06 - 04 - 2020, 02:36 PM
|
|
|
† Admin Woman †
|
|
|
|
|
|
لو كان البابا يوحنا بولس الثاني حاضرًا في زمن الكورونا، ما هي رسالته إلى المؤمنين؟
في ذكرى ولادته في السماء في 2 نيسان 2005، نستذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني، بابا السلام، الذي طُبعت رسائله في قلب المؤمنين الذين يبحثون بشكل دائم عن حضور الربّ في حياتهم، ويبذلون قصارى جهدهم من أجل الشهادة لحبّ الله.
وتحضر كلمات البابا يوحنا بولس الثاني في عظات البابا فرنسيس الذي شجّع المؤمنين على “تسليم الذات للرحمة الإلهيّة ولشفاعة البابا القدّيس في هذه الأزمنة الصعبة التي نختبرها، كي لا يعيشوا في الخوف في ظلّ تهديد الموت لوجود الإنسان”.
لو كان البابا يوحنا بولس الثاني حاضرًا في زمن الكورونا، ما هي رسالته إلى المؤمنين؟
لعلّ رسالة البابا القديس “الألم الخلاصي” (التي تعود إلى العام 1984) من أروع الرسائل التي تحاكي واقعنا الراهن الذي تغزوه جائحة كورونا، إذ سلّط الضوء فيها على الألم الذي يحاول تدمير الإنسان، ودور المسيح في حياة المرضى، والمشاركة في آلامه، وتقدمتها في سبيل تحقيق صلاة المخلّص من أجل وحدة الجميع.
تحدّث الأب الأقدس عن “عالم الألم” كاتبًا: “وإنّا، إذ نستعرض عالم الألم، سواء أكان بمعناه الشخصي أم في الوقت عينه بمعناه الجماعي، نرى أنه يشتدّ وطأة في بعض الأحيان وفي بعض مراحل الحياة الإنسانية، مثلًا لدى حلول النكبات الطبيعية، والأوبئة، والكوارث والزلازل، ومختلف الآفات الاجتماعية من فشل موسم قاحل وما يجرّه معه – إذا لم يكن ذلك ناشئًا عن أسباب أخرى – من مجاعة حادّة، محزنة.
وتمثل الحرب أخيرًا أمام الأذهان، وهذا ما نريد أن نتحدّث عنه بوجه أخصّ، فنتوقف على الحربين الأخيرتين اللتين أصابتا العالم؛ وقد حصدت الثانية منهما عددًا أضخم من الناس وتسبّبت بقدر أكبر من الآلام البشرية”.
البابا يوحنا بولس الثاني: “النصف الثاني من عصرنا يحمل معه بذور حرب نووية مريعة”
وأضاف البابا القديس: “وفي المقابل، إن النصف الثاني من عصرنا – بسبب أخطاء حضارة اليوم وتجاوزاتها – يحمل معه بذور حرب نووية مريعة، بحيث إننا لا نستطيع، إذا ما نظرنا إلى هذه الحقبة، إلا أن نفكر، في الوقت عينه، بما سيتراكم من آلام لا مثيل لها، ممّا قد يحمل البشرية على إبادة ذاتها بذاتها. ولهذا يبدو أن عالم الألم هذا الذي يتّخذ، على وجه التأكيد، مكمنًا له في كل من الناس، قد ينقلب في عصرنا، أكثر منه في غابر الأزمان، “عالم ألم فريد”، وهو عالم تحوّل، أكثر من ذي قبل، بفضل تقدّم الإنسان، وبلغ، في الوقت عينه، أكثر من أي وقت مضى، ذروة الخطر، من جرّاء أخطاء الإنسان ومساوئه”.
وأكد البابا في رسالته أن الكتاب المقدّس هو كتاب كبير في الألم، ويقدّم لائحة كبيرة عن حالات يقاسي فيها الإنسان آلامًا متعدّدة.
ولفت في المقطع الرابع من الرسالة “يسوع المسيح: الألم الذي غلبته المحبّة” إلى أن المسيح قد اقترب باستمرار، من عالم الألم البشري، موجّهًا عمله “إلى المرضى والمحتاجين للمساعدة؛ فشفى المرضى، وعزّى الحزانى، وأطعم الجياع، وأنقذ الناس من الصمم والعمى، والبرص، والشيطان، ومختلف العاهات الجسدية، وردّ الحياة، ثلاثًا، إلى موتى. وكان يتأثّر لكل ألم بشري يصيب الجسد والنفس. وكان في الوقت عينه يعلّم ويركّز تعليمه على “الطوبى الثماني” الموجّهة إلى من أصابتهم آلام مختلفة في الحياة الزمنيّة، وهم “المساكين بالروح، والحزانى، والجياع والعطاش إلى البرّ، والمضطهدين من أجل البرّ”، والذين يلعنهم الناس ويضطهدونهم، ويتّهمونهم زورًا بارتكاب أنواع الشرّ، من أجل المسيح… هذا ما أورده متّى. أمّا لوقا، فيذكر صراحة “الجياع الآن”…
أما عن المشاركة في آلام المسيح، فقال البابا يوحنا بولس الثاني: “إذا شارك الإنسان في آلام المسيح، فلأن المسيح فتح آلامه للإنسان، لأنه هو في آلامه الفادية اشترك نوعًا ما في كل الآلام البشرية. والإنسان لدى اكتشافه بالإيمان آلام المسيح الفادية، يكتشف في الوقت عينه فيها آلامه الخاصة، ويجدها، بفضل الإيمان، وقد اغتنت بمحتوى جديد وبمعنى جديد. وهذا الاكتشاف أوحى إلى بولس الرسول هذه العبارات البليغة في رسالته إلى الغلاطيين: مع المسيح صلبت: فلست الآن أنا الحيّ، بل المسيح هو الحيّ فيّ. وإن كنت الآن أحيا بالجسد، فأنا حيّ بإيمان ابن الله الذي أحبّني وبذل نفسه لأجلي (غلا 19:2-20)”.
نظرة الكنيسة إلى المتألمين حسب البابا يوحنا بولس الثاني
وقال الأب الأقدس: “تحسب الكنيسة جميع إخوة المسيح وأخواته الذين يتألّمون، شخصًا متعدّدًا يشعّ بقوّتها الإلهية. وغالبًا ما يلجأ رعاة الكنيسة إليهم ويسألونهم العون والمدد. وإنجيل الألم يكتب باستمرار ويروى بكلمات تعبّر عن شؤون عجيبة تخالف الرأي المألوف: ذلك أن ينابيع القوّة الإلهية تتفجّر من قلب الضعف البشري. والذين يشتركون في آلام المسيح يحتفظون في آلامهم الخاصة بجزء فريد من كنز فداء العالم غير المتناهي. وبإمكانهم أن يتقاسموا هذا الكنز وسواهم. وبقدر ما تهدّد الخطيئة الإنسان، وبقدر ما تشتدّ وطأة الخطيئة التي يحملها العالم في ذاته، تتعاظم أهمية الآلام البشرية، وتضطرّ الكنيسة إلى استخدام ما في الألم البشري من خير لأجل خلاص العالم”.
ورأى البابا وجوب “أن يجتمع، بالفكر والعقل، في ظلّ صليب الجلجثة، جميع المتألمين الذين يؤمنون بالمسيح، وعلى الأخص الذين يعنّتون بسبب إيمانهم بذاك الذي علّق على الصليب وقام، لكي تعجّل تقدمتهم آلامهم في تحقيق صلاة المخلّص عينه من أجل وحدة الجميع”.
كأن البابا الراحل يتوجّه بهذه الكلمات إلى من يقفون في خطّ الدفاع الأوّل في مواجهة كورونا
في رسالة وجّهها البابا يوحنا بولس الثاني إلى المؤمنين في زمن الصوم في العام 2003، تحدّث عن الفرح الذي يختبره الإنسان “في العطاء أكثر منه في الأخذ، عندما يتجاوب الإنسان مع ما فيه من ميل داخلي ليبذل ذاته كاملة للآخرين وينسى نفسه، فإنه يشعر بفرح وسعادة داخليّين”.
وأكد أن الجهد الذي يقوم به المؤمن في سبيل إحلال العدل، والتزامه في الدفاع عن حقوق المستضعفين، ومبادرات الإنسان لتأمين الخبز للجائعين والعناية بالمرضى، واستعداده لمساعدة كل أنواع العوز والحزن؛ كل هذه الأمور تجعله يجد نبعه الخصيب في كنز المحبة الوحيد أي بذل المسيح ذاته في سبيل الآب.
وشدّد على أن المؤمن مدعو إلى اتباع المسيح، الإله الحق والإنسان الحق، الذي في طاعته للآب “تجرّد من ذاته” (في 2: 6) وبذل نفسه في سبيلنا في حركة حب كاملة ومجانية، حتى الموت على الصليب.
ونختم بما قاله الأب الأقدس عن معنى الألم والسعادة: “من الجلجثة، تنطلق رسالة حب ثالوثي نحو جميع البشر في كل زمان ومكان. يقول القديس اوغسطينوس: إن الله وحده بإمكانه أن يغلب كل شرور العالم، لأنه الخير الأسمى. لذا، يجب أن تنطلق محبة القريب من علاقة حيّة بالله، وتعود إليه، لأن سعادتنا تكمن في مدى قربنا من المسيح”.
|