رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الوصول إلى الله كيف نبــــــدأ المسيرة وندخل في الطريق أولاً: البداية المشروعة حسب الترتيب الإلهي أولاً ينبغي علينا أن نعلم أن الوصول إلى الله لا يأتي تحت مبدأ فلسفي، ولا حسب ظنون الإنسان وفكره السامي، لأن الطريق لا بُدَّ أن يحدده الله بنفسه لكي نصل إليه، ولا ينبغي أن نُصدق إنسان – مهما ما كان وضعه أو مكانته حتى لو كان قديس عظيم – يضع لنا مبدأ أو طريقة محدده من عنده (على شكل بنود أو شروط مهما ما كان سموها أو فكرتها عميقة) لكي يُرينا الطريق ويُرشدنا كيف نسير فيه، لأن الطريق إلهي بالدرجة الأولى وهو وحده فقط الذي له السلطان أن يُرينا الطريق ويكشف لنا عن طريقة السير فيه، لأن بدون إرشاد وتوجيه شخص المسيح الرب بروحه القدوس سنضل حتماً ونتوه ولن نعرف الطريق أبداً مهما ما قرأنا وعرفنا. فلقد أظهر لنا الإنجيل الخطوات الصحيحة والسليمة التي ينبغي أن نتخذها ونسلك فيها لكي نبدأ المسير في الطريق وندخل فيه دخولاً صحيحاً شرعياً، ففي البداية قبل ظهور مخلصنا الصالح نجد يوحنا المعمدان – حسب اختيار الله وتدبيره – يكرز في برية اليهودية قائلاً: [توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات]. فأن هذا هو الذي قيل عنه بإشعياء النبي القائل: [صوت صارخ في البرية أعدوا طريق الرب، أصنعوا سبله مستقيمة[1]]. فالكلام هنا ليس كلاماً عادياً، بل هو يعتبر شرحاً عملياً على مستوى الواقع لبداية المسيرة الصحيحة في الطريق الإلهي، فإعداد طريق الرب لا يأتي إلا بالتوبة أولاً، لأنها دليل صادق على جدية طلب الرب باستقامة القلب، وذلك لكي يأتي إليه ويتعامل معه مثلما حدث لأهل نينوى، فهم أطاعوا صوت توبوا فلم يهلكوا: [أن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون[2]] وعلينا أن نلاحظ (بانتباه عظيم وبكل دقة) ما حدث في نينوى، لكي نفهم المعنى الصحيح للتوبة هنا، لأنه مكتوب قبل حدوث مظاهر التوبة من جهة الصوم: فآمن أهل نينوى بالله[3]. لذلك علينا أن نعلم – بيقين – أن التوبة لا تأتي إلا بالإيمان – أولاً – بالله، لأنه كيف تتم توبة بلا إيمان صادق حقيقي، فنداء القديس يوحنا المعمدان واضح فيه الإشارة الواضحة إلى الإيمان، بالرغم من أنها مستترة في الكلام، لأن التوبة هنا مُسببة، (النداء) توبوا لأنه (أي بسبب أنه) قد اقترب ملكوت السماوات، فهذا هو سبب التوبة ليحدث إعداد سليم، صحيح، لطريق الرب، لأن لو لم يؤمنوا أن ملكوت الله اقترب كيف يتقدموا للتوبة ويعتمدوا من يوحنا!!، فلو لم يصدقوا كرازته باقتراب ملكوت الله وآمنوا فلماذا إذاً اعتمدوا معمودية التوبة!، فالتوبة يسبقها الإيمان بالضرورة. فالإنسان لكي يبدأ المسيرة الحقيقية في الطريق المستقيم ويستقبل ملكوت الله لا بُدَّ (حتماً ومن الضروري واللازم) أن يُهيأ قلبه بالتوبة (μετανοέω)، والتوبة هنا تُفيد أولاً معرفة التشويه الحاصل الذي أصاب النفس بعلل وأمراض كثيرة تسببت في شلل طاقتها الروحية، وذلك من جراء الخطايا والذنوب التي أدخلتها في حالة خبرة من جهة الإثم الذي ثقل آذانها عن سماع الصوت الإلهي، وعطل مسيرتها الصحيحة نحو الله، وعوَّقها عن حياة التقوى، وأعماها عن أن ترى قوة محبة وخلاص الله وتدبيره الفائق من نحوها، حتى أنها طُرحت على فراش الهوان في منتهى التعب وقسوة المرض المؤدي للتعب الشاق وتحطيم النفس ومن ثمَّ الموت، لأن أن لم نعي بشاعة الخطية وفعلها المُدمر لنفوسنا ونهرب منها ونتوب عنها فوراً بلا أدنى تأخير، فأننا لن نستطيع أن نتحرك نحو الله ولو خطوة واحدة ولو كانت صغيرة جداً، لأن الخطية كالنار الحارقة الملتهبة التي حين تشتعل في المكان تمتد إلى كل ما هو حولها وتأكل كل شيء سواء رخيص أو غالي وثمين، فهي تدمره كُلياً، وفي شدة اشتعالها وامتدادها فهي تُدخن دخان أسود يشوش الرؤيا ويعمي البصيرة ويخنق كل من يقترب ويقتله، فالخطية مثل النار المتقدة السعير المشتعلة في القش، تطرح الكثيرين جرحى ولا تهدأ أو تسكت إلى أن تُتمم عملها بالتدمير الشامل، وتترك – في النهاية – النفس قفراً وخراباً، وربما حتى الأطلال لا يبقى لها أي أثر. فأن لم نعي مشكلة الخطية الحقيقية[4] وقوة دمارها الشامل وسلبيتها المُهلكة للنفوس، فأننا لن نهرب من دائرتها المُميتة إلى الحياة، بل سنمكث فيها ونستهين بعملها، مع أن بسببها طُرد آدم من الحضرة الإلهية، وعاشت البشرية تحت سلطان قسوتها منفصلة عن الله نور النفس وحياتها[5]، لذلك فأن مشكلة الخطية اليوم هو أن الناس حولتها لمجرد مرض نفسي عابر، وذلك لتخلي مسئولية الإنسان، وتُظهر أن كلام الكتاب المقدس عن الخطية[6] مبهم وغير واضح ولا قاطع، وأن الكلام عن التوبة والتخلي عن حياة الخطية كلام نظري وغير حقيقي ولا واقعي، بل فيه قساوة وتثقيل للضمير، فحوَّلت الخطية لمنهجية شرعية طبيعية في حياة الناس، وكأنها شيء طبيعي فيهم ولا بُدَّ من أن لا يخجل أحد منها، وبذلك شددت ضمير الخاطئ وأقنعته أنه لا شفاء، بل عليه أن يقبل نفسه كما هي ويظل في حالة قبول واقع مرضه هذا لأنه لن يتغير. فيا للمصيبة والفضيحة العُظمى التي وقعت تحت ثقلها الإنسانية كلها، يا لعار الخُدام الذين ينشرون هذا الفكر المشوش المضاد لمشيئة الله والمُدمر للنفوس ومُهلكها أبدياً، والذي قضى على إيمان الكثيرين، لأنهم خدروا الضمائر ولغوا التوبة ومعها – طبيعياً – قوة الخلاص الثمين وعمل المسيح الرب لشفاء النفس بروح الحياة الذي فيه، وثبتوا الاستهزاء[7]، مدعمين – بتوافق مع أرواح الشرّ – عدم تصديق أن المسيح الرب طبيب قادر على أن يُشفي ويُغير النفس فعلياً وواقعياً، ويُقدسها بالتمام، ويجعلها في البرّ والقداسة ثابتة، فأصبح الكثيرون يحيون حياة مسيحية مسخ ليس فيها تقوى ولا حياة قداسة ولا يعرفون للبرّ طريق، بل ولا يستطيعوا أن يروا الله وينظروا بهاء مجده ويشبعوا بنوره، بل يحيون جسدانيين لا روح فيهم ولا حياة إلهية ترويهم، فلنقرأ هذه الآيات ونعيها جيداً جداً لنعرف مشكلة هذا الادعاء المخادع والذي أفسد حياة كثيرين: · الله لم يَدْعُنَا للنجاسة بل في القداسة (فَإِنَّ اللهَ دَعَانَا لاَ إِلَى النَّجَاسَةِ بَلْ أن نعيش في الْقَدَاسَةِ)[8] عزيزي القارئ، ابتعد تماماً عن اللغو الحادث لتبرير بعض الخطايا كأنها شيء طبيعي في صميم تكوين الإنسان، لأن هذا كلام شرّ خدَّاع باطل، سيفسد حياتك كلها، بل ويقضي حتى على إنسانيتك، وأعلم يقيناً أنه بدون الوعي بمشكلة الخطية الحقيقية ومعرفة خطورتها، فمن المستحيل أن نبدأ حياة صحيحة وسليمة مع الله من الأساس، بل وعلى الإطلاق، لأن التدبير الإلهي قصد أن يُزيل الحاجز[17] الذي منع الإنسان من رؤيته والجلوس في حضرته، وهو الموت الذي كان نتيجة حتمية للخطية، لأن الرب مات من أجل خطايانا وأُقيم من أجل تبريرنا[18]، فبذلك الوعي وحده تُظهر النفس ندمها وتأسفها على أزمنة الشرّ التي عاشتها في الفساد، وتُدير لها ظهرها، وتبدأ تتوسل (بيقين ثقة الإيمان) لخالقها – بتواضع وانسحاق – أن يرحمها ويُعطيها مسيرة جديدة ماسكاً بيديها ويقودها حسب مسرة مشيئته، مجدداً للذهن، مُصححاً الوضع، ويرد إليها عقلها، حتى تستطيع أن تضع قراراً تلتزم به وهو أن تهرب من الخطية بأي شكل أو صورة وفوراً، لا تتعايش معها، أو تقبلها تحت أي مبدأ أو حجة، ولا حتى تتواجه معها أبداً، لأنها كرهتها وأبغضتها إذ عرفت ظُلمتها وقسوة الموت الذي تحمله في باطنها، فرفضتها بإصرار وبكل ما فيها من قوة، وبذلك فقط يتم تهيئة القلب وتمهيده لزرع ملكوت الله داخلياً. ولكن علينا أن نُدرك أنه إلى الآن، أي عند تتميم هذه الخطوة فهي تعتبر – واقعياً – لم تبدأ المسيرة بعد، ولكن في هذه الخطوة المهمة قد حدث تمهيد ضروري للغاية لكي يُستعلن الله للنفس مُنقذ ومُخلِّص الحياة من الفساد، لأن الفلاح قبل أن يزرع الحقل فأنه يُهيئ الأرض بفأسه أولاً، منتزعاً منها كل ما هو ضار وغير نافع لكي يستطيع أن يزرع زرعه الجديد، لينمو نمواً صحيحاً، ويأتي بالثمر المطلوب في أوانه، لأن بدون هذا التمهيد، فأنه لو تم وضع البذور بعناية فائقة وترتيب مُذهل، فأنها ستنمو إلى حين ثم تختنق وتموت بسبب ما يُحيط بها من اوشاك واعشاب ضارة. لذلك فأن الخطوة الأولية (الضرورية والمهمة) وحدها لا تكفي على الإطلاق، لأنها بداية طريق التوبة، ولا يوجد فيها ثمر، أي أعمال صالحة تتفق مع روح الوصية، ولا قداسة في السيرة حسب قصد الله، وذلك لأنها تعجز تماماً عن أن تصنع برّ الله، فأصبح من الضروري أن نرى مجد الرب وعِظَّمْ خلاصه، لنُقدم توبة من نوع آخر جديد غير توبة تهيئة القلب – بالهروب الكبير من الخطية وأزمنة الجهل – لرؤية بشارة الحياة الجديدة، لأن توبة التمهيد تختلف عن توبة بداية إعلان ملكوت الله وزرعة في القلب، لذلك مكتوب على نحو ترتيب آخر كالتالي، ونبدأها من إنجيل مرقس الرسول لأنه رسخ البداية ونكملها من إنجيل متى: + بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله. كما هو مكتوب في الأنبياء: "ها أنا أُرسل أمام وجهك ملاكي الذي يُهيئ طريقك قدامك. صوت صارخ في البرية أعدوا طريق الرب، اصنعوا سبله مستقيمة"، الشعب الجالس في ظلمة أبصر نوراً عظيماً، والجالسون في كورة الموت وظلاله أشرق عليهم نور. من ذلك الزمان ابتدأ يسوع يكرز ويقول توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات.[19] فالبداية وعند ظهور يوحنا المعمدان كانت تمهيد لما هو آتٍ، لأنه بدء إنجيل يسوع المسيح أي تمهيد لظهور آخر جديد واقتراب ملكوت الله، أي استعلان النور وإشراقه على النفس[20]، التي حينما تراه تتوب توبة من نوع آخر جديد ومختلف تمام الاختلاف واسمه [توبة التبعية]، لذلك بعد نداء الرب عن التوبة مباشرةً نجد دعوة التلاميذ للسير وراءه، فالدعوة "هلمَّ ورائي واتبعني" تأتي بعد نداء التوبة وليس قبله أبداً، لأنه من المستحيل تأتي الدعوة (هلم ورائي – اتبعني) إلا بعد نداء التوبة: [وإذ كان يسوع ماشياً عند بحر الجليل أبصر أخوين: سمعان الذي يقال له بطرس واندراوس أخاه، يلقيان شبكة في البحر فأنهما كانا صيادين. فقال لهما: هلم ورائي فأجعلكما صيادي الناس. فللوقت تركا الشباك وتبعاه. ثم اجتاز من هناك فرأى أخوين آخرين يعقوب بن زبدي ويوحنا أخاه في السفينة مع زبدي أبيهما يُصلحان شباكهما فدعاهما. فللوقت تركا السفينة وأباهما وتبعاه.[21]] لكن يلزمنا أن نعرف طبيعة التوبة هنا، لأنها ليست هي التوبة العادية بل هي التي تؤدي للتبعية السليمة بخطوات متزنة ثابتة، لأنه كيف لأحد أن يتبع شخص لا يثق فيه، ولا يجد أنه مستحق ان يلتصق به ويترك لأجله كل شيء آخر مهما ما كان حتى حياته نفسها، لذلك نجد السرّ واضح في إنجيل مرقس، لأنه كان مختزل في إنجيل متى وظاهر من خلال الأحداث، ولم يتحدث عنه لأنه سرّ النفس الخفي، وهو ظاهر في الترك والتخلي في موقف التلاميذ حينما سمعوا النداء، لأن التوبة هنا كانت ممزوجة بالإيمان، لذلك تركوا كل شيء وتبعاه، ولنركز في الكلمات لأن الإنجيل واضح في ترتيبه وفي منتهى الدقة، لأنه لو عبر علينا الكلام فلن نستوعب القصد الإلهي فيه، ولن نبدأ الطريق ونحيا حياة سليمة على الإطلاق: + وبعدما أُسْلِمَ يوحنا جاء يسوع إلى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله ويقول قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا بالإنجيل.[22] فكان من المستحيل أن يبدأ المسيح الرب بالكرازة، ونداء التوبة السابق لظهوره ما زال موجوداً ومستمراً، بل كان من الضروري يتوقف تماماً لأنه انتهى، ويبدأ نداء توبة كرازة من نوع آخر جديد تماماً، بل وكُلياً، ولكنها ليست توبة فقط، بل توبة يُلازمها الإيمان، فتوبة بدون إيمان هي توبة ناقصة لن تُفيد الإنسان شيئاً، بل قد تُعوَّقهُ عن أن يسير في الطريق الإلهي، لأن للأسف مفهوم التوبة عند الناس ناقص، لأنه يظن أنه يكفي أن يتوقف فقط عن أن يصنع خطية ويهرب منها، ويبدأ صراعه المرير معها الذي لا يتوقف قط، فيخور مرة ويقوم مرة، وينسى كلام الرب تماماً: (توبوا وآمنوا) بل يكتفي دائماً بنصف الآية الأول (توبوا). وللأسف الشديد فأن وعاظ وخُدام كثيرين يظلوا يتكلموا عن التوبة بدون الشق الآخر الذي هو أساس قاعدتها وهو الإيمان، لأن كثيرون تابوا ولكنهم لم يتبعوا الرب بإيمان ولم يسيروا في الطريق، لذلك نجد أن ربنا يسوع ركز على الإيمان كأساس وقال: [فقلت لكم أنكم تموتون في خطاياكم، لأنكم أن لم تؤمنوا إني أنا هوَّ تموتون في خطاياكم[23]]، فالتوبة فقط بدون إيمان[24] بشخص المُخلِّص القيامة والحياة الحقيقية[25] = تموتون في خطاياكم. عموماً رب الكمال تكلم بالصدق في الحق، لكي يحدد نوع الإيمان نفسه، فهو ليس مجرد إيمان التصديق العادي، بل هو إيمان بالإنجيل، وطبعاً في ذلك الوقت لم يكن هناك إنجيل مكتوب، فبالطبع لم يقصد مجرد كلمات مكتوبة بحبر على ورق نقرأها ونُعجب بجمال الفضيلة أو السمو العظيم الذي فيها أو تعجبنا كفلسفة كلمات وتعبيرات محبوكة عميقة، فنفرح ونثق ونظن أننا نؤمن، لكن في إنجيل متى لو تتبعنا الخطوات المكتوبة كما تتبعناها منذ البداية فأننا نجد السرّ واضح وكامل: [وكان يسوع يطوف كل الجليل يُعلِّم في مجامعهم ويكرز ببشارة الملكوت ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب. فذاع خبره في جميع سورية فأحضروا إليه جميع السقماء المصابين بأمراض وأوجاع مختلفة، والمجانين والمصروعين والمفلوجين فشفاهم. فتبعته جموع كثيرة من الجليل والعشر المدن وأورشليم واليهودية ومن عبر الأردن.[26]] علينا أن ننتبه جداً لهذه الأفعال الموجودة في الإنجيل: [يُعلِّم – يكرز – يشفي؛ فشافهم فتبعته جموع كثيرة] هنا يظهر إعلان إنجيل الشفاء وخلاص النفس المتعبة من أسقامها وأوجاعها ودخولها في راحة الله الخاصة، لذلك بدأ بالإيمان بملكوت الله لأنه تجلى وظهر عياناً بكونه فعل شفاء حقيقي للجميع بلا تفريق، فالناس هنا نظروه وسمعوه ولمسوه فنالوا منه شفاء فعلي في واقع حياتهم المتعبة، لذلك الرسول الملهم بالروح والذي تذوق عمل الله الخلاصي على نحو شخصي وحمل قوة الكرازة ليقدمها لكل الأجيال نطق بالروح قائلاً: + الذي كان من البدء، الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة. فأن الحياة أُظهرت وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأُظهرت لنا. الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به، لكي يكون لكم أيضاً شركة معنا، وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح. ونكتب إليكم هذا لكي يكون فرحكم كاملاً.[27] إذاً يا إخوتي الطريق يبدأ بـ "توبوا وآمنوا بالإنجيل" ومن ثمَّ (تلقائياً وطبيعياً) التبعية والسير وراء المسيح "الذي فيه أيضاً أنتم إذ سمعتم كلمة الحق إنجيل خلاصكم، الذي فيه أيضاً إذ آمنتم خُتمتم بروح الموعد القدوس"[28]، لأننا عالمين بمن آمنا وعرفنا – عملياً – أنه إله حق شافي النفس ومجدد طبيعتنا ومباركها فيه[29]، ولا يوجد طريقة أخرى للسير في الطريق الروحي على وجه الإطلاق غير هذه الطريقة فقط، وفقط لا غير. لذلك لا ينبغي بل ولا يُصح أبداً أن نخترع أي طريق آخر من عندنا أو ننتقص منه شيئاً، ولا ينبغي أن نُقدِّم للناس حلولاً أُخرى ولا وعظ جديد بأفكار جميلة براقة، فلا تنفع التوبة وحدها بدون إيمان على المستوى الشخصي الواعي بمن آمنت، ولا ينفع إيمان سوى الإيمان بالإنجيل أي إنجيل بشارة ملكوت الله وشفاء النفس، ومستحيل يكون هناك تبعيه للرب بدون إيمان حي عامل بالمحبة، لأن الإيمان بدون محبة لا يصلح في شيءٌ قط، بل سيصير مجرد تصديق سلبي وليس فيه أدنى حركة إيجابية، وربما يكون فيه مُجرد مخافة كإيمان الشياطين الذين يؤمنون أن الله موجود ويقشعرون، لأننا – حسب إعلان الإنجيل – رأينا التلاميذ حينما سمعوا الدعوة تركوا كل شيء فعلياً وتبعوه، وهذا هوَّ فعل الإيمان الحقيقي لأنه حي نابض بمحبة الله. ومن الضروري والأهمية أن نعرف أن التوبة الحقيقية والإيمان بالإنجيل متلازمين ومتداخلين جداً وغير منفصلين أو متصلين، بل في منتهى التداخل والارتباط الوثيق مع بعضهما البعض. ولنلاحظ حينما التقى الرب بزكا عن قصد وتدبير ليدخل لبيته، إذ أن هذا الحدث يُظهر شغف النفس وسعيها الجاد لطلب الرب، ومعرفته معرفة حقيقية، ويُظهر أيضاً توبة الإيمان الصادق والصريح[30] الذي فيه تبعية حقيقية بالحب للرب بالتخلي والترك: + ثم دخل واجتاز في أريحا. وإذا رجل اسمه زكا وهو رئيس للعشارين وكان غنياً. وطلب أن يرى يسوع من هوَّ، ولم يقدر من الجمع لأنه كان قصير القامة. فركض متقدماً وصعد إلى جميزة لكي يراه، لأنه كان مُزمعاً أن يمر من هناك. فلما جاء يسوع إلى المكان، نظر إلى فوق فرآه، وقال لهُ: يا زكا أسرع وانزل لأنه ينبغي أن أمكث اليوم في بيتك. فأسرع ونزل وقبله فَرِحاً. فلما رأى الجميع ذلك تذمروا قائلين: "أنه دخل ليبيت عند رجل خاطئ". فوقف زكا وقال للرب: "ها أنا يا رب أُعطي نصف أموالي للمساكين، وأن كنت قد وشيت بأحد أرد أربعة اضعاف". فقال له يسوع: "اليوم حصل خلاص لهذا البيت إذ هو أيضاً ابن إبراهيم. لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويُخلِّص ما قد هلك".[31] ولنلاحظ كلام الرب عن الخلاص الذي تم بفعل الإيمان، لأنه قال عن زكا بسبب رد الفعل لدخوله بيته لأنه كان يشتهي أن يراه، أنه ابناً لإبراهيم، وإبراهيم كانت حياته كلها سيمفونية إيمان حي عزفها بسلوكه الذي أظهر ثقته في الرب بالطاعة حتى الموت، لأنه أولاً خرج بطاعة وببساطة منقطعة النظير، وهو لا يعلم إلى أين يذهب حينما دعاه الله[32]، وأيضاً قدَّم ابنه وحيده – الذي قَبِلَ فيه المواعيد – ذبيحة، قدَّمهُ بطاعة تامة كاملة دليل على صدق إيمانه بالله الحي القادر أن يُقيم من الأموات، فاستحق – عن جدارة – أن يصير أب الإيمان لجميع الأجيال. عموماً نقرأ معاً بعض الآيات لكي نُثبِّت الكلام هنا حسب ما هو مُعلن في كلمة الله ونركز فيه جيداً جداً، لأنه سيظهر لنا معنى الإنجيل كما قصد الرب أن نؤمن به، لأنه يتحدث عن شخص وليس عن كلام وأفكار: + وأعرفكم أيها الإخوة بالإنجيل (الذي بشرت به أنه ليس بحسب إنسان[33]) الذي بشرتكم به وقبلتموه وتقومون فيه، وبه أيضاً تخلصون أن كنتم تذكرون أي كلام بشرتكم به، إلا إذا كنتم قد آمنتم عبثاً.[34] فنحن لكي نبدأ في تبعيه المسيح رب القيامة والحياة نتوب ونؤمن بالإنجيل، عالمين بمن آمنا ووضعنا حياتنا بين يديه، لأنه هوَّ وحده المؤتمن الوحيد[40]، لأنه أتى إلينا لكي يشفينا ويُحيينا ويرد لنا كرامتنا المهدورة بالخطية والإثم، ومن هنا فقط تبدأ مسيرتنا الصحيحة وتبعية الرب فعلياً في واقع حياتنا اليومية: "أن إنجيلنا لم يصر لكم بالكلام فقط بل بالقوة أيضاً وبالروح القدس وبيقين شديد"[41]، ومن ثمَّ تبدأ كرازتنا المفرحة بسبب خبرتنا التي صارت لنا معه. + كما تعرفون أي رجال كنا بينكم من أجلكم؛ الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به لكي يكون لكم أيضاً شركة معنا، وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح؛ وأما هو فخرج وابتدأ يُنادي كثيراً ويُذيع الخبر، حتى لم يعد يقدر (المسيح الرب) أن يدخل مدينة ظاهراً، بل كان خارجاً في مواضع خالية وكانوا يأتون إليه من كل ناحية.[42] ومن واقع حياتنا العملية وخبرة شركتنا مع الله والقديسين في النور نُبشر ونكرز بالحياة الجديدة الذي منها نتكلم ونخدم لأنه مكتوب: + وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله، ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه.[43] فمن واقع خبرة حياة الإيمان الحي العامل بالمحبة نخدم ونتكلم لأن الله معنا[47] فهو المتكلم ويعلمنا ما ننطق به بروحه[48] الذي يرشدنا ويوجهنا حسب مسرة مشيئته، أما إذا خدمنا وتكلمنا بلا إيمان حي وممارسة حياة الشركة ممتلئين بروح الحياة الرب المُحيي، فكل خدمة أو كلام نتكلم به مهما ما كان صحيح 100% فنحن نخدع أنفسنا ونغش كلمة الله[49]، ولن نرضي الله أبداً لأن بدون حياة الإيمان يستحيل أن نُرضيه قط مهما ما فعلنا حتى لو وصلنا إلى الاستشهاد، لأن بدون إيمان عامل بالمحبة نصير مجرد بوق يصدر صوتاً أو نحاساً يطن وصنجاً يرن، لكن من الداخل فراغ وخلو تام من الله المحبة[50]. لأن من ملء نعمة الله وعملها فينا نتحرك ونتكلم ونخدم، أما بدون أن ننال نعمة – فعلياً في واقع حياتنا اليومية – ولم نحيا كما يحق لإنجيل المسيح[51] فخدمتنا باطلة وتستوجب الدينونة لأنها ستكون لحساب الذات والتحزب والانشقاق والانقسام والانحياز للناس الذين يرشدون حسب رأيهم الخاص[52]، ولن نثمر لحساب ملكوت ابن الله الحي على الإطلاق، مهما ما كانت الحجج والبراهين التي نخترعها لأسباب الخدمة، والتي تقول باطلاً أن الخدمة تضبط حياة الإنسان وتساعده على التوبة والشركة في حياة القداسة وتوليد التقوى في القلب، مع أنه كيف نجعل الذي لم يتب بعد أو الذي لم يحيا بالإيمان ونال نعمة الله يخدم خدمة الخلاص في المسيح يسوع وهو لا يعرفه إله حي وحضور مُحيي، بل ولم ينال شفاء حقيقي لنفسه ولم يتذوق قوة الموهبة السماوية ولم يصير إناءه مقدساً ومخصصاً لسكنى الله فيه، ولم يعرف ويتذوق عمل فعل قوة التوبة وحياة الإنجيل وطاعة الوصية من قلب تقي امتلأ من الله[53]، لأن فاقد الشيء كيف يُعطيه، ومن ليس له خبرة حياة شركة مع الله القدوس كيف يدعو الناس لها، وكيف لواحد تحت العبودية يعد الناس بالحرية ويقودهم نحوها، وهو ما زال مُقيداً تحت مذلة العبودية، يحيا في فساد الطبيعة العتيقة[54]. يا إخوتي انتبهوا لأن الحياة الواقعية تُعلمنا، لأنه كيف لإنسان مُفلس تماماً لا يقوى على المعيشة ولا يستطيع أن يسدد أبسط احتياجاته اليومية، أن يُساعد فقيراً معوزاً مثله ويمد له يد العون ليسنده في معيشته، وكيف للأعمى الذي لا يُبصر أن يُنقذ إنسان من حريق النار ويقوده لبرّ الأمان، أو كيف لمبتور القدمين أن يحمل إنساناً متعباً ويسير به نحو غايته! __________________"حينئذٍ تقدم تلاميذه وقالوا لهُ: أتعلم أن الفريسيين لما سمعوا القول نفروا؛ فأجاب وقال: "كل غُرس لم يغرسه أبي السماوي يُقلع. أتركوهم هم عميان قادة عميان، وأن كان أعمى يقود أعمى يسقطان كلاهما في حفرة"[55] [1] (متى 3: 2 – 3) [2] (لوقا 13: 3) [3] (يونان 3: 5) [4] أجابهم يسوع: الحق، الحق، أقول لكم أن كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية؛ أجرة الخطية هي موت (يوحنا 8: 34؛ رومية 6: 23) [5] من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع، أو فَكَمَا دَخَلَتِ الْخَطِيئَةُ إِلَى الْعَالَمِ عَلَى يَدِ إِنْسَانٍ وَاحِدٍ، وَبِدُخُولِ الْخَطِيئَةِ دَخَلَ الْمَوْتُ، هَكَذَا جَازَ الْمَوْتُ عَلَى جَمِيعِ الْبَشَرِ، لأَنَّهُمْ جَمِيعاً أَخْطَأُوا (رومية 5: 12) [6] يعترفون بأنهم يعرفون الله ولكنهم بالأعمال ينكرونه إذ هم رجسون غير طائعين ومن جهة كل عمل صالح مرفوضون؛ وأما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة الأوثان وجميع الكذبة فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت الذي هو الموت الثاني (تيطس 1: 16؛ رؤيا 21: 8) [7] عالمين هذا أولاً أنه سيأتي في آخر الأيام قوم مستهزئون سالكين بحسب شهوات أنفسهم (2بطرس 3: 3) [8] (1تسالونيكي 4: 7) [9] (عبرانيين 12: 14) [10] (1يوحنا 3: 5) [11] (1يوحنا 4: 10) [12] (1يوحنا 2: 2) [13] (1بطرس 2: 24) [14] (رؤيا 1: 5) [15] (1يوحنا 1: 9) [16] (رومية 6: 1، 2، 6، 7، 11، 12، 14، 18، 20، 22) [17] الذي بذل نفسه لأجل خطايانا لينقذنا من العالم الحاضر الشرير حسب إرادة الله وأبينا (غلاطية 1: 4) [18] (رومية 4: 25) [19] (مرقس 1: 1 – 3؛ متى 4: 16 – 17) [20] الشعب الجالس في ظلمة أبصر نوراً عظيماً والجالسون في كورة الموت وظلاله أشرق عليهم نور (متى 4: 16) [21] (متى 4: 18 – 22) [22] (مرقس 1: 14 – 15) [23] (يوحنا 8: 24) [24] ولكن بدون إيمان لا يُمكن إرضاؤه لأنه يجب أن الذي يأتي إلى الله يؤمن بأنه موجود وأنه يُجازي الذين يطلبونه (عبرانيين 11: 6) [25] أنا هوَّ القيامة والحياة من آمن بي ولو مات فسيحيا (يوحنا 11: 25) [26] (متى 4: 23 – 25) [27] (1يوحنا 1: 1 – 4) [28] (أفسس 1: 13) [29] لذلك فأن الإنسان الذي يقول إنه مسيحي ويعرف المسيح الرب أن لم ينل شفاء حقيقي لنفسه مع تغيير جذري في حياته الشخصية، وقد انتقل من ظلمة الخطية والشر والفساد لحرية مجد أولاد الله والحياة في النور، فأنه يعتبر يا إما كاذب، يا إما تائه لم يصل بعد لطريق الخلاص الحقيقي وشفاء النفس [30] تيموثاوس الابن الصريح في الإيمان (1تيموثاوس 1: 2) [31] (لوقا 19: 1 – 10) [32] اسمعي يا بنت وانظري وأميلي أُذنك وانسي شعبك وبيت أبيكِ (مزمور 45: 10) [33] (غلاطية 1: 11) [34] (1كورنثوس 15: 1) [35] لذلك لن نرى ونتذوق قوة الخلاص في الإنجيل إلا بالإيمان. [36] (رومية 1: 16) [37] (يوحنا 1: 6 – 18) [38] (عبرانيين 1: 1 – 3) [39] (رومية 10: 4 – 17) [40] لهذا السبب احتمل هذه الأمور أيضاً، لكنني لستُ أخجل لأنني عالم بمن آمنت وموقن أنه قادر أن يحفظ وديعتي إلى ذلك اليوم (2تيموثاوس 1: 12) [41] (1تسالونيكي 1: 5) [42] (1تسالونيكي 1: 5؛ 1يوحنا 1: 3؛ مرقس 1: 45) [43] (يوحنا 20: 31) [44] (يوحنا 11: 40) [45] (يوحنا 16: 27) [46] (2كورنثوس 4: 13) [47] فالآن أذهب وأنا أكون مع فمك وأُعلِّمك ما تتكلم به (خروج 4: 12) [48] وأما المُعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يُعلِّمكم كل شيء ويُذكركم بكل ما قلته لكم (يوحنا 14: 26) [49] فَإِنَّنَا لاَ نُتَاجِرُ بِكَلِمَةِ اللهِ كَمَا يَفْعَلُ الْكَثِيرُونَ، وَإِنَّمَا بِإِخْلاَصٍ وَمِنْ قِبَلِ اللهِ، وَأَمَامَ اللهِ، نَتَكَلَّمُ فِي الْمَسِيحِ؛ وَلَكِنَّنَا قَدْ رَفَضْنَا الأَسَالِيبَ الْخَفِيَّةَ الْمُخْجِلَةَ، إِذْ لاَ نَسْلُكُ فِي الْمَكْرِ، وَلاَ نُزَوِّرُ كَلِمَةَ اللهِ، بَلْ بِإِعْلاَنِنَا لِلْحَقِّ نَمْدَحُ أَنْفُسَنَا لَدَى ضَمِيرِ كُلِّ إِنْسَانٍ، أَمَامَ اللهِ (2كورنثوس 2: 17؛ 4: 2 ترجمة تفسيرية) [50] ان كنت أتكلم بألسنة الناس والملائكة ولكن ليس لي محبة فقد صرت نحاساً يطن أو صنجاً يرن (1كورنثوس 13: 1) [51] فقط عيشوا كما يحق لإنجيل المسيح، حتى إذا جئت ورأيتكم أو كنت غائباً اسمع أموركم انكم تثبتون في روح واحد، مُجاهدين معاً بنفس واحدة لإيمان الإنجيل (فيلبي 1: 27) [52] ويل للبنين المتمردين يقول الرب حتى أنهم يجرون رأياً وليس مني ويسكبون سكيباً وليس بروحي ليزيدوا خطيئة على خطيئة (أشعياء 30: 1) [53] ولا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة بل امتلئوا بالروح (أفسس 5: 18) [54] واعدين إياهم بالحرية وهم أنفسهم عبيد الفساد، لأن ما انغلب منه أحد فهو له مستعبد أيضاً (2بطرس 2: 19) [55] (متى 15: 12 – 14) |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
فتضمن الوصول إلى الله والتمتع بعشرته |
الخدمة هى هدف ووسيلة لأجل الوصول الى الله |
الله لم يعدنا برحلة هادئة, لكن ضمن لنا الوصول للهدف |
الوصول إلى محبة الله |
لا تحاول الوصول إلى أنسان لا يحاول الوصول إليك |