أَمَّا أَنْتَ، مَتَى صُمْتَ، فَٱدْهُنْ رَأْسَكَ، وَٱغْسِلْ وَجْهَكَ.
إنجيل القدّيس متّى ٦ / ١٦ – ٢١
قالَ الربُّ يَسوع: «مَتَى صُمْتُم، لا تُعَبِّسُوا كَالمُرَائِين، فَإِنَّهُم يُنَكِّرُونَ وُجُوهَهُم لِيَظْهَرُوا لِلنَّاسِ أَنَّهُم صَائِمُون. أَلحَقَّ أَقُولُ لَكُم: إِنَّهُم قَدْ نَالُوا أَجْرَهُم.
أَمَّا أَنْتَ، مَتَى صُمْتَ، فَٱدْهُنْ رَأْسَكَ، وَٱغْسِلْ وَجْهَكَ،
لِئَلاَّ تَظْهَرَ لِلنَّاسِ أَنَّكَ صَائِم، بَلْ لأَبِيكَ الَّذي في الخَفَاء، وأَبُوكَ الَّذي يَرَى في الخَفَاءِ هُوَ يُجَازِيك.
لا تَكْنِزُوا لَكُم كُنُوزًا على الأَرْض، حَيْثُ العُثُّ والسُّوسُ يُفْسِدَان، وحَيْثُ اللُّصُوصُ يَنْقُبُونَ ويَسْرِقُون،
بَلِ ٱكْنِزُوا لَكُم كُنُوزًا في السَّمَاء، حَيْثُ لا عُثَّ ولا سُوسَ يُفْسِدَان، وحَيْثُ لا لُصُوصَ يَنْقُبُونَ ويَسْرِقُون.
فَحَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكَ، هُنَاكَ يَكُونُ أَيْضًا قَلبُكَ.
التأمل : “أَمَّا أَنْتَ، مَتَى صُمْتَ، فَٱدْهُنْ رَأْسَكَ، وَٱغْسِلْ وَجْهَكَ..”
لنلق نظرة سريعة على موقعنا من الزمن الليتورجي أو الرزنامة الطقسية لتحديد موقعنا الروحي.
هل نسير نحو الهدف منسجمين مع المسيح في جسده، أي الجماعة المؤمنة (الكنيسة)، أم أننا “نتمشى” على الهامش ؟
تشبه السنة الليتورجية الرالي الثقافي حيث أن الهدف الأول ليس البلوغ بأسرع وقت إلى نقطة الوصول، بل هو خلق روح التعاون في قلب الفريق للتعرف على المسار، والسير معا بانسجام وتكامل، للإنتقال أو الرحيل المتواصل من حالة الخطيئة إلى البر، و التحول المستمر من البرودة و الفتور إلى العشق الملتهب بنار الروح، ذاك الحب الممتلء فرحا وسلاما بالروح القدس.
لا يشترك أحدا بالسباق رغما عنه. بل اشتراكه يكون استجابة لنداء داخلي وقوي من الله الآب، بحرية وشوق وحماسة.
في هذا المسير، كل مشترك يلاحظ، يتأمل في عمل المسيح الخلاصي. يسمع، يحفظ، يتحمس، يُحب: يسمع تعليم يسوع و يحفظه، يتحمس لإتباعه، يحبه. يحبه من خلال خدمة الضعيف من الفريق نفسه أو في خدمة اي محتاج التقاه. لأنه “هو الذي هو” (الله الذي شاهدنا مجده بيسوع المسيح) هو عينه في اي انسان، كائن من كان.
إذاً، ليس الهدف الوصول بسرعة إلى مكان ما، بل اليقظة الروحية والتحول.
الانجيل بالنسبة لنا هو بمثابة خريطة المسار والروح القدس الذي فينا يعمل كنظام تحديد المواقع. عند كل مرحلة نتبادل الخبرات و نحتفل بالأسرار لننطلق الى مرحلة جديدة، لأسبوع جديد، وأحد جديد في مغامرة جديدة مع المسيح.
إذا ألقينا نظرة على “الخريطة الليتورجية” (برنامج الرالي)، نجد أننا اليوم أمام تحد كبير. تقدم لنا الكنيسة بداية مرحلة اساسية لنتهيأ من خلالها لعشاء فصح الرب. انه زمن الصوم الكبير. تنطلق مسيرتنا هذه السنة يوم الاحد ١١ شباط، لنواكب يسوع في الجماعة المؤمنة، ستة أسابيع للتأمل في آيات قام بها يسوع “لمجد الله”.
هل الصوم إلزامي؟
ليكن معلوما أننا، نحن ابناء الكنيسة، نحن الكنيسة، نحن الهيكل، هيكل الله، نحن المسيح المتجسد (أي ككنيسة مجتمعة، المسيح المنظور)، كنا قد دخلنا في علاقة حميمية مع الله كأبناء، وتحررنا بالمسيح من الشرائع والفروض، (وطبعا هذا التحرر لا يعني شيئا اليوم، للذين ولدوا في عائلة مسيحية، أما الاخوة الذين دعاهم الله من ديانات اخرى لمعرفته بيسوع المسيح، فهم يختبرون هذا التحرر و يعيشونه)، لذلك لا نصوم فرضا أو إلزاما، ولا “نربح الله جميل الصوم الذي نحفظ”. لم يعد الصوم فرضا من فروض العبادة واجب الإلتزام به. بل هو مبادرة شخصية، يقوم بها الإنسان بسر نفسه. لا يقول لنا يسوع عليكم بالصوم بل “اذا صمتم فلا تعبسوا كالمرائين، فانهم يكحلون وجوههم، ليظهروا للناس انهم صائمون. الحق اقول لكم انهم أخذوا اجرهم. أما أنت فاذا صمت فادهن رأسك واغسل وجهك..” (متى ٦، ١٦) يسوع نفسه صام قبيل اتخاذه قرارات مهمة.
لا بد من الإشارة إلى أن الصوم ليس “موضة قديمة”، إنه اكثر من وسيلة. إنه حاجة. لا بل هو سلاح فتاك في مواجهة الشرير، وهو قبل كل شيء، باب العودة إلى الذات.
عندما أشعر بأعماق نفسي، بشيء من عدم الإكتفاء. عندما يتبين لي أن تصرفاتي لا تعبر دائما عن خلق وضمير انسانيين؛ اني أصبو إلى أسمى مما اعيش؛ عندما أكرر وأعيد أعمالا لا أفتخر بها بل أستحي بذكرها. أو ببساطة أشعر أني أعيش حياة روحية سطحية، “ارض/أرض”، وأن صلاتي روتينية فاترة. أفتح باب الصوم. لا يهم اي نوع من الصوم. بامتناعي عن اي شيء أحبه أُهيئ جسدي وروحي للإتحاد بالله والإشتراك معه بطريقة خاصة ونوعية صلاة بمائدة الملكوت.
الصوم يهدئ القلب والأفكار والعواطف، وبذلك يساعد على حضور واع في الصلاة. كما أنه يصعب على بطل السباحة النجاح في السباق إذا كان متخم البطن، هكذا قد لا يقدر المؤمن ان يصلي باندفاع، بشغف، بحب كبير، وحرارة اذا كان مثقل البطن بالاكل ومفرغ الرأس من كثرة الشرب. فليعلم من عزم على اتباع يسوع ان المجرب سيواجه حتما. قد لا يستطيع تخطي بعض العقبات من لم يستعد للحرب كجندي مخلص وشجاع.
هذه هي الفرصة لمن لم يختبر الصوم لإكتشاف النعم التي تغمر الصائم، لأن من يصوم بتمييز سيختبر ما لا يسهل وصفه، «مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ». (1 كو 2: 9).