مِنْ ثِمَارِهِم تَعْرِفُونَهُم
إنجيل القدّيس متّى ٧ / ١٣ – ٢٧
قالَ الربُّ يَسوع: «أُدْخُلُوا مِنَ البَابِ الضَّيِّق: لأَنَّهُ وَاسِعٌ البَاب ورَحْبٌ الطَّرِيقُ الَّذي يُؤَدِّي إِلى الهَلاك، وكَثِيرُون هُمُ الَّذينَ يَدْخُلُون مِنْهُ؛
ومَا أَضْيَقَ البَابَ وأَحْرَجَ الطَّرِيقَ الَّذي يُؤَدِّي إِلى الحَيَاة، وقَلِيلُونَ هُمُ الَّذينَ يَجِدُونَهُ.
إِحْذَرُوا الأَنْبِيَاءَ الكَذَبةَ الَّذينَ يَأْتُونَكُم بِلِبَاسِ الحُمْلان، وهُمْ في بَاطنِهِم ذِئَابٌ خَاطِفَة.
مِنْ ثِمَارِهِم تَعْرِفُونَهُم: هَلْ يُجْنَى مِنَ الشَّوْكِ عِنَب، أَو مِنَ العَوْسَجِ تِين؟
هكَذَا كُلُّ شَجَرَةٍ صَالِحَةٍ تُثْمِرُ ثِمَارًا جَيِّدَة. أَمَّا الشَّجَرَةُ الفَاسِدَةُ فَتُثْمِرُ ثِمَارًا رَدِيئَة.
لا تَقْدِرُ شَجَرَةٌ صَالِحَةٌ أَنْ تُثْمِرَ ثِمَارًا رَدِيئَة، ولا شَجَرَةٌ فَاسِدَةٌ أَنْ تُثْمِرَ ثِمَارًا جَيِّدَة.
كُلُّ شَجَرَةٍ لا تُثْمِرُ ثَمَرًا جَيِّدًا تُقْطَعُ وتُلْقَى في النَّار.
فَمِنْ ثِمَارِهِم تَعْرِفُونَهُم.
لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لي: يَا رَبّ، يَا رَبّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوات، بَلْ مَنْ يَعْمَلُ مَشِيئَةَ أَبِي الَّذي في السَّمَاوَات.
كَثِيرُون سَيَقُولُونَ لي في ذلِكَ اليَوْم: يَا رَبّ، يَا رَبّ! أَمَا بِٱسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وبِٱسْمِكَ أَخْرَجْنا الشَّيَاطِين، وبِٱسْمِكَ عَمِلْنَا كَثيرًا مِنَ الأَعْمَالِ القَدِيرَة؟
فَحِينَئِذٍ أُعْلِنُ لَهُم: مَا عَرَفْتُكُمُ البَتَّة. إِبْتَعِدُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْم!
فَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالي هذِهِ، ويَعْمَلُ بِهَا، يُشْبِهُ رَجُلاً حَكِيْمًا بَنَى بَيْتَهُ عَلى الصَّخْرَة.
وهَطَلَتِ الأَمْطَار، وفَاضَتِ الأَنْهَار، وعَصَفَتِ الرِّيَاح، وصَدَمَتْ ذلِكَ البَيْت، فَلَمْ يَسْقُطْ، لأَنَّ أَسَاسَهُ بُنِيَ عَلى الصَّخْرَة.
وكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالي هذِهِ، ولا يَعْمَلُ بِهَا، يُشْبِهُ رَجُلاً جَاهِلاً بَنَى بَيْتَهُ عَلى الرَّمْل.
وهَطَلَتِ الأَمْطَار، وجَرَتِ الأَنْهَار، وعَصَفَتِ الرِّيَاح، وصَدَمَتْ ذلِكَ البَيْت، فَسَقَط، وكَانَ سُقُوطُهُ عَظِيْمًا.»
التأمل: “فَمِنْ ثِمَارِهِم تَعْرِفُونَهُم…”
كنت صغيراً، أنهض باكراً مرافقاً والدي الى الحقل أراقبه كيف يحرث الارض ، منتبهاً اليه كي أتعلم منه براعة العمل، حسبما كنت أراه في ذلك الوقت.
كان ينظف الحقل أولاً من الحصى، مشذباً، مشحلاً، حارقاً الأغصان اليابسة، مقتلعاً الأعشاب الضارة من جذورها.. من ثم تأتي المعركة الكبرى مع الحراثة، الانتباه ثم الانتباه خوفاً من ترك أي جزء دون بذار أو دون حراثَة، قائلاً لي بصوتٍ عالٍ:” الارض اذا ضحكت عليها ضحكت عليك”..
بعد يومٍ طويلٍ من العمل الشاق، ينظر الى الحقل المزروع نظرة رضى، متفائلاً بالموسم الوفير الذي من شأنه أن يكفي حاجتنا محرراً إيانا من العوز والجوع، ويلتفت الى السماء متمتماً: ” التعب عليَّ والرزقة على الله”..
علمني والدي أن طريق النجاح صعبٌ ومتعبٌ وضيقٌ “قَلِيلُونَ هُمُ الَّذينَ يَجِدُونَهُ” لكنه يؤدي حتماً الى الحياة.
علمني والدي أنه لا يُجنى من الكذب سوى الكذب، لأن الحقيقة تكون في موسم الحصاد، في موسم القطاف..في الثمار الطيبة والغلة الوافرة “مِنْ ثِمَارِهِم تَعْرِفُونَهُم”..
علمني والدي أن الكلام لا ” يُطعم خبزاً” بل العمل بكدٍ وجد.. العمل على الأساس ومن الأساس وحسب الأساس.. العمل بمشيئة الرب أي استعمال المخلوقات من أجل الغاية النهائية، من أجل الحصاد، من أجل الارتقاء عالياً حتى الوصول الى مشاهدة وجه الله.. قد يكون ذلك صعباً لا بل شبه مستحيل.. فلنعمل نحن ونترك الباقي على الله..