القصة الكاملة لإلغاء الكنيسة للرحلات والمؤتمرات الصيفية
موسم الإجازة الصيفية هو أكبر مواسم الكنيسة المصرية بمختلف انتماءاتها سواء كانت أرثوذكسية أو كاثوليكية أو بروتستانتية، حيث تعمل الكنيسة بكل قوتها لتنظيم أكبر قدر من النشاطات لجذب الشباب المسيحي داخل الكنيسة، وإبعاده عن أي فكر إدماني أو إلحادي.
إلا أنه وبالرغم من ذلك فقد استقبل الأقباط خبر يُفيد منع الكنائس المصرية من تنظيم أي فعالية تستلزم سفرًا أو الانتقال من إيبارشية لأخرى بعيدة، مثل الرحلات الدينية إلى الكنائس والأديرة، وكذلك المؤتمرات الصيفية والمعسكرات التدريبية، وذلك بناءً على التنسيق بين الكنائس والأمن.
رد الفعل الرسمي من الكنيسة الأرثوذكسية
كانت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، أول الكنائس التي أعلنت قرار تعطيل الزيارات والمؤتمرات، وجاء ذلك على لسان القس بولس حليم، المتحدث الرسمي للكنيسة، ومدير مركزها الإعلامي، والذي قال فى تصريحات خاصة لـالدستور إن القرار جاء بتوصيات من البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، والذي أصدر توصياته بشكل شفاهي فقط، حتى وقت كتابة تلك السطور، ولم يقم بإصدار كتابي بها.
وأشار إلى أن قرار البابا جاء فى شكل دعوة لإلغاء جميع الرحلات والمؤتمرات الكنسية، وعن مدة تطبيق ذلك القرار أكد متحدث الكنيسة أن ذلك سيكون خلال الشهر الجاري فقط، لحين إشعار آخر.
بينما اختلفت المصادر الكنسية، حول تحديد المدة بشكل مؤكد ورسمي، حيث أشار مصدر إلى أن المدة تنتهي بحلول شهر سبتمبر فقط، مما يعني تطبيق ذلك القرار خلال شهري يوليو وأغسطس فقط، بينما أكد مصدرًا مُطلع آخر أن القرار لم يُحدد بمدة بل أطلقه البابا إلى حين ورود إشعار آخر، أي أن القرار مرتبط بالتعليمات الأمنية بين الكنيسة وقوات الأمن، للحفاظ على حياة وحماية شعب الكنيسة.
كما اتفقت المصادر إلى أن الكنيسة الأم قد أخلت مسؤوليتها من أي كنيسة تُخالف قرارات البابا تواضروس بمنع السفريات الدينية، ورحلات الكنائس والمؤتمرات ومعسكرات التدريب.
الكنيسة الكاثوليكية
على غرار الكنيسة الأم، قامت الكنيسة الكاثوليكية بمصر برئاسة الأنبا إبراهيم إسحق، بطريرك الكاثوليك، بتعطيل رحلاتها ومؤتمراتها خلال الفترة الراهنة.
وقال الأب هاني باخوم، وكيل بطريركية الأقباط الكاثوليك، إن الكنيسة الكاثوليكية قررت إلغاء جميع رحلاتها الكنسية، خلال الشهر الجاري، مشيرًا فى تصريحات خاصة لـالدستور، إلى أن قرار إلغاء الرحلات الكنسية خلال شهر يوليو الجارى، جاء تقديرًا للظروف الأمنية الحالية.
وأكد وكيل بطريركية الأقباط الكاثوليك، أن منع الرحلات جاء بالتوافق مع جميع الكنائس.
الكنيسة الإنجيلية
دعا الدكتور القس أندريه زكي، رئيس الكنيسة الإنجيلية بمصر، جميع رؤساء المذاهب الإنجيلية لتأجيل المؤتمرات الكنسية لدواع أمنية، وقال "زكي" فى بى ان له: "فى ضوء بعض التطورات ولأسباب عديدة يتم وقف جميع الرحلات، وكذلك المؤتمرات خلال الأسابيع الثلاثة القادمة فى شهر يوليو 2017، وهذا الأمر جاد، وأي رحلة أو مؤتمر ستكون على المسئولية الشخصية لمن يقوم بها".
واختتم بيانه قائلا: "أرجو من زملائي رؤساء وممثلي المذاهب الإنجيلية إفادة كافة الكنائس فى مذاهبهم، وبيوت المؤتمرات التابعة لهم بهذا الأمر".
كيف بدأ الأمر
قالت مصادر كنسية مُطلعة لـالدستور إن القرار جاء بعد تنسيق أمني بين المقر الباباوي والقوات الأمنية، حيث استلم رؤساء الكنائس الثلاث تعليمات مُشددة تفيد عدم إطلاق أي خدمة تحتاج إلى سفر أو أي رحلة كنسية إلى أي دير من الأديرة أو أي مؤتمر بالأماكن الساحلية مثل بيت مار مرقس بمنطقة العجمي بالإسكندرية، التابع لأسقفية الشباب، لحين ورود إشعار آخر، الأمر الذي تسبب فى حالة تأهب قصوى، دفعت البابا تواضروس بسرعة إصدار قراره، والذي طبقته الكنائس فى نفس يوم صدور التعليمات.
وأكدت المصادر أن القس بولس حليم، المتحدث الإعلامي للكنيسة، قد تواصل مع عدد من أساقفة الكنيسة، وأمناء الخدمات بالإيبارشيات المختلفة؛ لإبلاغهم بضرورة إلغاء الرحلات الكنسية خلال الشهر الجاري، بعد تحذيرات أمنية قد تستهدف التجمعات القبطية الفترة القادمة.
أسباب تعطيل رحلات ومؤتمرات الكنيسة
أعلنت الكنائس الثلاث عن إلغاء جميع رحلاتها ومؤتمرها خلال الشهر الجاري، نظرًا لوجود بعض التهديدات التي قد تستهدف التجمعات القبطية الفترة القادمة من جانب الجماعات الإرهابية.
مصدر كنسي مُطلِّع بالكاتدرائية قال لـالدستور إنه من المقرر أن تظل الكنيسة وقياداتها على تواصل دائم خلال تلك الفترة، حيث من المقرر أن تعمل قوات الأمن على تلبية الاحتياجات الأمنية للكنائس، ولعل أول تلك الاحتياجات هي قائمة المطالب التي كانت قد تقدمت بها الكنيسة للأمن لحماية الأديرة فى الصحراء المتفرقة بوادي النطرون، والبحر الأحمر والصعيد.
وجاء على رأس تلك المطالب توفير شبكة للهاتف المحمول، وكذلك أعمدة إنارة على طول الطريق المؤدي إلى الدير، خصوصا ما يُعرف بـالمدق" وهو طريق غير مُمهد يسبق كل دير بعدة كيلومترات، يضطر بعض الأقباط مشيه، وهو الطريق الذي شهد حادث الاعتداء على الأقباط المتجهين إلى دير الأنبا "صموئيل" المعترف بمحافظة المنيا فى شهر مايو المنصرم.
كما جاء على رأس تلك المطالب توفير نقطة شرطة بالقرب من الأديرة، وكذلك تكثيف التشديدات الأمنية على كافة المداخل والمخارج المؤدية إلى الدير.
أما بخصوص الإيبارشيات المختلفة بمحافظات مصر، فأوضح المصدر أن مدراء الأمن يقومون بنسبة كبيرة بالتواصل مع أساقفة الإيبارشيات لبحث مطالب كل إيبارشية لتأمين الكنائس الأثرية، والطرق المؤدية إليها.
تنفيذ القرار على أرض الواقع
أعلن الأنبا موسى، أسقف عام الشباب بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، عن تأجيل بقية مؤتمراته الـ 26، والتي لم تنطلق بعد إلى موعد لاحق، دون تحديد، مؤكدًا على أن ذلك يأتي فى إطار مراعاة الكنيسة للظروف الأمنية الراهنة.
ومن جانبه قرر الأنبا بسنتي، أسقف حلوان والمعصرة للأقباط الأرثوذكس، تعطيل أي نشاط به سفر يخص أي كنيسة من الكنائس الخاضعة لإدارته، سواء كانت رحلة أو مؤتمرًا، مع التأكيد على تطبيق القرار فى كل الأحوال دون أي استثناءات، حتى فى حالة قيام بعض الكنائس بحجز أماكن للمؤتمرات.
وفي سياق متصل وزعت إيبارشية البحيرة ومطروح والخمس مدن الليبية الغربية للأقباط الأرثوذكس، برئاسة الأنبا باخوميوس مطران الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، بعض المنشورات التي تتضمن تحذيرات لأي تجمعات قبطية الفترة القادمة سواء من خلال رحلات أو مؤتمرات أو أنشطة كنسية تستهدف تجمعات شبابية.
ودعت الكنيسة القبطية بالبحيرة، فى بيانها، الكنائس الإيبارشية إلى ضرورة تأجيل كافة الأنشطة خارج الكنائس خلال الفترة القادمة سواء رحلات أو خلوات، بالإضافة إلى منع كافة التجمعات العامة، التي تقام على مستوى المناطق.
كما أكدت الكنيسة على ضرورة عدم التجمعات أمام الكنائس عقب القداسات، كما يفضل الخروج فرادى، مشيرة إلى ضرورة إغلاق الأبواب العامة للكنائس مع الاكتفاء بفتح باب صغير مع تواجد شاب وشابة من الكشافة أو الأمن.
كما شددت على ضرورة مراقبة الكاميرات مع تفعيلها وإغلاق أبواب الكنائس عقب الاجتماعات والقداسات، وهذه التعليمات التي انتشرت بداية من إيبارشية البحيرة بدأت توزيعها على غالبية الإيبارشيات بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية بمحافظات مختلفة.
رد فعل الشارع القبطي
من جانبه قال عادل فايز، 28 عامًا، خادم كنسي بإيبارشية حلوان والمعصرة، إنهم كشباب قبطي يتفهّمون جيدًا الحرص الكامل للدولة والكنيسة على حياتهم، وعلى نشاطات كنائسهم، مؤكدًا على تقديم الطاعة الكاملة للقيادة الكنسية، والتي يؤمن الأقباط فى اختيارها من قبل الله والمُمثلة فى شخص البابا تواضروس الثاني، وذلك عملًا بأكبر قاعدة خدمية بالكنيسة والتي تقول: "على ابن الطاعة تحل البركة".
ويؤكد كريستوفر فريد، 24 عامًا، خادم كنسي ودارس بمعهد الدراسات القبطية، إنه كشاب قبطي بالرغم من خضوعه للقرارات الكنسية وقيادات الكنيسة وعلى رأسها البابا تواضروس، إلا أنه يتمنى ألا تطول مدة ذلك القرار لينتهي الأمر بقتل الإجازة الصيفية لمخدوميه، والذي يرغب فى منحهم أكبر قدر من المتعة والمعرفة قبل دخول الدراسة، موضحًا أنه بالنسبة للمرحلة الثانوية، فتحظى كنيسته بقدر كبير من المخدومين الذين يستعدون لخوض تجربة الثانوية العامة، الأمر يعني أنهم إن لم يقوموا بزيارة أي من الأديرة أو التبرك بالمزارات الدينية فى فترة الإجازة لن يتمكنوا من ذلك حتى العام المقبل، نظرًا لعبء المذاكرة.
بينما أشار جورج فهمي، 27عامًا، خادم فى مجال المسرح الكنسي، إن القرار - الذي أعلن خضوعه له- قد يتسبب فى إلغاء عدد كبير من عروض المسارح والكورال والتي تتطلب أن يُسافر الخُدام من محافظة لأخرى لإتمامها، مؤكدًا أنه يتمنى أن يتم الانتهاء تمامًا من خطة تأمين الكنائس والأديرة لئلا تضطر الكنائس للإعلان عن ذلك القرار مجددًا فى أي وقت مُقبل.
خطة الكنيسة البديلة لمواجهة الأزمة
تسعى الكنيسة فى الوقت الراهن لاحتواء الشباب القبطي، ودعمه فى الاستفادة بإجازته الكُبرى طيلة الثلاث أشهر المقبلة، فعلى سبيل المثال تسعى بعض الكنائس والمزارات القبطية الشهيرة فى استقبال الشباب ومدارس التربية الكنسية للتبرك.
ففي محافظة القاهرة، تسعى الكنائس القريبة لزيارة كنائس مصر القديمة الشهيرة باسم الـ7 كنائس"، وطاحونة البابا كيرلس السادي فى منطقة الزهراء، ودير الشهيد أبي سيفين بمحطة الملك الصالح، وكذلك الكاتدرائية المرقسية القديمة بالأزبكية، ومقر دير السريان المجاور له، والمعروف باسم كنيسة السيدة العذراء العزباوية، والكاتدرائية المرقسية الكبرى بالعباسية، بالإضافة إلى دير القديس سمعان الخراز بالمقطم، بجانب كنائس حارتي الروم وزويلة مثل "العذراء المغيثة" ودير الأمير تادرس الشطبي.
كما لم تُعلن الكنيسة عن وقف أي نشاط كنسي بخلاف السفريات، فعلى سبيل المثال يستمر حتى الآن تدريس مناهج مهرجان الكرازة المرقسية بشكل طبيعي جدًا، وأكد مصدر مُطلع أنه بالنسبة للتصفيات النهائية، والتي يتجمع فيها الإيبارشيات بالعبور أو الفيوم أو أي مركز من مراكز تصفية المهرجان، فإذا استمر القرار فمن المقرر أن تجد الكنيسة آلية للتعامل فى تلك النقطة، ولكن لن يتم إلغاء مهرجان الكرازة على الأرجح.
النتائج المترتبة على ذلك القرار
الكنيسة فى صدد استقبال عدد لا بأس به من الاحتفالات والموالد، والتي قد تتعرض لهبوط حاد فى عدد الزوار فعلى سبيل المثال تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فى الوقت الراهن بعيد الأنبا شنودة رئيس المتوحدين بسوهاج، والمعروف بـمولد الأنبا شنودة" أو "مولد الدير الأبيض"، وعلى الرغم من التكثيف الأمني، ومتابعة اللواء مصطفى مقبل، مساعد الوزير مدير أمن سوهاج، واللواء توفيق أبو الخير مدير الإدارة العامة للأمن المركزي لمنطقة جنوب الصعيد، واللواء حسن محمود نائب المدير لقطاع الشمال، وقيادات المديرية وقيادات الأمن المركزي، للحالة الأمنية للدير ورهبانه وزواره، إلا أن ذلك القرار يمنع بالفطرة كافة الراغبين فى السفر إلى سوهاج للتبرك من القديس من السفر.
نفس الحال بالنسبة لمولد الأنبا كاراس السائح، والذي تحتفل به الكنيسة فى نهاية يوليو الجاري، والذي تتمركز أكبر كنيسة له فى سوهاج أيضًا.
بينما الأزمة الكُبرى، تشهدها الكنيسة فى حالة استمرار القرار إلى شهر أغسطس المقبل، حيث مولد السيدة العذراء، والذي يستغله الأقباط من داخل وخارج مصر، للسفر إلى ديريها بمحافظة أسيوط "المحرق درنكة"، والذي قد يقطعون عادتهم لهذا العام بناء على التعليمات الأمنية الصادرة بتعطيل رحلات ومؤتمرات الكنائس.
جوانب أخرى للقرار
أشار مصدر رهباني - طلب عدم ذكر الاسم- إلى أن الكنيسة تسير وفق مبدأ روح القانون، بمعنى أنه فى حالة وجود "حالات فردية"- وليس رحلات أو قوافل - ترغب فى قضاء فترة خلوة روحية فلن ترفض الأديرة، ولكن ذلك بناءً على تذكية من الكاهن المسؤول عن الحالة الروحية لتلك الحالة، وبناء على تواصل بين الدير والكنيسة التابع لها تلك الحالة.
هذا الخبر منقول من : الدستور