76. ثم خبرونا عن معتقداتكم الدينية. ماذا تستطيعون قوله عن المخلوقات عديمة الإحساس سوى عدم الإحساس والشراسة؟ أما إن كنتم ـ كما أسمع ـ تريدون أن تقولوا أنكم تتكلمون عن هذه الأشياء كمجرد أساطير فتقولون أن هتك عرض الفتاة برسيفونا يرمز للأرض، وأن عرج هيفاستوس يرمز إلى النار، وأن الهواء يرمز إلى هيرا، والشمس يرمز إليها أبولون، والقمر أرطاميس، والبحر بوسيدون، فإنكم لا تعبدون الله نفسه، بل تعبدون المخلوق دون الله خالق كل الأشياء. وإن كنتم قد ابتدعتم مثل هذه الأساطير بسبب جمال الخليقة، فكان خليقا أن تقفوا عند حد الإعجاب بها، وإلا فقد حان لكم أن تحولوا مجد البناء إلى المنزل الذي بناه، وتحولوا مجد القائد إلى الجندي. أي جواب تعطونه عن هذه الأمور إذا لكي نعرف إن كان في الصليب ما يستحق الاستهزاء”؟
77. وعندما وقعوا في حيرة، وتلفتوا هنا وهناك، ابتسم أنطونيوس وقال: “إن المنظر نفسه يحمل الدليل المقنع لهذه الأمور. ولكن طالما كنتم تفضلون الارتكاز علي حجج وصفية، وطالما كنتم تريدوننا أن لا نعبد الله إلا بعد مثل هذه البراهين التي تحذقونها، فهل لكم أن تخبرونا أولاً كيف تعرف بدقة كل الأمور بصفة عامة ومعرفة الله بصفة خاصة؟ هل بطريقة الحجج الوصفية أم بعمل الإيمان. وأيهما أفضل، الإيمان الذي يأتي بعمل الله الداخلي أم الحجج الوصفية.
وعندما أجابوا بأن الإيمان الذى يأتي بالعمل الداخلي أفضل وأنه هو المعرفة الدقيقة، قال أنطونيوس “حسنا أجبتم، لأن الإيمان ينشأ من ميل النفس، أما المنطق فمن ذكاء مخترعه، لذلك فإن الذين يحصلون علي العمل الداخلي بسبب الإيمان ليسوا في حاجة إلى الحجج الوصفية، بل هي زائدة عن الحاجة، لأنكم تحاولون أن تبرهنوا بالكلام ما نعرفه بالإيمان، وكثيرا ما عجزتم حتى عن التعبير عما نعرفه نحن، ولذلك فإن عمل الإيمان الداخلي أفضل وأقوى من حججكم الفنية.
78. لذلك نحن المسيحيين نتمسك بالسر، لا في حكمة الحجج الفلسفية، بل في قوة الإيمان المعطى لنا بغني من الله يسوع المسيح. وللتدليل علي صحة هذا القول: هوذا الآن نحن نؤمن بالله. دون تعلم القراءة والكتابة، عارفين من أعماله عنايته الشاملة بكل الأشياء.
وللتدليل علي أن إيماننا فعال هوذا نحن الآن مدعمون بالإيمان بالمسيح، أما أنتم فتعتمدون علي مماحكاتكم الكلامية. وهوذا خرافات الأوثان قد تلاشت، وأما إيماننا فيمتد في كل مكان، هوذا أنتم بحججكم ومماحكاتكم لم تحولوا أحداً من المسيحية إلى الوثنية. أما نحن فإذ ننادى بالإيمان بالمسيح ندحض خرافاتكم، لأن الجميع يعترفون بأن المسيح هو الله وابن الله.
انتم بفصاحتكم لا تعطلون تعليم المسيح. أما نحن فبمجرد ذكر المسيح مصلوبا نطارد كل الشياطين التى تخشونها كأنها آلهة، فحيث وجدت إشارة الصليب [129] ضعف السحر فتلاشت قوة العرافة.