رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
القديس البار فيتاليوس 11 كانون الثاني غربي (24 كانون الثاني شرقي) عاش فيتاليوس أولاً في دير الراهب سريدون. ومن ثم ذهب إلى الإسكندرية ومارس حياة تعرّض من خلالها لاتهامات الناس، لكنها كانت بالنسبة إليه، كما شهدت نهايته – سبباً لغناه بالمواهب الإلهية. كان عمر هذا الشيخ، لما دخل المدينة، قد بلغ الستين سنة. وكان عمله الرسمي إحصاء الزواني المحترفات في المدينة. وكان يتقاضى لقاء هذا العمل راتباً قدره عشرة مثاقيل في اليوم. يشتري بمثقال ترمساً ويأكله بعد غروب الشمس، ويذهب كل ليلة ويوزّع الباقي على الزواني ويعطي لكل منهنّ مثقالاً واحداً قائلاً لها: "خذي هذا المثقال واحفظي نفسك نقية هذه الليلة". وكان بعد ذلك يقضي الليل كله في إحدى زوايا ذلك المكان راكعاً يصلي رافع اليدين نحو الله ولسانه يهذّ بالمزامير حتى طلوع الفجر. وقبل أن يفارق ذلك المكان، كان يقسم عليها ألا تخبر أحداً بالأمر على الإطلاق. لكن إحدى الزواني لم تكترث لقسمه، فتجرأت على محاولة كشف سرّه. فدخل الشيطان فيها حالاً بفعل صلواته، بغية الحفاظ على كتمان السرّ وتحذير الزواني الباقيات من كشف سيرته للناس، لأن رغبته الوحيدة إنما كانت خلاص النفوس لا غير. والذين كانوا يرشقونه بالتهم كان يصلي من أجلهم لكي يغفر الله لهم خطيئتهم. إن عمل هذا الشيخ أضحى سبباً لخلاص كثيرين. لأن النساء الزواني، لما شاهدن سهره طوال الليل، وسمعن التسابيح تصعد من فاه، وتحقّقن من أن صلاته الدائمة كانت ترمي إلى تغيير حياتهم وخلاصهن، ابتعدن عن فعلهنّ القبيح وسلكن طريق العفّة. فمنهن من تزوّجن زواجاً شرعياً ومنهنّ من بقين بدون زواج مبتعدات عن الأفعال السيئة الأولى، ومنهن من زهدن في العالم زهداً تاماً واخترن الحياة الرهبانية. وهكذا قضى هذا البار حياته المرضية لله في الخفاء، دون أن يعلم به أحد. وفي احد الأيام بينما كان خارجاً من ذلك المكان، لقيه شاب فاسق كان داخلاً إلى هناك بغية فعل الخطيئة. فاستوقفه مظهراً استياءه منه، ورفع يده عليه وضربه ضربة قوية على عنقه قائلاً له: "إلى متى ستظل ممارساً هذا الفعل القبيح، يا متاجراً بالمسيح؟" فأجابه الشيخ: "آه يا ذليل، ستلقاك ضربة مؤلمة تجعل مدينة الإسكندرية من جرى صراخك تلتفت حولك بأسرها:. وبعد مرور زمن طويل، انتقل الرجل الشريف فيتاليوس إلى الرب، فيما كان ساكناً في منطقة إيليوبوليس في قلاية صغيرة بناها هو نفسه بجانب بيت صغير قد وهبه إياه سكان ذلك الجوار. وكان يقيم فيه الاجتماعات الدينية باستمرار. إن انتقاله لم يدر به أحد لو لم يحضر فجأة على ذلك الشاب الفاسق عبد أسود ويصفعه صفعة قوية على خدّه خرج صداها إلى بعيد قائلاً: "خذ هذه الصفعة التي أرسلها لك الراهب فيتاليوس، كما قال لك سابقاً، مما جعل الشيطان على أثرها يدخل فيه ويطرحه أرضاً ويتمرّغ على الحضيض. وما هي إلا لحظات حتى تجمّع حوله سكان الإسكندرية كلها. كما تنبأ البار فيتاليوس. ولم يلبث طويلاً على حالته هذه حتى عاد إلى وعيه وباشر بتمزيق ثيابه مهرولاً نحو قلاية القديس وصارخاً من أعماق قلبه: "ارحمني يا عبد الله فيتاليوس، لقد أخطأت كثيراً أمام الله وأمامك". ولما بلغ قلاية الشيخ عاد الشيطان إليه وصرعه ثانية وتركه طريح الأرض. فلما شاهد الحاضرون ذلك دخلوا إلى داخل القلاية فرأوا البار راكعاً يصلي وقد استودع نفسه بين يدي خالقه. فانحنوا إلى الأرض فشاهدوا عليها كتابة هذا نصها: "أيها الرجال الإسكندريون، لا تحكموا في شيء قبل الأوان حتى مجيء الربّ". أما الرجل الذي صرعه الشيطان، فأخذ يعترف أمام الحاضرين بكل ما أساء به إلى البار، معلناً لهم أن كل ما جرى له الآن وتحقّق فيه، تنبأ به البار سابقاً. فذهبوا للحال وأعلموا البطريرك بما حدث. فجاء مع جميع رجال الإكليروس ليشاهدوا ما حصل. ولما بلغ قلاية البار وقرأ الكتابة التي على الأرض قال للحاضرين: "إنني لو أصغيت إلى أقوال متهمي هذا الرجل البار لتلقيت أنا اللطمة على خدي". وأما رهط النسوة الزانيات سابقاً، فلما علمن بالأمر وافين إلى قلايته والتففن حول جسده حاملات طيوباً وشموعاً ليطيّبنه، باكيات لفقد تعزيتهنّ وما كنّ يتلقين من العلوم، ومخبرات الحاضرين بسيرته الفاضلة. ومؤكدات لهم نزاهته بقولهن إنه لم يكن يدخل عليهن للاتكاء بجانب واحدة منهنّ أو لوضع يده عليها بغية فعل الشر. وليس هذا فحسب بل ما كان ينظر إليهنّ حتى بعينيه نظرة دنسة. ولقد جعلت هذه المعلومات بعض الحاضرين يخطّئ النسوة لصمتهنّ الذي أدّى بالناس إلى الشك بالرجل البار وإلى اتهامه باطلاً. أما هنّ فأجبن: لقد أوصانا البار بقسم ألا نخبر أحداً بهذا الأمر بتاتاً. وعندما حاولت واحدة منا البوح بهذا السر. دخل الشيطان فيها للحال وأذاقها أمرّ العذابات. أما الرجل الذي كان قد دخل فيه الشيطان بسبب ضربه البار، فقد مكث، بعدما أصبح معافى، عند ضريح القديس الذي أضحى فيما بعد ينبوع مواهب كثيرة. ولم يبرحه مرتلاً المزامير ومقيماً له التذكارات السنوية على حسب مألوف العادة. ولم يمض عليه زمن طويل حتى رُسِم راهباً في دير الأب سيريدون، وسكن في قلاية البار فيتاليوس لوفرة إكرامه له. وقضى بقية حياته فيها |
|