حينما نبدأ في التجاوب مع نداء النعمة وننجذب إليها ونمسك بها، يمسنا الحب الإلهي عميقاً ويثبت فينا الرغبة لحفظ الوصية، ويولد فينا شوق مُلتهب ورغبة جامحة للمثول أمام الله والوقوف في محضره، وفي هذه الحضرة وحدها نرتاح وتهدأ نفوسنا جداً، لأن حملنا الثقيل يقع من على أكتافنا (من تلقاء ذاته)، لأن في تلك الساعة: [فأن مسيح القيامة والحياة يرفع الثقل الذي نشعره، سواء من جراء سقطة سقطناها أو من أوجاع العالم والآلام النفسية التي نمر بها، أو ثقل حروب الخطايا والآثام التي نُحارب بها، أو الأفكار التي تأتي من العدو علينا ليوهمنا أننا غير مستحقين لهذه الحضرة المجيدة لكي لا ندخلها أو نتواجد فيها]، لأن الروح القدس هو المعين في تلك الساعة، لأنه يضع أمامنا ذبيحة الكفارة الإلهية، إذ يُعيد تشكيل أذهاننا، ويرسم أمامنا يسوع المسيح مصلوباً كحمل الله رافع خطية العالم، حتى يجعلنا نحتقر هذه الأفكار ونستخف بها، لأن دم يسوع المسيح يُطهرنا من كل خطية، لأن به وحده حق لنا الدخول لتلك الحضرة المقدسة بجدارة استحقاق شخص الرب نفسه، لأنه دخل كسابق من أجلنا جالساً عن يمين العظمة في الأعالي بجسم بشريتنا، لذلك مكتوب: لأن المقدس والمقدسين جميعهم من واحدفلهذا السبب لا يستحي أن يدعوهم إخوة (عبرانيين 2: 11)
v وحينما نتأصل في تلك الرؤية
ونجعلها دائماً أمام أعيننا، ونتمسك بها بإيمان الثقة الراسخ الذي لا يتزعزع، فأننا ننتصر على الفكر المخالف (لأنه يهرب منا ولا يأتينا خلسة، لأن العدو يزرع الزوان ليلاً، أي ونحن غافلون غير ساهرين كما أمرنا الرب: اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة، أما الروح فنشيط وأما الجسد فضعيف – متى 26: 41)، وبذلك تصير الصلاة حياتنا فعلياً ومكان راحتنا وفرح قلبنا، واستمرار تعزيتنا وشبع قلبنا وقوة نصرتنا وفيه تكمن حكمتنا العُليا.
v ومن هنا نبدأ في اقتناء التقوى،
والتي بدورها تولِّد فينا الغيرة الحسنة على هيكل جسدنا إذ تجعلنا نبغض الشرّ، ومن ثمَّ نقتني حُزناً بسبب الوجع الذي نشعره بسبب نقص الكمال الذي فينا، هذا الذي بدوره يُثمر فينا ثمر الوداعة وتواضع القلب، لأن بإدراك نقصنا أمام الكمال الإلهي، وعجزنا أن نعمل أعمال البرّ النوراني المتوافق مع الطبيعة الإلهية، يجعلنا نرى محبة الله المتسعة الفائقة بكونه هو من أعد لنا الأعمال الصالحة في المسيح يسوع لنسلك فيها بنعمته الخاصة، لأن الروح القدس هو من ينقل إلينا البرّ الإلهي، لأن مجرى النعمة صار مفتوحاً على البشر الذي آمنوا بالنور والحق والحياة فدخلوا سراً في المسيح يسوع الذي بغيرة لا يكون نعمة ولا أي شيء من البركات الإلهية، لأن الرب بنفسه قال: أنا الكرمة وأنتم الأغصان، الذي يثبت فيَّ وأنا فيه، هذا يأتي بثمر كثير، لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً (يوحنا 15: 5).
v وهذه هي خبرة النمو في الصلاة،
لأنها شركة في النور، والنور هنا يختص بإشراق نور وجه الله الحي، وهو وحده الذي يُنير العينين، فنرى ما لا يُرى ونتذوق هذه الخبرات فنحيا بالبرّ، ونسير في طريق الحياة باستقامة بلا عوج، لأن التقوى هي الكنز المُقتنى في الصلاة الحافظ النفس من الشرّ، لأنها تحفظ الضمير حساساً ضد الخطية، وعلى قدر ما نظل نختبر الصلاة مستمرين فيها بلا هوادة وباستمرار، على قدر ما تنمو التقوى فينا، ومن ثم نزداد وداعة واتضاع، ومن هنا يبدأ الثبات ويستمر، فنُثمر لحساب مجد الله الحي.
v لذلك فأن الصلاة هي حياة مستمرة لا تتوقف ابداً [إلا لو أصبنا بمرض الخطية الخطير، لأنه هو الكفيل أن يشل حركة صلاتنا]
لأننا من هنا ونحن على الأرض نبدأ ندخل في الشركة الحقيقية مع الله الحي بالحب والتقوى، وسنستمر ننمو ونزداد في تلك الحضرة عينها التي ستستمر معنا إلى الأبد، لأن الأبدية هي الحياة مع الله، تبدأ من هنا ولا تنتهي إلى الأبد، لأنها حياة أبدية، لذلك فأن الصلاة ليست مجرد أوقات بنقضيها في مواعيدها، لكنها حياة نحياها، لذلك فهي الأكسجين الذي نحتاجه لنتنفس، الطعام الذي نحتاجه لنتقوى، هي المادة الحافظة لنفوسنا، هي الدواء القوي الفعال الذي يعالج جراحنا، هي كل شيء لنا، فأن أهملناها تعبنا وسقطنا وانعزلنا عن الحياة وانطفأ فينا الشوق للدخول للحضرة الإلهية، وبالتالي سندخل في الظلمة التي أن لم ننتبه سريعاً لنهرب منها للنور بالتوبة، فأنها تتسلط علينا ويكبلنا العدو بقيود الكسل المُريع، ومن ثمَّ يطفو على السطح كل خبراتنا القديمة في الشرور، ونعود لذلك التذكار المُرّ الذي للخطية حتى يلتف حولنا كالحبل الغليظ ليتلف فينا الإرادة الصالحة ويخنقنا ومن ثمَّ يعدمنا، ومن هنا يبدأ السقوط من النعمة بل ومن الإيمان نفسه، لأن من الخطورة التامة الابتعاد عن حضرة الله، وترك سلاح الصلاة العظيم الذي يستطيع أن يقهر كل قوى الشر والفساد التي في العالم، لأنها مهما قويت فأنها لا تقدر أن تقف أمامه.
v وهناك أمور كثيرة كنت أود أن أكتبها، وهي صالحة للنفس جداً،
لكن خير الكلام في التركيز لتسليم خبرة من أجل البنيان، وترك كل واحد يغرف من الحضرة الإلهية ليكمل بمسيرته وخبرته ما قد نقص في القول، لأن الفعل والعمل أهم من كل قول، لأن كل من عمل وعلَّم فهذا يدعى عظيماً في ملكوت السماوات (متى 5: 19)