رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
هل كرّم يسوع أمّه ؟ “بل طوبى للذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها” (لو 11 28) “وفيما هو يتكلَّم بهذا، رفعت امرأةٌ صوتَها من الجمع. وقالت له:”طوبى للبَطن الذي حَملك، والثدْيين اللّذيْن رَضعتهما. أمّا هو فقال: بل طوبى للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه”[لو 11: 27-28]. إذ سمِعت هذه المرأة حديث السيِّد المسيح وأرادت أن تعظّمه، طَوّبت مَن حملته وأرضَعته. 1- الأمثولة الأولى في هذا النصّ الإنجيليّ، هي التي نعيشها في الحياة الطبيعيّة، إن أردتُ أن أُكرم صديقًا، عظّمتُ من شأنِ أمّه، والعكس صحيح، إذا أردتُ أن أهينه أهنتُ أمّه. فكم بالحرّي يكون الإكرام أعظم – أو الإهانة، إن كنتُ أتوجّه ليسوع المسيح الإله القدوس والإنسان الكامل ؟! فهذا ما أراد الروح القدس أن يُفهّمه من خلال هذه الآية، وهو ما شرحه باستفاضةٍ العديد مِن القديسين والآباء: “من أكرم مريم، أكرم يسوع. ومن أهان مريم، أهان يسوع.” 2- ولكن لماذا أجاب يسوع المرأة: “بل طوبى للَّذين يسمعون كلام الله ويحفظونه” ؟ الجواب: فيما كان تكريم هذه المرأة بَشريًا فقط، جاء تكريمُ يسوع لأمّه إلهيٌّ أيضًا ! وقد أراد الرّب أن يحثّنا لننال نحن أيضًا الطّوبى مع مريم، فقد طوّب كلّ من يسمع كلامه ويعمل به † هناك بعض التفسيرات الخاطئة التي تقول أنّ الرّب رَفض إكرام المرأة لأمّه، ولإثبات الحق أدلّةٌ: – أوّلًا: التفسير اللّغوي الحقيقي استخدام كلمة “بل” في هذا السياق، هو للإضافة / للإثبات (بمعنى: وأكثر)، وليس للنّفي/ الإضراب (لم تحمل معنى: ليس مِن طوبى لها لأنّها حَملتني وأرضَعتني) كمِثل القول: “أنا لستُ مُتعَبٌ، بل مُرهَقٌ”، فالإرهاق يفوق التعب، ولا ينفيه. ففي كلام الرّب هذا، زيادةُ إكرامٍ لمريم أمّه فوق استحقاقها في أن تحمله، لاستحقاقها في حفظ الكلمة وأمانتها – أي إيمانها ! يقول القديس يوحنا الذهبي الفم (معلّم الكنيسة): “إنّ القدِّيسة مريم قد تزكَّت بالأكثر بهذه الكلمات، إذ حملته في نفسها كما حملته في جسدها”. ويقول القديس أغسطينوس (معلّم الكنيسة): “اقترابها كأُمٍّ لا يفيدُ مريم، لو لم تكن قد حملته في قلبها بطريقةٍ طوباويَّةٍ أكثر من حَملها إيّاه في جسدها.” – ثانيًا: الكتاب المقدّس نفسه إنّ أفضل تفسيرٍ للكتاب المقدّس، يكون من الكتاب المقدّس نفسه، ببحثٍ سليمٍ وفهمٍ روحيٍّ وحرفيٍّ على السواء، تحت سقف سُلطة الكنيسة التعليميّة، فكلُّ هرطقةٍ بدَأت من الكتاب المقدّس وانتهت بتفسيراتٍ مُغالطةٍ. وهذا فِعل الشيطان نفسه، كما نقرأ مثلًا في تجربة الشيطان ليسوع: “وقال له (الشيطان) …: “لأنّ الكتاب يقول: إنّه يوصي ملائكته … فيُجيبه يسوع من الكتاب نفسه: مكتوبٌ أيضًا: لا تُجرّب الرّب إلهَك” (لو 1: 9-12) فمكتوبٌ أيضًا عن مريم أمّ يسوع: 1-“ها أنا ذا أمّة الرّب، فليكُن لي بحسب قولِكَ” (لو1: 38) لقد أعلَنت عن إيمانها وتسليمها الكامل وقبولها لكلمة الله المُرسلة على يد الملاك جبرائيل، بل وأكثر؛ أنّها أمةٌ (خادمةٌ) مُطيعةٌ له. 2-“طوبى للتي آمَنت بأنّ ما قيل لها مِن عند الرّب سوف يتمّ” (لو 1: 45) تطويب خالتها القديسة أليصابات لها، بالكلمات التي أَعادها يسوع. 3-“وكانت مريم تحفظ جميع هذه الأمور وتتأمّلها في قلبها”، وقد وردت مرّتين: (لو 2: 19) و (لو 2: 51) من بين تلك الأمور من دون أدنى شكٍ كان كلام الله، حسب [شرح القديس ألفونس ليغوري (معلّم الكنيسة)] كانت مريم تسمع كلام ابنها وتحفظه في قلبها وتطبّقه. ثالثًا: تكريم يسوع لأمّه لا بل يتجاسر البعض ويقول أنّ في كلامه إهانةٌ لأمّه مريم. فهل من المُمكنِ لمَن أعطى وصيّة “أكرم أباكَ وأمّكَ” (خر 20: 12) أن يرتكب هو خطيئةٌ جسيمةٌ ويُهين أمّه ؟! هو الذي “شابهنا في كلّ شيء ما عدا الخطيئة“ (رومة ٨:٣) ففي تفسيرٍ كهذا، إهانةٌ كبيرةٌ ومباشرةٌ ليسوع المسيح وليس لمريم العذراء ! ولإثبات العكس، أَيْ إكرام الإله لأمّه العذراء مريم، مكتوبٌ أيضًا: 1- “السلام عليكِ. يا مُمتلئة نعمة، الرّب معكِ. مباركةٌ أنتِ بين النساء” (لو 1: 28) سلامُ الملاك لها، وإعلانه لها ولنا أنّ الله مَلأها نعمةً قبل أن يتجسّد المخلّص في أحشائها، وهنا تفسّر الكنيسة الكاثوليكيّة في تعليمها الرسمي، أنّ مريم “حُبِل بها بلا دنس” : << “لكي تكون مريم أمّ المخلّص “نفحَها الله من المواهب بما يتناسبُ ومثل هذه المهمّة العظيمة”. فالملاك جبرائيل يُحيّيها إبّان البشارةِ على أنّها “مُمتلئةٌ نعمةً”. ولكي تستطيع أن توافِقَ موافقة إيمانها الحرّة على البشارة بالدّعوة التي دُعِيت إليها، كان لا بدّ لها من أن تكون محمولةٌ على نعمة الله.” >> (كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيّة– 490) << إنّ الطوباويّة العذراء مريم قد صينَت، منذ اللحظة الأولى للحبل بها، سليمةً من كلّ لطخةٍ من لطخات الخطيئة الأصليّةٍ، وذلك بنعمةٍ من الله الكليّ القدرة وبإنعامٍ منه، نظرًا الى استحقاقات يسوع المسيح مخلّص الجنس البشري.”>> (كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيّة-491) … فأيُّ إكرامٍ فريدٍ من الله هذا، ليدعوها الملاك: “مباركةٌ بين جميع النساء” ؟! 2- ستطوّبني جميع الأجيال، لأنّ القدير صَنع بيَ العَظائم. (لو 1: 49) تُقِرُّ مريم -عُرفانًا بجميل الله وتواضعًا منها- وتصرّح في نشيدها، أنّ الرّب أكرمها أكبر إكرامٍ، بعد أن “نظر إلى تواضع أمَته” (لو 1 :48) كافأها ورَفعها “رفع المتواضعين“ (لو 1 :52) كيف ؟ : صانعًا بها العظائم، بل وأيضًا تُعلِن أنّه سيجعلُ جميع الأجيال تطوّبها، أي ليس فقط لأنّها صارت أمّ الإله وأمّ الخلاص، (لأنّها حملته في بطنها وأرضعته) بل أيضًا لأنّهاتواضعت ! 3- ومكافأةً لخضوعها وإيمانها، هي الخادمةُ الأَمينة، أكرمها الله وصارت؛ أمّ الكنيسة وشريكةَ الفداء، وحَوّاء الجديدة. “بخضوع مريم العذراء الدائم والكامل لإرداة الآب، وبمُمشاتها لعمل ابنها الفدائي، ولعمل الروح القدس كلّه، كانت للكنيسة مثال الإيمان والمحبّة. وهي بذلك “عضوٌ في الكنيسة فائقٌ ووحيدٌ”، بل إنّها التحقيق المثاليّ للكنيسة !” (كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيّة – 967) 4- لذلك ظَهَرَتْ مريم ملتحفة بالشمس (النور الإلهي) ومُكلّلةً بالنجوم (المجد؛ أسباط إسرائيل الإثنا عشر) تطأ القمر (الخطيئة): “آيَةٌ عَظِيمَةٌ فِي السَّمَاءِ: امْرَأَةٌ مُتَسَرْبِلَةٌ بِالشَّمْسِ، وَالْقَمَرُ تَحْتَ رِجْلَيْهَا، وَعَلَى رَأْسِهَا إِكْلِيلٌ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ كَوْكَبًا” (رؤ 12: 1) رابعًا: وكان خاضِعًا لهما [يوسف ومريم] (لو 1: 52) أمّا إكرام يسوع الأعظم لأمّه مريم فكان خفيًَا منذ الحبل به في أحشائها، ولمدّة 30 سنة ! كما يشرح القديس لويس-ماري غرينيون: “إنّ الله الابن حلَّ في حشاء مريم البتوليّ، كآدم الجديد في فردوسه الأرضيّ، ليرتاح فيها ويجترح عظائم النعمة الخفيَّة. هذا الإله الَّذي تأنَّس، وجد حريَّته في سجن أحشائها، وأظهر قوَّته في إعطاء هذه الابنة الصغيرة أن تحمله. ووجد مجده ومجد أبيه بإخفاء سناياه عن كلِّ الخلائق الأرضيَّة، لكي يكشفها لمريم وحدها. لقد مجَّد استقلاليَّتَه وجلالَه بخضوعه للعذراء المحبوبة في الحبل بهِ، وفي ميلاده، وفي تقديمه في الهيكل، وفي حياته الخفيَّة مدَّة ثلاثين سنة، وحتَّى وصوله إلى الموت على الصليب.” (كتاب الإكرام الحقيقي للعذراء مريم الفائقة القداسة – 18) فلنتذكّر أن التلميذ الحقيقي ليسوع، هو مَن يقتفي آثاره: “تتلمَذوا لِي” (مت 11: 29)، فهو يدعونا قائلًا: مَنْ أرادَ أَنْ يَخْدِمُنِي فَلْيَتْبَعْنِي، وَحَيْثُ أَكُونُ أَنَا هُنَاكَ أَيْضًا يَكُونُ خَادِمِي” (يو 12: 26) … فهل نخَف أو نتردّد في تقديم كلّ مجدٍ وإكرامٍ وحبٍّ وتكرّسٍ للعذراء مريم أمّ يسوع الكليّة القداسة ؟ وهل من إكرامٍ أرضيٍ أو مديحٍ نستطيع أن نقدّمه، يفوق إكرام الثالوث الأقدس لها !؟ «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ (لو 1: 35) فـ”ما مِن مجدٍ يُعطى للثالوث الأقدس أكثر من إكرام تحفته المحبوبة جداً ! (قداسة الباب المكرّم، بيوس الثاني عشر) منقول من قلب مريم المتألم الطاهر |
|