زوسيما الشيخ
أما بعد فقط كان هناك شيخ في أحد ديورة فلسطين، كاهناً تقي السيرة مملح النطق، نشأ، منذ الطفولية، على طرق الرهبانية وعاداتها، اسمه كان زوسيما. هذا سلك بغيره وأمانة فذاع صيته وأخذ الناس يردون إليه من الأديرة ومن البعيد. لم يتوقف البتة عن دراسة الكتاب المقدس وكان دائم التسبيح منكبّاً على ممارسة الأقوال الإلهية. يُنقل عنه أنه دُفع إلى الدير رضيعاً فتمرس في النسك إلى أن بلغ الثالثة والخمسين من العمر. إثر ذلك قضّه فكر ألح عليه أنه بات كاملاً في كل شيء ولم يعد حاجة إلى المزيد من الإرشاد. كان يتساءل "أترى ثمة في الأرض من ينفعني ويكشف لي نسكاً لم آته؟ أهناك، في البرية من يفوقني؟
فجأة حضره ملاك الرب وقال له: "يا زوسيما، ببسالة جاهدت، في حدود طاقة الناس، وببسالة نسكت. ولكن، ليس إنسان بلغ الكمال. بازائك تنبسط جهادات مخفية أعظم من التي خضت فيها. فلكي تعلم أن ثمة طرقاً شتى تنفذ إلى الخلاص أقول لك اترك أرضك كما ترك إبراهيم، أب الآباء، أرضه وهيّا إلى الدير الواقع بمحاذاة نهر الأردن".