هدف الخدمة الضائع
+ لتكثر لكم النعمة والسلام بمعرفة الله ويسوع ربنا (2بطرس 1: 2)
في الحقيقة هدف الخدمة اليوم سقط – للأسف – من أذهان مُعظم الذين يخدمون، لأن الخدمة لها جوهر وأصل واحد وهو تقديم الحياة الأبدية، لأن هذا هدف الخدمة كله: هذه الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع الذي أرسلته (يوحنا 17: 3)
فالخادم الحقيقي هو المدعو بالروح القدس ليُنادي بملكوت الله للدخول في سرّ الحياة الأبدية ومعرفة من دعانا بالمجد والفضيلة لنكون شركاء الطبيعة الإلهية: فاذهب ونادِ بملكوت الله؛ وأرسلهم ليكرزوا بملكوت الله ويشفوا المرضى (لوقا 9: 60؛ 2)
++ دعوة الكنيسة في الأساس هي دعوة لمعرفة الله، لأن الكنيسة وجدت الله أو فيها الله ويقول الأب يوحنا كرونستادت: [الكنيسة واحدة مع السيد، هي جسده ومن لحمه وعظامه. والكنيسة هي الكرمة الحية، التي تتغذى منه وتنمو فيه. لا تُفكر أبداً بالكنيسة بمعزل عن الرب يسوع والآب والروح القدس]
فكل من يحيا ببرّ الإيمان هو عضو المسيح الحي، أي هو عضو الكنيسة، أي أنه من جسد المسيح الرب الكرمة الحقيقية: وإياه جعل رأساً فوق كل شيء للكنيسة التي هي جسده؛ لأننا أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه (أفسس 1: 22و23؛ 5: 30)
+++ والكنيسة غايتها أن يتصور المسيح فينا، لذلك فأن دور الخدام ليس دور تدريبي تعليمي شكلي، لأن كل من يخدم فأنه لا يُدرب أحد، بل يشفي باسم الرب كل مريض مُعتل بأهواء الخطايا ميتاً بالذنوب والآثام، بتقديم ترياق الحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأُظهرت لنا، لذلك فأن الكنيسة لا تُدرب أحد وتُعطي وصايا في بنود شكلية خارجية وتقول أفعل ولا تفعل، وكن ولا تكون، كل ولا تأكل.. الخ، إنما عملها أنها تُقدِّم شخص المسيح الرب للجميع، ليتغير كل واحد – يسمع ويُطيع رسالة ملكوت الله – عن شكله بتجديد ذهنه، ليُفكر ويعمل ويتصرف ويتشكل ويتقدم وينمو بحسب الله، إذ تُقدِّم كلمة الحياة – عن طريق خدامها – كما هي بكمال قوتها دون أن تضيف أو تنتقص منها شيئاً، بل كما هي حسب مشيئة الله، لأن الخادم الكنسي الأمين لا يغش الكلمة ولا ينطقها حسب أهواءه ولا حكمة أفكاره الإنسانية المقنعة، بل يقدمها ببرهان الروح والقوة، بيقين شديد بإخلاص التقوى.
+++ إخوتي الخدام والخادمات، اعلموا يقيناً أن شهوة كل مُعلم في الكنيسة، بل كل خادم وكارز وأسقف وقس وشماس هو أن يتصور المسيح فيمن يخدمهم، وهذا يأتي بآلام المخاض: يا أولادي الذين أتمخض بكم إلى أن يتصور المسيح فيكم (غلاطية 4: 19)
++ وفي الحقيقة المُرة التي نُعاني منها اليوم فأن مناصب الخدمة خدعت الكثيرين فسقطوا في بئر من الكرامة جعلهم ينسوا هدف الخدمة كله، لأن الخدمة ليست مناصب ولا ألقاب ولا مسميات ولا أموال ولا رحلات ولا مجرد كلمات ولا حفظ دروس ومعلومات، ولا مجرد معجزات تخص الجسد وأمور الأرض بكل ما فيها، إنما هيَّ – عن حق وجدارة – بذل ودموع وأسهار وأصوام وشركة من أعماق القلب والنفس والفكر، هي حَمل كل إنسان بالحب المنسكب في قلوبنا بالروح القدس (رومية 5: 5)
ويقول القديس يوحنا الرسول: بهذا عرفنا المحبة أن ذاك وضع نفسه لأجلنا فنحن ينبغي لنا أن نضع نفوسنا لأجل الإخوة؛ يا أولادي لا نحب بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق (1يوحنا 3: 16، 18)
++ ولنستمع لنصيحة القديس يوحنا ذهبي الفم لكي نعرف وضعنا كخدام لمسيح القيامة والحياة: [عبثاً يحاول مخلوقٍ ما، مهما حسب نفسه من قوة شخصية ولباقة في الحديث وإقناع، أن يحّول شريراً عن طريقة، فهذا من عمل الخالق نفسه القادر على تغيير الطبيعة البشرية الساقطة.
فخدمة العهد الجديد هيَّ خلق إنسان جديد بالمعمودية، وتجديد ثوب المعمودية بالتوبة.. وكِلاَ العملين يتطلبان تدخل الروح القدس. فالمؤمن مهما بدا ناجحاً.. مهما كسب من أُناس، لن تُجدي خدمته ما لم تؤيدها صلوات كثيرة، أي ما لم يُسلمها للخالق ليعمل صاحب الخدمة ذاته في نفوس أولاده.
أتشاء أن تُهذب أحداً؟ متى رأيته مهملاً لخلاص نفسه، أبكِ إلى الله، وتضرع إليه بشأنه، وأصحبه على انفراد وأرشده إلى ما يُرضي الله ودبره باتضاع وخضوع، كما كان يفعل بولس الرسول.. وأحذر أن تدينه بأنه قد أخطأ وسقط]
ويقول القديس مار إسحق السرياني: [لا تمقت الخاطئ، لأننا جميعاً خطاة أثمه. وإن تحركت عليه من أجل الله فأبكِ وصلي لأجل نفسه، ولا تبغضه.. بل الجدير بك أن تبغض زلاته، وتتضرع من أجله لتكون مشابهاً للمسيح، لأنه اتكأ مع الأثمة.. أما ترى كيف أنتحب على أورشليم]
_______ +++++++ _______
+ وإذ كان لي الكثير لأكتبه، لكن كما هو مكتوب أعطِ الحكيم فرصة فيزداد (أمثال 9: 9)، لذلك استودعكم يا إخوتي لله ولكلمة نعمته القادرة أن تبنيكم وتعطيكم ميراثا مع جميع المقدسين (أعمال 20: 32)