رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يوحنا المعمدان شفيع الفرح الروحي؟
إن ذكرى ميلاد القديس يوحنا المعمدان هو فرصة للتساؤل عن المفارقة الغريبة في حياة وشخص سلف المسيح وخليفة إيليا وأعظم الأنبياء وأكثرهم تواضعًا وتصلبًا ولطفًا. هذا هو الرجل الذي أعلنه يسوع “أعظم أبناء البشر”؛ ومع ذلك، فهو حرص على التنحي أمام قريبه المسيح الموعود لإسرائيل! إنه أيضًا بمثابة الزهد القوي للعهد الجديد، الذي يتغذى من الجراد والعسل البري في البرية؛ ومع ذلك، إنه نبي الفرح الروحي! إذًا، ما هو سره؟ فرحة ولدت من لقاء إن السبب الرئيسي لفرح يوحنا المعمدان ليست نفسيته المرتاحة، بل يسوع المسيح. فعند سماعه سلام السيدة العذراء لأليصابات بعدما ذهبت لمساعدتها في الأشهر الأخيرة من حملها، ارتكض بابتهاج في بطن أمه (لو 1:44). في تلك اللحظة، فهم أعظم الأنبياء هذا أنه من خلال مريم، سيجيء زمن المسيح، وأن الطفل الذي تحمله هو المخلص! بالإضافة إلى تقديس يسوع لقريبه وهو في بطن أمه، منحه أيضًا الفرح الذي يجب أن يختبره كل المؤمنين بالوعود الإلهية. يعلّمنا ما اختبره يوحنا المعمدان أن الفرح ينتج من اللقاء الشخصي مع يسوع، لا نتيجة رياضة روحية تهدف إلى إطلاق “موجات إيجابية” أو “أفكار متفائلة” فينا. إذًا في المسيحية، نشعر بالفرح نتيجة علاقة شخصية مع القائم من بين الأموات، لا بسبب أساليب معينة أو إيحاء ذاتي.فرح إعطاء يسوع المركز الأول إن السبب الثاني لفرح يوحنا المعمدان هو اللامبالاة. على الرغم من أنه أعظم الأنبياء أو بالأحرى لهذا السبب، يقدم يوحنا نفسه تمامًا لمهمته. وهو يعلم منذ امتلائه بالروح القدس في بطن أمه (لو 1: 15) أنه سيرى المسيح، وأنه سيتعين عليه تهيئته لبني إسرائيل. ثم تعرّف عليه على ضفّة نهر الأردن وكان في سنه الثلاثين، فقال لتلاميذه: “هُوَذَا حَمَلُ اللهِ” (يو 1:35)، فتركه هؤلاء على الفور ليتبعوا نجّار الناصرة؛ لكن يوحنا لم يشعر بالغيرة، بل على العكس، علم أن المهمة التي أوكلها إليه الله تكمن في ذلك. يا له من تفانٍ ومن حزم لإعطاء الله المركز الأول! إن القديس يوحنا هو بالفعل شفيع المبشرين اللامبالين. ويعلّمنا أيضًا أن هذا التفاني وإعطاء المركز الأول ليسوع هو مصدر الفرح والسعادة. فهو لا يشبهنا، نحن الذين لا ندرك فورًا أن فرحنا سببه وجود الله، فنقول مثل يعقوب: “إِنَّ الرَّبَّ فِي هذَا الْمَكَانِ وَأَنَا لَمْ أَعْلَمْ” (تك 28:16). أما يوحنا، فقد اكتشف مصدر فرحه: “مَنْ لَهُ الْعَرُوسُ فَهُوَ الْعَرِيسُ، وَأَمَّا صَدِيقُ الْعَرِيسِ الَّذِي يَقِفُ وَيَسْمَعُهُ فَيَفْرَحُ فَرَحًا مِنْ أَجْلِ صَوْتِ الْعَرِيسِ. إِذًا فَرَحِي هذَا قَدْ كَمَلَ. يَنْبَغِي أَنَّ يَزِيدُ ذلِكَ وَأَنِّي أَنَا أَنْقُصُ” (يو 3 :29-30). كان يوحنا المعمدان صديق العريس (أي يسوع)؛ وفي ذلك الوقت، كان صديق العريس مسؤولًا عن تقديم خطيبته إليه يوم الزفاف، فوجد يوحنا سعادته في تقديم زوجة يسوع إليه، وهي الكنيسة المتمثلة بأول تلميذين للمسيح (يو 1:37). إن تقديم يوحنا مركزه للمسيح والتنحي أمامه، زاد من سعادته! يا له من درس لنا، نحن الذين نروي رضانا بغرورنا وبالنجاح الدنيوي اللامع بقدر ما هو زائل! سر يوحنا المعمدان إن السر ليس أمرًا غامضًا وباطنيًا، بل نعمة من الله تمتد منذ بناء الكنيسة حتى الآن، وسر يوحنا المعمدان هو جلب الفرح لأولئك الذين يعترفون بيسوع المسيح ويعدّون مجيئه في نفوسهم وقلوبهم، كما فعل يسوع في بداية حياته مع الناس عندما أشار إلى نفسه بالناصري الذي انتظرته جميع الأزمنة، أمام الحشود التي كانت تصغي إليه. تعلّمنا أيضًا نعمة يوحنا أن الفرح الحقيقي هو نتيجة تقديم أنفسنا ليسوع الذي هو مصدره الحقيقي. مثل العذراء مريم المبتهجة لأن مع طفلها جاء زمن المسيح، عرف “صديق العريس” يوحنا المعمدان، أنه لن يتمكن أحد من سلبه فرحته لأنها متعلقة بابن الآب الحبيب، وهو الفرح المسيحي الناتج من مجيء الزمن الذي وعد به الله والذي سيُرفع فيه المساكين ويسمع فيه الصمّ ويمشي فيه العرج ويرى فيه المكفوفين. إنه فرح سماوي يجعلنا نعيش مع الله وبه، متخلّين عن مخاوفنا غير المتناسقة مع ما يمكننا تقديمه لأنفسنا المستقبلية عندما تمتلك كنوز الإيمان! هذا هو سر زهد يوحنا الذي لا يخدم عرضًا دينيًا، بل هو شرط لقاءنا المثمر والمحب مع القائم من بيت الأموات. |
|