رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
سهر القديسين للبابا شنوده هنا وأتذكر إنني في إحدى المحاضرات منذ أعوام، طلبت إليكم -كتدريب روحي- أن تتأملوا في موضوع (ليالى القديسين)، وتجمعوا من سير القديسين كل المعلومات المتعلقة بهذا الموضوع.. وطبيعي أن القديسين كانوا يقضون لياليهم في العمل الروحي: في الصلاة، والتسابيح، والتأمل، وأحيانًا في القراءة الروحية أو في التلاوات الروحية.. القديس أرسانيوس، كثيرًا ما يقضى الليل واقفًا يصلى.. وهو رافع يديه نحو السماء.. كان يقف متجهًا إلى الشرق وقت الغروب، الشمس خلفه. ويظل واقفًا يصلى حتى تطلع الشمس من أمامه. وكان يقاوم النوم.. والقديس الأنبا بيشوى، كانت له طريقته في السهر.. كان يقضى الليل ساهرًا. وغذ يخشى أن يغلبه النوم كان يربط شعره بسلسلة مثبتة في الحائط، حتى إذا غفا من ضعف الجسد، تشده السلسلة فيصحو. وهكذا يرغم جسده على السهر. وكما قال السيد المسيح "الروح نشيط. أما الجسد فضعيف (مت 26: 41). على أن الأقوياء في الروح، لا يخضعون لضعف الجسد، بل يرغمونه -أراد أو لم يرد- على السهر مع الروح، والإشتراك معها في عملها الروحي. على أن أعجب ما قرأته عن سهر القديسين هو تدريب القديس مقاريوس الإسكندرى.. دخل في تدريب شديد جدًا، قضى فيه عشرين يومًا "لم يطبق فيها جفنًا على جفن"، حتى قال "أحسست بعدها أن أعصاب مخي قد يبست"(*). كل ذلك وهو سهران، ليلًا ونهارًا، وقائم في الصلاة، بعقل مجتمع غير مشتت، وبسيطرة عجيبة على جسده وفكره، مفصلًا الصلاة على الراحة.. كان سهر القديسين مصحوبًا بالصلاة والمطانيات ، وأيضًا بالدموع. ولعلكم قرأتم في البستان قصة ذلك الراهب الحريص الذي كان مشهورًا بدموعه في الصلاة. وكان له صديق يهتم ببستان وقد طلب منه أن يساعده في ري هذا البستان. فأجابه هذا الراهب الحريص بقوله "إذهب أنت إرو بالنهار، وأنا أروى بالليل "يقصد دموعه التي يروى بها نفسه العطشانة إلى الله.. يعوزنا الوقت إن تحدثنا عن كل قصص القديسين.. فالسهر عمل اساسى في حياة الآباء، وعنصر روحي ما كانوا يستغنون عنه. ويمكنك أن تقرأ عن ذلك في كتب بلاديوس، وجيروم، وكاسيان، وروفينوس، وبستان الرهبان، والسير المتفرقة عن حياة قديسى البرارى.. و"سهر الليل في الصلاة" عبارة وردت في طقس سيامة الرهبان، كما قيل عنهم في إحدى مدائح شهر كيهك "سهارى ليل ونهار، صارخين قائلين قدوس". على أن السهر ليس فضيلة خاصة بالرهبان وحدهم.. إنما السهر فضيلة للخدام أيضًا، ولجميع الناس.. فالقديس بولس الرسول يتحدث عن خدمته وخدمة زملائه أيضًا فيقول".. في كل شيء نظهر أنفسنا كخدام الله في صبر كثير.. في أسها في أصوام.." (2كو 6: 4، 5). وهكذا ترينا طريقة معاملته للجسد: يسيطر عليه من جهة الطعام، فيقدم له الأصوام، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ويسيطر عليه من جهة النوم، فيقدم له الأسهار.. وبهذا يظهر نفسه كخادم (وليس كراهب..).. وكما كان بولس الرسول، كان داود الملك أيضًا، وهو أيضًا خادم للرب، في ميدان آخر.. هذا نسمعه يقول "إني لا أدخل إلى مسكن بيتي، ولا أصعد على سرير فراشي، ولا أعطى لعينى نومًا، ولا لأجفاني نعاسًا، ولا راحة لصدغي، إلى أن أجد موضعًا للرب.." (مز 131). ومزامير داود مملوءة بحديثه عن سهره الليل في الصلاة.. إن الذين تعودوا السهر مع الله، إذا ناموا تكون قلوبهم أيضًا معه.. هؤلاء إذا ناموا، يحلمون بالإله المحبوب الذي يملأ قلوبهم.. ويقول ماراسحق عن نوم هؤلاء، إن خيالات أحلامه أطهر وأقدس من صحو غيرهم ممن لا يعلمون عملًا روحيًا مثلهم. ولا شك أن الذي ينشغل في النهار بعمل روحي، يملأ قلبه بالمشاعر المقدسة: هذا إذا نام، تخرج من عقله الباطن في نومه صور روحية جميلة، وربما يصلى. أيضًا وهو نائم، أو تكون له في أحلامه تأملات روحية عميقة.. هل نتطرق من هذا الموضوع (أحلام القديسين).. إنها أحلام في نوم. ولكنه نوم أقدس من سهر كثيرين.. هل نتكلم عن السلم الذي رآه أبونا يعقوب واصلًا بين السماء والأرض، وكان الملائكة القديسون يصعدون وينزلون عليه (تك 28).. أم نتكلم عن أحلام يوسف الصديق، أحلام دانيال النبي، وأحلام قديسي البراري، وأحلام قديسي الخدمة، والرؤى المقدسة في حياة هؤلاء وأولئك. ما رآه بولس الرسول، وما رآه يوحنا الحبيب، وما رآه أنطونيوس الكبير، وما رآه هرماس (في كتابه: الراعي). إن موضوع (أحلام ورؤى القديسين) موضوع طويل، ربما يحتاج إلى كتاب خاص. فأعتذر اليوم عن الخوض في تفاصيله، وأرجع إلى حديثنا عن السهر الروحي.. واكتفي بأن أقول أن هناك نومًا عند البعض أقدس من صحو عند آخرين. وأقول أيضًا: إن كان لك سهر روحي مقدس، يكون لك أيضًا نوم روحي مقدس.. وإن رفعت عينيك إلى الله في سهرك، تستطيع حينما تطبقهما أن تراه أيضًا. وكما قال أحد الأدباء الروحيين: أغمضت عيني، لكن أراك.. ما علاقتك إذن بالليل، وسهر الليل، وإله الليل؟ الليل الذي ليس لك عذر فيه.. ولا تستطيع أن تقول عنه كما تقول في صلاتك عن النهار "ثقل النهار وحره، لم أحتمل لضعف بشريتي". وهوذا الليل أمامك، لا ثقل فيه ولا حره.. نعود ونكرر عبارة ماراسحق: الليل مفروز لعمل الصلاة ويقول القديس بولس الرسول "واظبوا على الصلاة، ساهرين فيها بالشكر" (كو 4: 2).. هنا ونتذكر العبارة التي قالها رئيس النوتية موبخًا بها يونان النبى: "مالك نائمًا؟ قم أصرخ إلى إلهك" (يون 1: 6). قم ساهرًا في الليل، حسب دعوة الكنيسة التي تقول "قوموا يا بني النور، لنسبح رب القوات، لينعم علينا بخلاص نفوسنا". ثم نقول للرب "عندما نقف أمامك جسديًا، أعطنا يا رب يقظة، لكي نفهم كيف أمامك وقت الصلاة" (صلاة نصف الليل).. وقم أيضًا باكرًا من النوم، وقل مع داود النبي في المزمور (سبقت عيناي وقت السحر، لأتلو في جميع أقوالك" (مز 119). حقًا أين نهرب من هذه الآية؟ أسهروا يا لأخوتي وصلوا، حسب أمر الرب لنا.. لا تجعلوا عيونكم تثقل بالنوم، ولا أجسادكم تثقل بالنوم.. مارسوا السهر حتى يصبح لكم عادة. ولتكن أجسادكم نشيطة، وأرواحكم أيضًا نشيطة. اسهروا مع الرب، لأنه يوبخنا بقوله "أما قدرتم أن تسهروا معي ساعة واحدة؟ واعلموا أن السهر مع الرب له دلائل روحية. |
|