معنى التشبه بالصبية الجالسين في الساحة العامة من أمثال من الكتاب المقدس
التشبيه بالصِبْيَة الجالسين في الساحة العامَّة
نصُّ الإنجيل
قالَ يسوع : " بِمَنْ أُشبِّهُ رِجالَ هذا الجيل ؟ ومَنْ يُشبِهون ؟ يُشبِهونَ صِبْيَةً جالسينَ في الساحةِ العامَّة , يصيحُ بعضُهُم ببعضٍ ويقولون : " زمَّرنا لكُمْ فلَم ترقُصُوا . ندَبْنا لكُم فلَم تَبكوا ."
جاءَ يوحنَّا المَعمدان لا يأْكُلُ خُبزاً ولا يشرَبُ خمراً , فقلتُم : " إِنَّ بِهِ شيطاناً ." وجاءَ ابنُ الإِنسانِ يأْكُلُ ويشرَبُ , فقلتُم : " هوذا إِنسانٌ أَكُولٌ , شِرِّيبٌ للخمر , صَديقٌ للعشَّارينَ والخَطأَة ." ولكنَّ الحكمةَ قد برَّرها جميعُ بَنيها ." ( لوقا 7/31-35 )
الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا التشبيه
إنَّ الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا التشبيه هي أنَّ في الكنيسة بعض المسيحيين المتكبِّرين الذين يعتبرون أنفسهم – على مثال رؤساء اليهود المتكبِّرين- أتقى الناس وأقدسَهم, فيصدرون الأحكام القاسية على إخوانهم المسيحيين.
إنَّ الله لا يبالي بأحكامهم, بل يُعرض عنهم وينبذهم, ويساند المؤمنين الأتقياء الذين يقبلون نعمة الله بتواضعٍ ويعيشون عيشة التوبة. فتظهر حكمة الله التي تؤازرهم أنَّها حكمةٌ صائبة وعادلة. وإليكم إيضاح هذه الفكرة.
إيمان الشعب وتوبة الخطأة
1- أخذ يوحنَّا المعمدان يعظ الناس ويدعوهم إلى التوبة وقبول المعموديَّة في نهر الأردن, وإلى الاستعداد لمجيء المسيح المخلِّص. وكانت أقواله متأَجِّجَةً كالنار الملتهبة. فسمع الشعب صوته, ورأوا فيه حماسة إيليَّا النَّبي وتقواه, فآمنوا بكلامه, وتابوا إلى الله, وقَبِلوا المعموديَّة, وخضعوا لإرادته تعالى وتدبيره الإلهي لأجل خلاصهم الأبدي.
2- وشاهد الخطأةُ قداسةَ يسوع, واطَّلعوا على فضائله ورأوا سعيه إلى هدايتهم, وعرفوا أنَّه لم يكن يأكل ويشرب معهم إلاَّ ليحدِّثَهم عن الله, وعن ضرورة التوبة, وعن جمال الحياة الفاضلة, فتابوا إلى الله وندموا على خطاياهم وأصلحوا سلوكهم, وساروا سيرةً حسنة, وقاموا بالأعمال الصالحة.
عِناد رؤساء اليهود وكبرياؤهم
1- ورأى رؤساء اليهود يوحنَّا المعمدان يعيش عيشة الصوم المتواصل والتقشُّف الشديد. فقالوا: " إِنَّ بِهِ شيطاناً. " لقد ادَّعوا أنَّ الشيطان يُقوِّي جسمه الهزيل ويتَّخذه وسيلةً ليخدع الناس ويمنعهم من القيام بالعبادات التي يفرضها الله عليهم في الهيكل, فلم يؤمنوا به ولم يتوبوا ولم يعتمدوا منه في نهر الأردن.
2- ورأوا يسوع أيضاً, وهو يأكل ويشرب كسائر الناس, فاتَّهموه بأنَّه يختلط بالخطأة وبالجُباة السارقين, ويجلس معهم إلى مائدة الطعام والشراب, ويستسلم إلى الشراهة على مثالهم. فلم يؤمنوا به ولم يتوبوا.
3- لقد اتَّصف موقفهم بالعناد والكبرياء وعدم تبصّر الأمور بحكمة, فرفضوا رفضاً قاطعاً الإيمان بيوحنَّا المعمدان وبيسوع المسيح, وألصقوا بكلَيْهما تُهمة الخطيئة وعدم المحافظة على الشريعة الموسويَّة, فتشبَّهوا بالصِبية العنيدين الجالسين في الساحة العامَّة الذين يرفضون الرقص في زمن الفرح, والبكاء في زمن الحُزن.
حكمة الله الصائبة والعادلة
لقد تطلَّع الله بحكمته الإلهيَّة من علوِّ السماء إلى كبرياء رؤساء اليهود المُعاندين, وإلى تواضع الخطأة التائبين. فنبذ الرؤساء وشجب عِنادَهُم, وحطَّهم عن كراسيهم, وكسر شموخهم. وبخلاف ذلك عطف على الخطأة التائبين وقَبِلَ ندامتهم, ورفعهم إلى درجة أبناء الله. فظهرت حكمة الله للجميع أنَّها حكمة صائبة وعادلة:
" إنَّ حكمةَ اللهِ قد برَّرها جميعُ بنيها ." ( لوقا 7/35 )
موقف بعض المسيحيين المتكبِّرين
1- يقف بعض المسيحيين المتكبِّرين اليومَ من الكنيسة ومن أبنائها الأوفياء موقفَ الرفض والانتقاد المرّ, كما وقف رؤساء اليهود من يوحنَّا المعمدان ومن يسوع مخلِّص العالم موقفَ الرفض والانتقاد.
إنَّهم يتطلَّعون إلى رعاة الكنائس من الأساقفة والكهنة فيصفونهم بأنَّهم من فئة الذين قد استسلموا إلى الخمول وعدم الإنتاج المُفيد. ويتطلَّعون إلى الخطباء فيتَّهمونهم بأنَّ نفوسهم قد امتلأت بالكبرياء والرغبة في السيطرة على الآخرين.
ويراقبون إخوانهم المسيحيين العلمانيين الأتقياء فينعتونهم بأنَّهم أصحابُ نفوسٍ ضعيفة, لا تعرف الجرأة ولا الإقدام على القيام بالمشاريع الإنسانيَّة.
2- إنَّ حكمة الله التي اختارت رُعاة الكنائس والخطباء والوعَّاظ والمُرسَلين والمؤمنين العلمانيين الأتقياء ليكونوا نور العالم وهداية الضالِّين, تنبذ موقف هؤلاء المسيحيين المتكبِّرين, وترفض أحكامهم الخاطئة, وتساند سلوك المسيحيين الفاضلين بالنعم الإلهيَّة, ليواصلوا سيرهم في طريق الخير والصلاح. وبهذه المساندة الفعَّالة تظهر حكمة الله لأبنائها البررة أنَّها حكمة صائبة وعادلة.
3- فعلى المسيحيين الأتقياء أن ينظروا إلى ما عاناه قَبْلَهم يوحنَّا المعمدان ويسوع نفسُهُ من نقد رؤساء اليهود, ويواصلوا أعمالهم البارَّة غير عابئين بانتقادات المسيحيين المتكبِّرين, مستندين إلى مؤازرة حكمة الله التي لا تخيِّب رجاءهم أبداً.
التطبيق العملي
1- لا تُبالِ بالانتقادات المُرَّة التي يوجِّهُها إليك أصحاب النفوس الفاترة المشحونة بالكبرياء, بل تابعْ نشاطك الديني متوكِّلاً على نعمة الله, وشاطِرْ إخوانك في أفراحهم وأحزانهم وآمالهم فتنعم برضى حكمة الله الصائبة والعادلة.
2- ولا تتشبَّهْ بالمسيحيين المتكبِّرين الذين يعتبرون أنفسهم أتقى الناس وأقربهم إلى الله, فينتقدون إخوانهم المسيحيين انتقاداً مُرَّاً، وما انتقادهم إلاَّ مظهر من مظاهر كبريائهم وحسدهم ورغبتهم في تدمير نفوس مَنْ يسلكون السلوك القويم.