47. وعندما توقف الاضطهاد أخيراً، وحمل المغبوط الأسقف بطرس[96] شهادته، انصرف أنطونيوس، واعتزل ثانية في صومعته، وبقي هنالك. وكان كل يوم شهيدا أمام ضميره مناضلاً في جهاد الإيمان وصار نسكه أشد صرامة لأنه كان دائم الصوم، يلبس لباسا من الشعر في الداخل، أما اللباس الخارجي فكان من الجلد، وهكذا احتفظ به إلى نهاية حياته، وكان لا يستحم بالماء ليتخلص من القذارة، ولا يغسل قدميه، بل كان لا يطيق أن يضعها في الماء، إلا عند الضرورة. ولم يره أحد غير لابس ثيابه، ولا رؤى جسده عرياناً إلا بعد موته، عند دفنه.
48. لذلك فعندما اعتزل أنطونيوس، اعتزم أن يحدد وقتا لا يخرج بعده ولا يقبل أي شخص أتاه مرتنيان ـ ضابط حربي ـ وأقلق راحته، لأنه كانت له ابنة معذبة بروح شرير. وإذ ظل يقرع الباب طويلا، وطلب منه أن يخرج ويصلى إلى الله من أجل ابنته، ولم يحتمل أنطونيوس أن يفتح، بل تطلع إليه من أعلي وقال: "يا إنسان لماذا تناديني ؟ أنا أيضا إنسان مثلك. ولكن إذا آمنت بالمسيح الذي أعبده فاذهب وحسب إيمانك لله فيكون لك". وللحال انصرف مؤمنا وداعيا المسيح، فخرج إبليس من ابنته. وأشياء كثيرة أخري عن طريق أنطونيوس عملها الرب الذي قال "اسألوا تعطوا"[97]، لأن الكثيرين من المتألمين كانوا ينامون خارج صومعته عندما كان يرفض فتح بابه، فشفوا بإيمانهم وصلواتهم الصادقة.