أديّان كل الأرض لا يصنع عدلا؟
يُخبرنا الكتاب المقدّس عن امرأةٍ أرملة كانت تُعاني من مُشكلة قضائية بينها وبين خَصمِها العنيد. وهي إن تعِبت من القاضي الذي لم يُعطها سؤل قلبها، ’كانت تأتي إليه قائلة: أنصفني من خصمي‘. وبعد أيامٍ كثيرة، أنصفها ’لئلا تأتي دائما فتقمعني‘، إذ ’كان لا يشاء إلى زمان‘ (لو 18).
ذكّرتني هذه الحادثة بدهاء القاضي الذي لا يخاف الله ولا يهاب إنسانًا إلا أنّه حَكم بالعدل ولو اضطراريًا. كثيرا ما ننظر إلى الآخرين من منطلق ضيّق فنحكُم حسب الظاهر وندين تصرفاتهم وأقوالهم ومظهرهم وأحيانًا ديانتهم. أوصانا الرب يسوع كي نقضيَ بالعدل ونُنصِف أولئك الذين تعرّضوا للتجريح والإهانة (مت 7: 1-2).
تعوّدنا بالطبيعة أن نُطلِق أحكامًا من دون ضوابط أو روادع أخلاقيّة مسيحيّة. لأننا نختلف مع الآخرين في الفِكر والعقيدة والإيمان والسلوك لا يُعطينا الحق في إدانتهم أو تصنيفهم. نحن نُظهِر لهم الحقّ الإلهي وندعو الروح القدس أن يعمل على تغييرهم. دينونة الآخرين حتمًا لا تأتي بهم إلى المسيح بل تُبعِدهم ولا تُنصِفُهم. مَن يقضي بالعدل؟ هل يستطيع الذي لا يرى إلا ذاته وإنجازاته وإيمانه أن يقضيَ فعلا بالعدل؟ إذا كنا بالفِطرة ميّالين لإدانة الآخرين، عندها بالحكمة والتدريب نستطيع أيضًا أن نحتمل الذين شملتهم دائرة المحبّة الإلهية (رو 2: 1).
وهذه هي نصيحة الرسول بولس: ’أيها الإخوة، إن انسبق إنسان فأُخذ في زلّة ما، فأصلحوا أنتم الروحانيّين مثل هذا بروح الوداعة، ناظرًا إلى نفسك لئلا تُجرّب أنت أيضًا‘ (غل 6: 1).
يُحكى عن رجلٍ مَثُل أمام القاضي بسبب جُرم ارتكبه. عندما دخل قاعة المحكمة ورأى القاضي فرِحَ في داخله واطمأن. فقد كان هذا القاضي محاميًا عنه في قضية سابقة. وبعد انتهاء المحاكمة، فوجئ بأنه حُكِم عليه بالسجن، فبادره بالقول: ’حضرة القاضي، ألم كنت تدري أنك أنصفتني في قضيتي، فهل نسيتني الآن؟‘. تطلّع إليه القاضي واثقًا وقال له: ’هذا صحيح، لقد دافعت عنك بالحق، وكنت توّاقًا بأن أطلق سراحك، أما الآن فإني أحكم عليك قانونيًا ولا أستطيع أن أُنصفك‘.
نطمئن كأولاد الله أننا بين يدي الإله الحي الذي يدين بالعدل ونبيت تحت جناحي القدير: ’إذا لا شيء من الدينونة الآن على الّذين هم في المسيح يسوع، السّالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح‘ (رو 8: 1). حتى لا نقع في دينونة الآخرين دون مُبرّر، ينبغي أن نتذكّر دائمًا غفران الله للإنسان في فكر الحكيم (أم 16: 6). لقد التقينا بالمسيح الفادي والمخلّص، فهل نحن على استعداد بأن نلتقي بالمسيح الديّان (أع 17: 30-31)؟ هل حقا ’أديّان كل الأرض لا يصنع عدلا‘ (تك 18: 25). بدل تصنيف الآخرين وإدانتهم، هلُمّ نساهم في إنصافهم واقتيادهم إلى الرب. ليتنا نرجع إلى فكر الكتاب وثقافته في ممارسة العدل والإنصاف – ’لأنه حينما تكون أحكامك في الأرض يتعلّم سكان المسكونة العدل‘ (إش 26: 9).