رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الطريق الي الملكوت ـ القديس مكاريوس الكبير يا اولادي الاحباء, عظيم هو مجد القديسين, فينبغي ان نفحص عن تدبيرهم الذي نالوا بواسطته هذا المجد, وبأي عمل وبأي طريق وصلوا اليه, وقد علمنا انهم لم يشتروه بغني هذا العالم, ولا حصلوا عليه بصناعة ما او بتجارة ما, ولا اقتنوه بشئ مما يملكون, اذ انهم تمسكنوا وتغربوا عن هذا العالم وجالوا جياعا فقراء, فعلي ما أراه أجد انهم نالوا ذلك المجد العظيم بتسليمهم ذواتهم وتدبيرهم امورهم ونياتهم لله, فأخذوا اكليل المجد السمائي, فما الذي كان لهم وليس هو لنا ؟ سوي أنهم تركوا أهويتهم كلها من أجل الرب وتبعوه حاملين الصليب, ولم يفصلهم شئ آخر عن محبته تعالي, لأنهم لم يحبوه أكثر من الأولاد فقط مثل ابراهيم, بل وأكثر من ذواتهم أيضا كما يقول بولس الرسول ان لاشئ يستطع ان يفصله عن حب الله (رو 8: 35). فالآن ايها الاحباء جاهدوا واصبروا الي الموت كالقديسين لتصيروا مسكنا لله, ان احببتم بعضكم بعضا فان الله يسكن فيكم وان كان في قلوبكم شر فلن يسكن الله فيكم, احذروا الوقيعة لئلا تصيروا كالحية اواني للشيطان, احفظوا اسماعكم من كلام النميمة فتكون قلوبكم نقية, واهربوا من كل ما ينجس القلب, اكرموا بعضكم بعضا ليكون السلام والمحبة بينكم, فقد كُتب: “لاَ تَغْرُبِ الشَّمْسُ عَلَى غَيْظِكُمْ”(اف 4: 26) , قبلوا بعضكم بعضا بقبلة السلام, وذلك ليخزي عدو السلام ويفرح اله السلام وتكونون له بنين, لأنه قال ان فاعلي السلام “أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ” (مت 5: 9), صلوا بالروح دائما كما أمر الرسول (1 كو 14: 15), اتضعوا لاخوتكم, اخدموهم حسب قوتكم لاجل المسيح لتنالوا منه الجزاء فقد قال له المجد: ما تصنعون بهم “فَبِي فَعَلْتُمْ” (مت 25: 40). ان كل اعمالنا نجدها ساعة مفارقة انفسنا لاجسادنا, فقد كُتب ان “اللهَ لَيْسَ بِظَالِمٍ حَتَّى يَنْسَى عَمَلَكُمْ وَتَعَبَ الْمَحَبَّةِ الَّتِي أَظْهَرْتُمُوهَا نَحْوَ اسْمِهِ، إِذْ قَدْ خَدَمْتُمُ الْقِدِّيسِينَ وَتَخْدِمُونَهُمْ” (عب 6: 10), ليكن تعب احسادكم هواكم ومشتهاكم ومحبوبا لديكم, ولا تستسلموا للانحلال والكسل فتندموا يوم القيامة, بينما يلبس اكاليل المجد اولئك الذين قد اتعبوا اجسادهم وتوجدون انتم عراة بخزي امام منبر المسيح بمحضر الملائكة والناس جميعا, لا تنعموا اجسادكم في هذا الزمن اليسير بالطعام والشراب والنوم لئلا تعدمون الخيرات الدائمة التي لا توصف, فمن ذا الذي تكلل قط دون جهاد ؟ ومن استغني بدون عمل ؟ ومن ربح ولم يتعب أولا ؟ أي بطال جمع مالا ؟ أو أي عاطل لا تنفذ ثروته ؟ انه بأحزان كثيرة ندخل ملكوت السموات. فليحرص كل منكم علي قبول الأتعاب بفرح عالما أن من ورائها كل غني وكل راحة, اما الذي لا يستطيع ان يحتمل الأتعاب لضعف أو امراض, فليمجد اولئك الذين يتعبون ويغبطهم كما يفرح معهم في خيراتهم. لا تقبلوا في فكركم ولا تصفوا في كلامكم اي انسان انه شرير, لان بطرس الرسول يقول “قَدْ أَرَانِي اللهُ أَنْ لاَ أَقُولَ عَنْ إِنْسَانٍ مَا إِنَّهُ دَنِسٌ أَوْ نَجِسٌ” (اع 10: 28), فالقلب النقي ينظر كل الناس أنقياء, فقد كُتب ان “كُلُّ شَيْءٍ طَاهِرٌ لِلطَّاهِرِينَ” (تي 1: 15) والقلب النجس ينجس كل أحد, لأن كل شئ للأعمي ظلام, هوذا الرب قد حلنا من عبودية الشيطان, فلا نعود نربط انفسنا او نستعبدها بسوء رأينا, احفظوا ما كلمتكم به ليكون لأنفسكم منه دواء وصحة, ولا تجعلوه شاهدا عليكم, لأنه سيأتي وقت فيه تطالبون بالجواب عن كلامي هذا. تمسكوا بالتوبة واحذروا للا تصطادون بفخ الغفلة, لا تتهاونوا لئلا تكون الطلبة من أجلكم باطلة, داوموا علي التوبة مادام يوجد وقت, فانكم لا تعرفون وقت خروجكم من هذا العالم, لنعمل مادام لنا زمان لنجد عزاء في وقت الشدة, فمن لم يعمل ويتعب في حقله في أوان الشتاء لن يجد في الصيف غلة يملأ بها مخازنه ليقتات بها, فليحرص كل واحد علي قدر طااقته, فان لم يمكنه ان يربح الخمس وزنات فليجاهد كي يربح اثنتين, اما العبد الكسلان الذي لا يعمل ولا يربح فمصيره العذاب, طوبي لمن يجاهد بكل قوته فان ساعة واحدة في نياحته تنسيه جميع أتعابه. فويل وويل لمن تغافل وكسل لأنه سيندم حيث لا ينفع الندم. لا تكملوا شهوات الجسد لئلا تحرمون من خيرات الروح, فان الرسول قد كتب: “أَنَّ اهْتِمَامَ الْجَسَدِ هُوَ مَوْتٌ، وَلكِنَّ اهْتِمَامَ الرُّوحِ هُوَ حَيَاةٌ” (رو 8: 6) افرحوا بكمال اخوتكم, وضعوا نفوسكم لهم, وتشبهوا بهم, واحزنوا علي نقصكم, اصبروا للتجارب التي تأتي عليكم من العدو, واثبتوا في قتاله ومقاومته, فان الله يعينكم ويهبكم اكاليل النصرة, فقد كُتب “طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي يَحْتَمِلُ التَّجْرِبَةَ، لأَنَّهُ إِذَا تَزَكَّى يَنَالُ «إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ»” (يع 1: 12), لا غلبة بدون قتال, ولا اكليل بدون غلبة, اصبروا اذن فقد سمعت قول الرب لأحبائه: “أَنْتُمُ الَّذِينَ ثَبَتُوا مَعِي فِي تَجَارِبِي، وَأَنَا أَجْعَلُ لَكُمْ كَمَا جَعَلَ لِي أَبِي مَلَكُوتًا” (لو 22: 28-29) وقوله ايضا ان “الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهذَا يَخْلُصُ” (مت 10: 22), وقد قدم لنا نفسه مثالا كيف نصبر الي المنتهي, ففي الوقت الذي كان فيه يسب ويعير ويهان من اليهود نراه يتراءف عليهم ويحسن اليهم فكان يشفي امراضهم ويعلمهم وقبل الآلام بجسده وصبر حتي الصلب والموت, ثم قام بالمجد وصعد الي السماء وجلس عن يمين الله. اشكروا الرب في تعبكم, من اجل الرجاء الموضوع امامكم اصبروا في البلايا لتنالوا أكاليل المجاهدين, اغفروا لبعضكم بعضا لتنالوا الغفران, فقد قال الرب: “اِغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ” (لو 6: 37), داوموا علي حفظ هذه الوصية فان ربحها عظيم ولا تعب فيها, كونوا ابناء السلام ليحيل سلام الرب عليكم, كونوا ابناء المحبة لترضوا محب البشر, كونوا بني الطاعة لتنجوا من المحتال, ان اول العصيان كان من آدم ابينا في الفردوس بسبب شهوة الطعام, وأول الجهاد من سيدنا المسيح كان في البرية في الصيام, وتعلمنا من التجربة ان الراحة والطعام هما اسباب الضلال, والصوم هو سبب الغلبة والنصرة, فصوموا مع المخلص لتتمجدوا معه وتغلبوا الشيطان, والصيام بدون صلاة واتضاع يشبه نسر مكسور الجناحين. احتفظوا بحرصكم ولا تهربوا من اتعابكم, فان الطوبي لمن لازم التوبة حتي يمضي الي الرب, لازموا السهر وقراءة الكتب, وثابروا علي الصلاة, واسرعوا الي الكنيسة, ونقوا قلوبكم من كل دنس لتستحقوا التناول من جسد المسيح ودمه الأقدسين فيثبت الرب فيكم, فبهذا السر العظيم تُحفظون من الأعداء, فمن يتهاون بهذا السر فان قوات الظلمة تقوي عليه فيبتعد عن الحياة بهواه, فلنتقدم الي الأسرار المقدسة بخوف وشوق وايمان تام, ليبعد عنا خوف الأعداء, بقوة ربنا يسوع المسيح الذي له المجد الي الأبد , آمين. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ |
|