الانتخابات الأمريكية من الفائز في اشتباك ترامب وبايدن
في مناظرة بدت أشبه بمعركة للتراشق بالأطعمة، كان الفائز فيها هو من خرج ملطخاً بشكل أقل من الآخر.
وفي ليلة الثلاثاء، كان هذا الرجل هو جو بايدن، فقط لأن هدفه الرئيس كان أن يبرهن للأمريكيين أنه قادر على الصمود في وجه الضغوط، وأنه لم يتعثر بسبب عمره المتقدم. وكان عليه أن يثبت قدرته على أن يتلقى ضربة كعكة في وجهه ويظل محتفظاً بهدوئه.
وقد تمكن من تحقيق ذلك في الغالب، وإن كان هذا يرجع بشكل جزئي إلى أن دونالد ترامب بصياحه ومقاطعته باستمرار لم يمنح نائب الرئيس السابق فرصة لأن يقول شيئاً قد يلحق ضرراً بقضيته.
هذا الجانب من الرئيس الذي يتجلى في تغريداته على تويتر- الجانب غير التقليدي، الصاخب، المُسيئ والمروج للإشاعات- كان حاضراً بقوة خلال المناظرة التي استمرت لساعة ونصف الساعة.
ولسوء حظ الرئيس، فإن الكثير من الأمريكيين، حتى أنصاره، يجدون شخصيته هذه التي تظهر على وسائل التواصل الاجتماعي واحدة ضمن أكثر سماته افتقاراً للجاذبية.
كان ترامب بحاجة لهذه المناظرة لكي يغير كفة السباق الانتخابي التي تميل في غير صالحه بشكل ثابت، في ظل مشكلات اقتصادية وصحية واجتماعية.
ولا يبدو أن شيئاً ما في هذه المناظرة الفوضوية سيغير في ديناميكية السباق أو في مواقف الناخبين الأمريكيين الذي لم يحسموا رأيهم بعد، و هم واحد من بين كل عشرة أمريكيين (وإن كانوا ربما قد قرروا عدم مشاهدة مناظرات جديدة).
التعليق على الصورة،
هل يمكن أن تغلق فمك يا رجل؟
كان واضحاً من البداية أي نوع من "المناظرات" ستكون تلك. فقد كان هدف دونالد ترامب الرئيسي هو أن يثير أعصاب جو بايدن. وقد خطط لينفذ ذلك عبر مقاطعته المستمرة لكلام نائب الرئيس السابق.
وقد قاطع ترامب كلام بايدن 73 مرة وفقاً لما أحصته قناة سي بي إن نيوز.
وأدى ذلك إلى سلسلة من التراشقات الفوضوية، والتي تضمنت تشكيك ترامب بذكاء بايدن، ووصف بايدن لترامب بأنه "مهرج"، قبل أن يحاول إسكاته، سائلاً إياه " هل يمكن أن تغلق فمك يا رجل؟".
وأخذ ترامب يهاجم بايدن مراراً وتكراراً، بينما ظل الأخير يضحك ويهز رأسه.
وبعدما أعلن مدير المناظرة كريس والاس أن فيروس كورونا سيكون موضوع السؤال التالي، على أن يكون أمام كلا المرشحين للإجابة عليه دقيقتان ونصف دون مقاطعة، سارع بايدن بالقول " حظاً سعيداً في ذلك".
ربما كانت إدارة هذا الحدث مساء يوم الثلاثاء أسوأ مهمة يمكن أن يتولاها شخص في أمريكا.
فيروس كورونا كان على أي حال ليظل موضوعاً صعباً بالنسبة للرئيس. وقد جاء ترتيبه في وقت مبكر من المناظرة. كان على ترامب أن يدافع عن تعامله مع الوباء الذي أسفر عن أكثر من مئتي ألف وفاة في أمريكا. وقد قال إن الخطوات التي اتخذها أدت إلى تجنب وقوع المزيد من الوفيات، ورجح أن بايدن كان ليجعل الأمور أكثر سوءا.
أما بايدن فقام بالرد موجهاً نظره للكاميرا، سائلاً المشاهدين إن كانوا يصدقون ترامب (تشير استطلاعات الرأي إلى أن غالبية الأمريكيين لا يوافقون على تعامل ترامب مع أزمة الوباء).
قال بايدن "الكثير من الناس ماتوا، وكثيرون سيموتون ما لم يكن أكثر ذكاء، ويتصرف بصورة أسرع".
وفي تراشق كلامي لافت، تفاخر ترامب بحجم مسيرات حملته الانتخابية التي نُظمت في الهواء الطلق وفقاً لنصائح "الخبراء" -مع التشديد على هذه الكلمة. ثم قال إن بايدن عقد مسيرات أصغر حجماً لأنه لم يتمكن من اجتذاب حشود أكبر.
وأضاف ترامب "الناس يريدون فتح أماكنهم".
فرد بايدن قائلاً" الناس يريدون أن يكونوا في أمان".
أظهر هذا التبادل الكلامي اختلافا جوهرياً في الطريقة التي يرى بها كلا المرشحين الوباء وما إذا كان الوضع يتحسن أو يزداد سوءا."
أدى الدمج بين قضيتي العرق والعنف في المناظرة إلى تراشق كلامي قوي، بدا خلاله بايدن أكثر ارتياحاً في حديثه عن القضية الأولى، فيما كان ترامب حريصاً على مناقشة الثانية.
اتهم بايدن الرئيس بإثارة الانقسامات العرقية، بينما انتقد ترامب دعم بايدن لمشروع قانون لمكافحة الجريمة عام 1993 أدى إلى ارتفاع معدلات سجن السود.
ثم راح بايدن يهاجم ترامب لقوله إن مقترحات الإسكان التي دعمها الديمقراطيون بهدف زيادة التنوع تهدد بتدمير ضواحي المدن الأمريكية.
وقال بايدن "لسنا في عام 1950، والعنصرية لم تعد تنجح. سكان الضواحي مندمجون مع بعضهم البعض إلى حد كبير".
وأضاف أن التهديد الحقيقي للضواحي يتمثل في كوفيد-19 والتغير المناخي.
وجاءت لترامب فرصة أن يوجه إدانة مباشرة للعنف الذي يمارسه بعض أنصار الجناح اليميني (دعاة تفوق العرق الأبيض والمسلحين)، وقال إنه سيفعل لكنه لم يقم بذلك، وبدلاً من ذلك وجه رسالة لجماعة "براود بويز" اليمينية المتطرفة بأن تتراجع. ثم شن هجوماً على "أنتيفا" (وهو تجمع فضفاض من النشطاء اليساريين والمناهضين للفاشية).
وكانت وفاة جورج فلويد المواطن الأمريكي الأسود وما تبعها من نقاشات بشأن العنصرية المؤسساتية وعنف الشرطة قد فجرت احتجاجات لم تشهد الولايات المتحدة مثلاً لها منذ عقود.
وقد سلطت مناظرة الثلاثاء القليل من الضوء على تلك اللحظات التاريخية.
إذا كانت هناك رسالة أرادت حملة ترامب أن تصل للأمريكيين من خلال هذه المناظرة- عبر عنها المقطع الذي نُشر في تغريدة من حساب ترامب في وقت كانت لاتزال فيه المناظرة مستمرة- فهي أن جو بايدن أمضى نحو نصف قرن في مناصب عامة يحاول أن يحل مشكلات البلاد، بينما لاتزال هذه المشكلات قائمة حتى الآن.
وقال ترامب لنائب الرئيس السابق "فعلت في 47 شهراً أكثر مما قمت به أنت خلال 47 عاما".
ثم جاء رد بايدن في وقت لاحق من المناظرة.
قائلا" في ظل حكم هذا الرئيس صرنا أكثر ضعفاً ومرضاً وفقراً وانقساماً وعنفا".
في عام 2016 نجح ترامب في الوصول إلى واشنطن، وتمثل محاولته للنجاح في ذلك مجدداً بعد ثلاثة أعوام ونصف قضاها في المكتب البيضاوي تحديا، لكن قد يمكنه أن يتغلب على هذا التحدي من خلال استغلال طول أمد الفترة التي قضاها بايدن في الحياة العامة، كسلاح ضده.
"أنا الحزب الديمقراطي، لا بيرني"
كان أحد أهداف ترامب الرئيسية خلال هذه المناظرة- وطيلة حملته الانتخابية- متمثلاً في تصوير بايدن على أنه مدين بالفضل للجناح اليساري في حزبه. أما بايدن، فقد أوجز دفاعه في أول تراشق مع ترامب.
فكانت المحكمة العليا هي الموضوع الافتتاحي للمناظرة، غير أن بايدن سارع بتحويل دفه النقاش إلى مشروع الرعاية الصحية الذي يواجه خطراً بسبب قضية معلقة لدى المحكمة.
وحاول ترامب اتهام بايدن بدعم "العلاج الاجتماعي" والضغط باتجاه إلغاء التأمين الخاص، مما دفع المرشح الديمقراطي للقول إن هذه ليست خطته، وإنه الفائز بترشيح الحزب الديمقراطي في الانتخابات.
وقال " أنا الحزب الديمقراطي الآن. برنامج الحزب الديمقراطي هو ما وافقت عليه".
ثم ظهر التكتيك ذاته في وقت لاحق خلال تراشق حول التغير المناخي، حين حاول ترامب ربط بايدن بالانفاق الهائل ومقترحات التنظيم التي ينطوي عليها برنامج "صفقة جديدة خضراء" الذي يتبناه الكثيرون من أنصار اليسار (لتحويل الاقتصاد الأمريكي بعيداً عن اعتماده على الكربون).
فقال بايدن "أنا لا أويد برنامج صفقة جديدة خضراء، أؤيد خطة بايدن التي أعلنت عنها".
وسأله ترامب "هل فعلت حقا؟ هذا بيان مهم".
وقد بدا بايدن -في تمييز نفسه عن التقدميين داخل حزبه- واثقاً من أن جناحه اليساري سيصمد حين يحين موعد التصويت.
بايدن يفشل في إيذاء ترامب بسبب "ضرائبه الخفية"
حين نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرها بشأن ضرائب ترامب مساء يوم الأحد، نُظر إليه باعتباره قنبلة. فقد صار بإمكان الناس أخيراً أن يطلعوا على معلومات حجبها الرئيس لسنوات، في خرق للتقاليد.
غير أن ترامب، حين أثير الموضوع، قدم دفاعاً مشابهاً لذلك الذي قدمه عام 2016، حين تفاخر بأنه يعلم الكود الضريبي أكثر من أي مرشح سابق، وأن قدرته على تفادي فاتورة ضريبية ضخمة هي ببساطة استغلاله للقانون.
ومن جانبه حاول بايدن أن يحول دفة الموضوع إلى إدانة التعديلات الضريبية التي مررها الجمهوريون. ورغم إشارته إلى أن ترامب دفع ضرائب فيدرالية أقل مما يدفع معلمو المدارس، فإن هذا الرسالة ضاعت وسط مشاجرة تالية مع الرئيس، بينما كان من الممكن أن تستخدم كأداة هجوم فعالة.
"لن ينتهي هذا بشكل جيد"
كان الجزء الختامي من النقاش حول أمن الانتخابات والمخاوف التي أبداها اليسار واليمين من أن الانتخابات لن تكون حرة نزيهة. ودارت أغلب تفاصيل النقاش حول استعراض ترامب لسلسلة من الروايات المضللة التي قال إنها تظهر أن التصويت بالبريد الذي سيعتمد عليه ملايين الأمريكين هذا العام محفوف بالفساد وعدم الكفاءة.
"لن ينتهي هذا بشكل جيد" عبارة قالها ترامب، تعكس شعوراً لدى الكثير من الأمريكيين على اختلاف التوجهات، وإن كان لأسباب متباينة.
حاول بايدن من جانبه أن يأخذ بزمام المبادرة. طالب بفرز جميع الأصوات، ووعد باحترام نتائج الانتخابات متى تقرر الفائز. وبدا أنه يريد أن يضيف بعض النقاط في ختام حديثه، غير أن ترامب قاطعه من جديد قبل أن يعلن والاس انتهاء المناظرة.
كانت نهاية مفاجئة لمساء فوضوي لا يمكن اعتباره مناظرة بأي معنى تقليدي.
ومن النادر أن تؤدي مناسبات كهذه إلى تغيير مسار الانتخابات نحو اتجاه أو آخر، وكانت هذه المناظرة على قدر من الفوضى بحيث لا تبدو أنها أدت إلى تغيير أراء كثيرين.
ربما تكون هذه أخباراً سيئة بالنسبة لترامب، خاصة وأن أهم نقاط ضعفه الحقيقية تمثلت في النساء من سكان الضواحي اللاتي قلن إنهن فقدن الاهتمام بالمناظرة بسبب طريقة الرئيس الخشنة في بعض الأحيان.
وإذا كان هدف ترامب من المناظرة هو أن يحول الحملة الانتخابية إلى فوضى، ويصرف أنصار الناخبين عن العملية، تاركاً إياهم في حالة عدم يقين بشأن إمكانية الوصول إلى أي نوع من الوضوح أو الحسم في النهاية، فقد كانت ليلة ناجحة.
هذا الخبر منقول من : مصراوى