رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
نص العظة التي ألقاها نيافة أنبا إبيفانيوس أسقف ورئيس دير القديس أنبا مقار ليلة عيد الميلاد المجيد 7 ينايـر 2016م بكنيسة المهد بفلسطين، وقـد قُرِئت أيضاً في كنيسة القديس أنبا مقار بديره العامر ببرية شيهيت في قدَّاس ليلة العيد. + يترنَّم القديس بولس البوشي في يوم ميلاد الرب يسوع بهذا التمجيد: [المجدُ لك أيها المولود من الآب قبل كل الدهور، الذي وُلد اليوم جسدانياً من البتول للخلاص. المجدُ لك، يا شمسَ البرِّ، الذي أشرق علينا اليوم بشعاع لاهوته، وأضاء المسكونة. المجدُ لك، أيها المسيح الملك، مالك السموات والأرض، الذي أخذ صورة العبد، لكي يُعطي عبيده الحرية التي تليق به. المجدُ لك، أيها الخالق السماوي الذي افتقد خليقته الترابيين، وتعاهدهم بالصلاح، لكي يصيروا واحداً مع السمائيين] (ميمر الميلاد للقديس بولس البوشي). يقول الوحي الإلهي على فم القديس لوقا الإنجيلي: «لا تخََافوا. فَهَا أَنَا أُبَشِّركم بِفَرَح عظِيم يكون لجميع الشَّعْب، أَنَّهُ وُلِدَ لكم اليَوْمَ في مدينة دَاوُدَ مخَُلِّصٌ هو المَسيحُ الرَّبُّ» (لو 2: 10،11). افرحوا، لقد وُلد لكم اليوم مخُلِّصٌ؛ إنه المُخلِّص الذي انتظرته البشرية آلاف السنين منذ أن دخل الحزن والألم إلى عالم الإنسان (تك 3: 16). إن يومَ ميلاد الربِّ يسوعَ هو بدءُ دخول الفرح الروحي لعالم الإنسان الجديد، هذا الفرحُ الذي سيكتملُ بالفداء الذي سيُحقِّقَه لنا الربُّ يومَ قيامته من بين الأموات، منتصراً على الموت، مُعطياً إيَّانا الخليقةَ الجديدة والحياةَ الأبدية في حضرة الله وملائكته وقديسيه. لقد عانت البشرية آلاف السنين من جراء بُعْدها عن الله وتَغَرُّبها عن خالقها، بسبب حُكْم الموت الذي جلبه الإنسان الأول على جنسنا، وكان صراخ الأنبياء والقدِّيسين إلى الله أن يتحنَّن على خليقته وينزل إليها ويفتقدها. فها إشعياء النبيُّ يبتهل إلى الله صارخاً: «لَيْتَكَ تَشُقُّ السَّمَوَاتِ وَتَنْزِلُ! مِنْ حَضْرَتِكَ تَتَزَلْزَلُ الْجِبَالُ» (إش 64: 1). وهوذا داود النبي يصرخ في المزمور: «يَا جَالِساً عَلَى الْكَرُوبِيمِ أَشْرِقْ... أَيْقِظْ جَبَرُوتَكَ وَهَلُمَّ لخَلاَصِنَا» (مز 80: 1-2). ثم يراه بعين النُبوَّة في صورة رمزية وكأنه نزل فعلاً إلى عالمنا: «طَأْطَأَ السَّمَوَاتِ وَنَزَلَ وَضَبَابٌ تحتَ رِجلَيهِ. رَكِبَ عَلَى كَرُوبٍ وَطَارَ وَهَفَّ عَلَى أَجْنِحَةِ الرِّيَاحِ» (مز 18: 9-10). أيضاً يُخبرنا حزقيال النبي أنَّ الرب سوف يفتقد شعبه: «كَمَا يَفْتَقِدُ الرَّاعِي قَطِيعَهُ يَوْمَ يَكُونُ في وَسَطِ غَنَمِهِ الْمُشَتَّتَةِ، هَكَذَا أَفْتَقِدُ غَنَمِي وَأُخَلِّصُهَا من جَمِيعِ الأَمَاكِنِ الَّتي تَشَتَّتَتْ إِلَيْهَا في يَوْمِ الْغَيْمِ وَالضَّبابِ» (حز 34: 12). ويعود إشعياء النبي ويُعاين خلاص الله فيهتف قائلاً: «هُوَذَا هَذَا إِلَهُنَا. انْتَظَرْنَاهُ، فَخَلَّصَنَا. هَذَا هُوَ الرَّبُّ. انْتَظَرْنَاهُ، نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ بِخَلاَصِهِ» (إش 25: 9)، لقد رأي إشعياء النبي مولده من قبل الزمن وأَخْبرَ به علانية: «لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْناً، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ: عَجِيباً مُشِيراً، إِلَهاً قَدِيراً، أَباً أَبَدِيّاً، رَئِيسَ السَّلاَمِ» (إش 9: 6). لقد أدرك أنبياء العهد القديم احتياج البشرية للخلاص، وأنَّ هذا الخلاص لن يتمَّ إلاَّ بواسطة الله ذاته، المُخلِّص الحقيقي، القادر وحده على إعادة خِلْقَتنا مرة أخرى لنكون على صورة مجده، كما كان الإنسان الأول على صورة الله. من هنا يأتي سببُ الفرحِ الذي دخل إلى العالم اليومَ بميلادِ الربِّ يسوعَ المسيح، ليس فَرَحُ الإنسان فقط، بل وفَرَحُ الملائكة أيضاً، بعَودةِ الإنسانِ إلى رُتبَته الأولى وانضمامه لخورُس المُسَبِّحين. لذلك نسمعُ تهليلَ الملائكة يومَ ميلاد الربِّ يسوعَ: «المَجْدُ للهِ في الأَعَالي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وبِالنَّاسِ المَسَرَّةُ» (لو 2: 14). وهذا هو مضمونُ البشارة التي أعلنها الملاكُ للرعاة: «فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ، أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ» (لو 2: 11،10). + لقد عبَّر القديس أنبا مقار الكبير عن فَرحَتِهِ وفرحة البشرية كلها بميلادِ الربِّ يسوعَ قائلاً: [في هذا اليوم وُلِدَ الربُّ الذي هو حياةُ وخلاصُ البشر. اليومَ تمَّت مصالحةُ اللاهوت مع الناسوت، والناسوت مع اللاهوت. اليوم ارتكضت الخليقةُ كلُّها. اليوم صار للناس طريقٌ نحو الله، وصار لله طريقٌ نحو النفس ... لقد كَمَلَ زمانُ القيود والحبس والظلام الذي حُكِمَ به على آدم. فاليومَ جاءه الفداءُ والحريةُ والمصالحةُ، والشركةُ مع الروح والاتحادُ بالله! اليوم رُفِعَ العارُ من على جبينه، وأُعطِيَت له دالةٌ لينظرَ بوجهٍ مكشوفٍ فيتحدَ بالروح! اليومَ تستقبلُ العروسُ (البشرية) عريسَها، اليوم تمَّ الاتحادُ والشركةُ والمصالحةُ بين السمائيين والأرضيين، ذلك الاتحاد الذي هو بعينه الإلهُ المتأنِّس! لقد لاقَ به أن يأتي لابساً الجسدَ، حتى يستردَ الناسَ ويُصالحهم مع أبيه!] (عظة 52: 1-2 على عيد الميلاد). إنَّ ميلاد الرب يسوع يُرسل رسالة سلام، لكل مُنـزعج وخائف ومُضطرب، تُبشِّر بها الملائكة: «لا تخافوا». ميلاد المسيح يحمل رسالةَ فرحٍ مُعلَنةً للبشرية من السماء: «ها أنا أُبشِّركم بفرحٍ عظيم». ميلاد المسيح ينقل لكل خاطئ بُشْرَى خلاصٍ من سلطان الخطيئة: «وُلد لكم مخلِّصٌ»، وأيُّ مخلِّصٍ، إنه هو المسيحُ الربُّ. في هذا اليوم المبارك، يوم ميلاد الرب يسوع، نُصلِّي إلى الله أن يَعُمَّ السلامُ جميعَ أرجاء العالم، خاصةً في منطقتنا العربية التي تُعاني من انتشار الإرهاب والكراهية، نُصلِّي أن يملكَ الحبُّ على حياة كلِّ أحدٍ، ويدخلَ الفرحُ قلبَ كلِّ إنسان، الفرحُ الروحي بخلاص الإنسان مـن العبودية للخطيئة ولسطوة الشرِّ وتمَلُّكه على حياة البشر، نُصلِّي أن يشملَ الربُّ برعايتـه ومحبته جميعَ الأُسَر التي تأثَّرت مـن ويلات الحروب، واضطرت أن تترك منازلها وأوطانها للبحث عن ملجإٍ آمِن، نُصلِّي أن يشملنا جميعاً الفرحُ والسلامُ في عيد المحبة والسلام، نسألُ اللهَ أن يُعيدَ علينا هذه الأيام ونحن جميعاً في ملء الفرح والنعمة والسلام، والمجد لله دائماً آمين. |
|