رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
السفاح الذي أثار الرعب في الستينات من هو السفاح الذي شغل الناس في مصر لأربعة شهور كاملة؟ من هو السفاح الذي كان يطلق الرصاص يميناً ويساراً بالبساطة نفسها التي يشعل بها إنسان سيجارته (حسب تعبير بكر درويش صاحب كتاب “السفاح”)؟ لم يكن يحلم محمد سليمان بشيء، قرأ روايات أرسين لوبين وتمنى أن يكون مثله، كان لصاً من طراز نادر، كان أبرع من يدخل المنازل من النوافذ والشرفات من دون أن يشعر به أحد، وكان بارعاً في فتح “الشيش” والقفز داخل المساكن كالقطط، كان صاحب ألف حيلة وحيلة في الهرب من رجال الشرطة، عندما ألقي القبض عليه كان يلجأ إلى الطريقة التي لا تخيب، وهى ابتلاع الدبابيس وشفرات الحلاقة وبعدها ينتقل إلى أحد المستشفيات وهناك يهرب كالأشباح دون أن يشعر به أحد، وبعد هروبه لم يكن يلجأ إلى الاختباء والاختفاء بل كان يمارس حياة عادية ويعيش وسط الناس، مرة يفتتح داراً للنشر، وأخرى يمتلك محلاً لبيع وإصلاح الساعات، وثالثة يدير محلاً للبقالة، بل إنه استعان مرة في أعماله بعد هروبه من السجن بأحد رجال الشرطة ممن كانوا في السجن الذي هرب منه، كان يتمنى أن يكون مثل روبن هود أو أرسين لوبين، لا يسرق إلا الأثرياء فقط، وإن كان يختلف عنهما كما يقول بكر درويش – محرر الحوار في جريدة المساء في الستينات – “إنه كان يحتفظ بما يسرقه لنفسه لا للفقراء” . بدت رحلة سليمان منذ الطفولة، عندما ترك والده قريته جنوبي مصر “أبو تشت”، وسافر للعمل في لبنان، الطفل الصغير متمرد دائماً على الأسرة والمدرسة، شقاوته عند سن السابعة دفعته لسرقة أربع خيارات ، عاقبته الأم بعنف وطلبت منه أن يرد ما سرقه ، هرب الطفل من النافذة وأختفى فى حديقة المنزل ثم عاد من نفس النافذة بعد أن يأست الأم من ضبطه ، عاد الأب وعنف الأم على ضربها للصغير ، ففرح الإبن من رد فعل الأب وإطمئن قلبه ، كان يهرب من المنزل ليدخل السينما ، يسرق أموال والده ليصرف على متعته الشخصية، ثم يسرق من الجيران، حتى ألقي القبض عليه ليسجن في لبنان خمس سنوات، ويضطر الأب المستسلم والمسالم إلى أن يترك لبنان إلى الإسكندرية عام .1953 . الابن استطاع الهرب من سجنه، والاختفاء، بل الزواج أربع مرات متتالية وكأنه شهريار العصر الحديث، اضطر بعد كل هذه المغامرات إلى يترك لبنان أيضاً ليعود إلى أسرته في الإسكندرية، ويعلن أمام العائلة ندمه وتوبته ويفتتح هناك دار نشر باسم “دار الفكر للنشر”، ثم يتزوج حميدة أحمد إبراهيم التي اشتهرت باسم “بيلا”، ثم يتركها، تعددت جرائمه في الإسكندرية وهروبه . . وكان يدافع عنه في كل جريمة صديقه المحامى بدر الدين أيوب، وتمضي الشهور حتى يجد فتاة عمره نوال عبدالرؤوف أو حسناء الإسكندرية ليتزوجها وينجب منها ابنته إيمان، وينتقل إلى القاهرة ليفتتح “بقالة إيمان”، شعر محمود بالسعادة، لديه زوجة جميلة تحبه ويحبها، وابنة، وصديق محامٍ يستطيع أن ينقذه من كل ورطاته، كما لديه أموال، لكن فجأة تنقلب السعادة عندما يكتشف أن زوجته على علاقة بأعز أصدقائه، اعترفت له الزوجة بكل شيء، ليس فقط بعلاقتها بصديقه، وإنما علاقاتها الأخرى، وعلاقة أخته بزميل له في العمل، ولم يكن أمامه إلا الانتقام . الانتقام من الجميع، ونجح في ذلك، إلا أنه لم يستطع الوصول إلى زوجته الخائنة التي كانت تجيد الهرب، كلما استطاع الوصول إليها، وخاصة بعد أن خصصت لها المباحث قوة لحمايتها من أجل الإيقاع به . رحلة مثيرة للقبض عليه، انتهت به إلى إحدى مغارات منطقة حلوان، كما نقلت الأهرام، حدثت مناقشة مطولة بين اللص وحكمدار القاهرة وقتها: الضابط: “سلم نفسك يا محمود” اللص: “إذا كنتم عايزين تموتوني أنا مستعد أخلص على نفسي، طلقة واحدة الحكاية تخلص” . لكن السفاح لم ينتحر، ولكن عاد يراوغ، طلب في البداية أن يسلم نفسه بشرط أن يأتي له (البوليس) بزوجته، ثم طلب بعد ذلك أن يأتوا له بالكاتب الصحفي رئيس تحرير الأهرام محمد حسنين هيكل، حوار استمر 75 دقيقة، وطلب أيضاً أن يأتوا له بورق أبيض لأنه يريد أن يكتب مذكراته، لم يستمر الحوار فقد بدأت مهاجمة المغارة، كتبت الأهرام أن سليمان تلقى 17 رصاصة لقي مصرعه على إثرها، بينما كتب محرر المساء أن سليمان أطلق على رأسه الرصاص من مسدسه ليموت منتحراً . تأميم الصحافة إهتمت جريدة الأخبار بكل مستجدات السفاح أثناء نشاطه الإجرامى حتى مقتله وإنتهاء التحقيق ، وكانت الجريدة تفرد له مساحة خاصة فى صفحتها الأولى ، وعندما قتل ظهر مانشيتان الجريدة ( مصرع السفاح ) ، ( عبد الناصر فى باكستان ) دون وجود تمييز بين الخبرين وظهرا وكأنهما مانشيت واحد ، فحاصرت قوات الأمن مقر جريدة الأخبار ، وتم تأميم الصحافة لصالح الإتحاد القومى ” الإتحاد الإشتراكى ” ، أضف إلى ذلك دعوات الكاتب إحسان عبد القدوس لتأميم الصحافة فى مجلته روز اليوسف وهو ما اعترف به شخصيا فى كتاب ” إنقلاب فى بلاط صاحبة الجلالة ” من نوادر السفاح تحدثت الصحف عن ذهاب السفاح إلى فيللا أم كثوم، حيث كانت ستغني أغنية “أروح لمين” (كلمات عبد المنعم السباعي، وتلحين رياض السنباطي) في مسرح سينما الهمبرا بالإسكندرية، وبعد أن اطمأن إلى أنها بدأت الغناء؛ تسلق أسوار الفيللا في الزمالك، لكن الحراس ضبطوه واقتادوه إلى قسم الشرطة، وعندما عادت أم كلثوم من الإسكندرية، أرادت أن تخلصه من تهمة السرقة، لكن الشرطة أصرت. وفى رواية أخرى أنه تسلق أسوار الفيللا، وقابل أم كلثوم وطلب منها أن تغني له أغنية “أروح لمين” التي كانت مشهورة في ذلك الوقت. وإستوحى الكاتب المسرحي الكبير ألفريد فرج هذه الحادثة، وكتب مسرحية من فصل واحد، يحكى فيها عن مطربة مشهورة يزورها السفاح في بيتها. الغريب أن الشرطة فتشت آخر شقة أقام فيها اللص فى شارع محمد علي، لتجد رسالة موجهه إلى الكاتب محمد حسنين هيكل، كتبها سليمان في كراسة مدرسية، ونشر هيكل نصها في الصفحة الأولى من الأهرام، طلب اللص منه أن ينشر له الأهرام سيرته الذاتية، في حلقات، بل كتب اللص عناوين الحلقات: “محمود أمين يتكلم بعد صمت ويخص الأهرام بهذه الرسالة” وشرح لهيكل بأسلوب روائي مملوء بالأخطاء اللغوية دوافعه للسرقة، وخيانة زوجته له، وغضبه من المجتمع الظالم، ونفى عن نفسه أن يكون سفاحاً، بل هو مجرد إنسان منكوب بخيانة زوجته، وحاول تحليل شخصيتها، وشرح ظروفه البائسة، أما ضحاياه فقتلوا بطريق الخطأ، نشر هيكل الرسالة كاملة وعلق عليها لتنتهي قصة السفاح صحفياً، لكن كان هناك “عقل” آخر يتتبع، ويرصد الحوادث والدوافع ويتابع الرسائل وينشغل بها . إنه نجيب محفوظ الذي بدأ على الفور في كتابة حكاية الكلاب مع “اللص” ولم يكتب حكاية اللص نفسه |
08 - 08 - 2018, 07:33 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: السفاح الذي أثار الرعب في الستينات
موضوع جميل جداً ، معلومات مفيدة
ربنا يبارك خدمتك |
||||
|