ما معنى كلمة مخلصي؟
... وتبتهج روحي بالله مُخلِّصي ( لو 1: 47 )
إنه لأمر عظيم أن تقول: ”مُخلِّصي“. إن كثيرين يستطيعون أن يتكلموا عن المسيح، وكثيرون يلقون عنه العظات الطويلة وفي أسلوب بليغ ولسان فصيح، وكثيرون يرددون قصة حياته، وآلامه، وموته، ويتحدثون عن جمال صفاته وعن الخلاص العجيب الذي أكمله على الصليب، ومع ذلك لا يستطيع الفرد منهم أن يقول: ”مُخلِّصي“.
إن هذه المعلومات لا فائدة منها على الإطلاق ما دام الشخص لم يحصل على الخلاص ولا يستطيع القول: ”مُخلِّصي“.
لقد رأيت صورة ولدين فقيرين كانا يستجديان وقد وقفا على الرصيف قُبالة أحد المناظر الجميلة، ونظرا في إحدى النوافذ، فوجدا الأسرة مجتمعة حول مائدة عليها جميع الأطعمة الشهية، وكان الوقت شتاءً والبرد قارسًا والثلج يتساقط بغزارة، رأى هذان الولدان كل هذا، وهما يستطيعان أن يصفا هذا المنزل جيدًا، وأن يتحدثا عما يحتويه من جمال وبهاء، وعن المائدة العظيمة، والأسرة تُحيط بها متمتعة بكل ما تحتويه من مأكولات لذيذة، وبينما هما يتحدثان حديثًا طويلاً، تهب عليهما العاصفة فيرتعشان إذ لا يوجد لهما ما يحميهما من البرد اللاذع سوى أثمالهما البالية الممزقة. ويشتد بهما الجوع ويعض فيهما بأنيابه القاسية فلا يجدان شيئًا لسد رمقهما. كذلك تمامًا هذا الذي يعرف عن المسيح الشيء الكثير بواسطة القراءة عنه أو السمع به، ولا يقدر أن يخصصه لنفسه، أو يقول جادًا: ”مُخلِّصي“؛ أي ”مُخلِّصي الشخصي“.
مثل هذا الشخص قد يرى الفرح الذي يتمتع به المؤمنون الذين قبلوا المسيح مخلِّصًا شخصيًا لهم، والسلام الذي يملأ قلوبهم وسط التجارب، بينما هو لا يزال واقفًا وسط العواصف الباردة العاتية يتلوى من زمهرير شتاء هذا العالم، جائع القلب خاوي النفس تمامًا، لا يجد شبعًا لقلبه ولا يشعر بهدوء في نفسه ولا راحة في حياته، فلا تفيده تلك المعلومات المستفيضة التي حصل عليها عن شخص الرب، ولا تنفعه قدرته على التحدث عنه في بلاغة وإسهاب.
إنه لم يصل إلى الحالة التي يستطيع أن يقول: ”مُخلِّصي“، ولن يصل إلى هذا إلا بعد أن يسلِّم نفسه للرب متخذًا إياه مخلصًا شخصيًا له، وحينئذٍ يلمع وجهه وتطيب نفسه، ويجد في الرب العطية التي لا يُعبَّر عنها، ثم يتمتع بامتياز الشركة معه هنا، والميراث معه في بيت الآب حيث يتمتع بملء الحياة الأبدية السعيدة.