رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
دانيال النبي
في السنة الثالثة من ملك يوياقيم، ملك يهوذا، أتى نبوكد نصر، ملك بابل، إلى أورشليم وحاصرها. فأسلم الرب إلى يده يوياقيم، ملك يهوذا، وبعض آنية بيت الله، فأتى بها إلى أرض شنعار، وأدخل الآنية إلى بيت خزانة آلهته. وأمر الملك أشفنز، رئيس خصيانه، أن يحضر من بني إسرائيل، من النسل الملكي ومن الأمراء، فتيانا لا عيب فيهم حسان المنظر، يعقلون كل حكمة ويدركون العلم ويفقهون المعرفة، ممن يكونون أهلا للوقوف في قصر الملك ولتعلم أدب الكلدانيين ولسانهم. وحدد لهم الملك حصة كل يوم في يومه من طعام الملك ومن خمر شرابه، لكي يربوا ثلاث سنوات، وبعد آنقضائها يقفون أمام الملك. وكان بينهم، من بني يهوذا، دانيال وحننيا وميشائيل وعزريا. فجعل لهم رئيس الخصيان أسماء: سمى دانيال بلشصر، وحننيا شدرك، وميشائيل ميشك، وعزريا عبد نجو. وعزم دانيال في قلبه أن لا يتنجس بطعام الملك وخمر شرابه. فسأل رئيس الخصيان أن لا يكرهه على التنجس. فأنال الله دانيال نعمة ورحمة لدى رئيس الخصيان. فقال رئيس الخصيان لدانيال: (( إني أخاف من سيدي الملك الذي حدد مأكلكم ومشربكم، لأنه لماذا يرى وجوهكم أنحل من وجوه الفتيان أترابكم، فتجعلوا على رأسي جريمة أمام الملك؟ )) وقال دانيال للحارس الذي ولاه رئيس الخصيان على دانيال وحننيا وميشائيل وعزريا: (( جرب عبيدك عشرة أيام، ولنعط بقولا فنأكلها وماء فنشربه. ثم تنظر إلى مناظرنا وإلى مناظر الفتيان الذين يأكلون من طعام الملك، ثم آصنع مع عبيدك بحسب ما ترى)). فسمع لهم في هذا الأمر وجربهم عشرة أيام. وبعد آنقضاء الأيام العشرة، بدت مناظرهم أحسن وأسمن من مناظر جميع الفتيان الذين يأكلون من طعام الملك. فكان الحارس يرفع طعامهم وخمر شرابهم ويعطيهم بقولا. وأعطى الله أولئك الفتيان الأربعة معرفة وفهما في كل أدب وحكمة. وكان دانيال ذا فطنة في جميع الرؤى والأحلام. ولما تمت الأيام لإحضارهم على حسب أمر الملك، أحضرهم رئيس الخصيان أمام نبوكد نصر. فتكلم الملك معهم، فلم يوجد في جميعهم مثل دانيال وحننيا وميشائيل وعزريا، فكانوا يقفون أمام الملك، وفي كل أمر من أمور الحكمة والفطنة، مما سألهم عنه الملك، وجدهم يفوقون بعشرة أضعاف جميع السحرة والعرافين الذين في مملكته كلها. وبقي دانيال هناك إلى السنة الأولى لقورش الملك. وفي السنة الثانية من ملك نبوكدنصر، حلم، نبوكدنصر أحلاما، فآضطربت نفسه وذهب عنه نومه. فأمر الملك أن يدعى السحرة والعرافون والرقاة والكلدانيون ليبينوا للملك أحلامه. فأتوا ووقفوا أمام الملك. فقال لهم الملك: (( إني حلمت حلما، فآضطربت نفسي رغبة في معرفة الحلم ). فأجاب الكلدانيون الملك ( بالآرامية ): (( أيها الملك، حييت للأبد. أخبر عبيدك بالحلم، فنبين تفسيره )). فأجاب الملك وقال للكلدانيين: (( لقد قررت أنكم، إن لم تعلموني بالحلم وتفسيره، تقطعون قطعا وتحول بيوتكم إلى أوحال. وإن بينتم الحلم وتفسيره، تنالون مني عطايا وهدايا وإكراما كثيرا. فبينوا لي الحلم وتفسيره )). فأجابوا ثانية وقالوا: (( ليخبر الملك عبيده بالحلم، فنبين تفسيره )). فأجاب الملك وقال: (( إني أعلم يقينا أنكم تحاولون كسب الوقت، لأنكم رأيتم ما قررته: فإن لم تعلموني بالحلم، فالحكم عليكم يكون واحدا. لقد آتفقتم على التكلم بالكذب والفساد أمامي، إلى أن يفوت الوقت. لذلك أخبروني بالحلم، فأعلم أنكم تستطيعون أن تبينوا لي تفسيره )). فأجاب الكلدانيون أمام الملك وقالوا: (( ليس على الأرض إنسان يستطيع أن يبين أمر الملك، وما من ملك عظيم ذي سلطان سأل ساحرا أو عرافا أو كلدانيا عن أمر مثل هذا. والأمر الذي سأل الملك عنه عويص، ولا أحد يبينه أمام الملك، مما خلا الآلهة الذين لا سكنى لهم مع البشر )). فعند ذلك غضب الملك وحنق جدا وأمر بإبادة جميع حكماء بابل. فصدر القضاء، وأوشك الحكماء أن يقتلوا، وطلب دانيال وأصحابه ليقتلوا. حينئذ تحدث دانيال ببصيرة وحكميما إلى أريوك، رئيس شرط الملك، الذي خرج ليقتل حكماء بابل، وخاطب أريوك المتسلط من قبل الملك، وقال له: (( لم هذا القضاء المستعجل من لدن الملك؟ )) فأخبر أريوك دانيال بالأمر. فدخل دانيال على الملك وسأله أن يهبه زمانا ليبين التفسير للملك. ثم ذهب دانيال إلى بيته وأعلم حننيا وميشائيل وعزريا أصحابه بالأمر، ليلتمسوا رحمة من لدن إله السماء في أمر هذا السر، لئلا يباد دانيال وأصحابه مع سائر حكماء بابل. حينئذ كشف السر لدانيال في رؤيا ليل، فبارك دانيال إله السماء. وأجاب دانيال وقال: (( تبارك آسم الله من الأزل وللأبد فإن له الحكمة والجبروت. وهو محول الأوقات والأزمنة وخالع الملوك ورافعهم وواهب الحكمة للحكماء والعلم لعارفي الفطنة. هو كاشف الأعماق والخفايا وعالم بما في الظلمة وعنده يسكن النور. إياك احمد يا إله آبائي وإياك أسبح لأنك وهبت لي الحكمة والقدرة وأعلمتني ما سألناك إذ أعلمتنا أمر الملك )). ثم دخل دانيال على أريوك الذي أقامه الملك على إبادة حكماء بابل وقال له: (( لا تبد حكماء بابل، بل أدخلني إلى أمام الملك، فأبين للملك التفسير )). حينئذ بادر أريوك إلى الدخول بدانيال إلى أمام الملك وقال له: (( قد وجدت رجلا من بني يهوذا المجلوين يعلم الملك بالتفسير )). فأجاب الملك وقال لدانيال الذي آسمه بلشصر: (( أتستطيع أنت أن تعلمني بالحلم الذي رأيته وتفسيره؟ )) فأجاب دانيال أمام الملك وقال: (( إن السر الذي يسأل عنه الملك لا يستطيع الحكماء ولا العرافون ولا السحرة ولا المنجمون أن يبينوه للملك. لكن في السماء إلها يكشف الأسرار، وقد أخبر الملك نبوكدنصر بما سيكون في آخر الأيام. إن حلمك ورؤيا رأسك على مضجعك هو هذا: (( إنك، أيها الملك، قد آعترتك، وأنت على مضجعك، أفكار فيما سيكون من بعد، والذي يكشف الأسرار أعلمك بما سيكون. وهذا السر قد كشف لي، لا لحكمة في أكثر مما في سائر الأحياء. ولكن، لكي يعلم الملك بتفسيره وتعلم أفكار قلبك. إنك، أيها الملك، كنت تنظر، فإذا بتمثال عظيم، وكان هذا التمثال الكبير والكثير البهاء واقفا أمامك، وكان منظره هائلا. وكان رأس التمثال من ذهب خالص، وصدره وذراعاه من فضة، وبطنه وفخذاه من نحاس، وساقاه من حديد، وقدماه بعضهما من حديد وبعضهما الآخر من خزف. وبينما أنت ناظر، إذ آنفصل حجر، لا بقوة اليدين، فضرب التمثال على قدميه اللتين من حديد وخزف وسحقهما. فآنسحق الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معا، وصارت كعصافة البيدر في الصيف، فذهبت بها الريح، ولم ببق لها أثر. أما الحجر الذي ضرب التمثال، فصار جبلا كبيرا وملأ الأرض كلها. هذا هو الحلم، أما تفسيره فنخبر به أمام الملك. أنت، أيها الملك، ملك الملوك، لأن إله السماء آتاك الملك والقدرة والسلطان والمجد، وكل ما يسكنه بنو البشر ووحوش البر وطيور السماء جعله في يدك وسلطك على جميعه، فأنت الرأس الذي من ذهب. وبعدك تقوم مملكة أخرى أصغر منك، ثم مملكة ثالثة أخرى من نحاس، فتتسلط على الأرض كلها، ثم مملكة رابعة تكون صلبة كالحديد، لأن الحديد يسحق ويطحن كل شيء. فكما أن الحديد يحطم، فكذلك هي تسحق وتحطم تلك الممالك جميعا. وما رأيت من أن القدمين بعضهما من خزف الفخار وبعضهما الآخر من حديد، فهو أن المملكة تكون منقسمة، ويكون فيها من قوة الحديد، كما رأيت الحديد مختلطا بخزف من الطين. فكما أن القدمين بعضهما من حديد وبعضهما من خزف، فكذلك يكون بعض المملكة صلبا وبعضها الآخر هشا. وما رأيت من أن الحديد مختلط بخزف الطين، فهو أنهم يختلطون بزرع بشري، ولكن لا يلتحم هذا بذاك، كما أن الحديد لا يختلط بالخزف. وفي أيام هؤلاء الملوك، يقيم إله السماء مملكة لا تنقض للأبد، وملكه لا يترك لشعب آخر، فتسحق وتفني جميع تلك الممالك، وهي تثبت للأبد، كما أنك رأيت أن حجرا آنفصل عن الجبل، لا بقوة اليدين، فسحق الحديد والنحاس والخزف والفضة والذهب. إن الإله العظيم أعلم الملك بما سيكون بعد ذلك. الحلم حق وتفسيره صدق )). حينئذ سقط الملك نبوكدنصر على وجهه وسجد لدانيال، وأمر أن تقرب له تقدمة وبخور رضى. وأجاب الملك دانيال وقال: (( إن إلهكم هو إله الآلهة حقا ورب الملوك وكاشف الأسرار، إذ قد آستطعت كشف هذا السر )). حينئذ عظم الملك دانيال وأعطاه هدايا عظيمة كثيرة وسلطه على كل إقليم بابل، وجعله رئيسا أعلى على جميع حكماء بابل. وطلب دانيال إلى الملك أن يولي شدرك وميشك وعبد نجو على شؤون إقليم بابل. أما دانيال فكان في باب الملك. وإن نبوكد نصر الملك صنع تمثالا من ذهب، طوله ستون ذراعا، وعرضه ست أذرع، ونصبه في سهل دورا في إقليم بابل. وأرسل نبوكدنصر الملك يجمع الأقطاب والولاة والحكام والقضاة والخزان والفقهاء والمفتين وسائر رؤساء الأقاليم، ليأتوا لتدشين التمثال الذي نصبه نبوكدنصر الملك. فآجتمع إلأقطاب والولاة والحكام والقضاة والخزان والفقهاء والمفتون وسائر رؤساء الأقاليم، لتدشين التمثال الذي نصبه نبوكد نصر الملك، ووقفوا أمام التمثال الذي نصبه نبوكدنصر. وهتف مناد بصوت شديد: (( قد أمرتم، أيها الشعوب والأمم والألسنة، بأنكم، حينما تسمعون صوت القرن والأنبوب والقيثار والونج والسنطير والمزمار وسائر أنواع المعازف، تسقطون ساجدين لتمثال الذهب الذي نصبه نبوكد نصر الملك. ومن لا يسقط ساجدا، فمن ساعته يلقى في وسط أتون نار متقدة )). فحالما سمع جميع الشعوب صوت القرن والأنبوب والقيثار والونج والسنطير وسائر أنواع المعازف، سقط جميع الشعوب والأمم والألسنة، ساجدين لتمثال الذهب الذي نصبه نبوكدنصر الملك. حينئذ تقدم رجال كلدانيون ووشوا باليهود، وكلموا نبوكدنصر الملك وقالوا: (( حييت أيها الملك للأبد. إنك، أيها الملك، قد أصدرت أمرا بأن كل إنسان يسمع صوت القرن والأنبوب والقيثار والونج والسنطير والمزمار وسائر أنواع المعازف، يسقط ساجدا لتمثال الذهب، ومن لا يسقط ساجدا يلق في وسط أتون نار متقدة. وإن من اليهود رجالا وليتهم على شؤون إقليم بابل، وهم شدرك وميشك وعبدنجو، فهؤلاء الرجال لم يعبأوا بك، أيها الملك، ولم يعبدوا آلهتك، ولم يسجدوا لتمثال الذهب الذي نصبته )). حينئذ أمر نبوكدنصر بغضب وحنق أن يؤتى بشدرك وميشك وعبدنجو، فأتي بهم إلى أمام الملك. فتكلم نبوكدنصر وقال لهم: (( أصحيح، يا شدرك وميشك وعبدنجو، أنكم لا تعبدون آلهتي ولا تسجدون لتمثال الذهب الذي نصبته؟ فالآن، هل أنتم مستعدون، حينما تسمعون صوت القرن والأنبوب والقيثار والونج والسنطير والمزمار وسائر أنواع المعازف، لأن تسقطوا ساجدين للتمثال الذي صنعته؟ فإن لم تسجدوا، تلقون من ساعتكم في وسط أتون النار المتقدة، ومن الإله الذي ينقذكم من يدي؟ )). فأجاب شدرك وميشك وعبد نجو وقالوا للملك نبوكدنصر: (( لا حاجة لنا أن نجيبك عن هذا الأمر. وإن كان إلهنا الذي نعبده قادرا على إنقاذنا، فهو ينقذنا من أتون النار المتقدة ومن يدك أيها الملك. وإن لم ينقذنا، فليكن معلوما لك، أيها الملك، أننا لن نعبد آلهتك ولا نسجد لتمثال الذهب الذي نصبته )). حينئذ امتلأ نبوكدنصر غضبا وتغير منظر وجهه على شدرك وميشك وعبد نجو، فأجاب وأمر أن يحمى الأتون سبعة أضعات عما جرت العادة بإحمائه. وأمر رجالا محاربين بواسل من جيشه أن يوثقوا شدرك وميشك وعبد نجو، ويلقوهم في أتون النار المتقدة. حينئذ أوثق هؤلاء الرجال في سراويلاتهم وأقمصتهم وأرديتهم وألبستهم، وألقوا في وسط أتون النار المتقدة. وإذ كانت كلمة الملك معجلة، وقد حمي الأتون جدا، فقد قتل لهيب النار أولئك الذين أتوا بشدرك وميشك وعبدنجو. وسقط هؤلاء الرجال الثلاثة، شدرك وميشك وعبد نجو، في وسط أتون النار المتقدة، وهم موثقون. حينئذ دهش نبوكدنصر الملك وقام بسرعة وتكلم فقال لعظمائه: (( ألم نكن ألقينا ثلاثة رجال في وسط النار وهم موثقون؟ )) فأجابوا وقالوا للملك: (( بلى أيها الملك )). فأجاب وقال: (( إني أرى أربعة رجال مطلقين يتمشون في وسط النار، وليس بهم ضرر، ومنظر الرابع يشبه آبن الآلهة. حينئذ آقترب نبوكد نصر إلى باب أتون النار المتقدة وتكلم فقال: (( يا شدرك وميشك وعبدنجو،.عبيد الله العلي، اخرجوا وهلموا )). فخرج شدرك وميشك وعبد نجو من وسط النار. فآجتمع الأقطاب والولاة والحكام وعظماء الملك، فرأوا أن النار لم تقو على أجسام هؤلاء الرجال، ولم يحترق شعر رؤوسهم، ولم تتغير سراويلاتهم ولم تلزمهم رائحة النار. فتكلم نبوكد نصر وقال: (( تبارك إله شدرك وميشك وعبدنجو الذي أرسل ملاكه وأنقذ عبيده الذين توكلوا عليه وخالفوا أمر الملك وبذلوا أجسامهم، لئلا يعبدوا ويسجدوا لإله غير إلههم. فمني صدر أمر أن كل شعب أو أمة أو لسان لا يبالون في كلامهم بإله شدرك وميشك وعبد نجو يقطعون قطعا وتحول بيوتهم إلى أوحال. فما من إله آخر يستطيع أن ينجي هكذا )). حينئذ نجح الملك شدرك وميشك وعبد نجو في إقليم بابل. (( من نبوكد نصر إلى جميع. الشعوب والأمم والألسنة الساكنين في الأرض كلها. لكم وافر السلام! لقد حسن لدي أن أعلن الآيات والعجائب التي صنعها إلي الله العلي. فما أعظم آياته وما أقوى عجائبه إن ملكوته ملكوت أبدي وسلطانه إلى جيل فجيل. أنا نبوكدنصر، كنت ناعم البال في بيتي، أعيش عيشا في قصري. فرأيت حلما أفزعي، وروعتني على مضجعي هواجسي وهـوى رأسي. فصدر مني أمر بإحضار جميع حكماء بابل إلى أمامي، ليعلموني تفسير الحلم. فحضر السحرة والعرافون والكلدنيون والمنجمون، فرويت حلمي أمامهم، فلم يعلموني تفسيره. فدخل أخيرا إلى أمامي دانيال الذي آسمه بلشصر كآسم إلهي وفيه روح الآلهة القدوسين. فرويت الحلم أمامه وقلت: (( يا بلشصر، رئيس السحرة الذي أنا علمت أن روح الآلهة القدوسين فيه، ولا يعسر عليه سر، هذا هو حلمي الذي رأيته، فأخبرني بتفسيره، وهذه رؤى رأسي التي رأيتها على مضجعي: فإذا بشجرة في وسط الأرض مرتفعة جدا وقد نمت الشجرة وقويت وبلغ آرتفاعها إلى السماء ومرآها إلى أقصى الأرض كلها. وأوراقها بهية وثمرها كثير وفيها غذاء لكل أحد وتحتها تستظل وحوش البرية وإلى أغصانها تأوي طيور السماء ومنها يتغذى كل بشر. وبينما كنت أرى رؤى رأسي على مضجعي، إذا بساهر قديس قد نزل من السماء، وهتف بصوت شديد وقال: إقطعوا الشجرة وآقضبوا أغصانها أنفضوا أوراقها وآنثروا ثمارها لتشرد الوحوش من تحتها والطيور من أغصانها. ولكن آتركوا أصل عروقها في الأرض وليوثق بالحديد والنحاس في خضر الحقول وليبتل بندى السماء وليكن نصيبه مع الوحوش في عشب الأرض وليتحول قلبه البشري ويعط قلب وحش ولتمر عليه سبعة أزمنة. هذا حكم أصدره الساهرون وقرار أمره القديسون لكي يعلم الأحياء أن العلي يتسلط على ملك البشر وأنه يجعله لمن يشاء وينصب عليه أدنى الناس. هذا هو الحلم الذي رأيته أنا الملك نبوكد نصر، وأنت يا بلشصر، أخبر بتفسيره، فإن جميع حكماء مملكتي لا يستطيعون أن يعلموني تفسيره. لكنك أنت قادر على ذلك، لأن فيك روح الآلهة القدوسين )). حينئذ بهت دانيال الذي آسمه بلشصر لحظة وروعته هواجسه. فتكلم الملك وقال: (( يا بلشصر، لا يروعك الحلم ولا تفسيره )). فأجاب بلشصر وقال: (( يا سيدي، ليكن الحلم لمبغضيك وتفسيره لأعدائك. إن الشجرة التي رأيتها والتي نمت وقويت وبلغ آرتفاعها إلى السماء ومرآها إلى الأرض كلها، وأوراقها بهية وثمرها كثير، وفيها غذاء لكل أحد، وتحتها تسكن وحوش البرية، وإلى أغصانها تأوي طيور السماء، هي أنت، أيها الملك، إذ قد نميت وقويت وزادت عظمتك وبلغت إلى السماء وسلطانك إلى أقصى الأرض. أما ما رآه الملك من أن ساهرا قديسا قد نزل من السماء وقال: إقطعوا الشجرة وأبيدوها، ولكن آتركوا أصل عروقها في الأرض، وليوثق بالحديد والنحاس في خضر الحقول، وليبتل بندى السماء، وليكن نصيبه مع الوحوش، إلى أن تمر عليه سبعة أزمنة، فهذا تفسيره، أيها الملك، وهذا هو القضاء العلوي الذي حل على سيدي الملك: إنك تطرد من بين الناس وتكون سكناك مع وحوش البرية وتعلف العشب كالثيران وتبتل من ندى السماء وتمر عليك سبعة أزمنة إلى أن تعلم أن العلي يتسلط على ملك البشر ويجعله لمن يشاء. أما ما أمر به من أن يترك أصل عروق الشجرة، فإن ملكك يبقى لك، بعد أن تعلم أن السلطان للسموات. لذلك، أيها الملك، لتحسن مشورتي لديك: كفر عن خطاياك بالصدقة وآثامك بالرحمة للبائسين، عسى أن يطول أمانك )). كل ذلك نزل على نبوكدنصر الملك. فبعد آنقضاء اثني عثر شهرا، كان يتمشى على سطح قصر مملكة بابل، فتكلم الملك وقال: (( أليست هذه بابل العظمى التي بنيتها أنا لبيت الملك بقوة عزتي وبهاء مجدي؟ )) وكانت الكلمة لا تزال في فم الملك، إذ هبط صوت من السماء أن (( لك يقال، يا نبوكدنصر الملك: إن الملك قد زال عنك. فتطرد من بين الناس وتكون سكناك مع وحوش البرية وتعلف العشب كالثيران وتمر عليك سبعة أزمنة إلى أن تعلم أن العلي يتسلط على ملك البشر ويجعله لمن يشاء )). وفي تلك الساعة، تمت الكلمة على نبوكدنصر، فطرد من بين الناس، وأكل العشب كالثيران، وآبتل جسمه بندى السماء، حتى طال شعره كريش العقبان وأظافيره كمخالب الطيور. (( وبعد آنقضاء الأيام، أنا نبوكد نصر، رفعت عيني إلى السماء، فعاد إلي عقلي وباركت العلي وسبحت وعظمت شأن الحي للأبد، الذي سلطانه سلطان أبدي وملكه إلى جيل فجيل. وجميع سكان ألأرض يحسبون كلا شيء أمامه، وهو يتصرف كيف شاء في قوات السماء وسكان الأرض، وليس من يوقف يده ويقول له: ماذا صنعت؟ في ذلك الزمان، عاد إلي عقلي ورد لي مجد ملكي وبهائي وجلالي، وطلبني مشيري وعظمائي وأعدت إلى ملكي وآزددت عظمة جدا. فالآن أنا نبوكد نصر؟ أسبح وأرفع وأعظم شأن ملك السماء الذي جميع أعماله حق وسبله عدل، ومن سار بالكبرياء فهو قادر على إذلاله. وأقام بلشصر الملك مأدبة عظيمة لألف من عظمائه، وشمرب خمرا أمام الألف. وبينما بلشصر يذوق الخمر، أمر أن يؤتى بآنية الذهب والفضة التي أخرجها نبوكد نصر أبوه من الهيكل الذي بأورشليم، ليشرت بها الملك وعظماؤه ونساؤه وسراريه. فأتي بآنية الذهب التي أخرجت من هيكل بيت الله الذي بأورشليم. وشرب بها الملك وعظماؤه ونساؤه وسراريه، شربوا خمرا وسبحوا آلهة الذهب والفضة والنحاس والحديد والخشب والحجر. وفي تلك الساعة، ظهرت أصابع يد إنسان، وكتبت تجاه المصباح على كلس حائط قصر الملك. والملك يرى طرف اليد التي تكتب. حينئذ تغيرت سحنة الملك وروعته هواجسه وآنحلت عقد وسطه وآصطكت ركبتاه. وصرخ الملك بصوت شديد أن يدخلوا العرافين والكلدانيين والمنجمين، وتكلم الملك وقال لحكماء بابل: (( كل من يقرأ هذه الكتابة ويبين تفسيرها يلبس الأرجوان، ويتقلد طوق ذهب في عنقه، ويكون الثالث في سلطان المملكة )). فدخل جميع حكماء الملك، فلم يستطيعوا أن يقرأوا الكتابة، ولا أن يعلموا الملك بتفسيرها. حينئذ آشتد روع الملك بلشصر وتغيرت سحنته وآضطرب عظماؤه. وإن الملكة. لسبب كلام الملك وعظمائه، دخلت بيت المأدبة، وتكلمت الملكة وقالت: (( أيها الملك، حييت للأبد! لا تروعك هواجسك ولا تتغير سحنتك. إن في مملكتك رجلا فيه روح الآلهة القدوسين، وفي أيام أبيك وجد فيه نور وفهم وحكمة كحكمة الآلهة. وقد أقامه الملك نبوكد نصر أبوك رئيس السحرة والعرافين والكلدانيين والمنجمين، إذ وجد فيه روح بارع وعلم وفهم في تفسير الأحلام وفك الألغاز وحل العقد، وهو دانيال الذي سماه الملك بلشصر. فليدع الآن دانيال ويبين التفسير )). فدخل بدانيال إلى أمام الملك. فتكلم الملك وقال لدانيال: (( أأنت هو دانيال من بني يهوذا المجلوين الذين أتى بهم أبي من يهوذا؟ فإني سمعت عنك أن فيك روح الآلهة وأنه وجد فيك نور وفهم وحكمة بارعة. وقد دخل الآن الى أمامي بالحكماء والعرافين، لكي يقرأوا هذه الكتابة ويعلموني بتفسيرها، فلم يستطيعوا أن يبينوا تفسير الكلام. وقد سمعت عنك أنك قادر على الإتيان بالتفسيرات وحل العقد. فإن قدرت الآن أن تقرأ الكتابة وتعلمني بتفسيرها، تلبس الأرجوان، وتتقلد طوق الذهب في عنقك، وتكون الثالث في سلطان المملكة )). فأجاب دانيال وقال أمام الملك: (( لتكن عطاياك لك، وهب هداياك لغيري. أما الكتابة فأقرأها للملك، وأعلمه بتفسيرها. أنت أيها الملك، إن الله العلي آتى نبوكدنصر أباك الملك والعظمة والمجد والبهاء. وللعظمة التي أوتيها، كان كل شعب وأمة ولسان يرتعد ويفزع أمامه، وكان يقتل من يشاء ويستبقي من يشاء، ويرفع من يشاء ويذل من يشاء. فلما ترفع قلبه وقسا روحه حتى التعجرف، أنزل عن عرش ملكه ونزع عنه مجده، وطرد من بين بني البشر، وصار قلبه مثل قلوب الوحوش، وكانت سكناه مع حمير الوحوش، وعلف العشب كالثيران، وآبتل جسمه بندى السماء، إلى أن علم أن الله العلي يتسلط على ملك البشر، وينصب عليه من يشاء. وأنت يا بلشصر آبنه، فإنك، مع علمك بكل ذلك، لم تضع قلبك، بل ترفعت على رب السماء، وأتي إلى أمامك بآنية بيته، وشربت بها خمرا أنت وعظماؤك ونساؤك وسراريك، وسبحت آلهة الفضة والذهب والنحاس والحديد والخشب والحجر التي لا تبصر ولا تسمع ولا تشعر ولا تعظم الله الذي في يده نسمتك وعنده جميع سبلك. فلذلك أرسلت من لدنه كف تلك اليد، ورسمت هذه الكتابة. وهذه هي الكتابة التي رسمت: (( منا منا ))، (( تقل ))، و (( فرسين )). وهذا تفسير الكلام: (( منا)) أي: أحصى الله أيام ملكك وأنهاها. (( تقل )) أي: وزنت في الميزان فوجدت ناقصا. (( فرس )) أي: قسمت مملكتك وأسلمت إلى ميديا وفارس )). حينئذ أمر بلشصر، فألبس دانيال الأرجوان، وقلد طوق الذهب في عنقه ونودي له بأنه الثالث في سلطان المملكة. وفي تلك الليلة، قتل بلشصر، ملك الكلدانيين. وأخذ الملك داريوس الميدي، وهو آبن اثنتين وستين سنة. وحسن لدى داريوس أن يقيم على المملكة مئة وعشرين قطبا يكونون على المملكة كلها، وعلى هؤلاء ثلاثة وزراء أحدهم دانيال، ليؤدي الأقطاب الحساب إليهم، فلا يلحق الملك ضرر. ففاق دانيال الوزراء والأقطاب، لأن روحا بارعا كان فيه. فكان في عزم الملك أن يقيمه على المملكة كلها. حينئذ آلتمس الوزراء والأقطاب علة على دانيال في أمر المملكة، لكنهم لم يستطيعوا أن يجدوا علة ولا جريمة، لأنه كان أمينا، فلم يوجد عليه تقصير ولا جريمة. فقال هؤلاء الرجال: (( إننا لا نجد علة على دانيال هذا، إلا أن نجدها عليه في شريعة إلهه )). حينئذ بادر هؤلاء الوزراء والاقطاب إلى الملك وقالوا له: (( أيها الملك داريوس، حييت للأبد. إن جميع وزراء المملكة والولاة والأقطاب والعظماء والحكام قد أجمعوا على أن يصدر الملك حكما ويبرم أمرا بأن كل من طلب طلبا إلى إله أو إنسان إلى ثلاثين يوما إلا إليك، أيها الملك، يلقى في جب الأسود. فالآن، أيها الملك، أصدر الأمر وآرسم الكتابة، لئلا يقع تغيير، كما تقضي شريعة ميديا وفارس التي لا تنسخ )). فرسم الملك داريوس الكتابة والأمر. فلما علم دانيال برسم الكتابة، دخل إلى بيته، وكانت نوافذه مفتوحة في عليته جهة أورشليم. فكان يجثو على ركبتيه ثلاث مرات في اليوم، ويصلى لله ويحمده، كما كان يفعل من قبل. فبادر أولئك الرجال فوجدوا دانيال يطلب ويتضرع أمام إلهه. حينئذ آقتربوا إلى الملك وتكلموا في أمر الملك قائلين: (( ألم ترسم أمرا بأن كل من يطلب شيئا إلى إله أو إنسان إلى ثلاثين يوما إلا إليك، أيها الملك، يلقى في جب الأسود؟ )) فأجاب الملك وقال: (( هذا حق، كما هي شريعة ميديا وفارس التي لا تنسخ )). فأجابوا وقالوا أمام الملك: (( إن دانيال الذي من بني يهوذا المجلوين لم يعبأ بك، أيها الملك، ولا بالأمر الذي رسمته، بل ثلاث مرات في اليوم يطلب طلبه )). فلما سمع الملك هذا الكلام، اغتم جدا وجعل آهتمامه أن ينقذ دانيال، وآجتهد في تخليصه إلى غروب الشمس. حينئذ بادر أولئك الرجال إلى الملك وقالوا للملك: (( إعلم، أيها الملك، أن شريعة ميديا وفارس هي أن كل أمر وحكم يصدره الملك لا يغير)). حينئذ أمر الملك فأتي بدانيال، وألقي في جب الأسود. فتكلم الملك وقال لدانيال: (( إن إلهك الذي تواظب على عبادته هو ينقذك! )). وأتي بحجر فوضع على فم الجب، وختمه الملك بخاتمه وخاتم عظمائه، لئلا يتغير شيء في أمر دانيال. ثم مضى الملك إلى قصره وبات صائما، ولم تدخل عليه سراريه، ونفر النوم عنه. وفي الغداة قام الملك عند الفجر وأسرع في الذهاب إلى جب الأسود. ولما آقترب الملك من الجب، نادى دانيال بصوت حزين وخاطبه قائلا: (( يا دانيال، عبد الله الحي، هل آستطاع إلهك الذي تواظب على عبادته أن ينقذك من الأسود؟ )) فأجاب دانيال الملك: (( أيها الملك، حييت للأبد. إن إلهي أرسل ملاكه فسد أفواه الأسود، فلم تؤذني، لأني وجدت بريئا أمامه، وأمامك أيضا، أيها الملك، لم أصنع سوءا )). ففرح الملك به فرحا عظيما، وأمر أن يخرج دانيال من الجب. فأخرج دانيال من الجب، فلم يوجد فيه أذى لأنه توكل على إلهه. ثم أمر الملك، فأتي بألئك الرجال الذين وشوا بدانيال، وألقوا في جب الأسود، هم وبنوهم ونساؤهم، فلم يبلغوا إلى أرض الجب حتى تسلطت عليهم الأسود وحطمت جميع عظامهم. ثم كتب داريوس الملك إلى جميع الشعوب والأمم والألسنة الساكنين في الأرض كلها: (( لكم وافر السلام! لقد أصدرت أمرا للناس في كل سلطان مملكتي أن يخافوا ويرتعدوا في وجه إله دانيال: لأنه هو الإله الحي القيوم للأبد. وملكه لا ينقرض وسلطانه إلى المنتهى. المنقذ المنجي والصانع الآيات والعجائب في السموات والأرض. وهو الذي أنقذ دانيال من أيدي الأسود )). فكان دانيال هذا ناجحا في ملك داريوس وفي ملك قورش الفارسي. في السنة الأولى لبلشصر، ملك بابل، رأى دانيال حلما ورؤى رأسه على مضجعه. فكتب الحلم. بدء الكلام. تكلم دانيال وقال: كنت أنظر إلى رؤياي ليلا، فإذا بأربع رياح السماء قد هيجت البحر الكبير. فطلع من البحر أربعة حيوانات عظيمة يختلف بعضها عن بعض. الأول مثل الأسد وله جناحا عقاب. وبينما كنت أنظر، إذ آقتلع جناحاه، ثم آرتفع عن الأرض وقام على رجليه كإنسان، وأوتي قلب إنسان. وإذا بحيوان آخر شبيه بالدب. فقام على جنب واحد، وفي فمه ثلاث أضلع بين أسنانه. فقيل له: (( قم فكل لحما كثيرا )). وبعد ذلك، كنت أنظر، فإذا بآخر مثل النمر، وله أربعة أجنحة طائر على ظهره. وكان للحيوان أربعة رؤوس، وأوتي سلطانا. وبعد ذلك كنت أنظر إلى رؤياي ليلا، فإذا بحيوان رابع هائل مريع قوي جدا، وله أسنان كبيرة من حديد. فكان يأكل ويسحق ويدوس الباقي برجليه، وهو يختلف عن سائر الحيوانات التي قبله، وله عشرة قرون. وكنت أتأمل القرون، فإذا بقرن آخر صغير قد طلع بينها، وقلعت ثلاثة من القرون السابقة من أمامه، وإذا بعيون في هذا القرن كعيون إنسان وفم ينطق بعظائم. وبينما كنت أنظر إذ نصبت عروش فجلس قديم الأيام وكان لباسه أبيض كالثلج وشعر رأسه كالصوف النقي وعرشه لهيب نار وعجلاته نارا مضطرمة. ومن أمامه يجري ويخرخ نهر من نار وتخدفه ألوف ألوف وتقف بين يديه ربوات ربوات. فجلس أهل القضاء وفتحت أسفار وكنت أنظر بسبب صوت الأقوال العظيمة التي يتكلم بها القرن. وبينما كنت أنظر، إذ قتل الحيوان وأبيد جسمه وجعل وقودا للنار. وأما باقي الحيوانات، فأزيل سلطانها. لكنها أتيت طول حياة إلى زمان ووقت. كنت أنظر في رؤياي ليلا فإذا بمثل آبن إنسان آت على غمام السماء فبلغ إلى قديم الأيام وقرب إلى أمامه. وأوتي سلطانا ومجدا وملكا فجميع الشعوب والأمم والألسنة يعبدونه وسلطانه سلطان أبدي لا يزول وملكه لاينقرض. فآضطربت روحى أنا دانيال بسبب ذلك وروعتني رؤى رأسي. فآقتربت إلى أحد الواقفين وسألته عن حقيقة ذلك كله، فأخبرني وأعلمني بتفسير الأمور: (( وهو أن هذه الحيوانات الأربعة العظيمة هي أربعة ملوك يقومون من الأرض، وأن قديسي العلي يأخذون الملك ويحوزونه للأبد ولأبد الأبدين )). فرغبت في الآطلاع على حقيقة الحيوان الرابع الذي كان يختلف عن سائرها وكان هائلا جدا، والذي كانت أسنانه من حديد وأظافيره من نحاس، وقد أكل وسحق وداس الباقي برجليه، وعلى حقيقة القرون العشرة التي في رأسه، وعلى حقيقة الآخر الذي طلع فسقطت من أمامه ثلاثة، ذلك القرن الذي له عيون وفم يتكلم بعظائم ومنظره أعظم من أصحابه. وكنت أنظر، فإذا بهذا القرن يحارب القديسين، فيتغلب عليهم، حتى جاء قديم الأيام فأنصف قديسو العلي، وبلغ الزمان فنال القديسون الملك. وهكذا قال: (( إن الحيوان الرابع يكون المملكة الرابعة على الأرض وتختلف عن سائر الممالك فتأكل الأرض كلها وتدوسها وتسحقها. والقرون العشرة التي من هذه المملكة هي عشرة ملوك يقومون ويقوم بعدهم آخر وهذا يختلف عن الأولين ويذل ثلاثة ملوك. ويتكلم بأقوال ضد العلي ويبتلي قديسي العلي وينوي أن يغير الأزمنة والشريعة وسيسلمون إلى يده إلى زمان وزمانين ونصف زمان. ثم يجلس أهل القضاء فينزع سلطانه ويدمر ويباد حتى المنتهى. ويعطى الملك والسلطان وعظمة الملك تحت السماء بأسرها لشعب قديسي العلي وسيكون ملكه ملكا أبديا ويعبده جميع السلاطين ويطيعونه )). إلى هنا نهاية الكلام. فروعتني أنا دانيال هواجسي جدا وتغيرت علي سحنتي وحفظت الكلام في قلبي. في السنة الثالثة من ملك بلشصر الملك، ظهرت لي أنا دانيال رؤيا بعد الرؤيا التي ظهرت لي أولا. فنظرت في الرؤيا، وبينما أنا أنظر، كنت في قلعة شوشن التي بإقليم عيلام. ونظرت في الرؤيا وأنا على باب أولاي. رفعت طرفي ورأيت: فإذا بكبش واقف عند الباب، وله قرنان والقرنان عاليان، والواحد أعلى من الآخر، والأعلى طلع أخيرا. ورأيت الكبش ينطح نحو الغرب والشمال والجنوب، فلم يقف أمامه حيوان، ولم يكن منقذ من يده، فصنع كيف شاء، وصار عظيما. وبينما كنت منتبها، إذا بتيس قد أقبل من الغرب على وجه الأرض كلها، وهو لا يمس الأرض، وللتيس قرن ضخم بين عينيه. فأتى إلى الكبش ذي القرنين الذي رأيته واقفا أمام الباب، وسعى إليه بحدة بأسه. ورأيته قد بلغ إلى الكبش وآستشاط على الكبش وضربه فكسر قرنيه، ولم تكن في الكبش قوة للوقوف في وجهه، وصرعه إلى الأرض وداسه، ولم يكن منقذ للكبش من يده. فتعاظم التيس جدا، وعند آعتزازه آنكسر القرن العظيم، وطلع مكانه أربعة قرون ضخمة نحو أربع رياح السماء. وخرج من واحد منها قرن صغير، ثم تعاظم جدا نحو الجنوب والشرق ونحو زينة الأراضي. وتعاظم حتى جيش السماء، وأسقط إلى الأرض بعض الجيش والكواكب وداسها. وتعاظم حتى رئيس الجيش وأبطل المحرقة الدائمة وقلب أساس مقدسه والجيش. وجعل المعصية على المحرقة الدائمة، فطرح الحق على الأرض، وفعل ونجح. فسمعت قديسا يتكلم، وقال قديس آخر للمتكلم: (( إلى متى الرؤيا: رؤيا المحرقة الدائمة، والمعصية المدمرة، والقدس والجيش المدوسين؟ )) فقال له: (( إلى ألفين وثلاث مئة مساء وصباح، ثم ترد إلى القدس حقوقه )). وبينما كنت أنا دانيال أنظر إلى الرؤيا وألتمس تفهمها، إذا بشبه منظر رجل قد وقف أمامي. وسمعت صوت إنسان من وسط أولاي قد نادى وقال: (( يا جبرائيل، بين الرؤيا لهذا )). فأتى إلى حيث كنت واقفا. فلما أتى آرتعبت وسقطت على وجهي. فقال لي: (( إفهم، يا آبن الإنسان، فإن الرؤيا لوقت المنتهى )). وبينما هو يحدثني، كنت في سبات على وجه الأرض. فلمسني وأنهضني حيث كنت واقفا. وقال: (( إني أعلمك بما سيكون في آخر السخط، فإن المنتهى يتم في الميعاد المحدود. إن الكبش الذي رأيته ذا قرنين هو ملوك ميديا وفارس. وتيس المعز هو ملك ياوان. والقرن العظيم الذي بين عينيه هو الملك الأول. أما آنكساره وقيام أربعة مكانه فهو أن أربع ممالك تقوم من أمته، ولكن لا تكون في قوته. وفي آخر ملكها عند آكتمال المعاصي يقوم ملك قاسي الوجه ذو فطنة في الألغاز. وتعتز قوته، ولكن لا بقوته ويفسد إفسادا عجيبا وينجح ويعمل ويدمر الأقوياء وشعب القديسين. وبدهائه ينجح المكر بيده ويتعاظم في قلبه وفي الأمان يدمر كثيرين ويقوم على رئيس الرؤساء وبغير عمل اليد ينكسر. ورؤيا المساء والصباح المخبر بها هي حق. فأغلق أنت على الرؤيا فإنها إلى أيام كثيرة )). فخرت أنا دانيال، ومرضت أياما، ثم قمت وآنصرفت إلى أعمال الملك، وكنت مذهولا من الرؤيا ولم أفهمها. في السنة الأولى لداريوس بن أحشورش، من نسل الميديين، الذي ملك على مملكة الكلدانيين، في السنة الأولى من ملكه، أنا دانيال تبينت من الأسفار عدد السنين التي كانت كلمة الرب إلى إرميا بأنها سبعون سنة تتم على خراب أورشليم. فجعلت وجهي إلى السيد الإله، لآلتماس وجهه في الصلاة والتضرعات بالصوم والمسح والرماد. وصليت إلى الرب إلهي وآعترفت وقلت: (( أيها السيد الإله العظيم الرهيب، حافظ العهد والرحمة للذين يحبونك ويحفظون وصاياك، إننا خطئنا وأثمنا وآرتكبنا الشر وتمردنا وحدنا عن وصاياك وأحكامك. ولم تسمع لعبيدك الأنبياء الذين كلموا بآسمك ملوكنا ورؤساءنا وآباءنا وجميع شعب الأرض. لك البر أيها السييد، ولنا خزي الوجوه، كما في هذا اليوم لرجال يهوذا وسكان أورشليم ولجميع إسرائيل، لدانيهم وقاصيهم، في جميع الأراضي التي دفعتهم إليها، بسبب المخالفة التي خالفوك بها. فلنا أيها السيد خزي الوجوه ولملوكنا ورؤسائنا وآبائنا، لأننا خطئنا إليك، وللسيد إلهنا الرحمة والمغفرة، لأننا تمردنا عليه. ولم نسمع لصوت الرب إلهنا فنسلك في شرائعه التي جعلها أمامنا على ألسنة عبيده الأنبياء. فتعدى جميع إسرائيل شريعتك وحاد غير سامع لصوتك. فآنصبت علينا اللعنة والقسم المكتوبان في توراة موسى عبد الله، لأننا خطئنا إليه. فأتم كلامه الذي تكلم به علينا وعلى قضاتنا الذين قضوا لنا، جالبا علينا شرا عظيما، حتى لم يحدث تحت السماء بأسرها مثل ما حدث في أورشليم. وكما كتب في شريعة موسى، نزل علينا كل هذا الشر، ونحن لم نستعطف وجه الرب إلهنا، راجعين عن آثامنا وفاهمين حقك. فسهر الرب على الشر وجلبه علينا، لأن الرب إلهنا بار في جميع أعماله التي عملها، ونحن لم نسمع لصوته. والآن، أيها السيد إلهنا الذي أخرج شعبه من أرض مصر بيد قديرة، وأقام له آسما كما في هذا اليوم، إننا خطئنا وآرتكبنا الشر. أيها السيد، على حسب برك كله، لينصرف غضبك وسخطك على مدينتك أورشليم، جبل قدسك، فإنه لسبب خطايانا وآثام آبائنا صارت أورشليم وشعبك عارا عند جميع الذين حولنا. فالان آسمع، يا إلهنا، صلاة عبدك وتضرعاته، وأضئ بوجهك على مقدسك المقفر بسببك، أيها السيد. أمل أذنك يا إلهي وآسمع. إفتح عينيك وآنظر دمارنا والمدينة التي دعي آسمك عليها، فإننا لسنا لأجل أعمال برنا نلقي تضرعاتنا أمامك، بل لأجل مراحمك الوافرة. إسمع أيها السيد، إغفر أيها السيد، أصغ وآعمل أيها السيد، ولا تبطئ، وذلك لأجلك يا إلهي، لأن آسمك دعي على مدينتك وعلى شعبك )). وبينما كنت أتكلم وأصلي وأعترف بخطيئتي وخطيئة شعبي إسرائيل وألقي تضرعي أمام الرب إلهي لأجل جبل قدس إلهي، بينما كنت أتكلم بالصلاة، إذا بالرجل جبرائيل، الذي رأيته في الرؤيا في البدء، قد طار سريعا ووافاني في وقت تقدمة المساء. وأتى وتكلم معي وقال: (( يا دانيال، إني خرجت الآن لأعلمك فتفهم. عند بدء تضرعاتك، خرجت كلمة، وأتيت أنا لأخبرك بها، لأنك رجل عزيز على الله. فتبين الكلمة وآفهم الرؤيا: إن سبعين أسبوعا حددت على شعبك وعلى مدينة قدسك لإفناء المعصية وإزالة الخطيئة والتكفير عن الإثم والإتيان بالبر الأبدي وختم الرؤيا والنبوءة ومسح قدوس القدوسين فآعلم وآفهم. إنه من صدور الأمر بإعادة بناء أورشليم إلى رئيس مسيح سبعة أسابيع، ثم في آثنين وستين أسبوعا تعود وتبنى السوق والسور، ولكن في ضيق الأوقات. وبعد الأسابيع الأثنين والستين، يفصل مسيح ولا يكون له… ويأتي رئيس فيدمر المدينة والقدس. بالطوفان تكون نهايتها، وإلى النهاية يكون ما قضي من القتال والتخريب. في أسبوع واحد يقطع مع كثيرين عهدا ثابتا، وفي نصف الأسبوع يبطل الذبيحة والتقدمة، وفي جناح الهيكل تكون شناعة الخراب، إلى أن ينصب الإفناء المقضي على المخرب )). في السنة الثالثة لقورش، ملك فارس، كشفت كلمة لدانيال المسمى ببلشصر، وهذه الكلمة حق وقتال شديد. وتبين الكلمة وكان تبينه لها في الرؤيا. في تلك الأيام، أنا دانيال كنت حزينا ثلاثة أسابيع من الأيام. فلم آكل طعاما شهيا، ولم يدخل فمي لحم ولا خمر، ولم أدهن بدهن إلى تمام ثلاثة أسابيع الأيام. وفي اليوم الرابع والعشرين من الشهر الأول، إذ كنت على جانب النهر الكبير الذي هو دجلة. رفعت طرفي ونظرت، فإذا برجل لابس كتانا، يشد وسطه بذهب خالص من أوفاز، وجسمه كالزبرجد، ووجهه كمنظر البرق، وعيناه كمشعلي نار، وذراعاه ورجلاه كمنظر النحاس الصقيل، وصوت أقواله كصوت جمهور. فرأيت الرؤيا أنا دانيال وحدي، والرجال الذين كانوا معي لم يروا الرؤيا، بل وقعت رعدة شديدة، فهربوا ليختبئوا. فبقيت أنا وحدي ورأيت هذه الرؤيا العظيمة، فلم تبق في قوة وتحولت نضارتي في إلى ذبول، ولم أملك قوة. وسمعت صوت أقوال الرجل، وعند سماعي صوت أقواله، كنت في سبات وأنا على وجهي ووجهي ملتصق بالتراب. فإذا بيد لمستني وأقامتني مرتعشا على ركبتي وعلى كفي يدي. وقال لي: (( يا دانيال، أيها الرجل العزيز على الله، إفهم الأقوال التي أنا أكلمك بها، وآنتصب حيث أنت واقف، فإني الآن أرسلت إليك )). فعندما كلمني بهذا الكلام، انتصبت مرتعدا. فقال لي: (( لا تخف يا دانيال، فإنك من أول يوم وجهت فيه قلبك للفهم ولإذلال نفسك أمام إلهك، إستجيب كلامك وأتيت أنا بسبب كلامك. وقد قاومني رئيس مملكة فارس واحدا وعشرين يوما، فأتى لنصرتي ميكائيل، أحد الرؤساء الأولين، فتركته هناك عند ملوك فارس. ثم أتيت لأبين لك ما يحدث لشعبك في الأيام الأخيرة، لأن الرؤيا هي لتلك الأيام )). وبينما هو يتكلم معي بمثل هذا الكلام، حولت وجهي إلى الأرض وخرست. فإذا بشبه آبن إنسان قد لمس شفتي، ففتحت فمي وتكلمت وقلت للواقف أمامي: (( يا سيدي، إنه بسبب الرؤيا أرهقتني آلامي ولا أملك قوة. فكيف يستطيع عبد سيدي هذا أن يتكلم مع سيدي، ولم يبق في من قوة ولم تترك في نسمة؟ )) فعاد شبه منظر الإنسان فلمسني وقواني، وقال: (( لا تخف، أيها الرجل العزيز على الله، السلام عليك، تقو وتشدد )). ولما كلمني، تقويت وقلت: (( ليتكلم سيدي، لأنك قويتني )). فقال: (( أعلمت لماذا أتيت إليك؟ فالآن أرجع لأحارب رئيس فارس. فإنه بعد فراغي من ذلك، إذا برئيس ياوان يأتي. لكن أخبرك بما دون في كتاب الحق. وما من أحد يساعدني على الأمر، إلا ميكائيل رئيسكم. وإني في السنة الأولى لداريوس الميدي، وقفت لأعضده وأشدده والآن أخبرك بما هو الحق. ويقوم ملك جبار يتسلط تسلطا عظيما ويفعل كيف يشاء. وما إن يقوم حتى تنكسر مملكته وتنقسم إلى أربع رياح السماء، ولا تكون لنسله ولا في مثل تسلطه الذي تسلطه، لأن مملكته تقتلع وتنقل إلى غيرهم. ويتقوى ملك الجنوب، لكن أحد أمرائه يقوى عليه ويتسلط، ويكون تسلطه أعظم. وبعد آنقضاء سنين، يتعاهدان وتأتي بنت ملك الجنوب إلى ملك الشمال لتنفيذ العقد، ولكنها لا تحفظ قوة ذراعها ولا يثبت نسلها، وتسلم هي والذين أتوا بها وولدها ومن قوي عليها. وفي تلك الأوقات، يقوم مكانه فرع من أصولها ويأتي إلى السور ويدخل حصن ملك الشمال، ويعاملهم معاملة المنتصر. ويسبي حتى آلهتهم إلى مصر مع مسبوكاتهم والآنية النفيسة من الفضة والذهب، ويبقى بضع سنوات بعيدا عن ملك الشمال. ويدخل ملك الشمال إلى مملكة ملك الجنوب ويرجع إلى أرضه. ولكن آبنيه يستعدان للقتال ويجمعان جمهور جيوش كثيرة، ويزحف أحدهما وينتشر ويعبر ويعود فيحارب حتى حصنه. فيستشيط ملك الجنوب ويخرج ويقاتل ملك الشمال، فيعد ملك الشمال جمهورا عظيما، فيسلم هذا الجمهور إلى يد ملك الجنوب، فيفنى الجمهور، ويترفع قلبه، ويصرع ربوات، لكنه لا يزداد قوة. فإن ملك الشمال يعود فيعد جمهورا أكثر عددا من الأول. وبعد آنقضاء الأوقات والسنين، يزحف بجيش عظيم وعتاد كثير. وفي تلك الأوقات، يقوم كثير من الناس على ملك الجنوب، وينهض بنو عتاة شعبك لإتمام الرؤيا فيعثرون. ويأتي ملك الشمال ويكدس تلالا ويأخذ مدينة حصينة، فلا تقوم أمامه قوى الجنوب ولا نخبة شعبه، ولا تكون لها قوة للمقاومة. فالآتي إليه يفعل كما يشاء، وما من أحد يقوم أمام وجهه، فهو يقف في زينة الأراضي، فتصير الأرض كلها بيده. ويجعل نصب عينيه أن يخضع لسلطته مملكته كلها، ثم يعقد معه عهدا ويعطيه آمرأة، ومراده أن يدمر المملكة، لكن ذلك لن يثبت ولن يوفق فيه. ويصرف وجهه إلى الجزر، ويأخذ كثيرا منها، ويزيل قائد تعييره له دون أن يعود فيعيره. ويصرف وجهه إلى حصون أرضه ويعثر ويسقط ولن يبقى له أثر. ويقوم مكانه. من يرسل المختلس إلى فخر المملكة، وفي أيام قلائل ينكسر، لا بمرأى أحد ولا في قتال. ويقوم مكانه حقير لم يعط جلال الملك، لكنه يأتي بأمان ويستولي على الملك بالخداع. وتكتسح القوى آكتساحا أمامه وتنكسر، وكذا رئيس العهد. وبفضل التعاهد معه، يعمل بالمكر ويترفع ويعتز بأمة قليلة. ويأتي بأمان إلى خصيب الأقاليم، ويصنع ما لم يصنع آباؤه ولا آباء آبائه، ويبدد النهب والسلب والأموال، ويفكر أفكاره على المعاقل، وذلك إلى حين. ويثير قوته وقلبه على ملك الجنوب بجيش عظيم، فينهض ملك الجنوب للقتال بجيش عظيم قوي جدا، لكنه لا يثبت لأنهم يحيكون له الدسائس. والذين يأكلون طعامه هم يكسرونه، فيكتسح جيشه، ويسقط قتلى كثيرون. وقلبا هذين الملكين إنما هما للسوء، ويتكلمان بالكذب على مائدة واحدة، وذلك لا ينجح، لأن النهاية في الميعاد. فيرجع إلى أرضه بمال كثير، وقلبه على العهد المقدس، فيعمل ثم يرجع إلى أرضه. وعندما يحين الوقت، يعود إلى الجنوب، ولكن لا تكون الأواخر كالأوائل، لأن سفن كتيم تأتي عليه، فتخور عزيمته ويرجع ويستشيط على العهد المقدس، فيعمل، ثم يرجع ويلتفت إلى تاركي العهد المقدس. وتقوم منه قوى وتدنس المقدس القلعة، وتزيل المحرقة الدائمة وتقيم فيه شناعة الخراب. وبالتملقات يحمل مخالفي العهد على النفاق. أما الشعب الذين يعرفون إلههم، فيشددون ويعملون. والعقلاء من الشعب يعلمون كثيرين، لكنهم يعثرون تحت السيف واللهيب والسبي والنهب أياما. وعند تعثرهم، ينصرون نصرة يسيرة، وينضم كثيرون إليهم بالخدائع. فيعثر بعض العقلاء تمحيصا لبعضهم وتنقية وتبييضا إلى وقت النهاية، لأنه يبقى زمان إلى الميعاد. ويصنع الملك كما يشاء، ويترفع ويتعاظم على كل إله، ويتكلم بالغرائب على إله الآلهة وينجح، إلى أن يتم الغضب، لأن ما قضي يتم. ولا يعبأ بآلهة آبائه، ولا يعبأ بحبيب النساء ولا بإله من الآلهة، لأنه يتعاظم على الجميع. ويكرم إله المعاقل مكانه.، والإله الذي لم يعرفه آباؤه يكرمه بالذهب والفضة والحجر الكريم والنفائس. ويتخذ شعب إله غريب للدفاع عن الحصون. والذين يعرفونه يزيدهم مجدا ويسلطهم على كثيرين، ويقسم الأرض حصصا. وفي وقت النهاية، ينطحه ملك الجنوب، فينقض عليه ملك الشمال كالزوبعة بمركبات وفرسان وسفن كثيرة، ويدخل الأراضي فيكتسح ويعبر. ويدخل زينة الأراضي، فتعثر ربوات وينجو هؤلاء من يده: أدوم وموآب وبقية بني عمون. ويلقي يده على الأراضي، وأرض مصر لا تنجو. ويستولي على كنوز الذهب والفضة وعلى جميع نفائس مصر، ويسير الليبيون والكوشيون في خطاه. وتفزعه أخبار من الشرق والشمال، فيخرج بحنق شديد ليدمر ويفني كثيرين. وينصب خيام قصره بين البحار وجبل بهاء القدس، ويبلغ حده؟ وليس له من نصير. وفي ذلك الزمان، يقوم ميكائيل الرئيس العظيم، القائم لدى بني شعبك، ولكون وقت ضيق لم يكن منذ كانت أمة إلى ذلك الزمان. وفي ذلك الزمان ينجو شعبك كل من يوجد مكتوبا في الكتاب. كثير من الراقدين في أرض التراب يستيقظون، بعضهم للحياة الأبدية، وبعضهم للعار والرذل الأبدي. ويضيء العقلاء كضياء الجلد، والذين جعلوا كثيرا من الناس أبرارا كالكواكب أبد الدهور. وأنت، يا دانيال، أغلق على الأقوال، وآختم على الكتاب إلى وقت النهاية. إن كثيرين يتيهون ويزداد الإثم )). ونظرت أنا دانيال، فإذا برجلين آخرين واقفان، الواحد من هنا على شاطئ النهر والآخر من هناك على شاطئ النهر. فقال أحدهما للرجل اللابس الكتان الواقف على مياه النهر: (( إلى متى نهاية الغرائب؟ )) فسمعت الرجل اللابس الكتان الواقف على مياه النهر، وهو قد رفع يمناه ويسراه إلى السماء، وحلف بالحي للأبد: (( إنه إلى زمان وزمانين ونصف زمان، فإذا تم سحق قوة الشعب المقدس، تتم هذه كلها )). وأنا سمعت ولم أفهم، فقلت: (( يا سيدي، ما آخر هذه؟ )) فقال: (( إذهب، يا دانيال، فإن الأقوال مغلقة ومختومة إلى وقت النهاية. إن كثيرين يتنقون ويتبيضون ويمحصون، والأشرار يرتكبون الشر، ولا أحد من الأشرار يفهما. أما العقلاء فيفهمون. ومن وقت إزالة المحرقة الدائمة وإقامة شناعة الخراب، ألف ومئتان وتسعون يوما. طوبى لمن ينتظر ويبلغ ألف وثلاث مئة وخمسة وثلاثين يوما. وأنت آذهب إلى النهاية، وستستريح وتقوم لنيل نصيبك في نهاية الأيام )). |
|