسامعيه في عيد العنصرة: "توبوا وليعتمد كلُّ واحدٍ منكم... فتقبلوا عطيّة الروح القدس...."(أعمال 2: 38).
يشير السيّد إلى المعموديّة إذًا، وهي تفترض التوّبة أيّ التغيير الجذريّ والنهائيّ من حياة الخطيئة إلى الربّ يسوع.
لذلك قال للمرأة السامريّة عندما طلبت منه الماء: "اذهبي وادعي رجلك".
هو يريد منها إذًا أن تعيد النظر في حياتها، إذ هي على أهبّة الحياة الجديدة. اتّضح لها أنّ تفاصيل حياتها جليّة أمامه عندما قال لها كان لك خمسة أزواج والذي معك الآن ليس رجلك، فأقرّت أنّه نبيٌّ. وما إقرارها هذا إلاّ تمهيدًا للحوار الذي سيجري بينها وبين يسوع عن العبادة الحقيقيّة، ذلك أنّ وجود النبيّ ضروريٌّ، في الفكر الشعبيّ، لكلّ قرار يُتّخذ في شأن الأمور العباديّة. غير أنّها لا زالت متمسّكة بانتمائها العرقيّ إذ أجابت "آباؤنا سجدوا في هذا الجبل وأنتم تقولون إنّ المكان الذي ينبغي أن يُسجد فيه هو في أورشليم". يجيبها يسوع: "تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون فيها للآب".
سبق ليسوع أن تحدّث في يوحنّا 2: 13-25 عن أنّ هيكل جسده سيحلّ مكان هيكل أورشليم. وهو يكرّر هذا هنا. الساعة الآتية هي ساعة موت يسوع التي بها ستنتهي كلّ شرعيّة يدّعيها اليهود لهيكل أورشليم والسامريّون لهيكل جرزيم.
يتخطّى يسوع إذًا الخلاف العقائديّ مشيرًا إلى العبادة الواحدة التي سيكون عليها اليهود والسامريّون إن هم آمنوا بالمسيح. ويتابع الربّ قائلاً إنّ الخلاص هو من اليهود. هذا يعني أنّ الربّ قد ائتمنهم على تدبيره الخلاصيّ وسعى إلى تنفيذه من خلالهم ليقود الناس أجمعين إلى العبادة بالروح والحقّ. والمسيّا سيأتي من بينهم. ويتابع قائلاً إنّ "الساجدين الحقيقيّين يسجدون للآب بالروح والحقّ، لأن الآب إنّما يطلب الساجدين له مثل هؤلاء. الله روح، والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا". هنا يعلن يسوع أنّ عبادة الله غير مرتبطة بمكان محدّد. قد يعني هذا عودة إلى بدايات عهد الله مع شعبه، حيث كان الله حاضرًا دائمًا وسط الجماعة ينتقل معهم ويرافقهم أينما حلّوا. هذا ما يؤكّده الرسول بولس عندما يستشهد بسفر اللاويين قائلاً: "كما قال الله سأسكن بينهم، وأسير بينهم، وأكون إلههم، ويكونون شعبي"(2كور 6: 16).
يؤكّد الربّ يسوع إذًا أن لا رابط بين الجغرافيا والعبادة. العبادة لا ترتبط بمكان، هي مرتبطة بشخص، وهذا الشخص حاضرٌ في كلّ مكان ويرافق الساجدين له بالروح الحق. يتابع يسوع حديثه بقوله: "لأن الله روح"، أي أنّه ليس كسائر المخلوقات. الهدف هنا ليس تحديد طبيعة الله بل التأكيد على أنّه لا مثيل له وأنّه لا يُفهم بالقوالب البشريّة وأنّ عبادته تتخطّى هذه القوالب وأنّ القصد من العبادة هو معرفة الله.
تجيب المرأة: متى جاء ذاك (المسيّا) فهو يخبرنا بكلّ شيء. الإشارة هنا هي إلى النبيّ الموعود به في تثنية الاشتراع: "يقيم الربّ إلهك نبيًّا من وسطك من إخوتك مثلي" (18: 15). لم يكن انتظار المسيّا من صميم حياة هذه المرأة. كان مجرّد اعتقاد. وعندما أقرّت أنّ المسيّا المنتظر هو الذي يخبر الكلّ بكلّ شيء، أعلن يسوع لها عن نفسه، وكانت هذه المرّة الأولى التي يكشف يسوع فيها عن نفسه.
المفارقة الكبرى أنّه كشف حقيقته لامرأة وليس لرجل،
لسامريّة وليس ليهوديّ،
لزانية وليس لشخصٍ يدّعي الطهارة.
فلكونه مخلّص العالم، هو لا يقيم أيّ تمييز إجتماعيّ، بل يهتمّ بكلّ الناس. وتوقّف الحديث في قمّته. إذًا بعد الإعلان الإلهيّ ما من شيءٍ يُقال. عند ذلك وصل التلاميذ وتعجّبوا أن المعلّم يخاطب هذه المرأة، أمّا هي فتركت جرّتها، أي تركت قديمها وذهبت تبشّر أهل مدينتها غير آبهةٍ بما كانت عليه من حياة الخطيئة" تعالوا وانظروا إنسانًا قال لي كلّ ما فعلت"، دافعةً إياهم إلى لقاء يسوع "فخرجوا من المدينة وأقبلوا نحوه".
أثناء ذلك، عرض التلاميذ الطعام على يسوع، فأجابهم موضحًا هدف كلامه مع المرأة وقال لهم: "طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني". ومشيئة الذي أرسله هي الآن صيد أهل السامرة عن طريق هذه المرأة، من جهة، وخلاص كلّ من يؤمن به، وأن لا يهلك منهم أحدٌ، من جهة أخرى. وهذا ما يرمز إليه الحصاد. يسوع هو أوّل من زرع الكلمة في السامرة وفيما بعد سيحصد التلاميذ، إذ ستُنقل البشارة إلى هناك عن طريق الشمّاس فيليبّس(أعمال 8).
فعلى الرسل أن يزرعوا الكلمة عينها ليكون إيمانٌ لدى الكلّ، يهودًا كانوا أم سامريّين، رجالاً أم نساء. حديث يسوع مع تلاميذه يحمل في طيّاته إذًا كلّ قضيّة البشارة. البشارة الموجّهة إلى كلّ الناس.
"مكث هناك يومين، فآمن به جمع أكثر من أولئك جدًّا بسبب كلامه": المرأة كانت العتبة للدخول إلى قلب السامريّين. هذا التبديل الذي أصابها والذي اتّضح لسامعيها هو الذي دفع السامريّين إلى لقاء يسوع. عندها حلّ بهم ما حلّ بها إذ أخذوا يعترفون يسوع "هو المسيح مخلّص العالم". الربّ يسوع قد اعتلن لهم بحقيقته وهذا ما دفعهم إلى اليقين.
ما زال الإعلان الإلهيّ ساطعًا في هذا العالم بتعاليم الربّ يسوع ومحبّته التي أنبعت الماء الحيّ على الصليب، لكنّنا نحجب إعلانه هذا بسبب خطيئتنا ومادّيّتنا والتصاقنا بمفاهيم العالم الضيّقة. هذا يحرمنا من عطية الله، ينبوع الماء الحيّ. فإن كنّا نتبّل مثل المرأة السامريّة ديننا بخطايانا يناجينا القائم من بين الأموات أن اتركوا كلّ شيءٍ واتبعوني إلى الفرح.
|