رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ما لا تعرفه عن البابا تواضروس من هدوء الرهبنة فى الصحراء إلى صخب مسئوليات الكرسى البابوى، تغيرت حياة البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، الذى لم يكن يتوقع مطلقًا أن يصبح يومًا ما رأسًا للكنيسة المصرية بعراقتها الممتدة فى التاريخ. لكن بين طيات هذا التحول فى حياة الرجل الجالس على كرسى كاروز الديار المصرية مار مرقس، هناك تفاصيل حياتية غير معروفة للكثيرين، إنها ذكريات وحكايات وأحلام وهوايات خاصة بالطفل والصبى والشاب والرجل، وجيه صبحى باقى سليمان، الاسم الأصلى للبابا. الدستور ترصد كيف تبدو حياة رأس الكنيسة المصرية عندما يخلع الزى البطريركى ويضع عصا البابوية جانبًا وينزل عن رأسه القلنسوة المهيبة. تعلم فى مدرسة أبويوسف وهبى بسوهاج وأسرته أخفت عنه خبر وفاة والده طفولة البابا تواضروس مليئة بالتفاصيل، بعضها يبدو شبيها بحياة الكثير من الأطفال المصريين، وبعضها الآخر يميزه عن غيره، وينبئ بما أصبح عليه فى المستقبل. فى طفولته، ساعدت البيئة الاجتماعية البابا، المولود فى نوفمبر 1952، على الاستقامة؛ لم تكن هناك طاقة ضائعة، وكان المجتمع والثقافة العامة والحياة برمتها هادئة، وبرغم وجود مواقف مؤثرة فى حياته، حظى بأوقات شقاوة كثيرة. كان أكثر شىء يضايق الطفل وجيه فى مدينته المنصورة، وجود سجن على الطريق المؤدى إلى مدرسته، ولفترة من الوقت لازمه إحساس بالحزن والخوف من ذلك المكان، أخفاه داخله، حتى قرر الكشف عنه لأسرته، فقال لهم: مدرستى حلوة بس لولا السجن ده. فكر الأب فى احتواء طفله وإخراجه من خوفه، فاصطحبه، بمعرفة صديق له يعمل بالسجن، إلى هناك ليقضى يومًا كاملًا داخل المكان الذى كان سر قلقه وخوفه. أكل من أكل المساجين، ولعب فى حديقة السجن، فانكسر حاجز الخوف عند وجيه بعد تلك الزيارة. انتقلت عائلة وجيه إلى محافظة سوهاج لظروف عمل الأب الذى كان مهندس مساحة، واستقروا فيها لثلاث سنوات، وهناك التحق بمدرسة عبدالله وهبى الابتدائية، التى كانت مدرسة والد الممثل الرائد يوسف وهبى. وفى المحافظة الصعيدية ارتبط بالكنيسة التى كانت بجوار منزل أسرته، خاصة بكاهنها القمص شنودة. بعد ذلك انتقلوا إلى مدينة دمنهور بمحافظة البحيرة، حيث واصل الطفل دراسته والتحق بالصف الرابع الابتدائى بمدرسة الأقباط الخيرية بشارع المحبة، عرابى حاليًا، كانت شقيقتا البابا كيرلس السادس- وقتذاك- تعملان فى المدرسة: شفيقة ناظرة والأستاذة عزيزة مُدرِّسة، وجمعت الصداقة بين والدة وجيه والناظرة، وكانتا تذهبان معًا إبان ظهور السيدة العذراء للسهر معًا لمشاهدة الظهورات، وكذلك كانتا تزوران البابا كيرلس. متحركًا وشقيًا كان وجيه فى طفولته؛ ميّالًا للابتكار، يفك جهازًا لمعرفة أسراره من الداخل ويركّبه مرة أخرى، فى الإعدادية مثلًا قال لأسرته، كأى طفل مصرى: عايزين نعمل تليفون، ثم أحضر كوبين وثقبهما وربطهما بحبل، وأعطى طرفًا لشقيقته وأمسك بالآخر، وتحدثا. فى المقابل، كانت هناك مواقف حزينة بالطبع، منها أنه عندما توفى والده، فى أحد أيام امتحاناته بالصف الأول الإعدادى، أخفت الأسرة النبأ عنه حتى يكمل امتحانه دون ضغوط أو ألم. البابا كيرلس تنبأ بـعظمة شأنه وارتبط بـميس آنجيل حتى وفاتها طوال دراسته فى الابتدائية والإعدادية، كان حلمه أن يصبح كيميائيًا، متأثرًا بالصيدليات القديمة التى كانت بها معامل لتركيب الأدوية، إذ رغب أن يكون واحدا مثل هؤلاء الذين يحضّرون الدواء، وعندما دخل الثانوية تبلورت الفكرة فى رأسه بشكل آخر وبات حلمه أن يكون صيدليًا. قبل امتحاناته فى الثانوية، ذهبت والدته مع صديقاتها إلى البابا كيرلس السادس لأخذ البركة، وطلبت منه الدعاء لـوجيه بالنجاح فى الامتحانات، فردّ عليها البابا: متقلقيش عليه، هيبقى له شأن عظيم. حقق الشاب وجيه حلمه والتحق بكلية الصيدلة، جامعة الإسكندرية، وتخرج فيها سنة 1975 بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف، وأثناء دراسته تميّز بالنشاط وابتكار أشياء مختلفة، مثل تصميم وسائل إيضاح للخدمة بالكنيسة. بعد أمه التى تحملت مسئولية تعليمه وتربيته منذ وفاة والده، تأثر البابا بعدد من الأفراد فى حياته، على رأسهم جده وجدته اللذان كانا من الشخصيات الفاعلة من الناحيتين العلمية والروحانية. كما أخذ من أعمامه حماسهم والتزامهم بالعمل ومواعيد النوم والاستيقاظ، حتى إنه يقول إن الأطفال عندما ينمون وسط عائلة بها شخصيات بارزة وقوية فهذا يؤثر فى الشخصية. أيضا ارتبط البابا تواضروس بمُدرِّسته آنجيل، إلى أن وافتها المنية. كانت تدرِّس له من الصف الثالث إلى الصف السادس الابتدائى، وطوال هذه السنوات كان الطفل يحب ابتسامتها التى تشيع مشاعر الفرح والمحبة. فى إحدى المرات، بعد تخرجه- وكان يعمل فى أحد مصانع الأدوية- جاءت آنجيل ومعها عدد من طلاب المدرسة فى زيارة للمصنع، فتولى شرح تفاصيل العمل لهم، بينما كانت هى تحدثهم عن حياته عندما كان تلميذا لها. |
|