رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لأنَّ أخاكَ هذا كانَ مَيِّتًا فَعاشَ، وكانَ ضالاّ فَوُجِدَ
إنجيل القدّيس لوقا 15 / 32- 52 قَالَ الرَبُّ يَسُوع: «كانَ لِرَجُلٍ ٱبْنَان. فَقالَ أَصْغَرُهُمَا لأَبِيه: يَا أَبي، أَعْطِنِي حِصَّتِي مِنَ المِيرَاث. فَقَسَمَ لَهُمَا ثَرْوَتَهُ. وَبَعْدَ أَيَّامٍ قَلِيلَة، جَمَعَ الٱبْنُ الأَصْغَرُ كُلَّ حِصَّتِهِ، وسَافَرَ إِلى بَلَدٍ بَعِيد. وَهُنَاكَ بَدَّدَ مَالَهُ في حَيَاةِ الطَّيْش. وَلَمَّا أَنْفَقَ كُلَّ شَيء، حَدَثَتْ في ذلِكَ البَلَدِ مَجَاعَةٌ شَدِيدَة، فَبَدَأَ يُحِسُّ بِالعَوَز. فَذَهَبَ وَلَجَأَ إِلى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ ذلِكَ البَلَد، فَأَرْسَلَهُ إِلى حُقُولِهِ لِيَرْعَى الخَنَازِير. وَكانَ يَشْتَهي أَنْ يَمْلأَ جَوْفَهُ مِنَ الخَرُّوبِ الَّذي كَانَتِ الخَنَازِيرُ تَأْكُلُهُ، وَلا يُعْطِيهِ مِنْهُ أَحَد. فَرَجَعَ إِلى نَفْسِهِ وَقَال: كَمْ مِنَ الأُجَرَاءِ عِنْدَ أَبي، يَفْضُلُ الخُبْزُ عَنْهُم، وَأَنا ههُنَا أَهْلِكُ جُوعًا! أَقُومُ وَأَمْضي إِلى أَبي وَأَقُولُ لَهُ: يَا أَبِي، خَطِئْتُ إِلى السَّمَاءِ وَأَمَامَكَ. وَلا أَسْتَحِقُّ بَعْدُ أَنْ أُدْعَى لَكَ ٱبْنًا. فَٱجْعَلْنِي كَأَحَدِ أُجَرَائِكَ! فَقَامَ وَجَاءَ إِلى أَبِيه. وفِيمَا كَانَ لا يَزَالُ بَعِيدًا، رَآهُ أَبُوه، فَتَحَنَّنَ عَلَيْه، وَأَسْرَعَ فَأَلْقَى بِنَفْسِهِ عَلى عُنُقِهِ وَقَبَّلَهُ طَوِيلاً. فَقالَ لَهُ ٱبْنُهُ: يَا أَبي، خَطِئْتُ إِلى السَّمَاءِ وَأَمَامَكَ. وَلا أَسْتَحِقُّ بَعْدُ أَنْ أُدْعَى لَكَ ٱبْنًا… فَقالَ الأَبُ لِعَبيدِهِ: أَسْرِعُوا وَأَخْرِجُوا الحُلَّةَ الفَاخِرَةَ وَأَلْبِسُوه، وٱجْعَلُوا في يَدِهِ خَاتَمًا، وفي رِجْلَيْهِ حِذَاء، وَأْتُوا بِالعِجْلِ المُسَمَّنِ وٱذْبَحُوه، وَلْنَأْكُلْ وَنَتَنَعَّمْ! لأَنَّ ٱبْنِيَ هذَا كَانَ مَيْتًا فَعَاش، وَضَائِعًا فَوُجِد. وَبَدَأُوا يَتَنَعَّمُون. وكانَ ٱبْنُهُ الأَكْبَرُ في الحَقْل. فَلَمَّا جَاءَ وٱقْتَرَبَ مِنَ البَيْت، سَمِعَ غِنَاءً وَرَقْصًا. فَدَعا وَاحِدًا مِنَ الغِلْمَانِ وَسَأَلَهُ: مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ هذَا؟ فَقالَ لَهُ: جَاءَ أَخُوك، فَذَبَحَ أَبُوكَ العِجْلَ المُسَمَّن، لأَنَّهُ لَقِيَهُ سَالِمًا. فَغَضِبَ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَدْخُل. فَخَرَجَ أَبُوهُ يَتَوَسَّلُ إِلَيْه. فَأَجَابَ وقَالَ لأَبِيه: هَا أَنا أَخْدُمُكَ كُلَّ هذِهِ السِّنِين، وَلَمْ أُخَالِفْ لَكَ يَوْمًا أَمْرًا، وَلَمْ تُعْطِنِي مَرَّةً جَدْيًا، لأَتَنَعَّمَ مَعَ أَصْدِقَائِي. ولكِنْ لَمَّا جَاءَ ٱبْنُكَ هذَا الَّذي أَكَلَ ثَرْوَتَكَ مَعَ الزَّوَانِي، ذَبَحْتَ لَهُ العِجْلَ المُسَمَّن! فَقالَ لَهُ أَبُوه: يَا وَلَدِي، أَنْتَ مَعِي في كُلِّ حِين، وَكُلُّ مَا هُوَ لِي هُوَ لَكَ. ولكِنْ كانَ يَنْبَغِي أَنْ نَتَنَعَّمَ وَنَفْرَح، لأَنَّ أَخَاكَ هذَا كانَ مَيْتًا فَعَاش، وَضَائِعًا فَوُجِد». التأمل:” لأنَّ أخاكَ هذا كانَ مَيِّتًا فَعاشَ، وكانَ ضالاّ فَوُجِدَ…” يمثل الابن الأصغر الحداثة في أبعادها التجارية – الجشعة، وفي أبعادها العلمانية – الالحادية، وفي أبعادها النفسية- المتكبرة… في البعد التجاري، قرر الابن الأصغر أخذ حصته من ميراث والده والاستقلال عنه، أي فتح مصلحة لحسابه الخاص، يتولى إدارة مفاصلها بذاته رافضاً إدارة والده وتوجيهاته وإلهاماته. ذهبت البشرية بعيداً في الاستقلال عن الله وأسست لها حضارة أظهرت فيها جبروت الإنسان وما يمثل من قوة عسكرية واقتصادية وفرادة بين الكائنات ودهاء في تسخير كل شيء لمصلحته… في البعد العلماني – الالحادي، جمعت البشرية كل ميراثها الإلهي وذهبت بعيداً في الطب وما تبعه من استغلال فاضح لشركات الدواء مرض الإنسان وتجارة الاعضاء البشرية والتلاعب بالجينات وخريطة الحياة… في الاقتصاد وماتبعه من إستغلال الإنسان لأخيه الانسان، الذي ولّد الفقر والحرمان وتمركز المداخيل والثروات واتساع الهوة والتفاوت الكبير بين الطبقات والاعراق والثقافات والدول… في العلم، قتل الإنسان الله ظنّا منه أنه سبب بؤسه وصنع له آلهة أخرى تنتصر لغرائزه وشهواته وشراهته، حتى بدد كل ما يملكه في حياة الطيش!!! في البعد النفسي، تفاخر الإنسان كثيرا بإنجازاته، وصل إلى الكواكب والنجوم والى أعماق الارض، استغل الارض والبحر والهواء وكل الموارد الطبيعية لإشباع جوعه ولم يشبع، تنكر لأصله وجوهره، ردّ الخلق الى الصدفة والإنسان إلى القرد والله الى الاساطير فشعر بالاكتفاء والكبرياء، ووقعت الكارثة الكبرى. في تلك البلاد البعيدة وقعت المجاعة الشديدة، أحسّ الإنسان بالعوز فاستنجد بإنسانٍ من تلك البلاد، غريب عن الإنسانية وأخلاقها وأحلامها وقدسيتها، فأرسله الى حيث القذارة والتفاهة والبؤس… إلى الخنازير وما تمثله من كفر وإلحاد ودنس فكري وأخلاقي فكانت المجاعات والأزمات والحروب والأوبئة وانهيار الحضارة الزائفة!!! أما الابن الاكبر فيمثل من ظنوا أنهم لله، القابضون على شريعته، المتكلمون باسمه، والحاكمون باسمه، الذين يعيشون في بيته ويأكلون خيراته، أما قلوبهم ففي مكان آخر… يقفون خارجاً لا يدخلون ويمنعون غيرهم من الدخول… يحكمون ويدينون من ساواهم في البشرية ومن هو سيد الموت والحياة!!! أتت الساعة التي شعر الانسان فيها بالهلاك، جرّاء انتشار فيروس صغير قاتل ساوى العالم الأول بالعالم الثالث والرابع والعاشر، ساوى الأغنياء بالفقراء، والعلماء بالجهال… بدت الجامعات والمعاهد والمستشفيات ومراكز الأبحاث عاجزة عن احتوائه… لم يجد الإنسان وسيلة لحماية نفسه سوى العزل والحجر والابتعاد عن كل ما لمسته يديه!!! أغلقت الاسواق، تهاوت البورصة، فرغت المطارات ومحطات القطار والمرافىء… أغلقت المدارس والجامعات ودور الحضانة… أغلقت الحضارة أبوابها وأعلنت حالة الطوارئ!!!! أعلن الابن الأصغر حالة الطوارئ القصوى وعاد إلى ذاته فاكتشف فداحة ما فعل في ابتعاده عن والده، ساعتئذ قرر العودة إلى والده… إلى بيته… إلى أصله. هل نستغل مأساتنا ونعود إلى الله؟! هل نستفيد من الحجر المنزلي للعودة إلى الذات وفحص الضمير، ليكون زمن توبة وبركة وبداية جديدة… هل نسمع بعد قليل صوت الرب يقول للابن الاكبر:”يَنْبَغِي أَنْ نَتَنَعَّمَ وَنَفْرَح، لأَنَّ أَخَاكَ هذَا كانَ مَيْتًا فَعَاش، وَضَائِعًا فَوُجِد” |
|